أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مختصر الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين الأحد 20 يناير 2013, 8:44 pm | |
| مختصر الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين
تأليف الشيخ حمود بن عبد الله التويجري
اختصار عبد الله بن جار الله الجار الله
غفر الله لهما ولوالديهما ولجميع المسلمين 1403هـ
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فإنَّ مما اشتدتْ به غُربة الإسلام مُشابَهةَ كثيرٍ منَ المسلمين لأعداء الله ورسوله، من اليهود والنَّصارى والمشرِكين، في أقْوالهم وأفعالِهم ولباسهم، وغير ذلك من أحوالهم، فتعيَّن على طلَبة العلم أن يُحَذِّروا الناس مما وقعوا فيه من هذه المشابهة الضَّارة، ويُبَيِّنوا لهم سوء عاقبتها، فوجدت من أهم الكتب لمعالجة هذه المشابهة والتحذير منها كتاب "الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مُشابهة المشركين"؛ تأليف: الشيخ/ حمود بن عبدالله التويجري -أثابَه الله تعالى- فأحببتُ أن أُقَرِّبه للقراء، وأختصره في صفحات معْدُودة؛ حيث إنَّ النفوس تَميل إلى الاختصار، وأحيل القارئ ببسط الأدلة وكلام أهل العلم عليها إلى الأصل، وقصدي بذلك نشْرُ العلم والنَّصيحة للمسلمين؛ لعلهم يتذكرون، فيتَّقون الله بفِعْل ما أمر، واجتناب ما نهى، وأن يحذروا ما حذّرهم الله ورسوله منه من مشابهة أعداء الله ورسوله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه أنيب. بسم الله الرحمن الرحيم
"الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مُشابهة المشركين"، هذا هو عنوان الكتاب الذي ألَّفه فضيلة الشيخ حمود بن عبدالله التويجري، والكتاب يقع في مائتين وأربعين صفحةً من الحجم المتوسط، ضمنه الشيخ ستة وأربعين نوعًا مما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين، وأيّد ذلك بالأدلة من الكتاب، والسنة، وكلام أهل العلم عليها، ولم يقلها من تلقاء نفسه، ولكن لما كان كثير من الناس وقعوا فيها، استغربوا إنكار بعضها، وقد قيل: إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس، فكُلَّما كثرت المعاصي، قلَّ مَن ينكرها؛ ولذا يقول الإمام ابن عقيل الحنبلي: من أهم الأمور: الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، ولو سكت المحقون، وتكلم المبطلون، لأَلِف النَّشْء ما شاهدوا، وأنكروا ما لم يشاهدوا، فمتى رام المتدين إحياء سنة أنكرها الناس عليه وظنوها بدعة...
وقد قدم للكتاب بمقدمة مفيدة موجزة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وأيَّد ما قاله الشيخ حمود في كتابه هذا من أوله إلى آخره.
وقد بدأ المؤلِّف كتابه بذكر الأحاديث الواردة في اتِّباع هذه الأمة لسنن من قبلهم من الأمم كاليهود والنَّصارى، ثم ذكر من الأحاديث ما فيه تحذير المؤمنين من التشبُّه بأعداء الله، وذكر ما يترتَّب على مشابهتهم من مَحبَّتهم، والحشر معهم يوم القيامة، وقد تعوَّذَ النبي -صلى الله عليه وسلم- من بُلُوغ الزَّمان الذي يتشبَّه فيه المسلمون بالأعاجم، وعوَّذ أصحابه من بلوغه، وذَكَر أنَّ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مخالف لهدي المشركين، وذَكَر أحاديث متعدِّدة في الأمر بمُخالفة أعداء الله، والنَّهي عن التشبُّه بهم، وأنَّ التشبه بالكفار منهيٌّ عنه بالإجماع، والنَّهي للتحريم، ثُم ذكر النتائج السيئة من مُشابهة أعداء الله؛ ومنها: مشاكلتهم، والميل إليهم، وتقليدهم، ومحبتهم -كما هو الواقع- والمرء مع من أحب يومَ القيامة -كما في الحديث المتَّفَق عليه- ثُمَّ ذكر السبَب الدَّاعي لجمْع هذا الكتاب، وهو أن التشبُّه بأعداء الله، واتِّباع سننهم وتقليدهم مِن أعظم العوامل في هدْم الإسلام، ومَحْو السنن النبويَّة، والقصد من ذلك هو النَّصيحة للمسلمين، وبيان ما خفي على أكثرهم من أنواع المشابَهة، وتحذيرهم من شُؤْم التشبُّه بأعداء الله، وسوء عاقبته، وإليك -أيها القارئ الكريم- تعدادَ الأنواع التي ذَكَرَهَا الشيخ مما وقع فيه الأكثرون من مُشابهةِ المشركين، مع ذِكْر بعض الأدلة وكلام الشيخ عليها.
فمن مشابهة المشركين:
1- غلو الأكثرين في القبور وبناء القباب عليها، واتخاذ المساجد والسرج عليها، وهو من أقبحها وأسوئها عاقبة، وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة، أخبر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ اتِّخاذ القبور مساجد من فعل اليهود والنصارى، ولعنهم على ذلك، وأخبر أنهم شرُّ الخلْق عند الله يوم القيامة، وحذَّر أمته، ونهاهم أن يفعلوا كفِعْلهم، فيلحقهم من غضب الله ولعنته ولعنة رسوله، مثلما لحق أولئك.
2- منَ المشابَهة لأعداء الله: اطِّراح الأحكام الشرعية، والاعتياض عنها بحكم الطاغوت من القوانين الوضعيَّة، والنظامات الإفرنجيَّة المخالِفة للشريعة المحمدية؛ قال الله - تعالى -: ﴿أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، وهذا النوع من المشابهة من أعظمها شرًّا وأسوئها عاقبة، ومن ذلك إبدال الحدود والتعزيرات الشرعية بالحبس؛ مُوافَقة للإفرنج وأشباههم من أعداء الله تعالى.
3- من المشابَهة لأعداء الله - وهو مِن أشنعها وأسوئها عاقبة -: ما ابتلي به بعضُ المنتسبين إلى الإٍسلام، من تقليد الشيوعيِّين في ظلم الأغنياء، وأخذ أموالهم قهرًا بغير حق؛ بدعوى الاشتراك بين الأغنياء والفقراء في المال، وقد اتَّفقت الشرائع السماويَّة على تحريم الظلْم، وأجمع المسلمون على ذلك، وفي ذلك اعتراض على حكم أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وعدم الرضا بقضائه وقسمته بين عباده؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))؛ رواه البخاري وغيره، وقال: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه))؛ رواه مسلم وغيره، وقال: ((لا يحل مال امرئ مسلم بغير طيب نفسه))؛ رواه أحمد وغيره.
4- من التشبُّه بأهل الجاهليَّة: الدعوة إلى القوميَّة العربيَّة، والاعتياض بها عن الأُخُوَّة الإسلامية، وهذه دسيسة أريدَ بها تفريق شَمْل المسلمين، وإيقاع العداوة والبغضاء بينهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، ولم يقل: إن العرب إخوة، وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى))؛ رواه البيهقي عن جابر، وقال: ((المسلم أخو المسلم))؛ رواه مسلم وغيره، ولم يقل: العربي أخو العربي؛ لأن في العرب يهودًا ونصارى ومجوسًا وشيوعيين وغيرهم من طوائف الضَّلال، والمقصود هنا التنبيه على أنَّ القوميَّة العربية تشتمل على مفاسد عديدة، من أعظمها شرًّا فساد ذات البَيْن، ومُوالاة الكُفَّار والمنافقين، وهي من دعوى الجاهليَّة المذمومة، فأي خير يرجى منها؟! وإنما هي شرٌّ محْضٌ، فيجب البعد عنها والتحذير منها، وقد استوفى الرد على شبه القوميين العلاَّمة المحقق الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في رسالته: "نقد القوميَّة العربية في ضوء الإسلام"، فجزاه الله خيرًا.
5- من مُشابهة أعداء الله - تعالى -: ما ابتُلي به الأكثرون من اتِّخاذ أعياد زمانيَّة ومكانية كلها مبتدَعة، فأمَّا الزمانية فكثيرةٌ؛ منها: يوم المولد النبوي، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان؛ ومنها: ما يجعل لميلاد صالح، أو من يظن صلاحه، ومنها ما يجعل لولاية بعض الملوك، ويسمى: عيد الجلوس، وهو مأخوذ من عيد النيروز عند العجم، ومنها ما يسمى عيد الثورة، وعيد الجلاء...، إلى غير ذلك من الأعياد المبتدَعة لأيَّام السرور والأفراح، مِمَّا لم يأذن به الله.
وأما المكانية، فهي ما أحدثه الهمَج الرعاع من الاجتماعات عند القبور، واعتياد المجيء إليها، إما مطلقًا وإما في أوقات مخصوصة، ولا سيما ما يفعل عند القبر المنسوب إلى البدوي بمصر، وعند القبر المنسوب إلى الحسين بكربلاء، وعند قبر الشيخ عبدالقادر الجيلاني ببغداد، وكل واحد من هذه القبور الثلاثة قد جعله أشباه الأنعام عيدًا، والمقصود مِن ذِكْرها هنا: التحذير من مشابهة المشركين في أعيادهم الزمانية والمكانية، ومنها: الاجتماع عند القبور واتِّخاذها أعيادًا، وقصدها بالسفر، وشد الرَّحل، ومن هذا الباب: ما يفعله بعض الناس من السفر إلى زيارة قبْر النبي -صلى الله عليه وسلم- واتخاذه عيدًا يعتادون المَجِيء إليه، والاجتماع عنده في كثير من الأوقات، ولا سيما في أيَّام الحج، حتَّى إن كثيرًا من الجهَّال يَرَوْن أنه لا يتم لأحدهم الحج إلا بزيارة القبر الشريف، قبل الحج أو بعده، ويتعلَّقون في ذلك بأحاديث واهية، لا يقوم بشيء منها حجة، ويعدلون عن النصوص الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن اتِّخاذ قبره عيدًا؛ كما في "سنن أبي داود"، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))؛ صحَّحه النووي، وفي الصَّحيحَيْن وغيرهما، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرم، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، ثم ذكر المؤلِّف روايات أخرى متعدِّدة في هذا المعنى، إلى أن قال: فتحصّل من ألفاظ هذه الأحاديث ثلاث صيغ: النفي، والنهي، والحصر، وكل واحدة من هذه الصيغ الثلاث تُفيد أنَّه لا يجوز السفر إلى زيارة شيء من القبور، ولا المساجد، والأماكن المعظَّمة، سوى المساجد الثلاثة، وباجتماع هذه الصيغ الثلاث، يزداد المنْع شدَّة، قلت: ويدلُّ الحديث المتقدِّم على أن المشروع لزائر المدينة أن ينوي زيارة المسجد النبوي.
6- من المشابَهة - وهو من أقبحها -: ما ابتُلي به كثير من المسلمين من حَلْق اللِّحى؛ تقليدًا لطوائف الإفرنج وغيرهم من أعداء الله - تعالى - ومن الجُهَّال من ينتفها، ومنهم من يقصّها، ومنهم من يحلق العارضين، ويقص الذقن، وكل ذلك مخالِف لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهدي الأنبياء قبله، وما كان عليه الخلفاء الرَّاشدون وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ثم ذكر المؤلف عدَّة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين وغيرهما بالأمر بإعفاء اللِّحى، والنهْي عن حلْقها، وأنَّه من فِعْل المشركين والمجوس، ومن أعمال قوم لوط، ثم قال: إذا علم هذا، فمن مثَّل بلحيته بحلق أو قص أو نتف، فقد تشبَّه بأعداء الله - تعالى - من المجوس، وقوم لوط، وطوائف الإفرنج وأشباههم، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم، والكلام في التَّمثيل باللِّحى مبسوط في كتاب المؤلف: "دلائل الأثر على تحريم التمثيل بالشعر"، فليُراجَع.
7- منَ التشبُّه بأعداء الله - تعالى - إعفاء الشوارب، وما أكثرَ الواقعين في هذه المشابَهة القبيحة! وهو من سنن الأكاسرة وقومهم المجوس، ومِن أعمال قوم لوط، وقد صَحَّ عنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((مَن تشبه بقومٍ فهو منهم)) ، وقال: ((مَن لَمْ يأخُذ شاربه فليس منا))؛ رواه أحمد، والنَّسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وفي هذا الحديث أبلغ تحذير من توفير الشوارب.
8- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: ترْك تغيير الشيب في الرَّأس واللحية بحمرة أو صفرة أو بالحناء والكتم، وهو من فعل اليهود والنصارى، وفي الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))، ومخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة، وفي المسند والسنن، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ أحسن ما غيّرتم به هذا الشيب: الحناء والكتم))، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، فالحناء أحمر، والكتم أسود، والجمع بينهما يجعل الشَّعر أدهم بين الحمرة والسواد، وأمَّا الصبغ بالسواد الخالص، فمنهي عنه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في والد أبي بكر الصديق لمّا جيء به ورأسه ولحيته كالثغامة بيضاء: ((غيّروا هذا، وجنِّبوه السواد))؛ رواه مسلم.
9- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: تقزيع الرأس بحلقِ جوانبه أو قفاه، أو مواضع منه، وهو من فِعْل اليهود والنصارى والمجوس، فهذا الفعل القبيح من التمثيل بالشعر، وفيه تشويه للخلق، وفي الصحيحين وغيرهم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القزع"، وهو أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه، وأجمع العلماءُ على كراهة القزع، ومنه ما يسمى (التواليت)، ومن ذلك تطويل مقدم الرأس وفرقه من جانبه كفِعْل النصارى، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم.
10- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - لبس البرنيطة، التي هي من لباس الإفرنج ومن شابههم من أمم الكفر والضلال، ومن ذلك أيضًا الاقتصار على لبس السترة والبنطلون، وهو اللباس الإفرنجي، وقد عظمت البلوى بهذه المشابَهة الذَّميمة في أكثر الأقطار الإسلاميَّة، ومن جمع بين هذا اللباس وبين لبس البرنيطة فوق رأسه، فلا فرق بينه وبين رجال الإفرنج في الشكل الظاهر، وإذا ضم حلق اللحية كان أتمَّ للمشابهة الظاهرة، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم.
وقد ورد الأمر بمخالفة أهل الكتاب في لباسهم، والأمر للوجوب، وترك الواجب معصية، فروى الإمام أحمد، عن أبي أمامة - بإسناد حسن - قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشيخة من الأنصار..." فذكر الحديث - فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتَّزرون، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((تسرولوا واتَّزروا، وخالفوا أهل الكتاب)).
وروى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: إنَّ هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها، وهذا الحديث الصحيح صريح في تحريم ثياب الكفار على المسلمين، وفيه دليل على المنع من لبس البرنيطات وغيرها من ملابس أعداء الله - تعالى - كالاقتصار على لبس البنطلونات، والقمص القصار، وغير ذلك من زيِّ أعداء الله - تعالى - وملابسهم؛ لوجود علة النهي فيها، وفيه دليل على حرمة التشبه بالكفار في اللباس والهيئة والمظهر؛ ((ومَن تشبه بقوم فهو منهم))، فالواجب على المسلمين كافة أن يبعدوا كل البعد عن مشابهة أعداء الله - تعالى - والتزيِّي بزيهم في اللباس وغيره.
11- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: تبرُّج النِّساء وخروجهن بالزِّينة إلى الأسواق، وإبداء زينتهن للرِّجال الأجانب، وأقبح من ذلك سُفُور كثير منهنَّ بين الرِّجال الأجانب في الأسواق وغيرها، وأقبح من ذلك لبس كثير منهن مثل لبس نساء الإفرنج قمصًا قصارًا، لا تستر إلا من أعلى العضدين إلى أسفل الفخذين، وباقي البدن بارز للناظرين، وهؤلاء ينطبق عليهنَّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط، كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مُميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها))؛ رواه أحمد ومسلم.
وفيه علم من أعلام النبوة؛ حيث وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- وقد نهى الله - تبارك وتعالى - عن التبرج، وهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرِّجال الأجانب؛ فقال - جل ذكره -: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]؛ يعني: الثياب الظاهرة التي لا يُمكن إخفاؤها، والكلام في ذمِّ التبرج مبسوط في كتاب المؤلف "الصارم المشهور على أهل التبرُّج والسُّفور".
12- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: ما يفعله كثير من النساء من فرق شعر الرأس من جانبه وجمعه من ناحية القفا، كما تفعله نساء الإفرنج، وقد جاء وصفهن بذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة))، وقد فسر بعض العلماء ذلك بأنَّهن يمتشطن المشطة الميلاء، وهي مشطة البغايا، ويمشطن غيرهن تلك المشطة، وهي مشطة نساء الإفرنج، ومن يحذو حذوهنَّ من المتبرِّجات الكاسيات العاريات.
13- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: تعقيد الخرق في رؤوس البنات كأنَّها الزهر، وهو من أفعال الإفرنج في زماننا، وقد فشا ذلك في المسلمين؛ تقليدًا منهم لأعداء الله - تعالى - واتباعًا لسننهم الذميمة.
14- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: ما فُتن به كثير من النساء، من لبس ملابس الإفرنج، وهي أنواع كثيرة، منها ما يبلغ الرُّكبتين، ومنها ما هو فوق ذلك، ومن ذلك ما يسمى بـ"الكرتة"، وما أشبهها من الملابس الضيقة التي تبرز منها تقاطيع الجسم ومفاصله؛ كالثَّديين، والعجيزة، وبعضها يجعل في وسطه خيطٌ يربط في جهة القفا، وهو يشبه الزنَّار أو يقاربه.
15- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: جعل الجيوب من ناحية القفا كما تفعله نساء الإفرنج، وما أكثرَ المتشبهاتِ بهن من نساء المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام! ومن تشبه بقوم، فهو منهم.
16- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: اتِّخاذ الأواني كالصحاف والكؤوس والملاعق وغيرها من الذَّهب والفضة، والأكل والشُّرب فيها.
17- لبس الرجال خواتم الذهب، وتحلِّيهم بساعات الذَّهب والفضة.
18- لبس الرجال ثياب الحرير والدِّيباج وجلوسهم عليه، وقد فشت هذه المنكرات في زماننا، ولا سيما في الكبراء والمترفين، والدَّليل على أن هذه الأفعال من التشبه المذموم: ما في الصحيحين وغيرهما عن حذيفة قال: سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنَّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة))، وعلة النهي عما ذكر في هذا الحديث ظاهرة، وهي مشابَهة الكفار؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فإنَّها لهم في الدنيا))، وليس المراد إباحة استعمالهم إيَّاها، وإنَّما المعنى بقوله لهم؛ أيْ: همُ الذين يستعملونها مخالفة لزي المسلمين، وقد ورد النهي عن الأكل والشرب في آنية الذَّهب والفضة في عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرها المؤلف، ثم قال: "إذا علم هذا، فالصحيح من قولي العلماء: أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- للتحريم، إلاَّ ما عرفت إباحته، وقد ورد الوعيد الشديد على الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، والوعيد الشديد على الشيء يقتضي تحريمه، بل يدل على أنه من الكبائر، ويلحق بهما ما في معناهما؛ مثل: التطيُّب، والتكحُّل، وسائر وجوه الاستعمالات، وبهذا قال الجمهور، وقد ذكر العلماء لمنع الاستعمال عِللاً كثيرة، ومن أقواها علَّتان، كل واحدة منهما تفيد تحريم الاتِّخاذ الذي هو وسيلة إلى الاستعمال، والوسائل لها حكم المقاصد:
العلة الأولى: السرف والخيلاء، وكسر قلوب الفقراء.
العلَّة الثانية: التشبُّه بالكفَّار، وهذه العلَّة أقوى منَ الأولى؛ لحديث حذيفة المتقدِّم.
ويستثنى من التحريم خاتم الفِضَّة وقبيعة السَّيف منها، وحلية المنطقة، ونحو ذلك مما رخص فيه.
ويستثنى من التَّحريم أيضًا السَّاعات في حقِّ النساء إذا كن يتحلين بها.
وأمَّا تختم الذكور بخواتم الذهب، فقد ورد التصريح بتحريمه في عدة أحاديث، وورد النهي عنه في أحاديث أُخر، والنهي يقتضي التحريم، وورد أيضًا التغليظ فيه والكراهة الشديدة له، وهجْر متَّخذه، والإنكار عليه، وذلك يقتضي التحريم أيضًا، ثم ذكر المؤلف ثلاثين حديثًا من الصِّحاح والسنن والمسانيد، إلى أنْ قال: فهذه ثلاثون حديثًا في منع الذُّكور من لبس الذهب، وسواء في ذلك الكبير منهم والصغير؛ لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرم على ذكورها))؛ رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وقال النووي في شرح مسلم: "أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذَّهب، وأجمعوا على تحريمه على الرجال".
إذا علم هذا، فمثل التختم بالذهب ما فشا في زماننا من التحلِّي بساعات الذَّهب، أو ما فيه خلط منه، أو كان مموهًا به، فيحرم ذلك على الذُّكور كالتختم بالذَّهب.
وها هنا أمرٌ ينبغي التنْبيه عَلَيْه؛ لوقوعه من كثير من الجُهَّال، وهو إلباس الأسنان بأغلفة من ذهب؛ قصدًا للزينة، لا من خلل في الأسنان، وبعضُهم يقلع أسنانه، ويبدل بها أسنانًا من ذهب؛ قصدًا لزينة، وهذا لا يجوز؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرّم على ذكورها))؛ رواه أحمد والنَّسائي والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وإنَّما أجاز العلماء رَبْطَ الأسنان بالذَّهب إذا كان يخشى سقوطها؛ لأنَّ ذلك مما تدعو إليه الضَّرورة.
ثم ذكر المؤلف أربعة وخمسين حديثًا في منع الذُّكور من لبس الحرير من الصِّحاح والسنن والمسانيد، وسواء في ذلك الكبير منهم والصغير؛ لعموم المنع.
وقد حكى الإجماع على تحريم الحرير على الرِّجال وإباحته للنِّساء غيرُ واحد من العلماء، منهم ابن عبدالبر، والقاضي عياض، والحافظ الذهبي، وصرَّح بتكفير من استحلَّه من الرِّجال.
19- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - تحلِّي الرِّجال بساعات الذَّهب والفضة، وتحلي الرجال والنساء بساعات الحديد، والدَّليل على ذلك ما رواه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب والفضة والحرير والدِّيباج لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)).
وما رواه الإمام أحمد وأهل السنن - إلا ابن ماجه - عن عبدالرحمن بن بريدة، عن أبيه - رضي الله عنه -: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه خاتم من شَبَه، فقال: ما لي أجد منك ريحَ الأصنام، فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه، فقال: يا رسول الله، من أي شيء أتَّخذه؟ قال: ((اتَّخذه من ورق ولا تتمَّه مثقالاً))، هذا لفظ أبي داود، وفي رواية الترمذي: ((ثم جاء وعليه خاتم من صفْر))، بدل قوله: ((من شَبَه))، وزاد: ((ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب، فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة))، قال الترمذي: هذا حديث غريب، وصححه ابن حبان، واحتج به الإمام أحمد، فدل على صحته عنده.
قال الخطَّابي - رحمه الله تعالى -: "إنما قال في خاتم الشبه: ((أجد منك ريح الأصنام))؛ لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه - قال - ويقال: معنى حلية أهل النار: أنه زيُّ بعض الكفار وهم أهل النار"، قال المؤلف: الذي يفيده ظاهر الحديث: أنَّ الحديد حلية الكفار في نار جهنم، ويؤيد ذلك قوله في خاتم الذهب: ((إنَّه حلية أهل الجنة))، ففيه الإخبار عن حلية كلٍّ من الفريقين في الدار الآخرة، والله أعلم.
وفي الحديث دليلٌ على المنع من التحلِّي بساعات الشَبَه والحديث؛ لأنه إذا منع من التختُّم بهما، فلأن يمنعه من التحلي بالساعات المتخذة منهما بطريق الأولى والأحرى، ومن المعلوم أنَّ الحلية من خصائص النِّساء، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرِّجال بالنِّساء.
20- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: تصويرُ ذوات الأرواح، ونصب الصُّور في المجالس والدكاكين وغيرها، وهذا المنكر الذميم موروثٌ عن قوم نوح، ثُمَّ عن النصارى من بعدهم، وكذلك عن مشركي العرب، والكلام في ذم التصاوير وتحريم صناعتها واتِّخاذها مبسوطٌ في كتاب المؤلف: "إعلان النكير على المفتونين بالتصوير".
21- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: ما ابتُلي به كثيرٌ من المسلمين قديمًا وحديثَاً، من تشييد المساجد وزخرفتها والتباهي بها، وهذا من أشراط السَّاعة؛ كما في حديث أنس - رضي الله عنه -: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتَّى يتباهى الناس في المساجد))؛ رواه الإمام أحمد والدارمي وأهل السنن إلا الترمذي، وصحَّحه ابن حبان، ولفظ النسائي: ((من أشراط الساعة: أن يتباهَى الناس في المساجد))، وقد وردت الأحاديث بالترغيب في الاقتصاد في بناء المساجد، وذمّ تشييدها وزخرفتها، وبيان أنَّ التشييد والزَّخرفة من فعل اليهود والنَّصارى، وأمر عمر - رضي الله عنه - ببناء المسجد، وقال: "أكِنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس"، وفي سنن أبي داود، وصحيح ابن حبان، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد))، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى، قال الخطابي وغيره: التشييد: رفع البناء وتطويله، وقال الخطابي: قوله: لتزخرفنها، معناه: لتزيِّننها.
22- من التشبُّه بأعداء الله -تعالى-: ترك الصلاة في النِّعال والخفاف بالكلِّيَّة؛ لما رواه أبو داود والبيهقي في سننيهما، والحاكم في مستدركه، عن شداد بن أوس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم)).
23- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: الأكلُ بالملاعق ونحوها من غير ضرر بالأيدي، وكذلك الجلوس للطَّعام على الكراسي ونحوها، مما يتكئ الجالسُ عليه ويتمكن في جلوسه، وكذلك ترتيب سماطات الطعام وأوانيه على الزِّي الإفرنجي، وكل هذا مخالف لهدْي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أكمل الهدي على الإطلاق.
فأما هديه في الأكل فقد كان يأكل بثلاث أصابع، ويلعقها إذا فرغ؛ كما في المسند وصحيح مسلم وغيرهما، وأما هديه -صلى الله عليه وسلم- في الجلوس للأكل، فقد كان يجلس مستوفزًا غير متمكن، ومعنى (مستوفزًا) الانضمام في جلوسه، فالواجب على المسلمين اتِّباع هدي نبيهم -صلى الله عليه وسلم- والبُعد عن مشابهة أعداء الله - تعالى.
24- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - الإشارة بالأصابع عند السَّلام، وكذلك الإشارة بالأكف مرفوعة إلى جانب الوجه فوق الحاجب الأيمن كما يفعل ذلك الشُّرط وغيرهم، وفي جامع الترمذي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس منَّا من تشبَّه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف))، وتحية المسلمين في الدُّنيا والآخرة هي ((السلام))، وهي التحيَّة المبارَكة الطيِّبة، ومعناه الدُّعاء من المسلم لأخيه المسلم بالسَّلامة والرحمة والبركة.
25- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: قيامُ الشُّرط وغيرهم من أعوان الملوك وخُدَّامهم على الملوك وهم قعود، وقيام الرِّجال للدَّاخل عليهم على وجه التعظيم له والاحترام، وقد ورد النهي عن ذلك والتشديد فيه؛ كما في "صحيح مسلم"، عن جابر - رضي الله عنه - قال: اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلَّينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمِعُ الناس تكبيره، فالتفتَ إلينا، فرآنا قيامًا، فأشار إلينا، فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلّم قال: ((إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والرُّوم يقومون على مُلُوكهم، وهم قعود فلا تفعلوا...)) الحديث، وقد رَوى أبو داود والترمذي، عن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن أحب أن يتَمَثَّل له الرِّجال قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار))، وإسناده صحيح؛ قال ابن الأثير: معناه: يقومون له قيامًا وهو جالس، وإنَّما نهي عنه؛ لأنه من زي الأعاجم، ولأن الباعث عليه الكبر، وإذلال الناس.
ثم ذكر المؤلف الخلافَ في القيام لأهل الفضل، ورجَّح عدم الجواز لغير قصد المعانقة والمصافحة أو للتلقِّي إذا قدم، ثم قال: إذا علم هذا، فالقيام على ثلاثة أقسام:
أحدها: القيام على الرجل وهو قاعد، وهذا هو الذي ورد النَّهي عنه، ولا أعلم نزاعًا في كراهته والمنع منه، ويستثنى من هذا مسألة واحدة، وهي ما إذا قدم على الإمام رُسُل من الأعداء، وخيف منهم أن يغدروا به، فلا بأس أن يقوم بعضُ أعوانه على رأسِه بالسِّلاح، كما فعل المغيرة بن شُعبة - رضي الله عنه - في صلح الحدَيبية، فإنه كان قائمًا بالسلاح على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم عليه رُسُل قريش، والحديث بذلك في صحيح البخاري، ومسند الإمام أحمد وغيرهما.
القسم الثاني: القيام للداخل ونحوه؛ إعظامًا له واحترامًا، لا لقصد المعانقة والمصافحة، وفي كراهة هذا والمنع منه نزاع بين العلماء، والصحيح المنع منه؛ لما تقدم من الأدلة.
القسم الثالث: القيام إلى القادم لمعانقته أو مصافحته أو إنزاله عن دابَّته، ونحو ذلك من المقاصد الجائزة، وهذا القيام جائز، قد فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله أصحابه بحضرته، وهو قيام إلى الشخص لا له، والقيام إلى الشخص من فعل العرب، والقيام له وعليه من فعل العجم، قال ابن القيم: المذموم القيام للرجل، وأمَّا القيام إليه للتلقي إذا قدم، فلا بأس به.
26- من التشبه بأعداء الله - تعالى - ما يفعله كثير من الجُهَّال من التصفيق في المجالس والمجامع عند رُؤية ما يعجبهم من الأفعال، وعند سماع ما يستحسنونه من الخطب والأشعار، وعند مجيء الملوك والرُّؤساء إليهم، وهذا التصفيق سخف ورعونة ومُنكر مردود من عدَّة أوجه:
أحدها: أن فيه تشبُّهًا بأعداء الله - تعالى - من المشركين وطوائف الإفرنج وأشباههم؛ قال تعالى عن المشركين: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: 35]؛ قال أهل اللغة وجمهور المفسرين: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
الوجه الثاني: أنَّ التصفيق من خصائص النِّساء لتنبيه الإمام إذا نابه شيء في صلاته؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ((إنما التصفيق للنِّساء))؛ رواه الإمام أحمد والبخاري وغيرهما.
الوجه الثالث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على الرجال لما صفَّقوا في الصلاة؛ لأنَّهم فعلوا فعلاً لا يجوز لهم ولا يليق بهم.
الوجه الرابع: أنَّ التصفيق لم يكن من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من هدي أصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين .
27- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: ما يفعله بعض السُّفهاء من الصفير على أوزان الغناء، وهو من المكاء الذي ذمَّ الله به كفَّار قريش كما تقدَّم، وهو من أفعال الإفرنج وأشباههم من أعداء الله - تعالى - فهو منكر من وجهين:
أحدهما: ما فيه من التشبه بقوم لوط، وكفار قريش، وبالإفرنج، وأضرابهم من أعداء الله - تعالى.
والثاني: ما فيه من أوزان الغناء وإيقاعاته، وهو من هذا الوجه لهوٌ وغناء، وكلاهما باطل محرَّم.
28- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: ما يفعله كثير من الجهال من تكتيف اليدين على الدُّبر، وهذا الفعل السخيف من أفعال الإفرنج وأضرابهم من أعداء الله - تعالى - ومن تشبه بقوم فهو منهم، ولو فرضْنا عَدَمَ الدَّليل على هذا المنْع من هذا التكتيف الذَّميم، لكان العقلُ يقتضي المنع من الأمرين: أحدهما: ما فيه من التشبُّه بالأسارى المستذلين المقهورين، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون مثلهم.
والأمر الثاني: أنه فعل مستقبح عند ذوي المروءات والشِّيم، فينبغي للعاقل أن يسموَ بنفسه إلى معالي الأمور التي تجمله وتزينه، ويبعد عن سفاسف الأمور التي تدنسه وتشينه، والله الموفِّق.
29- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: اللعب بالكرة على الوجه المعمول به عند السُّفهاء في هذه الأزمان؛ وذلك لأنَّ اللعب بها على هذا الوجه مأخوذٌ عن الإفرنج وأشباههم من أعداء الله - تعالى - ومن تشبَّه بقوم فهو منهم، فاللعب بها على هذا الوجه من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره.
وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: ما فيه من التشبه بالإفرنج وأضرابهم من أعداء الله - تعالى.
الوجه الثاني: ما في اللعب بها من الصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة.
الوجه الثالث: أن في اللعب بالكرة ضررًا على اللاعبين، فربَّما سقط أحدهم، فتخلعت أعضاؤه، وربَّما انكسرت رجل أحدهم، أو يده أو بعض أضلاعه، وربَّما سقط أحدهم فغشي عليه، وما كان هذا شأنه، فاللعب به لا يجوز.
الوجه الرابع: أنَّ اللعب بالكرة من الأشر والمرح ومقابلة نعم الله - تعالى - بضدِّ الشكر، وقد قال الله - تعالى -: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: 37]، واللعب بالكرة نوع من المرح.
الوجه الخامس: ما في اللعب بها من اعتياد وقاحة الوُجوه وبذاءة الألُسن، وهذا معروف عن اللاعبين بها.
الوجه السادس: ما في اللعب بها من كشف الأفخاذ ونظر بعضهم إلى فخذ بعض، ونظر الحاضرين إلى أفخاذ اللاَّعبين، وهذا لا يجوز؛ لأنَّ الفخذ من العورة، وستر العورة واجب إلا من الزوجات والسراري؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((احفظ عَوْرَتك إلاَّ من زوجتك، أو ما ملكت يَمينك))؛ رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، والحاكم وصحَّحه، والدَّليل على أن الفخذ من العَورة ما رواه مالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، عن جرهد الأسلمي - رضي الله عنه -: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به وهو كاشف عن فخذه فقال: ((غطِّ فخذك، فإنها من العورة))؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ثم ذكر المؤلف عدَّة أحاديث في النهي عن كشف الفخذين والنظر إليهما وأنهما من العورة.
الوجه السابع: أنَّ اللعب بالكرة من اللهو الباطل قطعًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقَوْسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنَّهن من الحق))، وفي رواية: ((وتعليم السِّباحة))؛ رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وحسنه الترمذي، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
وقد جعل الله المسلمين في الرِّياضات الشرعية غنية عن الرياضات الإفرنجية:
1- فمن ذلك المسابقة على الخيل: وقد سابقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بينها، وفعل ذلك أصحابُه، والمسلمون بعدهم.
2- ومن الرِّياضات الشرعية أيضًا: المسابقة على الإبل، وقد فعل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله أصحابه، والمسلمون بعدهم.
3- ومن الرِّياضات الشرعية أيضًا المسابقة على الأقدام، وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعل ذلك الصحابة، والمسلمون بعدهم.
4- ومن الرِّياضات الشرعية أيضًا المصارعة.
5- ومن الرِّياضات الشرعية أيضًا الرَّمي ونحوه، مما فيه إعانة على الجهاد في سبيل الله - عزَّ وجلَّ.
30- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - ما يفعله أهل المدارس وغيرهم من إقامة التمثيليَّات للماضين، وأفعالهم مضاهاة لما يفعله النَّصارى في عيد الشعانين، ولم يكن ذلك من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا هدي أصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين - والتابعين لهم بإحسان.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحْدَث في أمرنا هذا ما ليس منه رد))؛ متفق عليه، وفي رواية: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد))، وفيه دليل على المنع من إقامة التمثيليَّات؛ لأنها من المحدثات.
31- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: جعل الولاية العامة جمهورية، وهذا من عمل أمَمِ الكفر والضَّلال، ومن يقتدي بهم من المنتسبين إلى الإسلام، وهو خلاف ما تقضيه الشريعة الإسلامية من نصب إمام واحد لا غير، وفي المسند وصحيح مسلم وسنن النَّسائي وابن ماجه، عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ومن بايع إمامًا، فأعطاه صفقة يده وثمره قلبه، فليطعه إنِ استطاع، إن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر))، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما))، وفيهما دليل على أن البيعة لا تجوز لأكثر من واحد، وأن الجمهورية لا تجوز في الإسلام، وأنَّه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور، وإن ظلموا، وجاروا، وأن الخارج عليهم لينازعهم الملك يجب قتله.
32- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: تدريب الجنود على الأنظمة الإفرنجيَّة، وتشكيلهم بشكل أعداء الله - تعالى - في اللِّباس والمشي وغير ذلك من الإشارات والحركات المبتدعة، والدليل على تحريمه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من تشبَّه بقوم فهو منهم))، وقوله في الحديث الآخر: ((ليس منا من تشبه بغيرنا)).
33- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: إسقاط لفظة (ابن) في النَّسب، كقولهم لمن اسمه "أحمد بن محمد": "أحمد محمد" ونحو ذلك، وهذا معروف عن الإفرنج من قرون كثيرة، وقد وقع في تقليدهم فيه ما لا يحصيه إلا الله - تعالى - وهؤلاء المفتونون بالتقاليد الإفرنجيَّة قد خالفوا الكتابَ والسنة وما عليه المسلمون منذ عهد الصَّحابة إلى زمن قريب، فأمَّا مخالفتهم للقرآن، فقد ذكر الله - تعالى - عيسى ابن مريم في مواضع منه يقول في كل منها عيسى ابن مريم، ولم يقل: عيسى مريم، وقد قال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التَّحريم: 12]، ولم يقل: ومريم عمران.
وأمَّا مخالفتهم للسنة، فروى الإمام أحمد والترمذي عن العباس - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب))؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن، ثم ذكر المؤلف عدَّة أحاديث في إثبات لفظة (ابن) في النَّسب، ثم قال: والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة جدًّا، ولم يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يسقط لفظة (ابن) في النَّسب، وخير الهدي هديه -صلى الله عليه وسلم- وما كان المسلمون يعرفون إسقاطَ لفظة (ابن) في النَّسب حتى كثُرت مخالطتهم لطوائف الإفرنج، فافْتُتِن الجهال بتقليدهم.
34- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: الاعتماد في التاريخ على ميلاد عيسى ابن مريم - عليهما الصلاة والسلام - متابعة للنَّصارى، ورغبة عمَّا كان عليه المسلمون من اعتماد التاريخ بهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وقد وقع في هذه المشابهة فئام كثير من المنتسبين إلى الإسلام، وهؤلاء قد جمعوا بين أمرين ذميمين:
أحدهما: التشبه بأعداء الله - تعالى.
والثاني: الرغبة عما اتفَق عليه الصحابة، وفيهم الخلفاء الراشدون عمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - وعمل بذلك المسلمون بعدهم إلى زماننا سوى الذين سفهوا أنفسهم بالشُّذوذ عن المسلمين، واتِّباع سنن أعداء الله - تعالى - فبئس للظالمين بدلاً.
35- من التشبه بأعداء الله -تعالى-: الاعتماد في المواقيت على الأشهر الإفرنجيَّة متابعة للإفرنج، ورغبة عمَّا كان عليه المسلمون من الاعتماد في ذلك على الأشهر العربية، وقد وقت الله - تعالى - للمسلمين بالأشهُر العربية؛ فقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ﴾ [البقرة: 189]، فمن رغب عن التوقيت بالأشهر العربية، فقد رغب عما شرعه الله للمسلمين واتَّبع سنن أعداء الله الضالين.
36- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - الاعتمادُ في دخول الشهور العربية على الحساب، لا على رؤية الهلال، وهذا خلاف الكتاب والسنة، وما عليه المسلمون من عهد الصَّحابة إلى زماننا، أمَّا الكتاب، فقد قال الله - تعالى -: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189]، فجعل الله - تبارك وتعالى - العمل بالمواقيت لا بالحساب، وأما السنة، فروى عبدالرزاق عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((جعل الله الأهلة مواقيتَ للناس، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإنَّ غُمَّ عليكم، فعدوا ثلاثين يومًا))؛ ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد.
37- من التشبه بأعداء الله - تعالى - قراءة القرآن بلحون الغناء والأوضاع الموسيقية، وقد ورد النهي عن ذلك في حديث رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحونَ أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجِّعون بالقرآن ترجيعَ الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجِرَهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم))، وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال، فقد شهد له الواقع بالصحة، وشهادة الواقع له من أوضحِ البراهين على خُروجه من مشكاة النبوة، والله أعلم.
38- منَ التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: ما يفعله كثيرٌ من الناس من الاهتزاز وتحريك الرؤوس عند قراءة القرآن، إنْ ثبت أن اليهود كانت تفعل مثل ذلك عند قراءة التوراة.
39- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: إجراء بعض الأحكام والأمر والنهي على الضعفاء من الناس، وترك الأكابر والرؤساء منهم؛ لما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنَّما هلك الذين من قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)).
40- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: ترك الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وقد جاء الذم البليغ والوعيد الشديد على ذلك؛ قال الله - تعالى -: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة: 78- 79].
41- من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -: لبس الحق بالباطل، كما يفعله اليهود، وهذه المشابَهة واقعة من كثير من المنتسبين إلى العلم.
42- مشابَهة اليهود في تحريف الكَلِم عن مواضعه، وهذا واقع من كثير من المتقدِّمين والمتأخرين، ولا سيما في زماننا.
43- مشابَهة اليهود في قولهم: سمعنا وعصينا، وهذا يقع من كثير من المنتسبين إلى العلم، وهو في غيرهم كثير جدًّا، وأكثر ما يكون ذلك بلسان الحال، وقد يكون أيضًا بلسان المقال.
44- من مشابَهة اليهود: ما يفعله كثير من المنتسبين إلى العلم من الوعظ والتَّذكير، وأمر الناس بالبر والتقوى، وهم مع ذلك ينسون أنفسَهم، ويخالفون أقوالهم بأفعالهم السيئة، وهؤلاء جديرون بالمقت والعقوبة؛ قال الله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2- 3]، وقال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44]، وفي هذه الآيات أعظم تقريع وتوبيخ لمن أمر الناس بالبر والتقوى ونسِيَ نفسه، فليحذر الخطباء والوعَّاظ من سوء عاقبة المخالفة بين الأقوال والأفعال، وقد وردت أحاديثُ كثيرة في ذمِّ من يفعل ذلك، والوعيد الشديد له في الآخرة؛ منها ما في الصَّحيحين وغيرهما، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرَّحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان: ما لك؟! ألَم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه))، والأقتاب: الأمعاء، وقال الشاعر:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْــرَه = هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ = عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
45- من التشبه بأعداء الله - تعالى -: استحلال المحرمات بالحيل، وكثيرًا ما يقع ذلك في المبايعات الربوية، ومن ذلك استحلال أهل البنوك للرِّبا الصريح؛ زعمًا منهم أن الربا الذي يأخذونه من صاحب المال إنَّما هو في مقابلة راحته من حمل ماله، فهو كالأجرة على نقل المال من بلد إلى بلد آخر، وهذه الحيلة شبيهة بحيل اليهود على استحلال المحرَّمات، وقد روى ابن بطَّة بإسناد جيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل))، وقد ورد الوعيد الشديد لأهل الرِّبا، وأخبر الله - تعالى - أنَّهم حرب له ولرسوله -صلى الل |
|