أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: حلف المطيبين وحلف الفضول.. ودروس في العمل الجماعي السبت 02 مارس 2013, 6:26 am | |
| حلف المطيبين وحلف الفضول.. ودروس في العمل الجماعي
محمد مسعد ياقوت**
بِسمْ اللهِ الرَحَمنْ الرَحِيـمْ
أسس العربُ -قبل البعث-،حلفين أو هيئتين إصلاحيتين، بهدف نصرة المظلوم وردع الظالمين.
الحلف الأول:
هو حلف الْمُطَيّبِينَ، وسبب تأسيس هذا الحلف أن فريقًا من قريش أجمعو على أن يأخذوا من بني عبد الدار الحجابة –أي شرف خدمة الكعبة-، واللواء –أي شرف حمل اللواء في الحروب-، والسقاية –أي شرف سقي الماء للحجيج-، فهذه المكرمات الثلاثة لم تجتمع في أي عائلة من عائلات العرب، فحقد عليهم الحاقدون، ومشوا في نزع هذا الشرف وتقسيمه، فتفرقت عند ذلك قريش ، واختلفت الآراء، فاستنصر بنو عبد الدار أصحاب النخوة والرجولة، فاجتمع أنصار بني عبد الدار، فأخرج بنو عبد مناف قصعة مملوءة طيبًا.
ثم غمس الحضور أيديهم فيها، فتعاقدوا وتعاهدوا، على نصرة بني عبد الدار والمظلومين من بعدهم، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسموا المطيبين [انظر: ابن هشام 1/130-132] .
ثم اصطلحوا واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبنى عبد مناف، وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بنى عبد الدار، فانبرم الأمر على ذلك واستمر [ابن كثير (السيرة) 1/101]. ولم يشهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم– هذا الحلف.
الحلف الثاني
حلف الفضول، وهم جماعة من المطيبين، وقد شارك فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وهو في سن العشرين، وكان من أمر هذه الهيئة الإصلاحية؛ أن تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول [انظر: ابن هشام: 1/134،135].
قال ابن كثير:
وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.
وكان سببه أن رجلاً غريبًا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الغريبُ أهل الفضل في مكة، فخذله فريق، ونصره الآخر، ثم كان من أمرهم ما ذكرناه، وقد وتحالفوا في ذى القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وعلى التأسى في المعاش.
ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوها إليه.
التأصيل الشرعي للجماعات الإصلاحية:
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في هذا حلف الفضول:
"شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ [يقصد حلف الفضول فهم في الأصل من جماعة المطيبين] مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" [أحمد، برقم 1567، وهو في السلسلة الصحيحة].
وقال أيضًا:
"لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت" [ابن هشام: 1/133].
هذا وهو الموقف الإسلامي من أي جماعة غير إسلامية تتخصص في أعمال الخير أو نصرة المظلومين أو إغاثة المنكوبين..
موقف واضح، بيِّن، وهو تشجيعها والمشاركة في أعمالها الإصلاحية..
فإذا عمد نفر من النصارى –مثلاً- إلى ممارسة عمل خيري بحت، غير مبطن بتنصير، أو معادة للإسلام أو محاداة لنبيه –صلى الله عليه وسلم-، فلا بأس من المشاركة فيه.. من قبيل التعاون على البر والتقوى.
أما تلك الجماعات التي تتخذ من العمل الخيري غلافًا لإفساد الإخلاق أو الحرب على الإسلام –كتلك الجماعات الماسونية كالروتاري والليونز– فمحاربتها أوجب من السكوت عنها.
وإذا كان شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع جماعات المشركين، المحترمة، المتخصصة في نصر المظلوم وزَبر الظالم، هو المؤازرة والمشاركة، فما بالك بشأن المسلم من جماعات الإصلاح المسلمة، والهيئات الإسلامية المتنوعة، والمتخصصة في شتى مناحي العمل الإنساني الخيري، كالتكافل، ورعاية الضعاف، وإغاثة الملهوفين، وكفالة الأيتام، والدفاع عن حقوق الإنسان، والدفاع عن حقوق الأسرى والسجناء، ومنافحة الظلم والفساد والدفاع عن الحريات..؟.
لا شك أن نصرة هذه الجماعات أوجب، ودعمها أولى، والمشاركة فيها أولى وأبقى وأجدى.
ولقد حث الله المسلمين على إنشاء جماعات دعوية لإرشاد الناس وتعليمهم الخير، فقال –تعالى-: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [ آل عمران: 104، 105].
قال ابن كثير:
"{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أي: منتصبة للقيام بأمر الله، في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" [ابن كثير (التفسير): 2/91].
ثم قال:
" والمقصود من هذه الآية أن تكون فرْقَة من الأمَّة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ". وفي رواية: "وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" [ابن كثير (التفسير): 2/91].
وقال الطبري –في تفسير هذه الآية-:
"ولتكن منكم -أيها المؤمنون- "أمة"، يقول: جماعة- "يدعون" الناس "إلى الخير"، يعني إلى الإسلام وشرائعه " [تفسير الطبري 7 / 90].
ويقول سيد قطب في ظلال هذه الآية:
"لا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر...
"إن قيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي ذاته.
فهذه الجماعة هي الوسط الذي يتنفس فيه هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية.
هو الوسط الخير المتكافل المتعاون على دعوة الخير...
"وهكذا قامت الجماعة المسلمة الأولى -في المدينة- على هاتين الركيزتين.. على الإيمان بالله: ذلك الإيمان المنبثق من معرفة الله -سبحانه- وتَمَثُّلِ صفاته في الضمائر؛ وتقواه ومراقبته، واليقظة والحساسية إلى حد غير معهود إلا في الندرة من الأحوال. وعلى الحب. الحب الفياض الرائق والود. الود العذب الجميل، والتكافل. التكافل الجاد العميق..
وعلى مثل ذلك الإيمان ومثل هذه الأخوة يقوم منهج الله في الأرض في كل زمان.." [الظلال، سورة آل عمران، تفسير الآية: 104].
الفرق بين جماعة السلطان وجماعة غير السلطان:
يلزم على الحكومةالإسلامية إنشاء هيئة أو جماعة - داخل الدولة - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الجماعة الحكومية الموكلة من ولي أمر المسلمين يجوز لها وحدها استخدام " القوة " في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإقرار المعروف وإنكار المنكر..
إما سواها من الجماعات الإسلامية أو الهيئات الشعبية داخل المجتمع الإسلامي فلا يجوز لها استخدام "القوة" لإقامة العدل بين المسلمين، بل النصح والدعوة باللسان.
فالسلطان له وحده صفة استخدام الضرب في ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن "لم يمتثل [المأمور] هدده بالضرب، فإن لم يمتثل ضربه بالفعل، فإن لم يمتثل أشهر له السلاح إن وجب قتله، ولا ينتقل عن مرتبة إلا عند عدم إفادة ما قبلها، وأما غير نحو السلطان فإنما يأمر وينهى بالقول الأرفق فالأرفق وإليه الإشارة بقوله: (فإن لم يقدر) المكلف على الأمر أو النهي بيده لكونه غير سلطان" [الفواكه الدواني 8/162].
ومثال لاستخدام القوة من قبل جماعة السلطان، قول الحق تبارك وتعالى: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الحجرات: 9].
أما حُكم كل من الجماعتين، فنرى أن جماعة السلطان، واجبة ولازمة، فيجب على الحكومة إقامة جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فقد خول الإسلامُ "القوة" إلى السلطان لإقامة العدل.
أما جماعة غير السلطان، فهي فرض كفاية، إذا قامت بها فئة من أبناء الشعب سقطت عن فرضيتها عن الآخرين. ولكن يُندم وجود عدة جماعات أهلية دعوية داخل المجتمع. للمشاركة والمنافسة في الخير.
هل يجوز للجماعة الدعوية مقاومة السلطان الفاسد؟
الأصل في ذلك الجواز، ما لم يترتب على تغيير المنكر حدوث منكر أكبر منه، بمعنى إذا ترتب على محاولة إزاحة السلطان الجائر سفك الدماء وهتك الأعراض، فلا يجوز الخروج عليه، كذلك إذا كان من شأن الخروج على السلطان الجائر استئصال الجماعة الدعوية، فلا يجوز لهذه الجماعة أن تخرج، وعليها أن تستأنف العمل الدعوي بالموعظة الحسنة والإرشاد. قال سعيدُ بنُ جبير : قلتُ لابن عباس: آمرُ السُّلطانَ بالمعروفِ وأنهاه عن المنكر؟ قال: إنْ خِفتَ أن يقتُلَك، فلا" [ابن أبي شيبة ( 38307 )].
فإذا قامت الجماعة الدعوية، إلى الإمام الجائر آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، فقام الحاكمُ على إثر ذلك بإعمال القتل فيهم وغلبهم، فهم من أسياد الشهداء: قال -صلى الله عليه وسلم-: "سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فنهاه وأمره، فقتله" [الطبراني (الأوسط): 4227، وهو في السلسلة الصحيحة 374].
هذا، وفي كل خير: من جاهدهم بيده، ومن جاهدهم بلسانه، ومن جاهدهم بقلبه. يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" [مسلم: 71].
وتظل مهمة تغيير الأنظمة الفاسدة أو المستبدة منوطة بالشعوب، فالشعب وحدة يتحمل تبعة السكوت عن جور الجائرين وظلم الظالمين، الذين تسلقوا إلى سدة الحكم بغير حق، فأظهروا في الأرض الفساد، عند ذلك قال الله عن الشعب المطيع لسلاطين الجور –في قصة فرعون-: "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54]..
فاتهم الشعب الذي خذل أهل الحق وساند أئمة الباطل بالفسق!
وإذا كان خلع أئئمة الجور فريضة على الشعوب، فإن الخروج على الأئمة الشرعيين من أكبر الكبائر، اللهم إلا إذا بدر منهم الكفر البواح: فعن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:" دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" [البخاري 6532، ومسلم 3427].
وهناك من الأئمة الأكابر، من يُفصَّل، ويفرق بين التغير باليد والتغيير بالسلاح، وهو الأصوب:
قال أحمد:
التَّغييرُ باليد ليسَ بالسَّيف والسِّلاح، وحينئذٍ فجهادُ الأمراءِ باليد أنْ يُزيلَ بيده ما فعلوه مِنَ المنكرات، مثل أنْ يُريق خمورَهم أو يكسِرَ آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به مِنَ الظُّلم إن كان له قُدرةٌ على ذلك، وكلُّ هذا جائزٌ، وليس هو من باب قتالهم، ولا مِنَ الخروج عليهم الذي ورد النَّهيُ عنه، فإنَّ هذا أكثرُ ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده. وأما الخروج عليهم بالسَّيف، فيخشى منه الفتنُ التي تؤدِّي إلى سفك دماءِ المسلمين. نعم، إنْ خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهلَه أو جيرانه، لم ينبغِ له التعرُّض لهم حينئذ، لما فيه مِنْ تعدِّي الأذى إلى غيره، كذلك قال الفضيلُ بنُ عياض وغيره. [انظر: جامع العلوم والحكم، شرح الحديث الرابع].
موقف المسلم المعاصر من الجماعات الدعوية:
إن العمل في الإسلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل في الأرض، فرض على كل مسلم ومسلمة..
ولما كانت هذه المهمة لا تقوم إلا بالأيادي المجتعمة، والقلوب المتحدة، والإخوان الصادقين، كان العمل الإسلامي الجماعي أولى وأفضل من العمل الإسلامي الفردي، وكانت الجماعة المنظمة أكثر أثرًا من الآحاد..
وكان الفرد في الجماعة أقوى من الفرد الذي لا ينتظم في عمل جماعي.. والأخير الشاذ أقرب إلى الشيطان وأقرب إلى الذلل..
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" [الحاكم: 721، عن أبي الدرداء، وصححه الألباني].
والغنم القاصية: هي المنفردة عن القطيع، البعيدة عن الراعي..
وفي الأثر:
إن الشيطان أبعد من الاثنين وأقرب إلى الواحد... والجماعة رحمة والفرقة عذاب.. لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل وحده... الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب.
ومن ثم فإن موقف المسلم المنتظم في جماعة دعوية يتمثل في الإنتظام والسمع والطاعة في غير معصية، والنصح والبر للجماعة.
أما المسلم غير المنتظم في جماعة من الجماعات الدعوية، القاصي وحده، سواء الداعي إلى الله بمفرده أو الخامل المترقب، فموقفه يتمثل في المشاركة الإيجابية قدر استطاعته في الإنشطة الجماعية التي تهدف إلى خدمة الإسلام، والنصح والبر لكل الجماعات الدعوية المخلصة، واحترام منهجها و وقيادتها وأعضائها.
فيكفي فضل الجماعات الدعوية على آحاد الناس، أن قامت بعبء الدعوة الجماعية، وأسقطت الفرض العيني عن كاهل أبناء المجتمع.
فعلى أفراد المجتمع أن يشكروا لهذه الجماعات فضلها وبلائها وما قدمته للإسلام.
كيف يختار المسلم من بين الجماعات الدعوية؟
وإذا أراد المسلم أن يشارك في العمل الإسلامي الجماعي، وأن ينخرط بين صفوف الدعاة العاملين، فعليه أن يتريث، ويفكر، ويختار الأجدى، فجل الجماعات الإسلامية المعاصرة على الخير والحمد الله –إن شاء الله-، فكل جماعة قد امتازت في ميدان، وكل هيئة قد قامت على ثغر من ثغور الإسلام، وبرز علماء ودعاة ومفكرون أفذاذ من معظم الجماعات القائمة على الساحة ..
وكثيرًا ما نرى عالمًا كبيرًا أو مشروعًا خيريًا منتشرًا، أو فكرة دعوية ذائعة، كانت ثمرة من ثمرات هذه الجماعات المحترمة.
وعلى المسلم أن يضع نصب عينيه خمسة شروط ينبغي أن تتوفر في الجماعة التي يريد أن ينضم إليها:
أما الشرط الأول:
الأصالة:
ومعنى الأصالة أن يقوم منهج الجماعة على الكتاب والسنة، فيجب أن تكون الجماعة إسلامية صرفة، لا علمانية ولا قومية، ليست جماعة متسوردة من الغرب أو الشرق، إنما نابعة من الإسلام وعلى منهج الإسلام ولخدمة الإسلام.
الشرط الثاني:
الشمولية:
ومعنى الشمولية أن يتسم نشاط الجماعة بالشمولية، أي تعمل للإسلام في جميع المجالات؛ في المجال الإيماني والعقدي، في المجال السياسي، في المجال الاجتماعي، في المجال الاقتصادي، في المجال الأسري، في المجال الأخلاقي، في المجال الثقافي، في المجال الحضاري.. فلا تُغرق الجماعة نفسها في نشاط وتُميت آخر، وحتى لا يتصور العامَّةُ أن الإسلام كان مقتصرًا على المجال الإيماني دون المجال السياسي أو غيره.
الشرط الثالث:
الوضوح:
ينبغي أن يكون منهج الجماعة في التغيير والإصلاح واضحًا وضوح الشمس الوضَّاحة.. إن المناهج الغامضة تخلق أفردًا غامضون، ويتمخض عنها أنظمة ملتوية، تضر أكثر مما تصلح.
ومن ثم يجب أن يكون لهذه الجماعة أدبيات منشورة أو مطبوعة، توضح تاريخها، وتبين منهجها، وأهدافها ووسائلها بجلاء.
فإذا اقتربت من جماعة فينبغي أولاً قبل الشروع في صفقة معها نحو الله، أن تعرف : تاريخ الجماعة ، أهداف الجماعة، وسائل الجماعة..
الشرط الثالث: الأخلاقية :
قال أمير الشعراء أحمد شوقي –رحمه الله -:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وكذلك الأمر في الجماعات، فالجماعة التي تلتزم بأصول الأخلاق الإسلامية -لا سيما في احترام الخلاف وعدم تجريح الدعاة وعدم الإغراق في الجزئيات وعدم الطعن في عقائد المسلمين– هي جماعات باقية إن شاء الله تعالى، منتصرة، ومؤيَدة، ماضية على المَحَجَّةِ البيضاء.
الشرط الرابع: التربوية:
فينبغي أن تكون جماعتك، جماعة تربوية بالإساس، فأنت ترى من بين الجماعات من تجنح إلى المنهج السياسي الصرف ومنها من تجنح إلى النحو القتالي المحض، أو الصوفي المُغرق، أو النصوصي المُهلك.
لكن الأولى والأشمل، والأحسن الأنجع، هي الجماعة التي تسلك سلوك الأنبياء وسبيل المجددين والمربين، إنه منهج التربية، ذلك المنهج الذي ترعرع فيه المسلمون الأوائل في محاضن دار الأرقم بن أبي الأرقم.
الشرط الخامس:
أن تسعى الجماعة لإعادة بناء الخلافة الإسلامية:
مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم– والأمة الإسلامية تحت قيادة واحدة، وعلى أرض إسلامية حرة، والشعوب الإسلامية نسيج واحد، وعلى هذا الدرب سار الخلفاء الراشدون –رضي الله عنهم– ومن بعدهم الأئمة والقادة الأعلام: أمثال عمر بن عبد العزيز ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح –رحمهم الله جميعًا– بيد أن القادة والشعوب الإسلامية طال بهم الأمد، فحادوا عن الجادة الإسلامية، -إلا من رحم الله– فُاحتلت أرض الإسلام وانتهكت مقدسات المسلمين، وأُسقطت الخلافة، فكان من الواجب على كل جماعة إسلامية صادقة مخلصة أن تعمل على تحرير الأرض والزود عن العرض وإقامة الخلافة في ربوع العالم.
فكل جماعة لم تجعل من إعادة بناء الخلافة هدفًا أساسيًا لها، هي جماعة غير متكاملة، وهي تخالف منهج الأولى، وتُضيع الوقت في تغيير المنكر الأصغر دون المنكر الأكبر، الذي إذا زال أزال الأصغر .
هذه الشروط الخمسة، إذا توفرت في جماعة، فتوكل على الله، واستخره، واعزم عزمتك، واستحضر نيتك، ولا تتأخر فيأكلك الوقت، وأسرع إلى كتائب الله ! فكن المتعلم الصبور، والعضو الفعال، والجندي المطيع، والداعية الصادق، والمفكر الناصح، والاجتماعي النشط، والسياسي الحاذق، والاقتصادي النافع..
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [ مسلم: 225].
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . ______________ ** عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمشرف العام على موقع نبي الرحمة، ومستشار لموقع إسلام أون لاين في النطاق الشرعي . yakoote@gmail.com http://yakut.blogspot.com/ هاتف 0020104420539 _______________ نقلاً عن موقع إخوان أون لاين
|
|