ليلة القدر
قال الله تعالى:
*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ*.
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن في ليلة القدر وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: *إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ* [الدخان آية: 3]. وهي من شهر رمضان كما قال تعالى: *شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ*.
قال ابن عباس:
*أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسميت ليلة القدر بهذا الاسم لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالى ولأنه يُقدِّر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك كما قال تعالى: *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ*. [الدخان آية: 4].
ثم قال معظمًا لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ**1*
وبين مقدار فضلها بقوله:
*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* أي العبادة فيها وإحياؤها بالطاعة والصلاة والقراءة والذكر والدعاء عبادة ألف شهر ليس في شهر منها ليلة القدر وألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
ثم أخبر عن زيادة فضلها وكثرة بركتها أن الملائكة يكثر تنزلهم فيها وينزل معهم جبريل ينزلون بكل أمر من الخير والشر قضاه الله وقدره ونزولهم بأمر الله سبحانه.
ثم زاد في فضلها فقال:
*سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ* أي إنها سلام وخير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر وأن الملائكة تسلم فيها على المؤمنين في الأرض والروح: جبريل عليه السلام.
صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-* أنه قال في فضل قيامها: «مَنْ قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
وقال في وقتها:
«تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أي في الليالي الفردية وهي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها. قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
- ما يستفاد من السورة:
1 - فضل القرآن الكريم وعلو قدره وأنه أنزل ليلة القدر.
2 - فضل ليلة القدر وعظمها وأنها تعدل ألف شهر خالية منها.
3 - الحث على اغتنام مواسم الخير كهذه الليلة الشريفة بالأعمال الصالحة.
____________________
*1* انظر تفسير ابن كثير جزء 4 ص 429.
******************
إذا علمت أيها المسلم فضائل هذه الليلة العظيمة وعلمت أنها محصورة فى العشر الأواخر من رمضان فعليك بالجد والاجتهاد في كل ليلة منها بالصلاة والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار لعلك أن توافقها فتسعد سعادة لا تشقى بعدها أبدًا وعليك أن تدعو فيها بالأدعية الجامعة لخير الدنيا والآخرة ومنها:
1 - «اللهم أصلح لي دينى الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر.
اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الجن والإنس يا حي يا قيوم».
2 - «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
3 - «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
4 - «اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وظاهره وباطنه وأوله وآخره وعلانيته وسره، اللهم ارحم في الدنيا غربتي وارحم في القبر وحشتي، وارحم في الآخرة وقوفي بين يديك» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
5 - «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى».
6 - «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
7 - «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله... لا إله إلا أنت».
8 - «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».
9 - «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام».
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.