أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: القاعدة الرابعة والخمسون: كثيراً ما ينفي الله الشيء لعدم فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة. الجمعة 07 ديسمبر 2012, 10:39 pm | |
| القاعدة الرابعة والخمسون
كثيراً ما ينفي الله الشيء لعدم فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة.
وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى، من السمع والبصر والفؤاد وغيرها ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا المقصود منها، وبوجود ما خلقت له تكمل ويكمل صاحبها.
وبفقد ذلك يكون وجودها أضر على الإنسان من عدمها، فإنها حجة الله على عباده، ونعمته التي توجد بها مصالح الدين والدنيا، فإما أن تكون نعمة تامة إذا اقترن بها مقصودها أو تكون محنة وحجة على صاحبها إذا استعملها في غير ما خلقت له.
ولهذا كثيراً ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكافرين بها المكبلين بسلاسل وأغلال التقليد الأعمى للأباء والسادة والرؤساء، المنسلخين من آيات الله، وإن تسموا بأسماء إسلامية ولبسوا ثياباً وألقاباً علمية، فهم المعنيون في كلام الله بوصف الكفار والمنافقين.
كقوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ }، [ البقرة: 171 ]، وقال في سورة الأعراف: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف: من الآية172 ]،.
وهذه آيات ربوبيته واضحة ناطقة فيكم، وفي تكوينكم في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم، وإخراجكم منها بشراً سويا، وتسخير ما في السموات والأرض جميعاً لكم، ثم ساقت الآيات في عاقبة غفلة الإنسان عن تلك الآيات.
وبين سبب هذه الغفلة بقوله:
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا }، [ الأعراف: 175 ]، أيْ ألقاها وخلعها كارهاً لها: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا }، [ الأعراف: 176 ]، فما أعطيناها له إلا ليتفكر بها في خلق الله وحكمته فيرتفع على درجات الكمال، ولكنه أخلد إلى الأرض البهيمية ورضي بالتقليد الأعمى الذي هو من خصائص الأنعام، ثم ختمها بسوء عاقبة هذا المنسلخ المقلد بقوله: { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }، [ الأعراف: من الآية 179 ].
فأخبر أن صور الحواس الحيوانية موجودة ولكن فوائدها الإنسانية مفقودة ولذلك قال: { لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج: من الآية 46 ].
وقال: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ } [ النمل: 81 ]،.
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً }، [ النساء: 150 - 151 ]، فأثبت لهم الكفر من كل وجه؛ لأن دعواهم الإيمانَ بما يقولون آمنا به من الكتب والرسل لم يوجب لهم الدخول في حقيقة الإيمان؛ لأن ثمرة إيمانهم مفقودة حيث كذبوهم في صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيره ممن كفروا به وحيث أنكروا من براهين الإيمان ما هو أعظم مما أثبتوا به رسالة من زعموا الإيمان به.
وكذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، [البقرة: 8]، لما كان الإيمان النافع هو الذي يُغرس في قلب سليم من الجهل والشكوك والشبهات والتقاليد ويُسقى بعصارة تدبر آيات الله الكونية والقرآنية فيثمر في القلب والجوارح أطيب الثمرات من العبادة والطاعة، ولما كان الإيمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير، وكان المنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، نفى عنهم الإيمان لانتفاء فائدته وثمرته.
ويشبه هذا:
ترتيب الباري كثيراً من الواجبات والفروض على الإيمان.
كقوله: { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }، [ آل عمران: من الآية 122 ]، { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ المائدة: 23 ]، وقوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ }، [ الأنفال: من الآية 41 ]، إلى قوله: { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ }، [ الأنفال: من الآية 41 ]، وقوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } [ الأنفال: 2-4 ]، وذلك أن الإيمان الصادق يقتضي صدق العقيدة وأداء الفرائض والواجبات، واجتناب الشرك والمحرمات فما لم يحصل ذلك فهو بعد لم يتم ولم يتحقق، وهذا قال: { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً }.
وكذلك لما كان العلم الشرعي يقتضي العمل به، والانقياد لكتب الله ورسله، قال تعالى عن أهل الكتاب المنحرفين: { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ }، [ البقرة: 101 ]،.
ونظير ذلك:
قول موسى عليه السلام، لما قال له بنو إسرائيل: { أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }، [البقرة: 67]، فكما أن فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح.
|
|