القاعدة الثامنة عشر
الإتيان بشيء من أعمال الجاهلية، التي لم تشرع في الإسلام بدعة.
والمراد بالجاهلية -كما يقول ابن تيمية- ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام، وما عاد إليه كثير من العرب من الجاهلية التي كانوا عليها [1].
ومن الأمثلة على ذلك:
1- ما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة [2].
2- ما جاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عقر في الإسلام».
وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يعقرون الإبل على قبر الرجل الجواد، يقولون:
نجازيه على فعله؛ لأنه كان يعقرها في حياته فيطعمها الأضياف، فنحن نعقرها على قبره؛ ليأكلها الطير والسباع فيكون مطعمًا بعد مماته كما كان مطعمًا في حياته [3].
3- إقامة الولائم ودعوة الناس إليها ابتهاجًا وفرحًا؛ يُفعل هذا استقبالاً للمولود الذكر دون الأنثى، وهذا الصنيع فيه موافقة ظاهرة لأهل الجاهلية؛ فقد كانوا يستبشرون بالذكر ويحتفون به ويحتفلون له: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ".
توضيح القواعد:
هذه القاعدة خاصة بأعمال الجاهلية المخالفة لهدي الإسلام وشرعته، وهي ملحقة بالقاعدتين السابقتين المتعلقتين بمشابهة الكافرين.
ومما يقرر هذه القاعدة ويجلّيها: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجَّت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسؤول، أنا أبو بكر [4].
وقد علَّق ابن تيمية على هذا الأثر فقال:
ومعنى قوله من عمل الجاهلية أي مما انفرد به أهل الجاهلية ، ولم يشرع في الإسلام.
فيدخل في هذا:
كل ما اتُخذ عبادة مما كان أهل الجاهلية يتعبدون به، ولم يشرع الله التعبد به في الإسلام [5].
أما ما جاء به الإسلام فإنه يُشرع فعلُه ، ولو كان أهل الجاهلية يفعلونه، فيُؤتى به من جهة كونه مشروعًا، ويفعل على الوجه المشروع.
مثال ذلك:
السعي بين الصفا والمروة ، وغيره من شعائر الحج؛ فإن ذلك من شعائر الله وإن كان أهل الجاهلية قد كانوا يفعلون ذلك في الجملة [6].
الأصل الثالث الذرائع المفضية إلى البدعة:
يقع الابتداع من جهة الذرائع في كل عمل يمكن أن يؤدي إلى الابتداع.
وهذا منحصر في خمس قواعد:
بيان ذلك:
أن الذرائع المفضية إلى البدعة تدخل في الآتي:
أولاً: في المطلوبات الشرعية من الواجبات والمندوبات.
وثانيًا: في المأذون فيه من المباحات والمكروهات.
وثالثًا ورابعًا: في المعاصي والمحرمات، وذلك من وجهين.
فهذه أربع قواعد كلية.
ويلحق بذرائع البدعة: مكملات البدعة المبنية عليها التابعة لها.
فتحصل مما سبق خمس قواعد كلية.
وإليك فيما يأتي بيان هذه القواعد...
--------------------------------------------------------------------------------
[1]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/398)، وانظر منه 1/226، 227).
[2]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/204-207)، والحديث أخرجه مسلم 6/235).
[3]) الحوادث والبدع 171).
[4]) أخرجه البخاري 7/147) برقم 3834.
[5]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/327).
[6]) المصدر السابق 1/327-328).