القاعدة الخامسة:
كل عبادة مخالفة لقواعد هذه الشريعة ومقاصدها فهي بدعة [1]
ومن الأمثلة على ذلك:
1- الأذكار والأدعية التي يزعم أهلها أنها مبنية على علم الحروف [2].
2- الأذان للعيدين؛ فإن الأذان لا يشرع للنوافل، إذ الدعاء إلى الصلاة إنما يختص بالفرائض [3].
3- صلاة الرغائب [4].
وهذه الصلاة تناقض قواعد الشريعة من وجوه. [5].
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام فقال: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي" [6].
2- مخالفة سنة السكون في الصلاة بسبب التسبيحات، وعد سورتي القدر والإخلاص في كل ركعة، ولا يتأتى ذلك إلا بتحريك الأصابع في الغالب.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسكنوا في الصلاة:" [7].
3- مخالفة سنة خشوع القلب وحضوره في الصلاة، وتفريغه لله تعالى وإذا لاحظ المصلي عدَّ قراءة السورة والتسبيحات بقلبه كان ملتفتًا عن الله تعالى معرضًا عنه.
4- مخالفة سنة النوافل من جهة أن فعلها في البيوت أولى من فعلها في المساجد، ومن جهة أن فعلها بالانفراد أولى من فعلها في الجماعة إلا ما استثناه الشرع من ذلك.
5 - أن كمال هذه الصلاة عند من وضعها من المبتدعين أن يفعلها مع صيام ذلك اليوم، ولا يفطر حتى يصليها، وعند ذلك يلزم تعطيل سنتين من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، إحداهما: تعجيل الفطر، والثانية: تفريغ القلب من الشواغل المقلقة بسبب جوع الصائم وعطشه.
وهذه الصلاة يُدْخَل فيها بعد الفراغ من صلاة المغرب، ولا يفرغ منها إلا عند دخول وقت العشاء الآخرة، فَتُوْصَل بصلاة العشاء، والقلق باق، ويتأخر الفطر إلى ما بعد ذلك.
6 - أن سجدتي هذه الصلاة المفعولتين بعد الفراغ منها مكروهتان؛ فإنهما سجدتان لا سبب لهما، والشريعة لم ترد بالتقرب إلى الله تعالى بالسجود إلا في الصلاة، أو لسبب خاص من سهو أو قراءة سجدة.
توضيح القاعدة:
من المقرر أن هذه الشريعة مبرأة عن مقاصد المتخرصين وأهواء المبتدعين، وأن جميع أحكام هذا الدين جارية على نظام ثابت، وهي بدون استثناء مندرجة تحت أصول كلية.
لذا فلا يُتصور أبدًا أن يأتي في هذه الشريعة عبادة مخالفة لقواعدها ومقاصدها.
ولأجل ذلك فإن هذه القاعدة خاصة بما لم يصح ثبوته من العبادات؛ إذ كل ما خالف هذه الشريعة وخرج عن قواعدها فلا يمكن ثبوته بطريق صحيح.
وبذلك يُعلم أن كل عبادة وردت بطريق شرعي صحيح فهي موافقة لقواعد الشريعة، ولا تكون مخالفة لها بوجه من الوجوه [8].
ويختص بفقه قواعد هذه الشريعة، ومعرفة مقاصد أحكام هذا الدين: الراسخون في العلم؛ إذ هم الذين يميَّزون السنة من البدعة، ويدركون المصلحة والمفسدة على هدى من الله، كما قال تعالى: "يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً" وأعظم الناس فهمًا لدين الله وأعمقهم فقهًا فيه الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ فإنهم حضروا التنزيل وهم أعلم بالمقاصد.
أما من لم يبلغ رتبة الرسوخ في العلم ودرجة الفقه في الدين فإنه لن ينتفع بمثل هذه القاعدة العظيمة، وربما زلت قدمه فرأى حسنًا ما ليس بالحسن، وعدَّ من السنة ما ليس منها، وأدخل في دين الله ما هو منه براء.
وبسبب ذلك فإن الابتداع في الدين لا يقع من الراسخين في العلم اللهم إلا أن يكون فلتة، وهذه هي زلة العالم، ثم إنه متى تبين له الحق رجع إليه.
ومن هنا تُعلم الأهمية البالغة لفقه مقاصد الدين، وضبط أصول الشريعة، ومعرفة قواعد التشريع؛ فإن العالم المطلع على ذلك يُؤتى فرقانًا، ويرزق بصيرة وبرهانًا.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]) انظر الاعتصام 2/19-20).
[2]) انظر المصدر السابق 2/20).
[3]) انظر المصدر السابق 2/18-19).
[4]) وهي اثنتا عشرة ركعة، تصلى بين العشائين ليلة أول جمعة في شهر رجب بكيفية مخصوصة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وسورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة.
وكذا صلاة ليلة النصف من شعبان؛ فإنها تسمى بصلاة الرغائب، وهي مائة ركعة، كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة.
انظر تنزيه الشريعة المرفوعة 2/89 – 94) والإبداع للشيخ علي محفوظ 58).
[5]) انظر الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة 5 – 9)، والباعث 58 – 61)، والأمر بالإتباع 171 – 173).
[6]) أخرجه مسلم 8/18).
[7]) أخرجه مسلم 4/152).
[8]) انظر في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس رسالة عزيزة لابن تيمية في مجموع الفتاوى 20/504 – 583)، وانظر أيضًا في الموضوع ذاته الفصل الذي عقده ابن القيم في كتابه القيم إعلام الموقعين 2/3 - 70).