القاعدة الثامنة
كل عبادة وردت في الشرع على صفة مقَّيدة، فتغيير هذه الصفة بدعة [1].
ويدخل تحت هذه القاعدة الصور التالية [2]:
1- المخالفة في الزمان كالتضحية في أول أيام ذي الحجة.
2- المخالفة في المكان كالاعتكاف في غير المساجد.
3- المخالفة في الجنس كالتضحية بفرس.
4- المخالفة في القدر -العدد- كزيادة صلاة سادسة.
5 - المخالفة في الكيفية الترتيب كبدء الوضوء بغسل الرجلين ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الوجه.
توضيح القاعدة:
بيان هذه القاعدة والتي تليها مبني على معرفة أصل مهم وهو أن مقصود الشارع في باب العبادات لا يتحقق إلا بمتابعته في أمرين:
أولهما:
في أصل العبادة من حيث كونها ثابتة بدليل صحيح.
وثانيهما:
في صفة العبادة من حيث كونها مقيَّدة أو مطلقة، فمن أطلق ما قيَّده الشارع فقد ابتدع، ومثله من قيَّد ما أطلقه الشارع.
والواجب على الخلق اتباع الشارع في إطلاقه وتعيينه:
فصَوْم النَّفل مثلاً مطلق من جهة، مقيد من جهة، فهو مطلق من جهة إيقاعه في أي يوم وفي أي مكان لكنه مقيد من جهة إيقاعه في وقت معين، وهو ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
فمتى أطلق الشارع الأمر بعبادة من العبادات فينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق:
التوسعة، ولهذا فإن من خصص عبادة مطلقة بوقت معين أو بمكان معين فقد قيَّد ما أطلقه الشارع، وهذا التقييد مخالفة واضحة لمعنى التوسعة المستفاد من أمر الشارع المطلق.
وهذا ما سيأتي بيانه في القاعدة التالية.
ومتى خَصَّصَ الشارع عبادة من العبادات بوقت معين أو مكان معين فينبغي أن يفهم من هذا التخصيص: تعين المصير إليه.
لذا فإن من خصص عبادة بغير ما خصها به الشارع فقد أطلق ما قيَّده الشارع، وهذا الإطلاق مخالفة واضحة لمعنى التضييق المستفاد من تخصيص الشارع.
قال ابن رجب:
وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقًا، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائمًا في الشمس فسأل عنه فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل وأن يصوم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه [3]، فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربة يوفى بنذرهما... مع أن القيام عبادة في مواضع أخر كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة، والبروز للشمس قربة للمحرم [4]، فدلَّ على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها [5].
--------------------------------------
[1]) انظر الباعث 28 – 29)، والاعتصام 2/26)، والأمر بالإتباع 153).
[2]) انظر الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع 20 – 23).
[3]) الحديث أخرجه البخاري 11/586) برقم 6704.
[4]) المراد بذلك: كشف الرأس وعدم تغطيته.
[5]) جامع العلوم والحكم 1/178).