القاعدة الخامسة عشرة
الخروج على الأوضاع الدينية الثابتة، وتغيير الحدود الشرعية المقدَّرة بدعة [1].
ومن الأمثلة على ذلك:
1- ما ذكره ابن رجب بقوله:
وأما المعاملات كالعقود والفسوخ ونحوهما؛ فما كان منها تغييرًا للأوضاع الشرعية، كجعل حد الزنا عقوبة مالية، وما أشبه ذلك فإنه مردود من أصله، لا ينتقل به الملك لأن هذا غير معهود في أحكام الإسلام.
ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله:
إن ابني كان عسيفًا على فلان، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المئة شاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلدة مئة وتغريب عام » [2].
2- الحيل الباطلة التي يحصل بها تحليل المحرمات أو إسقاط الواجبات:
وذلك كاستحلال الربا ببيع العينة، ورد المطلقة ثلاثًا لمن طلقها بنكاح التحليل، وإسقاط فرض الزكاة بالهبة المستعارة.
قال الشاطبي:
... مدخل البدعة ها هنا من باب الاحتيال الذي أجازه بعض الناس، فقد عدَّه العلماء من البدع المحدثات [3].
وقال الشيخ محمود شلتوت:
ومن ذلك إسقاط الصلاة؛ فإن أصحابها قاسوها على فدية الصوم التي ورد النص بها، ولم يقفوا عند هذا الحكم بالجواز، بل توسعوا فشرعوا لها من الحيل ما يجعلها صورة لا روح فيها، ولا أثر.
والابتداع هنا من أغرب أنواع الابتداع... [4].
3- ويمكن أن يلحق بذلك:
الحوادث التي أخبر صلى الله عليه وسلم أنها تقع وتظهر وتنتشر، وهي تجامع البدع من جهة أن كلاً منهما مؤذن بتغيير معالم الدين واندراسه ، كقوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر» [5].
قال الشاطبي:
فالحاصل أن أكثر الحوادث التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم من أنها تقع وتظهر وتنتشر أمور مبتدعة على مضاهاة التشريع، لكن من جهة التعبد، لا من جهة كونها عادية [6].
توضيح القاعدة:
هذه القاعدة خاصة بأحكام الدين القاطعة كتحريم الزنا وشرب الخمر، وبالمقدَّرات الشرعية، فتشمل أنواع الجنايات والحدود، وأنصبة المواريث، ومقادير الكفارات والعدة، ونحو ذلك مما ورد في الشرع تحديده بقدر معين.
وإذا كان لهذه المقدَّرات جهتان:
جهة عادية وجهة تعبدية؛ فإن الابتداع يقع فيها من جهة كونها تعبدية، لا من جهة كونها عادية معقولة المعنى.
وكون هذه المقدَّرات تعبدية معناه أن الشارع جعلها أحكامًا ثابتة لا تقبل التبدل ولا التغيُّر في كل زمان ومكان.
قال ابن القيم:
الأحكام نوعان:
نوع لا يتغير عن حالة واحدة ، هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة.
كوجوب الواجباب وتحريم المحرمات، والحدود المقدَّرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وُضع عليه.
والنوع الثاني:
ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له: زمانًا ومكانًا وحالاً؛ كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوَّع فيها بحب المصلحة [7].
--------------------------------------------------------------------------------
[1]) انظر تلبيس إبليس 16، 17)، والاعتصام 2/86).
[2]) جامع العلوم والحكم 1/181)، والحديث أخرجه البخاري 5/301) برقم 2695، 2696.
[3]) الاعتصام 2/85، 86).
[4]) البدعة 19).
[5]) أخرجه البخاري 9/330) برقم 5231، ومسلم 16/221) واللفظ له.
[6]) الاعتصام 2/98).
وانظر منه 2/82 -98).
[7]) إغاثة اللهفان 1/330 – 331)، وانظر إعلام الموقعين 4/262 – 263).