القاعدة السادسة عشرة
مشابهة الكافرين فيما كان من خصائصهم من عبادة أو عادة أو كليهما بدعة [1].
ومن الأمثلة على ذلك [2]:
الامتناع من أكل الشحوم وكل ذي ظفر على وجه التدين تشبهًا بالكافرين .
ومن ذلك :
موافقة الكافرين في أعيادهم ومواسمهم .
قال الذهبي :
أما مشابهة الذمة في الميلاد والخميس والنيروز فبدعة وحشة [3] .
توضيح القاعدة :
هذه القاعدة والتي تليها خاصتان بنوع معين من المحرمات ، وهو مشابهة الكافرين .
ويدخل تحت هذه المشابهة أمران :
الأمر الأول :
مشابهة الكافرين في خصائصهم دون ما أحدثوه ، وبيان هذا في هذه القاعدة .
قال ابن تيمية:
وأصل آخر، وهو أن كل ما يشابهون فيه من عبادة أو عادة أو كليهما هو من المحدثات في هذه الأمة، ومن البدع؛ إذ الكلام فيما كان من خصائصهم.
فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة والإجماع على قبح البدع وكراهتها :
تحريمًا أو تنزيها؛ تندرج هذه المشابهات فيها؛ فيجتمع فيها: أنها بدع محدثة، وأنها مشابهة للكافرين، وكل واحد من الوصفين موجب للنهي [4].
والأمر الثاني:
مشابهة الكافرين فيما أحدثوه مما ليس في دينهم ، وبيان هذا في القاعدة التالية لهذه القاعدة.
والابتداع يقع بمشابهة الكافرين من جهة كونه خروجًا على نظام الدين لأن التشبه بالكافرين أصل دروس الدين وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي، كما أن المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم أصل كل خير.
ولهذا عظم وقع البدع في الدين، وإن لم يكن فيها تشبه بالكفار فكيف إذا جمعت بين الوصفين! [5].
ومن هنا كانت مخالفة الكافرين أمرًا مقصودًا شرعًا؛ إذ المقصود من إرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله ، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة [6].
يوضح ذلك أن اليهود عرفوا باستحلال المحرمات وارتكابها بالحيل الباطلة، كما أن النصارى عرفوا بالغلو والزيادة في الدين على الحد المشروع ، وكلا هذين الأمرين بدعة أو ذريعة إلى البدعة.
ولهذا كان السلف يقولون:
إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى [7].
ومما لا يدخل تحت مشابهة الكافرين أمران [8]:
أ – ما كان مشروعًا في الشريعتين، أو ما كان مشروعًا لنا وهم يفعلونه، كصوم عاشوراء أو أصل الصلاة والصيام، فهنا تقع المخالفة في صفة العمل وكيفيته.
ب – ما لا يتصور فيه اختصاصهم به مما تقتضيه طبيعة الحياة واستقامة المعاش من العادات والصناعات.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]) انظر أحكام الجنائز 242).
[2]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/422)، والأمر بالإتباع 141، 146).
[3]) التمسك بالسنن 130).
[4]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/423، 424).
[5]) انظر اقتضاء الصراط المستقيم 1/310، 424).
[6]) انظر المصدر السابق 1/173، 182)، والأمر بالإتباع 150).
[7]) اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 67).
[8]) انظر المصدر السابق 1/ 420 – 423).