الباب الخامس: الشعوب والأقوام السامية الأخرى
العموريون
Amorites
وتُكتَب أحياناً «الأموريون». و«العموريون» كلمة بابلية معناها «الغربيون»، وتُستخدَم للإشارة إلى أقدم شعب سامي معروف أقام في بلاد الشام وفلسطين في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، وكوَّن مملكة نحو عام 2500 ق.م ضمت بلاد الرافدين وسوريا وفلسطين. وقد اتسع استخدام الكلمة بحيث كانت تشير أحياناً إلى سكان أرض كنعان قبل تَسلُّل القبائل العبرانية وليس العموريين فحسب. ويحمل الاسم أحياناً (في المنقوشات القديمة) دلالة إثنية إذ يشير إلى القبائل السامية الغربية، لكنه كان يحمل في أحيان أخرى دلالة جغرافية تتعلق بكل من سوريا وفلسطين في آن واحد. وفي عام 1800 ق.م تقريباً، كان يسيطر على المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ومرتفعات عيلام أمراء عموريون تسببت هجرتهم في أن اكتسبت المنطقة كلها صبغتها السامية (العربية) التي احتفظت بها حتى الآن (باستثناء جيوب الحوريين). وكانت تُوجَد سلالات عمورية عديدة تقطن مناطق مختلفة من أهمها السلالة التي حكمت بابل، كما كانت ماري عاصمة للعموريين في أوائل الألف الثانية قبل الميلاد، وكانت حلب إحدى عواصمهم الأخرى. وكانت المملكة العمورية نقطة اتصال مهمة بين مصر من ناحية وبلاد الرافدين وبلاد الحيثيين من ناحية أخرى. ومع ظهور تحتمس الثالث عام 1447 ق.م (الأسرة الثامنة عشرة)، فرضت مصر سلطانها على العموريين.
وحين دخلت القبائل العبرانية فلسطين، وجدت العموريين وبقية القبائل السامية مستوطنةً إياها إذ كانوا يقيمون على شاطئ نهر الأردن في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ويسيطرون على المواقع الإستراتيجية ورؤوس التلال الواقعة في سوريا الجنوبية والممتدة إلى فلسطين. ولقد قاوم العموريون التسلل العبراني إلى المنطقة، وقام صراع شديد بينهم وبين العبرانيين. ومع ذلك، فقد هزمهم العبرانيون واحتلوا أرضهم. وغزا يشوع العموريين الذين كانوا يقطنون الأرض الجبلية قرب فلسطين، ولكنهم بقوا بعد التسلل العبراني. وقد وقعت مملكتهم تحت سيطرة داود. كان العموريون، في بداية الأمر، شعباً بدوياً يعتمد على الحمير كوسيلة أساسية للانتقال، كما كانوا يمارسون الصيد ويتصفون بخشونة الطبع. لكنهم ما لبثوا أن أخذوا بأساليب الحضارة، وخصوصاً السورية الأكادية ومن ذلك المؤسسات السياسية والفكرية، وذلك مع أن حضارتهم لم تكن متجانسة بسبب انتشارهم في مناطق متباعدة. وقد ازدهرت حياتهم بسبب اشتغالهم بالزراعة والتجارة.
ولم تختلف اللغة العمورية في فلسطين عن اللغة الكنعانية إلا من حيث إنها لهجة، فهي لهجة كنعانية قديمة تقابل اللهجة الكنعانية الغربية السائدة. وقد استُوعبت هذه اللغة تماماً في اللغتين الكنعانية والأكادية.
ولم تختلف ديانة العموريين، من حيث شكلها البدائي، عن عبادة قوى ومظاهر الطبيعة عند الساميين. وأكبر آلهتهم عمور (إله الحرب) وشريكته وهي عاشرة التي تشبه نموذج عشتار. كما عبدوا آلهة أخرى مثل هدد المعروف باسم رمانو (مانع الصواعق) وهو إله مطر وعواصف. وقد صار بعد ذلك البعل الأعظم. وكان هناك دجن إله الغذاء الذي عُبد في غزة على وجه الخصوص. وحينما يشير العهد القديم إلى العموريين بلفظة «إيموري» فهو يعني سكان فلسطين كافة، والقبائل التي حاربها العبرانيون على وجه الخصوص. أما في الكتابات التلمودية، فإن المصطلح يشير إلى كل عبدة الأصنام.
الأدومـيون
Edomites
كلمة «أدوميون» تشير إلى إحدى الجماعات السامية التي كانت تقيم في أرض كنعان بمنطقة جبل سعير التي كان يُطلَق عليها أيضاً «أدوم»، وكانت عاصمة ملكهم سيلع (البتراء فيما بعد). وهم حسب الرواية التوراتية من نسل عيسو الذي كان يُدعَى أيضاً «أدوم»، أي «الأحمر». وقد قاموا بطرد الحوريين من المنطقة التي استوطنوها، وعاشوا على الصيد. وكانوا ينقسمون في البداية إلى قبائل يحكمها شيخ القبيلة ثم اتحدوا وكونوا مملكة. وقد احتكروا تجارة شمالي البحر الأحمر في فترات قوتهم.
ويُعَدُّ الأدوميون الأعداء التقليديين للقبائل العبرانية، فقد عارضوا (هم والمؤابيون) مرور العبرانيين عبر بلادهم عند قدومهم من مصر. وقد جرت بينهم وبين القبائل العبرانية حروب تبادل كل جانب فيها السيطرة على الآخر، وكان من نتائجها أن ضم شاؤول وداود أجزاء من أراضيهم. وقد تحـرَّر الأدوميـون مـن السـيطرة العبرانيــة في أواخــر حكـم ســليمان. ثم خضعـوا للمملكة الجنوبية، ولكنهم أعلنوا العصيان عام 848 ق.م. واستقلوا بعد حــروب طــويلة، غـير أنهم صـاروا فيمـا بعد تابعين لآشور ثم بابل. وقـد ورث الأدومــيون القسم الشرقي من المملكة الجنوبية بعد أن قضى الكلدانيون عليها، لكن الأنباط زاحموهم فترة من الزمن.
ورغم العداوة بين العبرانيين والأدوميين، فإنهم في شريعة موسى يُعتبَرون إخوة لهم (تثنية 23/7، 8). واستمر الصراع بينهم وبين اليهود إلى أن هزمهم جون هيركانوس الحشموني وفرض عليهـم اليهـودية والتـختن بحـد السيف. وكان هيرود (ملك اليهود) أدوميـاً، الأمــر الــذي قلص شـرعيته إذ لم يكـن بمقدوره أن يصبح كاهناً أعظم. وأثناء حصار تيتوس للقدس، انضم الأدوميون إلى العناصر العبرانية المتطرفة وقتلوا كل من تصوروا أنه مؤيد للسلام في روما. وقد اختفى الأدوميون بعد ذلك من تاريخ العبرانيين. ولم تكن إنجازات الأدوميين الحضارية كبيرة. وكانوا يتحدثون بلهجة شديدة الشبه بالعبرية، ولكننا لا نعرف شيئاً عن ديانتهم إلا أسماء بعض الآلهة، مثل قوس وهدد، كما أن أحد آلهتهم كان يُدعَى «إلواه». وتعني كلمة «أدومي» كما جاء في التلمود «الحكومة الطاغية»، وخصوصاً روما. أما في العصور الوسطى، فقد كانت الكلمة تُستخدَم للإشارة إلى أوربا المسيحية.
العـــمونيون
Ammonites
«العمونيون» شعب سامي قديم تجمعه، حسب الرؤية التوراتية، صلة قرابة بالعبرانيين. وبعد فترة غير قصيرة من الحياة شبه البدوية، أنشأ العمونيون مملكة شمالي مؤاب التي استمرت من عام 1500 ق.م حتى القرن الثاني الميلادي. وقد سموا عاصمتهم «رباة عمون» (ربة بني عمون في التوراة). ونشب بينهم وبين العبرانيين صراع استمر طويلاً تبادلا أثناءه الهزائم والانتصارات، كلٌّ على الآخر، حتى سقطت عاصمتهم في يد داود. ويُعزَى إلى امرأة عمونية في بلاط سليمان أمر غوايته وعبادته الرب العموني ملكوم (مولك).
حصل العمونيون على استقلالهم عند انقسام المملكة العبرانية المتحدة (298 ق.م)، وتحالفوا مع الكلدانيين والآراميين، وهاجموا المملكة الجنوبية، كما حاولوا منع العبرانيين من بناء أسوار الهيكل بعد عودتهم من بابل.
وقد سـاعد العـمونيون القـوات السـلوقية أثناء التمرد الحشموني، وألحق بهم يهودا الحشموني الهزيمة عام 163 ق.م. ورغم حالة الحرب الدائمة بين العمونيين والعبرانيين، فإن نسبة التزاوج بين الفريقين كانت عالية، وهو ما أدَّى بعزرا ونحميا إلى التنديد بذلك. وقد أصبح العمونيون، مثلهم مثل معظم شعوب المنطقة في القرن التاسع قبل الميلاد، تابعين لآشور فبابل ثم الفرس فاليونانيين وأخيراً الرومان، إلى أن ذابوا واختفوا.
ولا نعرف إلا القليل عن حضارة العمونيين لأنهم لم يتركوا أية آثار أدبية، لكن التنقيب الأثري يبرهن على أن مملكتهم قد وصلت إلى مستوى عال من التطور إذ كانت حدودها محصنة وزراعتها متطورة كما أن ذوقها الفني كان رفيعاً. وكان العمونيون يعبدون آلهة خصب من أهمها ملكوم.
المؤابيــون
Moabites
كلمة «مؤابي» مشتقة بالنسب إلى بلاد مؤاب، وكلمة «مؤاب» لفظ سامي قد يكون معناه «مَن أبوه». والمؤابيون ساميون يرجع تاريخ استقرارهم في فلسطين إلى أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد، أي أنهم أسبق من القبائل العبرانية بزمن طويل في فلسطين. وينسبهم العهد القديم إلى لوط (تكوين 19/37) من ابنته الكبرى، أي أنهم أبناء غير شرعيين له. والمعلومات المتوافرة عن المؤابيين مستمدة في أغلبها من العهد القديم ومن مسلة الملك ميشع. وتقع مملكتهم في سهل مرتفع شرقي البحر الميت، يحدها شمالاً نهر الأردن، وتمتد جنوباً إلى أدوم. وكان يتاخم مملكتهم العمونيون شمالاً والأدوميون جنوباً. كان المؤابيون، في البداية، مجموعة من القبائل المنقسمة. لكنهم كوَّنوا مملكة متحدة قامت في الربع الأخير من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وذلك في فترة فقدت فيها مصر سيطرتها على فلسطين، وقبل أن تكون القوة الآشورية قد ظهرت بعد. وبلغت مملكتهم منزلة رفيعة مع مطلع القرن التاسع قبل الميلاد ، فدخلوا في حروب كثيرة مع جيرانهم (العموريين وغيرهم).
وكان بين المؤابيين والعبرانيين حروب كثيرة. وقد بدأ الصراع حينـما منـع المؤابيون القـبائل العـبرانية من المرور بأراضيهم إلى فلسطين. وخضع العبرانيون لحكم ملك مؤاب مدة ثماني عشرة سنة في عصر القضاة، وكان مقرُّ الملك هو أريحا. وقد حاربهم شاؤول في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وغزا داود مملكتهم، بعد أن كان لاجئاً عندهم أثناء معركته مع شاؤول، وبسط نفوذه عليهم. وبعد موت سليمان، أصبحت مؤاب جزءاً من المملكة الشمالية. وقد شن عمري (882 ـ 871 ق.م) حرباً عليهم، لكنهم تخلصوا من الهيمنة العبرانية بعد موت آخاب وبعد اعتلاء ميشع العرش (وهو الملك المؤابيّ القوي الذي احتفل بانتصاره بهذه الأحداث على حجر مؤاب). وبعد موته، هجم ملك آرام دمشق على مؤاب، فانتشرت فيها الفوضى وتقلصت حدودها وتحولت مؤاب إلى مملكة صغيرة.
وحينما ظهرت القوة الآشورية، هادنها المؤابيون وتحالفوا معها، فحمتهم آشور من غزوات القبائل البدوية. وقد قدموا المساعدة لسناخريب في حربه ضد المملكة الجنوبية، كما قدموا العون لأسرحدون في حملته على مصر. وقد فتح البابليون بلاد مؤاب وأنزلوا بمدنها الدمار، وسبوا أهلها وهجَّروهم إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد، وبذلك انتهى تاريخ المملكة المؤابية إذ استقرت فيها جموع القبائل البدوية وذاب فيها السكان. وهكذا، فإنهم، مع الحكم الفارسي، كانوا قد انصهروا تماماً في المستوطنين الجدد ثم ذابوا في الأنباط.
ولقد اعتمد اقتصاد مؤاب على الزراعة والرعي، وكانت ثروتهم الحـيوانية كبيرة. واسـتفادوا من وضـعهم الجغرافي في ممارسـة التجارة، فازدهرت حياتهم الاقتصادية. وظلت معالم البداوة واضحة في ثقافتهم حتى بعد استقرارهم. وأشهر ماعبدوه من الآلهة هو الإله الأعظم كموش (إله الحرب) وهو إله يقرنه البعض ببعل الذي كانت تُقدَّم له القرابين من الكباش. وقد ورد في التوراة أن الملك ميشع قدم ابنه قرباناً لهذا الإله لاسترضائه أثناء الحرب. ويبدو أن المؤابيين قد مارسوا أيضاً عادة الختان. وقد اتخذ المؤابيون لهجة كنعانية وثيقة الصلة باللهجات الكنعانية الأخرى لغةً لهم، وهي لغة تشبه العبرية من عدة وجوه كما يدل على ذلك حجر مؤاب. وتُحرِّم أسفار موسى الخمسة الزواج من المؤابيين،علماً بأن راعوث جدة داود كانت من مؤاب، وكذا إحدى زوجات سليمان (وهي التي بنت معبداً للإله كموش المؤابي بالقرب من القدس). ولذا، فقد فسر علماء التلمود هذا الحظر بأنه على الذكور فقط دون الإناث.
الآراميــون
Arameans
«الآراميون» شعب سامي استقر في منطقة الهلال الخصيب، ثم في بلاد الشام حول حوران، في تاريخ قديم قد يكون القرن السادس عشر قبل الميلاد. وكان الاسم مقروناً باسم «الأخلامو» (أي «الرفاق» أو «الأحلاف» باللغة العمورية القديمة). وتُعَدُّ هجرة الخابيرو والآراميين جزءاً من حركة الأخلامو التي أعقبت هجرة العموريين والكنعانيين. ولكن يبدو أن الآراميين كانوا يشكلون الجزء الأكبر، ولذا فقد اختفى ذكر الأخلامو تدريجياً، وبرز اسم الآراميين عوضاً عنه. وقد ورد أول ذكر لهم في أيام تيجلات بلاسر الأول في عام 1100 ق.م. وتقرر التوراة أن الآراميين ينتسبون إلى آرام بن سام بن نوح، وأن ثمة صلة عميقة بينهم وبين العبرانيين (تكوين 10/22). فأسلاف القبائل كانوا يأتون من المنطقة الآرامية، كما أن الآباء العبرانيين ارتبطوا بأصول آرامية واحتفظوا بالعلاقات مع الآراميين من خلال الزواج. وقد تحدث يعقوب عن نفسه وعن أبيه قائلاً « آرامياً تائهاً كان أبي» (تثنية 26/5).
بدأ الآراميون يستقرون في منطقة الهلال الخصيب مع ضعف آشور في القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد وانهيار الإمبراطورية الحيثية، وأسسوا عدة ممالك إلى الشرق من الفرات، كما بسطوا نفوذهم على الشام وعلى سهل البقاع الواقع بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية. وقامت إمارة آرامية عند منحنى نهر الفرات في المنطقة التي تقع بين إقليم الجزيرة وسوريا الحالية، وامتدت رقعتها حتى نهر الخابور الذي يتفرع من الفرات ويتجه إلى الشمال، لذلك سُمِّيت «آرام نهاريم» أي «آرام النهرين». ومن الإمارات الآرامية التي لعبت دوراً كبيراً إمارة بدان التي تقع في السهول المنبسطة بين الجزيرة والشام. وقد سُمِّيت بهذا الاسم لوقوعها في سهل منبسط، وكلمة «بدان» بالآرامية تساوي كلمة «فدان» العربية ومعناها «الحقل المنبسط». وكانت مدينة حوران مقر هذه الإمارة تقع على الطرق التجارية المهمة التي تصل إقليم الشام بإقليم الجزيرة، وتربط بين شـمال الشام وبلاد العرب، فلعبت دوراً في تجارة العالم القديم، واشتد ثراء أهلها. وتألقت مدينة حوران في ذلك العهد، حتى عُدَّت من أزهى مراكز الثقافة الآرامية.
ولإمارة حران مكانة ممتازة في التراث العبراني، فقد كَثُر ذكرها في كتاب العهد القديم. وراح كُتَّاب التاريخ العبري يذكرون أن أجدادهم كانوا من الآراميين وأنهم عاشوا في مدينة حران زمناً طويلاً قبل أن يستقروا في فلسطين. ويذكرون أيضاً أن إبراهيم أقام في هذه المدينة الآرامية بعد خروجه من العراق وزوَّج ولده إسحق فتاة حرانية. والعهد القديم نفسه حافل بالمفردات الآرامية، وهو ما حمل بعض الباحثين على القول بأن العبرانيين كانوا يتكلمون لهجة آرامية قبل أن يستقروا في فلسطين ويتخذوا لهجة أهلها من الكنعانيين. وخلاصة القول إن الهجرات الآرامية والعبرية هجرات سامية خرجت من وطن واحد. وقد استقر الآراميون في الجزء الشمالي من وادي الرافدين، وأسسوا هناك سلسلة من الدويلات الصغيرة أو المدن/الدول أهمها دولة بيت أديني (ومركزها تل برسب) ودولة بيت بخياني. وقد أسس الكلدانيون (وهم قبائل متصلة النسب بالآراميين) دولة بيت يكـيني. وفي الجـهة الأخرى للتوسع الآرامي، أي في الغرب، نشأت دولة سمأل. وفي سوريا أُسِّست دول من أهمها صوبة ودمشق. وقد دخلت تلك الممالك الآرامية، في دمشق وصوبة وغيرها، في صراع مع الآشوريين والعبرانيين. وقد قام هدد عزر (ملك آرام دمشق) بتكوين اتحاد من الإمارات الآرامية في بلاد الرافدين والشام والشعوب الأخرى في المنطقة مثل المؤابيين والعمونيين والأدوميين، وذلك لمقاومة التوسع العبراني. وقد تغلب عليهم داود في بداية الأمر وهزم مملكة آرام دمشق عام 980 ق.م، لكن رزين الأول عاد إلى الحرب مع سليمان وفرض سيطرته على معظم الممالك الآرامية. وبعد انقسام المملكة العبرانية المتحدة إلى دويلتين، نشب صراع بين الآراميين (بزعامة مملكة آرام دمشق) والمملكة الشمالية استمر لمدة تزيد على قرن (900 ـ790 ق.م). وقد تحالف ملك دمشق بن هدد الأول (853 ـ 845 ق.م) مع ملك المملكة الجنوبية في مهاجمة المملكة الشمالية، فهُزم ووقع في الأسر ثم أُفرج عنه. وقد نجح بن هدد أيضاً في تكوين تحالف من المدن الدول والممالك الصغيرة في المنطقة مثل المملكة الشمالية، وجهَّز جيشاً كبيراً بمساعدة آخاب لمواجهة الآشوريين بقيادة شلمانصر الثالث في معركة قرقر عام 853 ق.م التي انتهت إلى نتيجة غير حاسمة. وفيما بعد، ألحق بن هدد الهزيمة بآخاب. ووصلت المملكة الآرامية في آرام دمشق إلى قمة نفوذها في عهد أميرها حزائيل (في الفترة من 841 إلى 838 ق.م) الذي وسع حدود مملكته وضم جلعاد والجليل حتى وقعت المملكة الشمالية تحت نفوذه وكان على حكامها أن يدفعوا لآرام دمشق الجزية (إلى أن سقطت في يد الآشوريين). والواقع أن الحروب بين ملوك آرام دمشق وملوك المملكتين الجنوبية والشمالية تملأ صفحات التاريخ التوراتي.
ولكن القوة الآشورية عاودت الهجوم، ونجح شلمانصر في ضم منطقة وسط الفرات عام 838 ق.م. ثم استمرت الهجمات حتى نجح تيجلات بلاسر الثالث في احتلال دمشق عام 732 ق.م. واحتل سرجون الثاني حماه عام 720 ق.م، وهجَّر سكانها. وبذلك، تحوَّلت الدويلات الآرامية إلى دويلات آشورية تابعة، وسُمِّيت سوريا باسمهم. وتُعزى هزيمة الآراميين إلى فشلهم في تكوين وحدة سياسية فعالة. ولكن الدويلات الآرامية في منطقة نهر دجلة استمرت في الهجوم على آشور. ونجحت قبيلة كالدو الآرامية (الكلدانيون في العهد القديم) في الثورة على الآشوريين ووفقت في الوصول إلى الحكم بعد أن عقدت تحالفاً مع الميديين، وأسست الدولة البابلية الجديدة. وقد تفاعل الآراميون مع الحضارات القائمة: العموريين والفينيقيين والحيثيين، فأقبلوا عليها واقتبسوا منها وتخلصوا من طابع البداوة. إلا أن الأمر الفريد في هذه الظاهرة هو أن الآراميين، رغم اقتباسهم من الحضارات القائمة، احتفظوا بلغتهم ولم يستبدلو بها غيرها كما فعل العبرانيون والفلستيون. وأدَّى تأثير الآراميين في الإمبراطورية الآشورية إلى انتشار الآرامية بين الناس الذين عاش الآراميون بين ظهرانيهم مثلما حدث في بلاد الرافدين وفلسطين.
كما نشر الآراميون حروف الكتابة التي نقلوها عن الفينيقيين، وعلموها لعالم الشرق القديم كله (وقد تعلم العبرانيون حروف الكتابة منهم). وفاق توسُّعهم التجاري والاقتصادي توسُّعهم السياسي والفكري، كما بلغت حضارتهم ذروتها، في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد. ووسع الآراميون نطاق التجارة واحتكروا طرق المواصلات حتى أصبحت الآرامية لغة التجارة. وديانة الآراميين تقوم على عبادة آلهة سامية قديمة. فكانت آلهتهم كنعانية وبابلية وآشورية. وكانت للإله إيل عند الآراميين المكانة نفسها التي يتمتع بها عند الكنعانيين، وكان لهم إله خاص بهم هو هدد أو رامون إله العواصف والزوابع مرسل المطر الذي يخصب الأرض. وقد امتزجت عبادته فيما بعد بعبادة الشمس. وعُبدت معه زوجته آتارخابتس وهي إلهة الخصوبة والأمومة. ولم يتفـوق الآراميــون كثـيراً في الفنــون الجمـيلة بل تأثــروا بالشعــوب المحيــطة بهــم، فكانوا يقلدون الأساليب البابلية والحيثية في العمارة والزخرفة ويستخدمون النحاتين والنقاشين الكنعانيين.
سوريا
Syria
كلمة «سوريا» مصطلح إقليمي ذو مجال دلالي متباين، فهو يشمل أحياناً كل الشام، أي الساحل الشرقي للمتوسط من تركيا حتى مصر، وأحياناً يشير فقط إلى الجانب الشمالي منه. وفي أحيان أخرى، كان المصطلح يشير إلى المنطقة التي تحيط بدمشق (آرام دمشق) وحدها. وقد كان الحكام البابليون يهاجمون سوريا دائماً لأنهم كانوا يبحثون عن مخرج لهم على البحر الأبيض المتوسط. وقد حكم سرجون الأول (الأكادي) سوريا في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد حتى هجرة العموريين 2100 ق.م. وقد هيمن الحوريون (مملكة ميتاني) على سـوريا، ووصـلت هذه الهـيمنة ذروتها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، واستمرت إلى أن ظهر الحيثيون الذين كانوا يشنون الهجمات عليها قبل عام 1400 ق.م دون الهيمنة عليها. ولكنهم حين قضوا على هيمنة مملكة ميتاني عام 1365 ق.م، وقعت سوريا بأسرها تحت حكمهم (عام 1336 ق.م). واستمر الصراع بين المصريين والحيثيين حتى معركة قادش (1288 ق.م) التي حدث بعدها نوع من التفاهم بين الطرفين المتصارعين.
وقد ظهرت أول حضارة محلية وهي الحضارة الفينيقية (الكنعانية) في هذه الفترة حيث تعود حضارة أوجاريت إلى عام 1500 ق.م، ثم ظهرت القوة الآشورية التي اكتسحت البقية الباقية من ميتاني ولكنها عادت وتدهورت بدورها. وحينما ظهرت شعوب البحر، هزموا الحيثيين واضطروهم إلى التراجع. وفي هذه الآونة، ظهر الأخلامو (وكان الآراميون منهم) فغطوا منطقة سوريا بمدنهم وإماراتهم. وقد بدأ التسلل العبراني في كنعان (فلسطين). أسس العبرانيون مملكتهم في هذا الوقت حيث كان الآراميون يبنون أساس مملكتهم في دمشق. وظهر صراع حاد بين الآراميين والعبرانيين. ثم سقطت سوريا بأسرها في يد الآشوريين وسُمِّيت سوريا باسمهم («سوريا» هي صيغة تصغير لكلمة «أسيرياAssyria»)، ثم بدأ بزوغ القوة البابلية (الكلدانية).
وقد حاول نخاو الثاني (فرعون مصر) مناصرة آشور، وضم المصريون سوريا مؤقتاً (608 ق.م). ولكن نبوختنصر هزم المصريين واستولى على القدس وسوريا (605 ق.م) ثم وقعت سوريا عام 539 ق.م داخل الإمبراطورية الفارسية التي حولت سوريا وفلسطين وقبرص إلى مقاطعة فارسية تحمل اسم «عبر النهر». وقد دخلت سوريا الفلك اليوناني وخضعت لحكم السلوقيين من عام 312 ق.م حتى عام 64 ق.م ولكنها لم تسلم من هجمات الفرثيين. ثم برزت القوة الرومانية التي صدت الفرثيين تماماً. وقد أصبحت سوريا جزءاً من الدولة البيزنطية بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية في أواخر القرن الرابع الميلادي حتى الفتح الإسلامي (633م).
آرام دمشــــــق
Aram-Damascus
«آرام دمشق» أهم مملكة آرامية في سوريا في الفترة من القرن العاشر قبل الميلاد إلى القرن الثامن قبل الميلاد. تألق نجمها في السياسة الدولية في ذلك التاريخ حيث وقفت من العبرانيين والآشوريين موقف الند للند، بل بدأت تُغير على أملاك الآشوريين في الشمال وعلى أملاك العبرانيين في الجنوب. وما أن جاء ت سنة 1000 ق.م حتى كانت آرام دمشق قد بسطت سيادتها على إقليم سوريا الداخلية الواقع خلف جبال لبنان، كما بسطت سيادتها على منطقة سوريا الشمالية. وظلت آرام دمشق قرنين من الزمان تناضل العبرانيين وتحاربهم وتُوقف تقدُّمهم صوب الشمال (وقد ورد ذكر ذلك كثيراً في العهد القديم).
بدأ النزاع بين آرام دمشق والعبرانيين في عهد الملك شاؤول بسبب التنافـس على خامات النحـاس، ولكن آرام (هدد عزر) وقف لشاؤول وصده. إلا أن نمو المملكة العبرانية في عهد داود رجَّح كفة العبرانيين إذ هاجم إمارة دمشق وهزم ملكها واحتلت قواته مدينة دمشق بعض الوقت.
وبعد انقسام المملكة العبرانية، كان ملوك الدولتين العبرانيتين يتنافسون في التقرب من بلاط دمشق. فقد أهدى ملك المملكة الجنوبية أمير دمشق (بن هدد) كثيراً من كنوز الهيكل. واستغل ملوك آرام دمشق المملكة الجنوبية في صراعها مع المملكة الشمالية. وانتزع بن هدد جلعاد والأردن منها، وأصبحت المملكة الشمالية إمارة تدين بالتبعية لملك دمشق وظلت تدفع الجزية حتى عام 875 ق.م حينما سطع نجم آشور. عندئذ كوَّن بن هدد حلفاً عظيماً من اثنى عشر أميراً وانضم له ملوك المملكتين العبرانيتين، كما اشترك ملك حماة ودخلت المدن الفينيقية في التحالف. والتقوا جميعهم في معركة قرقر عام 853 ق.م التي لم تكن نتيجتها حاسمة وتراجع الآشوريون بعدها. وفي عام 805 ق.م، حاصر الآشوريون دمشق وأجبروا ملكها على دفع إتاوة ضخمة لهم. واستغل ملوك المملكة الشمالية الفرصة لاستعادة بعض المناطق التي كانت آرام دمشق قد احتلتها من قبل، وذلك بالتحالف معها مرة أخرى (عام 738 ق.م) ضد آشور. لكن تيجلات بلاسر الثالث جرَّد حملة عليها عام 733 ـ 732 ق.م، فنهبها وهجَّر سكانها وأنهى وجودها كدولة مستقلة.
آرام نهــــــرايم
Aram-Naharaim
«آرام نهرايم» عبارة معناها «آرام النهرين». وقد جاء ذكر آرام نهرايم في الوثائق المصرية القديمة باسم «نهرين»، وهي دويلة من الدويلات التي أسسها الآراميون شمالي سوريا في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ولما ترجم اليونانيون التوراة إلى اليونانية أطلقوا عليها اسم «ميزوبوتاميا»، أي «بلاد ما بين النهرين». وبحسب الرواية التوراتية، أتى معظـم الآبــاء اليهـود من هذه المنطقة.
بــن هــدد (900-842 ق.م)
Ben-Hadad
«بن هدد» اسم ثلاثة من ملوك آرام دمشق:
1 ـ ملك حكم آرام دمشق في زمن آسا ملك المملكة الجنوبية (908 ـ 886 ق.م) وتحالف معه ضد بعشا ملك المملكة الشمالية.
2 ـ ابن أو حفيد بن هدد ملك آرام دمشق سابق الذكر، وقد أعلن حرباً على المملكة الشمالية عام 856 ق.م ولكنه هُزم وأُسر. ولكن آخاب أطلق سراحه وتحالف معه في الحرب ضد شلمانصر الثالث الآشوري عام 853 ق.م.
3 ـ ملك حكم بين القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد. وقد هُزم ثلاث مرات على يد يهوآحاز ملك المملكة الشمالية، ولكنه عاد واستردّ المدن التي كان قد فقدها.
الكنعانيــون
Cannanites
كلمة «كنعانيّ» هي صيغة النسب إلى «كنعان»، وهي كلمة حورية تعني «الصبغ القرمزي» وهو الصبغ الذي كان الكنعانيون يصنعونه ويتاجرون فيه. وتبعاً لجدول أنساب سفر التكوين، فإن الكنعانيين هم نسل كنعان بن حام بن نوح. وقد صُنِّفوا في العهد القديم باعتبارهم من الحاميين مع أنهم من الساميين ولغتهم سامية، وذلك ربما لتبرير الحروب التي نشبت بينهم وبين العبرانيين.
لكن الكنعانيين، في الواقع، قبائل سامية نزحت منذ زمن بعيد من صحراء شبه الجزيرة العربية أو الصحراء السورية، وربما يكون قد تم ذلك في النصف الأول من الألف الثالث في شكل هجرات مكثفة. وهم ثاني جماعة سامية (بعد العموريين)، لعبت دوراً مهماً في تاريخ سوريا وأرض كنعان. وينتسب الفريقان إلى موجة الهجرة نفسها. ولذلك، فإن الاختلاف بينهما يكاد يكون معدوماً. وقد نشأ الاختلاف نتيجة أن العموريين أقاموا في شمالي سوريا فتعرضوا لتأثيرات سومرية بابلية، بينما كان مركز الكنعانيين الجغرافي في أرض كنعان والساحل، ولذلك كان تأثرهم بالمصريين والحيثيين والعرب.
والاختلاف اللغوي بين العموريين والكنعانيين هو اختلاف في اللهجة، كما أن اللغتين الكنعانية والعمورية من الفرع السامي الشمالي الغربي الذي يضم العبرية ويتميز عن الفرع الجنوبي الغربي الذي يضم العربية. وقد بقيت سيادة الكنعانيين في أرض كنعان كشعب وقوة حضارية منذ زمن سحيق وحتى التهجير البابلي. وقد أصبحت لفظة «كنعان» تُطلَق على جميع سكان البلاد دون أي مدلول عرْقي، بل كانت تتسع أحياناً لتصبح مرادفة لكلمة «فينيقي» وهو استخدام يوافق عليه كثير من المؤرخين. ويرتبط تاريخ الكنعانيين إلى حدٍّ كبير بالتاريخ المصري. ففي الأسرة الثانية عـشرة (2000 ـ 1786 ق.م)، ضمت مصر أرض كنعان، فعمها الرخاء عن طريق الاتجار مع وادي النيل.
وقد غزا الحوريون أرض كنعان في أواسط القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وجمعوا أعداداً كبيرة من المرتزقة الكنعانيين إلى جانب العبرانيين. وهذه الجماعة هي التي يُطلَق عليها اسم «الهكسوس» الذين احتلوا مصر إلى أن طردهم أحمس عام 1570 ق.م، ثم قام تحتمس الثالث (1500 ـ 1450 ق.م) بضم أرض كنعان. وبدخول الكنعانيين في فلك الحكم المصري (في الأسرة الثامنة عشرة)، نعمت كنعان مرة أخرى بالهدوء والاستقرار بسبب تدفق التجارة. ولكن مع ضعف الدولة المركزية في مصر في عصر إخناتون، وفشلها في تزويد حاكم كنعان بالمعونات التي طلبها، تمكن الخابيرو من التسلل إليها. ومع قيام الأسرة التاسعة عشرة (1320 ـ 1200 ق.م) عادت كنعان إلى الهيمنة المصرية مرة أخرى. وفي هذه الفترة بدأ التسلل العبراني في كنعان (1250 ـ 1200 ق.م)، فاختلط العبرانيون بسكانها من الكنعانيين وغيرهم، واستوعَبوا حضارتهم واستُوعبوا فيها.
وكان الكنعانيون ينتظمون في جماعات صغيرة على رأس كل منها ملك يعيش في مدينة محصنة تُعَدُّ المدينة الأم، حولها أرض مزروعة تتناثر فيها القرى التي تُعَدُّ بنات المدينة الأم. وقد كانت هذه الدويلات المدن في حالة نزاع مستمر. ولا تزال معظم المدن في فلسطين تحمل أسماء كنعانية واضحة، مثل: أريحا وبيسان ومجدو.
والكنعانيون أول من اكتشف النحاس وجمعوا بينه وبين القصدير لإنتاج البرونز. كما استخدموا الذهب والفضة في تطعيم العاج، واستعملوا الحديد في مراحل متأخرة. وازدهرت عندهم أيضاً صناعة الأصباغ ولاسيما القرمز والأرجوان اللذين اقترنا باسمهم. وهم الذين اخترعوا السفن فازدهرت التجارة، واشتغلوا بزراعة الكروم والبن والمحاصيل الأساسية، مثل: القمح والعنب والزيتون. برع الكنعانيون في فن البناء وإنشاء القلاع والتحصينات، ربما بسبب انقسامهم إلى مدن/دول متصارعة، وقاموا بأعمال هندسية ضخمة لإيصال المياه إليها. وكانت الأبنية الدينية تتكون، في الغالب، من أراض في العراء تحيط بها أسوار وكانت تضم مذبحاً وحجرة أو أكثر مبنية بالحجر. وكان للمدن الكبيرة معابد مسقوف بناؤها، وهي أبنية أقرب إلى نمط أرض الرافدين. وقد تأثر الكنعانيون في فنونهم، وخصوصاً في النحت، بالمصريين والبابليين، كما تأثروا بفنون الشعوب الأخرى التي غزت المنطقة واستوعبتها. كما كان حفر الصور البارزة فناً مزدهراً نسـبياً في كنعان مثلها مثل سـائر أنحاء الشـرق الأدنى القديم. فثمة أنصاب محفور عليها كالنصب المشهور للإله بعل في أوجاريت. ولكن الجزء الأكبر من الرسوم البارزة الكنعانية زخارف على أشياء صغيرة وُجد أهمها في أوجاريت مثل الطبق الذي رُسم عليه بالذهب البارز منظر صيد. وقد انتشر استعمال الأختام وتقدمت صناعتها. والشيء نفسه ينطبق على الحُلي وغيرها من أدوات الزينة.
يُعَدُّ الكنعانيون أول من اخترع حروف الكتابة. وقد استعار منهم الفينيقيون، كما أخذ عنهم العبرانيون فيما بعد، أبجديتهم. والأدب الكنعاني الذي وصلنا هو أساساً من الشعر، وأهم الأعمال الأدبية ملحمة الإله بعل والإلهة عنت و تبدأ بالصراع بين بعل وإله البحر، وتنتهي بانتصار بعل. وتدور الملحمة حول قصة ذبح بعل ونزوله إلى مملكة الموتى التي يحكمها الإله موت حيث يؤدي اختفاء بعل إلى تَوقُّف الحياة على الأرض، وهنا تأتي الإلهة عنت بالإله موت وتذبحه. وهكذا يعود بعل إلى الأرض ومعه الخصوبة والوفرة. وتقوم القصة في معظمها على دورة الفصول، فالإله بعل مثلاً إله المطر والخصب ويحكم الأرض من سبتمبر إلى مايو، وموت إله الجدب والموت ويحل محل بعل في الصيف.
يتبع إن شاء الله...