أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: القاعدة الثانية والستون: الصبر أكبر عون على جميع الأمور، والإحاطة بالشيء علما وخبرا هو الذي يعين على الصبر. الأحد 09 ديسمبر 2012, 7:47 pm | |
| القاعدة الثانية والستون
الصبر أكبر عون على جميع الأمور، والإحاطة بالشيء علما وخبرا هو الذي يعين على الصبر.
وهذه القاعدة عظيمة النفع قد دل القرآن عليها صريحا وظاهرا في أماكن كثيرة: قال تعالى: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ }، [ البقرة: 45 ]، أيْ: استعينوا على جميع المطالب، وفي جميع شئونكم بالصبر، فبالصبر يسهل على العبد القيام بالطاعات، وأداء حقوق الله وحقوق عباده، وبالصبر يسهل عليه ترك ماتهواه نفسه من المحرمات، فينهاها عن هواها حذر شقاها، وطلباً لرضى مولاها، وبالصبر تخف عليه الكريهات.
ولكن لهذا الصبر وسيلته وآلته التي ينبني عليها، ولا يتم وجوده إلا بها: وهي معرفة الشيء المصبور عليه، ومعرفة ما فيه من الفضائل وما يترتب عليه من الثمرات.
فمتى عرف العبد ما في الطاعات من زيادة الإيمان، وصلاح القلوب واستكمال الفضائل، وما تثمره من الخيرات والكرامات، وما في المحرمات من الضرر والرذائل وما توجبه من العقوبات المتنوعة، وعلم ما في أقدار الله من البركة وما لمن قام بوظيفته فيها من الأجور.
إذا عرف ذلك هان عليه الصبر على جميع الشدائد.
وبهذا فضل العلم، وأنه أصل الفضائل كلها ولهذا يذكر الله تعالى كثيراً في كتابه أن المنحرفين في الأبواب الثلاثة ما انحرفوا إلا لقصور علمهم، وعدم إحاطتهم التامة بها.
وقال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ }، [ فاطر: 28 ]، وقال: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ }، [ النساء: 17 ]، ليس معناه: أنهم لا يعترفون أنها ذنوب وسوء، وإنما قصر عملهم وخبرتهم، بما توجبه الذنوب من العقوبات وأنواع المضرّات وزوال المانع.
وقال تعالى مبينا أنه متقرر أن الذي لا يعرف ما يحتوي عليه الشيء يتعذر عليه الصبر، فقال عن الخضر لما قال له موسى وطلب منه أن يتعين ليتعلم مما علمه الله قال: { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }، [ الكهف: 66-68 ]، فعدم إحاطته به خبرا يمتنع معه الصبر، ولو تجلد ما تجلد فلابد أن يُعال صبره.
وقال تعالى مبيناً عظمة القرآن وما هو عليه من الجلالة والصدق الكامل: { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ }، [ يونس: 39 ]، فبين أن الأعداء المكذبين إنما كان تكذيبهم به لعدم إحاطتهم بما هو عليه، وأنهم لو أدركوه وأحاطوا به كما هو عليه، لألجأهم إلى التصديق والإذعان، فهم وإن كانت الحجة قد قامت عليهم ولكنهم لم يفقهوه الفقه الذي يطابق معناه، ولم يعرفوه حق معرفته، فقال في المعاندين الذين بان لهم علمه وخبروا صدقه: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً }، [ النمل: 14 ]، وقال الله تعالى: { فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }، [ الأنعام: 33 ]، والمقصود أن الله تعالى أرشد العباد إلى الاستعانة على كل أمورهم بملازمة الصبر، وأرشدهم إلى تحصيل الصبر بالنظر إلى الأمور، ومعرفة حقائقها وفضائلها ورذائلها. والله أعلم.
|
|