تحركات الوحدات الأخرى
بدأت تحركات الوحدات الأخرى في ساعة الصفر المقررة وهي الواحدة، وفي مقدمتها الكتيبة الثالثة عشرة.
ويقول القائمقام أحمد شوقي في روايته:
إن تحركها بدأ عن طريق مدخل كلية البوليس، وعن طريق الجبل، خلف المنزل الحالي للرئيس جمال عبد الناصر.
وذلك تحاشياً من الخروج من المدخل الرئيسي، بالعباسية، لوجود وحدة من البوليس الحربي؛ وبعد خروج جميع الوحدات، خرجت في سيارة جيب، أقودها بنفسي، وبجواري زكريا، وخرجنا من الباب الرئيسي بالعباسية، وعند وصولي اعترضني قائد البوليس الحربي البكباشي عبد الوهاب حسني؛ فعرضت عليه الركوب معي لتفقد الحالة سوياً، وفعلاً جلس بجواري، مع زكريا فاتجهت بالسيارة، إلى مصر الجديدة حتى الكردون، الذي أقيم أمام باب السواري، وعليه ثروت عكاشة، وعنده اختفى البكباشي حسني لأننا أصبحنا في أمان".
وتمضي رواية قائد الكتيبة الثالثة عشرة فيذكر أنه انتهى إلى مبنى القيادة، الذي سبق أن استولى عليه يوسف صديق:
"عدت حيث اتخذت مكتب الفريق حسين فريد، مركزاً لقيادتي، واتصلت تليفونياً بحكمدار القاهرة اللواء أحمد طلعت، وطلبت منه عدم القيام بإجراء مضاد لنا، حتى لا ينجم عن ذلك أي صدام مسلح وفعلاً وعد بذلك.
وحتى الساعة الرابعة صباحاً، التي حضر فيها اللواء محمد نجيب، لم أر خلال هذه الفترة، أحداً من الضباط الأحرار، ثم أخذ هؤلاء في الحضور، منهم جمال وعبد الحكيم عامر وبغدادي.. إلخ". ويناقض هذا رواية للصاغ صلاح نصر، الذي كان أركان حرب الكتيبة، ويعمل تحت رئاسة القائمقام أحمد شوقي، يقول فيها: "إن القائمقام شوقي حضر إلى رئاسة الكتيبة، مع الصاغ جمال حماد، واستقل الاثنان سيارة جيب، في الحادية عشرة مساءً، ثم اختفى، ولم أره إلا في ظهر يوم 23 يوليه، مع محمد نجيب، حينما كان يمر على القوات، التي قامت بالحركة"! هذا نموذج للتخبط والتناقض في الروايات بسبب الدوافع الشخصية.
قامت الوحدات، التي تتألف منها الكتيبة (13)، بالواجبات، التي أوكلت إليها، غير أنها جاءت متأخرة، بالنسبة للاستيلاء على رئاسة الجيش. وكانت هذه المهمة موكولة لسرية، بقيادة اليوزباشي عمر محمود علي، كما خرجت سرية، (بأمر القائد، أو أركان حرب الكتيبة)، بقيادة الصاغ صلاح سعدة، استولى بها على مبنى سلاح الحدود، بكوبري القبة، وانفذت سرية ثالثة لاحتلال مبنى الإذاعة، في شارع علوي، بقيادة اليوزباشي جمال القاضي.
بينما يذكر ثروت عكاشة أن مهمة الاستيلاء على الإذاعة كانت من واجبات سلاح الفرسان، وأن التعليمات، التي صدرت من سلاح الفرسان، أوضحت أن قائد العملية، هو الملازم أول أحمد علي حسن المصري، على رأس تروب سيارات مدرعة متوسطة، وعربتي جيب، مع تسليح الأفراد ببنادق لانكستر، على أن يُصرف لكل فرد تعيين طوارئ، لمدة يومين، وعلى أن تشترك، مع هذه القوة، قوة أخرى، من المشاة، تكون مسؤولة، عن احتلال المداخل.
بينما ينسب القائمقام شوقي مهمة الاستيلاء على محطة الإرسال، بأبي زعبل، إلى سرية من الكتيبة، تتألف من 100 عسكري، ولكنها لم تتحرك إلا في الساعة 6.30 صباحاً.
بينما يذكر مجدي حسنين، من سلاح خدمة الجيش، أنه قام بهذه المهمة، بمساعدة تروب سيارات مدرعة، بقيادة اليوزباشي محمد عبد الفتاح علي.
وهكذا يتكرر هذا التضارب في الروايات، ومن المحتمل أن بعض العمليات كانت تتطلب تعاون أكثر من سلاح، ولكن البعض يحاول الاستئثار بهذا الفخر.
تحــرك الفرســـــان
قبل التاسعة والنصف، مساء 22 يوليه، كان جميع الضباط الأحرار بسلاح الفرسان، مع جنودهم بوحداتهم، بحجة حالة طوارئ.
وفي التاسعة والنصف، وصل حسين الشافعي وثروت عكاشة، وخالد محيي الدين.
وكان في هذا الوقت، يوجد تحت قيادة حسين الشافعي 32 ضابطاً، من الضباط الأحرار. وكانت قواته تسيطر على (48) دبابة، و (48) سيارة مدرعة، والآلاي الأول سيارات مدرعة، وكتيبة ميكانيكية عربات نصف جنزير، محملة بالمشاة، إضافة إلى آلاي خيالة، تحت قيادة عثمان فوزي، والآلاي الثاني سيارات مدرعة، إضافة إلى سيطرة كاملة على مركز تدريب الفرسان، ومدرسة الفرسان؛ فكانت هذه القوة قادرة على القيام بأصعب المهام، وكان هناك كشف بأسماء وعناوين ضباط الفرسان، الواجب اعتقالهم في منازلهم، ومنعهم من دخول القشلاقات.
وتم إعطاء الأوامر بالاستعداد للتحرك، في الساعة العاشرة، وقام حسين الشافعي بالتنسيق، لاستكمال توزيع الذخائر على القوات، بعد أن وصلت عن طريق الضباط الأحرار، قبل الساعة الحادية عشر مساءً، وفي هذا الوقت، حضر الأميرالاي حسن حشمت، قائد اللواء المدرع إلى القشلاق، فقبض عليه ثروت عكاشة.
وصدر الأمر بالتحرك، في الساعة الحادية عشر. وتحركت قوة من الفرسان، تُقدر بثلث القوة وسدت الطريق والكوبري، الذي يفصل المستشفى العسكري عن منطقة كوبري القبة والحدائق وهي نقطة حاكمة في المنطقة العسكرية.
وتحركت قوة الفرسان بمدرعاتها وسياراتها المدرعة في اتجاه مدخل مصر الجديدة، أمام محطة بنزين "موبيل أويل"، بمحاذاة خط المترو، وسدت الطريق القادم من مصر الجديدة، الذي يمر من أمام "نادي سبورتنج"، وكان معها وحدات ميكانيكية، وعربتان مصفحتان، وفصيلة خيالة.
وبذلك تم قطع المواصلات، وعزل المنطقة العسكرية عن مصر الجديدة.
وعند هذا الحد، أعلن للجنود أنهم يقومون بحركة عسكرية، ضد قادة الجيش، من أجل الوطن، والشعب المصري، وتقبل الجنود هذا الإعلان بحماس وارتياح.
وقبل مغادرة قشلاقات الفرسان، حضر مهندس الصيانة، جمال علام، وانضم لضباط أحرار الفرسان وبإيحاء منه، أشار إلى أهمية الاستيلاء على محطات القوة، والبث اللاسلكي للإذاعة، في أبى زعبل وقام مع تروب سيارات مدرعة، وتحت قيادة مجدي حسنين، ووصلوا في الوقت المناسب.
وبالتعاون مع مهندس الإذاعة، الشاب الجارحي القشلان، تمت السيطرة على المحطات، وأمكن إعادة توصيل التيار للأجهزة، التي قطعها المسؤول، بأوامر من كريم ثابت (وزير الإعلام).
وقام اليوزباشي أحمد المصري، من السواري، وتحت قيادة قوة من السيارات المدرعة، بالسيطرة والاستيلاء على مبنى الاستوديوهات، في شارع الشريفين وتم ذلك في الساعة الرابعة والربع صباحاً، يوم 23 يوليه، بعد أن تمكن من صرف قوات البوليس البسيطة، التي كانت تحيط بهذا المبنى، بعد إقناعهم بأنه حضر لهذه المأمورية، موفداً من السراي، وأن أحمد طلعت هو الذي أصدر لهم الأوامر، ثم سافر، بعدها، إلى الإسكندرية لمقابلة الملك.
وأشرف حسين الشافعي، وثروت عكاشة، على وحدات مدرعة أخرى، أُرسلت إلى مطار ألماظة ومصر الجديدة، وغرب القاهرة، ومدخل العباسية، وحول رئاسة سلاح الحدود، وقوات أخرى مدرعة لمعاونة المدفعية، في مواقعها الدفاعية، على طريق أي قوات بريطانية، قد تتقدم، عن طريق القناة، وجانب آخر من المدرعات لمعاونة قوات مشاة الكتيبة (13) حسب طلب زكريا محيي الدين.
المدرعات تنجز المهمة
في حوالي منتصف الليل، كانت وحدات سلاح الفرسان متأهبة للتحرك، لتنفيذ واجباتها، طبقاً للخطة وكانت كتيبة دبابات من السلاح معينة في خدمة الطوارئ، في تلك الليلة، وفوجئ الملازم أول توفيق عبده إسماعيل، بمرور اللواء علي نجيب، قائد قسم القاهرة، داخل السلاح ولما سأله عن سبب وجوده رد عليه بأنه طوارئ.
وقع الحادث الثاني في سلاح الفرسان، عندما أراد الأميرالاي حسن حشمت، قائد اللواء المدرع، الدخول من بوابة السلاح، فتصدى له الملازم إبراهيم العرابي، المسؤول، وقتئذ، عن حراسة بوابة المعسكر.
وكان حسن حشمت يتمتع بشخصية قوية في سلاح الفرسان.
وكان الجميع يخشونه إلى الحد، الذي لم يجعل أي ضابط من السلاح يجرؤ على منافسته، لتمثيل سلاح الفرسان، في انتخابات مجلس إدارة نادي الضباط، مما جعله يفوز بالتزكية.
ومن ثم كان موقفاً مثيراً، أن يتصدى ملازم ثان، حديث الخدمة، للأميرالاي حسن حشمت، ويمنعه من دخول سلاحه.
وبمجرد أن علم حسين الشافعي وثروت عكاشة، بالموقف أسرعا بسيارة جيب، إلى البوابة، لشد أزر الضابط الصغير.
وما كاد حسن حشمت يرى حسين الشافعي حتى صاح فيه قائلاً: "حتى أنت كمان يا حسين حتودوا البلد في داهية".
قُبض على حسن حشمت، وأركباه معهما في السيارة الجيب، ووضعاه في غرفة، تحت الحراسة، في ثكنات أورطة السيارات المدرعة، التي كان يقودها وقتئذ حسين الشافعي.
ومن المفارقات أن ثروت عكاشة اكتشف، بعد عودته، أن الرشاش الخفيف، الذي كان يشهره على حسن حشمت، كان دون خزنة.
ولا شك أن عملية أسر الأميرالاي حسن حشمت، كان لها تأثير بالغ على إحكام السيطرة على وحدات الفرسان، وفي رفع الروح المعنوية للضباط، فلو قدر له الدخول، والتخاطب مع الجنود لأحدث بلبلة كبرى.
عندما حلت ساعة الصفر، أشرف حسين الشافعي، وثروت عكاشة، على تحرك وحدات السيارات المدرعة، وفقاً للواجبات، المنوطة بهما في الخطة، بينما بدأ الصاغ خالد محيي الدين في التحرك، على رأس الكتيبة الميكانيكية، التي تولى قيادتها، بمعاونة اليوزباشي وجيه رشدي، وهي عبارة عن قوات من المشاة، تحملها عربات نصف جنزير.
وكانت مهمة الكتيبة تنحصر في سد جميع الطرق المؤدية إلى منطقة المعسكرات، ومنع مرور أي أفراد، سواء من ناحية العباسية، أو كوبري القبة، أو مصر الجديدة. وقسم خالد قواته إلى ثلاثة أقسام، رابط أولها على مقربة من سينما روكسي، عند المنحنى المواجه لمحطة البنزين، لسد المنافذ بين منطقة مصر الجديدة ومنطقة الجيش.
ورابط القسم الثاني عند المستشفى العسكري، لسد منافذ كوبري القبة، بينما رابط القسم الثالث عند إدارة التجنيد القديمة، (المدينة الجامعية بعين شمس حالياً)، لسد المنفذ، بين العباسية، ومنطقة المعسكرات.