القاعدة السابعة عشرة
مشابهة الكافرين فيما أحدثوه مما ليس في دينهم من العبادات أو العادات أو كليهما بدعة [1].
ومن الأمثلة على ذلك:
ما ذكره الآجري، إذ قال:
أكثر هذه الأمة، والعام منها تجري أمورهم على سنن أهل الكتابين أو سنن كسرى وقيصر أو سنن الجاهلية، وذلك مثل السلطنة وأحكامهم في العمال والأمراء وغيرهم، وأمر المصائب والأفراح والمساكن واللباس والحلية والأكل والشرب والولائم والمراكب والخدام والمجالس والبيع والشراء والمكاسب [2].
ومن ذلك:
تقليد الكافرين فيما يسمى بالموضات والموديلات التي عمَّ بها البلاء في هذا العصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن ذلك أيضًا:
موافقتهم في الاحتفال بالأعياد التي استحدثوها ولم تكن مشروعة في دينهم [3]، كعيد الأم ويوم الصحة.
تنبيه مهم:
مشابهة الكافرين في شيء من أعيادهم ولو كان العيد موسمًا دنيويًا محضًا تندرج تحت مشابهتهم في أمور الدين؛ ذلك أن العيد يجتمع فيه أنه شريعة وشعيرة، عبادة وعادة في آن واحد.
قال ابن تيمية:
العيد المشروع يجمع عبادة، وهو ما فيه من صلاة أو ذكر أو صدقة أو نسك، ويجمع عادة، وهو ما يفعل فيه من التوسع في الطعام واللباس [4].
ويكفيك بيانًا لذلك أن تتأمل المفاسد المترتبة على مشابهة الكافرين عمومًا، ومشابهتهم في أعيادهم خصوصًا، وهذا ما سيأتي التنبيه عليه في خاتمة هذه القاعدة.
توضيح القاعدة:
هذه القاعدة تتعلق بمشابهة الكافرين في المحدثات التي أحدثوها.
والابتداع في هذا النوع من المشابهة يحصل من جهتين:
من جهة كونها محدثات بالنسبة للكافرين ومن جهة كونها مشابهة.
قال ابن تيمية:
... فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحًا فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط، بل أحدثه الكافرون، فالموافقة فيه ظاهرة القبح، فهذا أصل [5].
وبهذا يعلم أن مشابهة الكافرين فيما أحدثوه يُنهى عنها من ثلاث جهات:
من جهة كونها محدثة في دينهم، ومن جهة كونها مشابهة، ومن جهة كونها محدثة في دين الإسلام.
تنبيهات حول مشابهة الكافرين:
التنبيه الأول:
أن الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والآثار والاعتبار قد دلت على أن التشبه بالكافرين في الجملة منهي عنه، وأن مخالفتهم في هديهم مشروع: إما إيجابًا وإما استحبابًا بحسب المواضع مع أن هناك أمورًا خصتها السنة بعينها بالنهي؛ كحلق اللحية وإعفاء الشارب.
التنبيه الثاني:
أن مخالفة الكافرين من المقاصد الشرعية، ولذا فإن النهي عن مشابهة الكافرين يعم ما إذا قُصدت مشابهتهم أو لم تقصد.
ذلك أن مشابهة الكافرين -بقصد أو بدون قصد- تترتب عليها مفاسد اعتقادية وعملية.
بيان ذلك في الآتي:
التنبيه الثالث:
في ذكر بعض المفاسد المترتبة على مشابهة الكافرين عمومًا وعلى مشابهتهم في أعيادهم خصوصًا: [6].
1- أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلاً بين المتشابين في الباطن على وجه المسارقة والتدرج الخفي، وهذا أمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، وهكذا.
2- أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز، فيزول الحاجز النفسي بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم ولا الضالين، وينصرم بذلك عقد الموالاة والمعاداة.
3- أن التشبيه بالكافرين من أسباب سخط الله، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم؛ فإن السخط ينزل عليهم [7].
ذلك أن أعيادهم معصية لله، فهي إما محدثة أو منسوخة، والمسلم لا يقر على واحد منهما [8].
4- أن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل؛ فيرون المسلمين قد صاروا فرعًا لهم في خصائص دينهم، وذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء.
5- أن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق ودنياهم كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ".
ومما يلحق بمشابهة الكافرين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]) انظر الأمر بالإتباع 151) .
[2]) الشريعة 20) .
[3]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/423) ، والأمر بإتباع 151) .
[4]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/422) .
[5]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/423) .
[6]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/79-81 ، 471-490) .
[7]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/234) .
[8]) انظر الأمر بالإتباع 150) .