أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الجزء السادس: الهجرة إلي المدينة الخميس 21 مارس 2013, 8:11 am | |
| الجزء السادس
الهجرة إلي المدينة
أستمر نشاط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علي الرغم من أذي المشركين الذي لا يفتر لقتل عزيمته ومنعه من التأثير علي القبائل التي تأتي من هنا وهناك للحج..
فلما رأى الأنصار من أهل المدينة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو الناس إلى اللَّه وتأملوا أحواله...
قال بعضهم لبعض: تعلمون واللَّه يا قوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه.
وعلي الفور طلبوا لقاءه, وتم ذلك ولقي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند العقبة: ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج.
ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا..
ثم رجعوا إلى المدينة، فدعوا قومهم إلى الإسلام فأسلم منهم مَنْ هداهُ اللهُ تعالي وسميت هذه ببيعة العقبة الأولي.
** بيعة العقبة الثانية:
وفي العام التالي جاء منهم اثنا عشر رجلاً وبايعوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فلما انصرفوا بعث معهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مصعب بن عمير، وأمره أن يُقرئهم القرآن ويُعلمهم الإسلام, فكان سيدنا مصعب أول سفير في الإسلام..
ونجح سيدنا مصعب في مهمته تلك نجاحاً باهراً حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
فلما كان من العام المقبل وجاء موسم الحج ذهبوا إلي مكة.. وعند العقبة بعد ما انقضى حجهم اجتمعوا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليبايعوه للمرة الثانية..
فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: «أبايعكم على أن تمنعوني -إذا قدمت عليكم- مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ولكم الجنة» , وبايع الجميع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وكانوا: سبعين رجلا وامرأتين.
وهكذا مهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهجرته إلي المدينة التي ساهم من بايع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند العقبة الأولي والثانية في نشر الإسلام فيها, حتي شتاق كل أهل المدينة للقاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومبايعته ونصرته.
ووجدوا فيه المنقذ لما يحدث بين قبائلها من حروب طاحنة يشعلها يهود المدينة..
نعم.. وجدوا في دعوته ما يجمعهم علي كلمة سواء, وينهي العدواة بينهم وينشر الأمن والسلام والمحبة والوئام.
**طلائع الهجرة:
بعد أن أطمئن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لاستعداد أهل المدينة للدفاع ونصر ونشر الدين الجديد أذن للمسلمين في الهجرة إلى المدينة...
والمدينة النبوية سميت بذلك بعد هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليها وغلب ذلك علي أسمائها الأخرى مثل" يثرب", و طيبة..
فهاجر إليها من هاجر فراراً بدينه تاركاً ماله وداره في سبيل الله تعالي...
هاجروا يتبع بعضهم بعضا...
ولم يبق منهم بمكة أحد إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر وعلي.. ومن احتبسه المشركون كرها.
وأعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جهازه ينتظر متى يُؤمر بالخروج وكذلك أبو بكر, وحانت اللحظات الحاسمة لهجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلي المدينة المنورة التي صار أهلها من الأنصار تترقب بكل شغف ومحبة مقدمه -صلى اللَّه عليه وسلم- لينصروه بأرواحهم وأموالهم.
**كيد المشركين للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-:
لما رأى المشركون أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد تجهزوا وخرجوا بأهليهم مهاجرين إلى المدينة.. جن جنونهم وخافوا خروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لماذا؟
لأنهم أن كانوا لا يستطيعون وقف دعوته وتسفيهه لآلهتهم وهو بينهم, ولهم القدرة علي الوصول إليه وأذيته -صلى اللَّه عليه وسلم-.. فكيف يقدرون علي محاربته وهو بعيدٌ عنهم لا يقدرون علي أذيته البتة؟!
وكيف لو صارت له قوة عندما يكثر إتباعه ويعود لمحاربتهم؟
كان الأمر بالنسبة لهم خطير...
فاجتمعوا في دار الندوة للنظر بشأنه...
وحضر إبليس-لعنه الله- في صورة شيخ من أهل نجد...
وأشار كل منهم برأيه الشيطاني, والشيخ النجدي -الشيطان- يرد رأيهم جميعاً...
فقال أبو جهل: قد فرق لي فيه برأي ما أراكم وقعتم عليه...
قالوا: ما هو؟
قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً جلداً -شديداً- ثم نعطيه سيفاً صارماً، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل... فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع.. ولا يمكنها معاداة القبائل كلها، ونسوق ديته..
فقال الشيخ النجدي: للَّه در هذا الفتى, هذا واللَّه الرأي, فتفرقوا على ذلك.
وظن الجميع أن كيدهم سيفلح ولكن الله تعالي كان لهم بالمرصاد.
فأمر الله سبحانه و تعالى جبريل -عليه السلام- أن يخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكيدهم, وأن يأمره ألا ينام في سريره تلك الليلة -صلى اللَّه عليه وسلم-.
** النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصديق:
بعد أن أذن الله تعالي لرسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهجرة ذهب علي الفور للصديق –رضي الله عنه- في ساعة لم يكن يأتيه فيها متقنعاً حتي لا يراه أحد من المشركين.. ووجد أهله معه في البيت فقال له: "أخرج من عندك"..
فقال الصديق: إنما هم أهلك يا رسول اللَّه.
فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه قد أذن لي في الخروج"..
فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول اللَّه.
قال: "نعم" فقال أبو بكر: فخذ -بأبي أنت وأمي- إحدى راحلتي هاتين فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: بالثمن».
ثم وضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- معه خطة الهجرة، ورجع إلى بيته ينتظر مجىء الليل, وقد استمر في أعماله اليومية ككل يوم حتى لا يشعر أحد من المشركين أنه يستعد للهجرة..
**كيد المشركين:
اجتمع أولئك النفر أمام بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينتظرون خروجه لقتله...
وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدرك ذلك, ولكي يخدع المشركين ويرد كيدهم أمر عليًا -رضي الله عنه- تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه.
فلما كانت عتمة الليل وساد الهدوء، ونام عامة الناس, اجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائمًا.. وانتظروا حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، وقتلوه..
**ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين:
كان من مكر المشركين ما بيناه أنفاً من قتل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند خروجه من منزله..
ولكن الله غالب على أمره، بيده ملكوت السموات والأرض، يفعل ما يشاء، وهو يجير ولا يجـار عليه...
وأصاب الله تعالي مجرمي المشركين بالعمى الموقت فعجزوا عن رؤيته?...
وخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومر بينهم وأخذ حفنة من التراب فذرَّها على رءوسهم وهو يتلو قوله تعالي: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (سورة يس: 9).
وصدق الله القائل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، (سورة الأنفال: 30).
ومضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلي بيت الصديق أبي بكر لتنفيذ خطة الهجرة...
هذا من جهة ومن جهة أخري جاء رجل فرأى القوم بباب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: محمداً...
قال: خبتم وخسرتم قد واللَّه مر بكم وذرَّ على رءوسكم التراب.
قالوا: واللَّه ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم.
فلما أصبحوا: قام علي -رضي اللَّه عنه- عن الفراش فسألوه عن محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال لا علم لي به...
وهكذا أستطاع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصديق الفرار ورد كيد المشركين في نحورهم بفضل الله وكرمه.
وكانا قد استأجرا هاديًا يرشدهم لطريق المدينة أسمه: "عبد اللَّه بن أريقط" وكان ماهراً -وكان على دين قومه- وأمناه على ذلك وسلما إليه راحلتيهما,وحسب الخطة كان عليهم الاختباء عن عيون المشركين فترة حتي يدب فيهم اليأس فيتركوا البحث عنهم .. وكان مكان الاختباء غار ثور..
لذلك أتفقا مع دليلهم "عبد الله بن أريقط" على أن يإتيهم بعد ثلاثة أيام.
** البحث عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصديق:
جن جنون المشركين بعد أن فر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من المكيدة التي دبروها له..
وتتبعوا آثاره للحاق به وقتله..
حتى انتهوا إلى باب الغار فوقفوا عليه..
فقال أبو بكر وهو في داخل الغار: «يا رسول اللَّه لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟.
وكانا يسمعان كلامهم إلا أن اللَّه عمى على المشركين أمرهما.
وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة.
وخلال المدة المتفق عليها ظل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصديق داخل الغار يأتي لهم بالأخبار راعي غنم لأبي بكر أسمه: "عامر بن فهيرة", وكذلك عبد الله بن أبي بكر الصديق..
وبعد ثلاثة أيام جاءهما "ابن أريقط" بالراحلتين كما اتفقا معه بعد أن دب اليأس في قلوب المشركين من معرفة مكانها وارتحلا، وسلك بهما طريقًا لم يكن يسلكه أحد إلا نادرًا.
** أهل المدينة وفرحة اللقاء:
سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجراً إليهم...
فكانوا كل صباح يذهبون ظاهر المدينة إلى الحَرَّة الجنوبية، فينتظرونه حتى يشتد حر الظهيرة فيعودون إلي بيوتهم..
وهكذا يومًا بعد يوم حتي طال الأمر عليهم..
فلما أووا إلى بيوتهم رآه رجل من يهود المدينة وأبصر برسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه... وصاح بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون..
وبمجرد النداء أنقلبت المدينة رأساً علي عقب..
الكل يهرول للقاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وكانت المدينة كلها قد زحفت لاستقباله...
وكان يومًا مشهودًا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها.
**تأسيس مسجد قباء:
نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء -وهي ضاحية من ضواحي المدينة علي بعد ثلاث أميال منها- على كلثوم بن الهدم، وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس.
وأسس مسجد قباء وصلى فيه بالناس، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة كما قال تعالي: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)) (التوبة: 108).
فلما كان اليوم الخامس ـيوم الجمعةـ سار نحو المدينة، وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادى، وكانوا مائة رجل.
**الدخول إلى المدينة:
ثم سار النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الجمعة حتى دخل المدينة... وعندما دخل لمدينة... ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح..
وكان الجميع يتسابق ليأخذ بلجام راحلته ليكون له شرف استضافته -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فيقول لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: [خلٌّوا سبيلها فإنها مأمورة]...
فلم تزل سائرة به حتى وصلت إلى موضع المسجد النبوى اليوم ثم بركت ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلًا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول...
وهنا نزل عنها -صلى الله عليه وسلم-، وذلك في بني النجار -أخواله- وكان من توفيق الله لها، فإنه أحب أن ينزل على أخواله، يكرمهم بذلك...
ثم قال نبى الله -صلى الله عليه وسلم-: [أي بيوت أهلنا أقرب؟]
فقال أبو أيوب الأنصاري: أنا يا رسول الله، هذه دارى، وهذا بابي.
قال: [فانطلق فهيئ لنا مقيلًا]، قال: قوما على بركة الله.
وبعد أيام من وصوله -صلى الله عليه وسلم-, وصلت إليه زوجته سَوْدَة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص، لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.
وهكذا انتهت رحلة الهجرة الشاقة وأجتمع الشمل...
ولكن هل استراح النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكتفي بذلك؟
كلا, لم يسترح النبي -صلى الله عليه وسلم- لحظة... بل بدأ ببناء المسجد كخطوة أولي لتعليم الناس وتفقيههم في أمور الدين وإقامة شعائره.
ثم تبع ذلك بخطوات أخري كثيرة مؤثرة سنذكرها في السطور التالية...
**بناء المسجد النبوي:
كان أول عمل للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة الشروع في بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم..
وكان ملك لغلامين فاشتراه النبي -صلى الله عليه وسلم- منهما.
ثم أمر ببنائه وشارك بنفسه -صلى الله عليه وسلم- في بنائه، فكان ينقل اللبِن والحجارة..
ويقول ويقول معه المسلمين:
اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة.
وكان ذلك يزيد من نشاط الصحابة وحماسهم في العمل...
وسط هذا الحماس والأمان وجو المحبة الذي شاع بين المسلمين في المدينة انتهي بناء لمسجد النبوي سريعاً..
**المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام.
وقد كان الجميع عند حسن ظن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بهم..
وامتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير بين الجميع.
**المعاهدة مع اليهود:
في المدينة يقيم يهودها الذين لم يسلموا..
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يأمن جانبهم بعد أن أرسى قواعد مجتمع جديد وأمة إسلامية جديدة..
وكان يعلم طبيعتهم وقسوة قلوبهم وأنهم كانوا يبطنون العداوة للمسلمين, وأن كانوا يتظاهرون بغير ذلك وقتها..
ومع ذلك كله عقد معهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاهدة قرر لهم فيها النصح والخير... وترك لهم فيها الحرية في الدين والمال... ولم يطردهم ولم يسلبهم شيئاً ما لم يخالفوا بنود المعاهدة...
ولكن للأسف غدروا بل وأرادوا قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بعد, فكان رد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وبأمر الله تعالي شديداً وطردهم من المدينة.
وبعد أن استقر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة وتم بناء المسجد ,والاتفاق مع يهود المدينة...
جاءت أخطر الخطوات وأصعبها وهي الدفاع عن هذه الإنجازات من استفزازات قريش وأهلها من المشركين وإعادة حقوقهم المسلوبة منهم..
فلم يستسلم كفار قريش بعد أن فر النبي -صلى الله عليه وسلم- من بينهم, وإنما ظلوا يتمنون قتله في أي مكان يذهب إليه..
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ذلك جيداً..
فقد تأكد لدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهراً، أو في حرس من الصحابة.
وهاهي أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- تبين لنا ذلك عندما قالت: سهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمه المدينة ليلة فقال: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة)...
قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من هذا؟) قال: سعد بن أبي وقاص...
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما جاء بك؟) فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم نام, واستمرت حراسة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل قوله تعالي: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]..
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: (يا أيها الناس، انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل).
وهنا ينتهي الجزء السادس, ونشرع في الجزء السابع في الحديث عن جهاد النبي وغزواته وسراياه للدفاع عن دين لله تعالي..
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي الرسول الأمين وعلي آله وصحبه جمعين.
|
|