القاعدة السادسة:
كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة [1].
ومن الأمثلة على ذلك:
اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقة إلى الله [2].
وكذلك التقرب إلى الله بالصمت الدائم، أو بالامتناع عن أكل الخبز واللحم وشرب الماء أو بالقيام في الشمس وترك الاستظلال [3].
توضيح القاعدة:
هذه القاعدة خاصة بالعادات والمعاملات، التي تتخذ عبادة وقربة إلى الله تعالى ، فالبدعة ها هنا مخترعة من جهتين: من جهة أصلها ومن جهة وصفها.
ومن هنا كانت الأمثلة على هذه القاعدة من قبيل البدعة الحقيقية، التي لا دليل عليها لا في الجملة ولا في التفصيل.
إلا أن فعل العادة أو المعاملة قد يدخل تحت معنى العبادة، فلا يكون بدعة حينئذ ، وذلك إن اقترن بهذا الفعل النية الصحيحة، أو كان وسيلة إلى العمل الصالح وعونًا عليه.
مثال ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك» [4].
وقوله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ".
فمن هذا الوجه -دون غيره- يصح التقرب إلى الله بفعل العادة أو المعاملة، ولذلك قُيَّدت هذه القاعدة بكون التقرب من وجه لم يعتبره الشارع.
ومن هنا يعلم أن اتخاذ العادة أو المعاملة بذاتها عبادة وقربة إلى الله تعالى أمر لم يعتبره الشارع؛ إذ التقرب إلى الله لا يكون إلا بفعل الطاعات من الواجبات والمستحبات.
قال ابن تيمية:
ومَنْ تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين؛ فإن الله لا يُعبد إلا بما هو واجب أو مستحب[5].
وقال ابن رجب:
فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه [6].
--------------------------------------------
[1]) انظر الاعتصام 2 / 79 – 82).
[2]) انظر مجموع الفتاوى 11 / 555).
[3]) انظر مجموع الفتاوى 11 / 200).
[4]) أخرجه البخاري 8 / 109) برقم 4409.
[5]) مجموع الفتاوى 1 / 160).
[6]) جامع العلوم والحكم 1 / 178).