قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: كتاب توحيد الخالق للشيخ عبد المجيد الزنداني الأربعاء 29 أغسطس 2012, 7:37 am
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب توحيد الخالق لفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
المقدمة الحمد لله رب العالمين... والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها القارئ فهذا كتاب توحيد الخالق بأجزائه الثلاثة، أقدمه إليك، وقد راعيت فيه أن يكون متمشياً مع أحوال زماننا، وحرصت على ضرب الأمثلة حتى يتحقق الهدف المنشود الذي طالما حثنا القرآن عليه، وشدد العلماء عليه في هذا الزمان، ذلك هو هدف ربط الحقائق الدينية بأدلتها المبثوثة في الكون.
كما قال تعالى: "أَوَلَْم يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَمَا خَلَقَ اللَُّه مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" صدق الله العظيم.
أو كما قال سبحانه: "إِن َّفِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ وَاخْتِلافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأوُلِي الْألَْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللََّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار" صدق الله العظيم.
لذلك فقد يجد القارئ بعض حقائق علمية لم يكن قد عرفها من قبل في ميدان العلوم الكونية، فلا يمنعه ذلك من معرفتها من المراجع الخاصة بها أو بواسطة الرجوع إلى أساتذة هذه العلوم نفسها.
ومن المفيد جداً لاستيعاب هذا العلم: ضرب الأمثلة، واستخدام وسائل الإيضاح المختلفة، كما أن بساطة التعبير، ووضوح الفكرة، وسهولة البرهان، أمور هامة جداً لتثبيت العقيدة في قلوب الناس، كما أن الانتفاع بما جاء من الآيات القرآنية أمر نافع جداً، فليس هناك ما يثبت المعنى العقلي ويستثير أحاسيس الوجدان كآيات القرآن.
أما أنت أيها الشاب المسلم، فاعلم أن علم التوحيد هذا هو أصل دينك فإذا جهلت به فقد دخلت في نطاق العمي، الذين يدينون بدين لا دليل لهم عليه، وإذا فقهت هذا العلم كنت من أهل الدين الثابت الذين انتفعوا بعقولهم.
قال تعالى: "أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْألَْبَابِ" صدق الله العظيم.
فإذا انتفعت بهذا العلم، وبغيره من العلوم النافعة فإن عليك أن تعلم أهلك وأصحابك، فتكون من الدعاة إلى الله الذين قال الله فيهم: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَِّه وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ" صدق الله العظيم.
وبهذا أيها الإخوة تكونون مصابيح مضيئة بين أهلكم وأمتكم ينتفع الناس بكم.
أسأل الله أن يجعل العمل خالصاً لوجهه، وأن يجعله طريقاً موصلاً إلى رضوانه.
نور الإيمان وظلمة الكفر. ما هو الإيمان؟ قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل).
فالإيمان هو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهو تصديق ثابت مستقر في القلب لا يخالطه شك أو ريب، قد انعكس على صاحبه فأصبح سلوكاً وأعمالاً صالحة مشاهدة.
الركن الأول: وأول أركان الإيمان وأساسه هو الإيمان بالله الذي هو تصديق المؤمن بأن له خالقاً، عليماً، حكيماً أوجده ولم يكن شيئاً مذكوراً.
وخلقه من مني يمنى، وصوره فأحسن تصويره، وجاء به إلى هذه الدنيا كما جاء بأبيه وأمه من قبله.
وإيمان المؤمن بربه وخالقه يقوم على الدليل القاطع والحجة الناصعة، والبراهين المبثوثة المشاهدة في أرجاء الكون الواسع، المدعمة بوحي من الله إلينا بواسطة الرسل الصادق ين.
وإذا عرف الإنسان خالقه العظيم، واتصل به، عرف أنه ملك لخالقه وحده، وأنه وحده الذي يستحق العبادة والطاعة والخضوع، وبهذا يتحرر المؤمن من كل سلطان غير سلطان الله.
والمؤمن بربه ينجو من جحيم الاختلافات بين المذاهب والطرق البشرية القاصرة الضيقة التي يضعها بشر يزدادون علماً كل يوم ولا يزالون ينتظرون في كل يوم علماً جديداً يزيل عنهم جهلهم.
أنه يتلقى الهدى من خالقه كل شيء الذي أحاط علماً بكل شيء، والذي خلق الناس ومنحهم مقدرة محدودة بها يتعلمون ما جهلوا، ويهتدون إلى ما غاب عنهم.
وهل يحق لقوم أن يختلفوا حول أحسن الطرق التي تسير عليها آلة أو مصنع في الوقت الذي قد أرسل إليهم صانع الآلة أو المصنع البيانات الكافية حول هذا الموضوع؟! وكذلك خالق العباد قد بين للناس طريق الحياة بواسطة رسله الصادقين.
فهل يحق للناس أن يختلفوا في أمر قد بينه الله العليم الحكيم؟!
الركن الثاني: والركن الثاني من أركان الإيمان هو الإيمان بالملائكة وهو مترفع عن الإيمان بالرسل الذين أخبرونا عما غاب عن علمنا من الملائكة الذين خلقهم الله، فمنهم المسبح والساجد، ومنهم من ينزل بالوحي، ومنهم من يقبض الأرواح ومنهم من يعمل في تدبير شئون الخلائق بأمر ربه ومنهم من يرسلهم الله لتثبيت المؤمنين، ومنهم من يلازمنا لكتابة أعمال الخير والشر: "وَإِن َّعَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ". الانفطار: 10 - 12.
وهكذا يزداد المؤمن علماً ووعياً بما خلق الله من مخلوقات.
وإيمان المؤمن بالملائكة يكسب في قلبه أنساً بملازمة ملائكة ربه له، كما يلقي في مشاعره حذراً من المعاصي واقتراف الذنوب حتى لا يكتبها الملك المكلف، ولا يزال هذا الإيمان يبعث في نفس المؤمن رغبة قوية في عمل الخير، والإتقان في الأعمال حتى يكتبها الملك المكلف بالخير، قال عليه الصلاة والسلام: (إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم).
وهكذا يبقى شعور المؤمن في يقظة دائمة، لأنه يشعر أن ربه رقيب عليه في كل مكان وأن الملكين الملازمين له يكتبان ما يعمل.
تلك هي الرقابة الإلهية التي توقظ في المؤمن كل دوافع الخير وتكبح فيه دوافع الشر، إنها رقابة أدق وأقوى من مراقبة فرقة كاملة من المخابرات والشرطة.
الركن الثالث: والركن الثالث من أركان الإيمان هو الإيمان بكتب الله التي أنزلت لهداية الناس.
ألا ترى أن أي شركة صناعية لا ترسل كتباً وإرشادات موضحة مبينة مع ما تصنعه من آلات تعتبر شركة مقصرة في البيان ناقصة في الإدارة والخبرة جاهلة بما تعمل وما يتطلب ما تعمل؟
وإذا كانت الكتب الإلهية السابقة قد حرفت وبدلت، فإن الله سبحانه قد حفظ على عباده كتابه الأخير من كل تحريف أو تبديل ذلك هو القرآن الكريم، الذي احتوى على ما سبقه من هدى.
الركن الرابع: أما الركن الرابع فهو الإيمان بجميع رسل الله الذين اصطفاهم من بين سائر البشر؛ ليقوموا بحمل الرسالة الإلهية إلى خلقه، وليعلموا الناس كيف يكون الاتباع، والتطبيق، لهذا والنور اللذين أرسلهما الله لتبديد ظلمات الجهل، والحيرة والارتياب.
ألا ترى أن أي شركة صناعية ترسل مهندسيها ومندوبيها لتعليم الناس كيف يستخدمون آلاتها، وكيف يصلحونها عند حدوث أي خلل يطرأ عليها؟ وهكذا رسل الله.
يرسلهم الله هداة للبشرية، يعلمون الناس ما يصلح حالهم ويرشدونهم إلى الطريق الحكيمة لإصلاح كل فساد يطرأ على حياتهم، ويعرفونهم لماذا خلقهم ربهم؟ ولماذا استخلفهم على الأرض؟ وما الذي يرضي خالقهم عنهم؟ وما العمل الذي يغضبه منهم؟ كما يبينون لهم جزاء كل عمل يعملونه، ويبشرون المؤمنين بما أعد الله لهم من نعيم، وينذرون العصاة والكافرين والمنافقين بالمصير الأليم الذي ينتظرهم.
وإذا كانت العبرة عند الناس بالنتيجة، فهذا التاريخ البشري قد ازدحمت صفحاته بأسماء الفلاسفة والعلماء والزعماء والمصلحين، كما سجلت أسماء رسل رب العالمين.
فإذا قارنا بين نتائج الدعوات الإلهية، والدعوات البشرية في مجال إصلاح الأوضاع الإنسانية، وجدنا الفرق الشاسع.
فبينما نجد الإصلاح الإلهي شاملاً لكل جوانب الحياة، عميقاً ينبع من داخل النفس، دائماً ما دام الناس سائرين عليه، نجد الدعوات البشرية جزئية لا تشمل جوانب الحياة الإنسانية، سطحية لا تسيطر على دخائل النفوس، مؤقتة سرعان ما تنتهي ويتطرق إليها الخلل السريع، وتختفي أسماء أصحابها.
وليس ذلك إلا شاهداً بأن الإصلاح الإلهي هو إصلاح العليم الخبير بما خلق.
وإصلاح البشر إصلاح لا يحيط علماً بكل شيء.
قال تعالى في أمثال هؤلاء المفسدين: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ" البقرة: 11 ، 12.
وإيماننا بالرسل يقوم على الأدلة الساطعة، والحجج الواضحة والبينات النيرة، التي تلزم كل عقل بتصديقهم، والتي تقطع كل حجة للكافرين.
قال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ..." من سورة الحديد: 25.
وهكذا نجد حياة المؤمن نور على نور.
فهو يعرف خالقه معرفة تشعر بها الفطرة، وتقوم على الأدلة العقلية، والبراهين التي تملأ صفحة الكون، وتعلم من الرسالات السماوية.
والمؤمن يعرف رسول ربه، الذي يحمل إليه الهدى، والنور معرفة تقوم على العلم الصحيح، القائم على البينة والأدلة اليقينية، والحجج والبراهين العقلية.
وبمعرفة المؤمن لربه، ولرسول ربه إليه عرف لماذا خلقه ربه، وعلم بالحكمة من وجوده، وفهم دوره في هذه الحياة، وأصبح على بينة من كل ما يعمل، لماذا يعمله، وما هي نتيجة عمله، وإذا جاءه الموت فإنه يعرف ما يؤول إليه أمره بعد الموت، فلا يفزع ولا يجزع، لأنه قد استعد لهذه اللحظة، وعرف ما بعدها، وأعد لها في حياته الأولى عدتها.
وبهذا الهدى من رب الناس، ملك الناس، إله الناس، علم المؤمن بمنزلته في الكون، وبدوره على الأرض، وبعلاقته بغيره من خلق الله، فهو على بينة من ربه في كل أمر من أموره العامة والخاصة.
إن المؤمن الصادق هو ذو الأخلاق الرفيعة والمعاملة الطيبة برزت في صورة إنسان متحرك، قد تزكى وتطهر من الأخلاق الذميمة وليس ذلك خلقاً صناعياً يريد به انتزاع ثقة الناس لاستغلالهم فيما بعد، وإنما لأن ربه أمره بذلك، وهو يخشى غداً أن يهلك في نار جهنم إن خالف أمر ربه، إن المؤمن دائم الخوف من عقاب ربه، مؤثر للآخرة على الدنيا، يؤمن بأن الدنيا خلقت له وأنه خلق للآخرة، فإذا كان هذا الفرد تاجراً فهو التاجر الصدوق الأمين، وإذا كان فقيراً فهو الرجل الشريف العامل، وإذا كان عاملاً فهو العامل المجتهد الناصح، وإذا كان غنياً فهو الغني السخي المواسي، وإذا كان قاضياً فهو القاضي العادل الفهم، وإذا كان والياً فهو الوالي المخلص الأمين، وإذا كان رئيساً فهو الرئيس المتواضع الحازم الرحيم، وإذا كان خادماً أو أجيراً فهو الرجل القوي الأمين وإذا كان أميناً للأموال العامة فهو الخازن الحفظ العليم، وعلى هذه اللبنات يقوم المجتمع الإسلامي وتتأسس حكومته الرشيدة، ولا يكون المجتمع والحكومة بطبيعة الحال إلا صورة مكبرة لأخلاق الأفراد، ونفسيتهم فيكون المجتمع مجتمعاً صالحاً أميناً، مؤثراً للآخرة على الدنيا، متغلباً على الأطماع المادية، غير محكوم لها، ينتقل إليه: صدق التاجر وأمانته، وتعفف الفقير وسعيه، واجتهاد العامل ونصحه، وسخاوة الغني ومواساته، وعدل القاضي وحكمته، وإخلاص الوالي وأمانته، وتواضع الرئيس ورحمته وحزمه، وقوة الخادم، وحراسةالخازن، وتكون الحكومة حكومة راشدة مؤثرة للمبادئ على المنافع، والهداية على الخيانة، وبتأثير هذا المجتمع وبنفوذ هذه الحكومة توجد حياة عامة كلها إيمان وعمل صالح، وصدق وإخلاص، وجد واجتهاد، وعدل في الأخذ والعطاء، وإنصاف النفس مع الغير.
الركن السادس: والركن السادس من أركان الإيمان، هو الإيمان بالقدر.
قال تعالى: "إِنَّا كُل َّشَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" القمر: 49.
والإيمان بالقدر هو ينبوع لسعادة المؤمن فهو يكسب في نفسه الرضا على كل حال ويغمر قلبه بالطمأنينة والراحة، لأن المؤمن يعلم أن ربه ورب هذا الكون حكيم عليم خبير لا يضع شيئاً إلا لحكمة، وإن غابت الحكمة عن الإنسان فذلك يرجع إلى قصور العلم البشري عن الإحاطة بما علم العليم الخبير خالق كل شيء.
وهكذا يرضى المؤمن بكل حال من الأحوال دون سخط أو تبرم لأنه يؤمن أن لربه حكمة في كل ما يكون.
ولكنه مع ذلك يسعى للخروج من أقدار الشر لينعم بأقدار الخير لأن الله كلفه بذلك، ومنحه سمعاً وبصراً وفؤاداً.
ولا يزال التقدم العلمي الذي يبحث في ملكوت الله يقدم الدليل بعد الدليل على صدق إيمان المؤمن بقول ربه: "إِنَّا كُل َّشَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ".
فما من أمر إلا وقد أحكم نظامه، وحددت أقداره لحكمة معينة، وتلك سنة إلهية تنطبق على الذرة كما تنطبق على المجرة.
ذلك هو حال المؤمن المغمور بنور ربه، السائر على صراط مستقيم الذين أنعم الله عليهم "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ".
ما هو الكفر؟ أما الكفر فهو تغطية للحق الواضح، وهو جحود بما جاء به المرسلون الصادقون.
*فكل كافر يعلم أنه ما خلق نفسه وأن له خالق هو مالكه وسيده ولكن الكافر لا يهتم بمعرفة خالقه.
أو تجده قد هام في وثن أصم، أو عبد الطواغيت أو طبيعة جامدة بليدة، أو توهم وتعلق بتفاعلات كيماوية مقدرة، مسيرة بنظام، محكوم بقوانين، وقد تجده محتاراً في أمره تائهاً كريشة في مهب الريح.
وأي عذر للكافر وقد امتلأت الدنيا برسل ورسالاته، وأي عذر له يوم يسأل غداً: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ 65 فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ َلا يَتَسَاءَلُونَ" القصص: 65 ، 66.
*والكافر يعرف أن الله قد أرسل رسلاً إلى الناس لهدايتهم وأيدهم بالمعجزات والبينات التي تثبت صدقهم، وتجد الكافرين إما قد اطلعوا على بينات الرسول: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" النمل: 14.
تكبراً واستهزاءً واتباعاً للهوى، أو تجد فريقاً منهم قد أعرضوا ولم يكلفوا أنفسهم أن يعرفوا ما أنزل ربهم من هدى فتعاموا وتناسوا، فويل لهؤلاء المتغافلين المتعامين عند ما يوجه إليهم غداً هذا السؤال:
وأي عذر للكافرين وهم يرون أو يسمعون بذلك الموكب الإيماني الكبير الذي يمتد عبر القرون يقوده الأنبياء والمرسلون، وقد التف حولهم وسار خلفهم ملايين الملايين من الناس أمثالهم.
*والكافر يعلم أن كل نعمة يتمتع بها في نفسه كالسمع والبصر والعقل والصحة والحياة، وكل نعمة ينتفع بها في الأرض كالنبات والحيوان والماء والهواء والخيرات المختلفة والمعادن، وكل نعمة يستفيد منها في السماء كالشمس والقمر وتقلب الليل والنهار، يعمل الكافر أن كل هذه النعم الظاهرة والباطنة لم يخلقها لنفسه، وأن لها رباً وخالقاً أنعم بها عليه ولكنه يجحد نعمه ويتناسى ويتعامى عن فضل خالقه عليه ويستخدم نعم ربه في المجاهرة بالكفر والمعصية.
قال الله تعالى في الحديث القدسي: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري)..
ما لهؤلاء الكافرين.. "أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَِّه يَكْفُرُونَ" العنكبوت: 67.
نعم.. فذلك هو الكفر: باطل وتغطية للحق وضلال.
*والكافر يسبح في ظلمات الجهالة الكبرى لا يعرف خالقه الحق!!
ولا يعلم لماذا خلقه؟! ولا يدري لماذا جاء به إلى هذه الدنيا؟! يستخدم ما سخر له ربه بدون علم بالعمل الذي يريد ربه منه أن يعمله، والذي يغضبه سبحانه منه إن عمله، قد سخرت الدنيا للناس، ولكن الكافر لا يدري ما الحكمة من تسخيرها له.
يأكل ويشرب، وينام ويستيقظ، ويموت كموت البعير.. لا يدري لماذا بدأت حياته؟! ولا يدري لماذا انتهت؟! ولا يدري لماذا عاش على الأرض مدة ذلك الأجل المحدود؟! وتجد الكافر يتعاطى الأشياء مجارفة دون إرشاد من الخالق لها كمن يتعاطى تسيير آلة دون اتباع إرشاد صانعها!! فيفسد في الأرض وهو يظن أنه يصلح بإفساده.
"لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاد" آل عمران: 196.
فما أشبه الحضارة الكافرة التي يعيش فيها الناس بدون إيمان، بدون هدف، بدون صلة بالخالق سبحانه؛ ما أشبه تلك الحضارة بصانع سفينة ضخمة، أنيقة، جميلة، قد رتبت فيها أماكن الطعام، وأماكن الرقود، وأماكن اللعب والتسلية، وأخذ صانعها يدعو الناس إلى ركوبها، ويشرح لهم كيف يأكلون وكيف يشربون، وكيف يرقدون وكيف يلعبون؟ حتى إذا سأله أحد الركاب: وإلى أين تذهب بنا هذه السفينة؟
أجاب: لا أدري!! اركبوا فقط!!
*والكافر لا يعرف إلا دنياه، ولا يعرف من دنياه إلا مصالحه ولذائذه فهي التي توجه عمله، وتحدد علاقاته بغيره من الناس.
إن الكافرين يبالغون في تقدير هذه الحياة.
"ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ" النجم: 30.
وترى الفرد منهم يسرف في عبادة ذاته، وإرضاء شهواته، قد انقطعت الصلة بينه وبين ربه لتكذيبه برسالة الأنبياء، وعقيدة الآخرة، فكان هذا الفرد الكافر هو مصدر شقاء هذه المدينة، فإذا كان تاجراً فهو التاجر المحتكر النهم الذي يحجب السلع أيام رخصها ويبرزها عند غلائها، ويسبب المجاعات والأزمات، وإذا كان فقيراً فهو الفقير الحاقد، الذي يريد أن ينال ما في أيدي الآخرين بغير تعب، وإذا كان عاملاً فهو العامل المطفف الذي يريد أن يأخذ ماله ولا يدفع ما عليه، وإذا كان غنياً فهو الغني الشحيح القاسي لا رحمة فيه ولا عطف، وإذا كان والياً فهو الوالي الغاش، الناهب للأموال، وإذا كان سيداً [1] فهو الرجل المستبد المستأثر الذي لا يرى إلا فائدته وراحته، وإذا كان خادماً فهو الضعيف الخائن، وإذا كان خازناً فهو السارق المختلس للأموال وإذا كان وزير دولة أو رئيس وزارة، أو رئيس جمهورية فهو المادي المستأثر الذي لا يخدم إلا نفسه وحزبه وشيعته ولا يعرف غير ذلك، وإذا كان زعيماً أو قائداً فهو الأناني الذي يعقد مصلحة مواطنيه ويدوس كرامة البلاد الأخرى، والشعوب الأخرى، وإذا كان مشرعاً فهو الذي يسن القوانين الجائرة، والضرائب الفادحة، وإذا كان مكتشفاً صنع الغازات المبيدة للشعوب المخربة للبلاد، ولقد أصبحت القنابل الذرية أعظم مشكلة.
تهدد سلامة العالم كله بين لحظة وأخرى، وإذا كان منفذاً هو المنفذ القاسي منزوع الرحمة، وقد يخرج أفراد من الكفار عن بعض الأوصاف السابقة ولكنها حالات نادرة.
ومن هؤلاء الأفراد الفاسدين تكونت المجتمعات الكافرة فكانت مجتمعات مادية اجتمع فيها احتكار التاجر، وحقد الفقير، وتطفيف العامل، وشح الغني, وغش الوالي، واستبداد السيد، وخيانة الخادم، وسرقة الخازن، ونفعية الوزراء، وأنانية الزعماء، وإجحاف المشرع، وإسراف المخترع والمكتشف، وقسوة المنفذ، ومن هذه النفسيات المادية تبعث المشكلات الكبرى في المجتمعات الكافرة وتصاب الإنسانية بويلاتها.
*وترى الكافر يعيش حياة مضطربة لا اطمئنان فيها ولا استقرار، حياة ساخطة ثائرة، ولكن ذلك السخط والقلق لا يدفعان عنه شيئاً إنما هو العذاب النفسي الذي تكتوي بناره المجتمعات الكافرة في الدنيا.
*والكافر برفضه لعبودية الخالق، سريعاً ما يتحول إلى عبد ذليل لمخلوق مثله، إما إلى عبد متذلل لطاغية، أو إلى دكتاتور، أو زعيم، أو وثن، وقد يكون عبداً للأهواء، أو الخرافات، والأوهام السخيفة.
الخلاصة: *الإيمان هو التصديق الثابت، القوي بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وهو يثمر الأعمال الصالحة.
*يقوم الإيمان بالله على الأدلة القاطعة والبراهين القوية، والمؤمن متحرر من كل عبودية لغير الله، وهو يهتدي بهدى خالقه الحق الذي ينجيه من جحيم الاختلافات البشرية.
*يزيد الإيمان بالملائكة في وعي المؤمن بمخلوقات الله، كما يسكب الأنس في قلب المؤمن وينبه فيه مشاعر الخوف من اقتراف المعاصي، والمسارعة في عمل الصالحات، وتأثير مراقبة الملكين على المؤمن أقوى من مراقبة فرقة كاملة من الشرطة.
*من الجهالة عدم الانتفاع بإرشادات الصانع، كما أن من الجهالة الكبرى عدم الانتفاع بكتاب الخالق سبحانه الذي قد حفظ من كل تبديل أو تحريف.
*أرسل الله الرسل ليعلموا الناس كيف يتبعون هدى الله وإذا قارنا بين نتائج دعوات الرسل ودعوات غيرهم، وجدنا الإصلاح النبوي شاملاً لكل جوانب الحياة، عميقاً ينبع من داخل النفس، دائماً ما دام الناس يهتدون بهدى الله، ويقوم إيماننا بالرسل على الدليل والبرهان.
*والمؤمن يعرف الحكمة من خلقه، ودوره في الأرض، والعمل الذي يرضي ربه ويتجنب ما يغضب خالقه.
وهو على علم بالمصير الذي ينتظره بعد موته، والمؤمن عارف بخالقه وبرسول الخالق إليه، أما الكافر فتلفه دياجير الظلام والجهل بكل ما سبق.
*الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى عمل الصالحات وإلى التحلي بالأخلاق الفاضلة، وإخلاص العمل لوجه الله، فترى المؤمن مصدراً لأعمال الخير والصلاح، والمجتمع الذي يؤلفه الأفراد المؤمنون هو أسعد المجتمعات وأفضلها وأتقاها.
*يبعث الإيمان بالقدر في نفس المؤمن الرضا، والراحة، والاطمئنان.
*الكفر هو التغطية للحق، والكافر لا يؤمن بخالقه، رغم ظهور آياته في الأرض والسماء، ولا يؤمن برسل ربه رغم ظهور حججهم، وبراهين صدقهم، وتراه عابداً لإنسان أو وثن، ومطيعاً لطاغية أو دجال دون دليل أو برهان.
*بالرغم من أن الكافر لم يخلق لنفسه نعمة من النعم، فهو يجحد فضل المنعم عليه، ويستعين بنعم خالقه على ارتكاب معاصيه.
*يسبح الكافر في ظلمات من الجهل بالحكمة في خلقه، ودوره على الأرض، ومصيره الذي ينتظره، والعمل الذي ينجيه.
*تعلم الحضارة الكافرة الناس كيف يعيشون فقط، ولكنها لا تدري لماذا يعيش الناس.
*حياة الكافر كحياة سبع ضار لا يعرف حلالاً أو حراماً، همه تحقيق مصالحه، ولذائذه قبل أن يدركه الموت.
ولا يبالي أن يهلك الحرث والنسل في سبيل تحقيق أهدافه، ومن هذه الصورة السيئة للإنسان يتكون المجتمع الكافر.
*يغمر القلق والاضطراب حياة الكافر، وتراه مقيداً بسلاسل من العبودية لوهم، أو طاغية، أو دجال، أو هوى.
*يجزي الله المؤمنين رضاه والجنة، ويعاقب الكافرين بغضبه والنار، أعاذنا الله من ذلك.
وجود الله حقيقة فطرية: أنت موجود.. وهذا الكون الزاخر بخلق الله موجود.
إذن: ربك، ورب هذا الكون، المسير له، المسيطر عليه، المتصرف فيه لا شك موجود.
قال تعالى: "أَفِي اللَِّه شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأرضِ" إبراهيم: 10.
ولقد قال قديماً أحد الأعراب: (إذا كانت البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على اللطيف الخبير؟).
إيماننا يقوم على الحجة القاطعة: وإيمان المسلم الصادق يقوم على الحجة القاطعة لكل زيف أو باطل وهو إيمان راسخ بالبراهين والأدلة.
ولا يعتبر الإسلام قيمة لإيمان المقلد، الذي سرعان ما يتزعزع إيمانه وينهار إسلامه بأدنى مجهود من شياطين الجن والإنسان، لذلك نجد القرآن يستنكر التسوية بين إيمان المبصر الواعي، وإيمان المقلد الأعمى.