103 ـ كيف رجــــع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف؟
رجع مهمومًا مغمومًا، فأرسل الله إليه ملك الجبال ليكون رهن إشارته إذا أحب أن يطبق عليهم الأخشبين.
عن عائشة. قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا) متفق عليه.
(ملك الجبال) المراد الملَك الموكل بها. (الأخشبين) هما جبلا مكة أو قبيس والذي يقابله، وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما.
104 ـ اذكر بعض الفوائد والعبر مما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في رحلته للطائف؟
ـ بيان ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم يأسه مهمـا عظم البلاء، يدل على ذلك خروجه إلى الطائف يطلب النصرة.
ـ بيان سوء معاملة أهل الطائف، ومع هذا لم يدع عليهم صلى الله عليه وسلم، بل دعا لهم: (اللهم اهد ثقيفًا وأت بهم) واستجاب الله له فيهم فأتوا بعد حصارهم وآمنوا وأسلموا.
ـ بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم} وقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
105ـ متى وقع الإسراء والمعراج؟
كان قبل الهجرة بالاتفاق وبعد المبعث من مكة.
وقد اختلف متى كان: فقيل: قبل الهجرة بسنة، وقيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس سنين، والله أعلم.
(الإسراء) سيــر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكـة إلى بيت المقدس.
(المعراج) السلم الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السمــــاء
106 ـ اذكر الأدلة على أن الإسراء والمعراج كان بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده يقظة؟
قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}.
والعبد عبارة عن مجموع من الجسد والروح.
ـ أن قريشًا أنكرته، ولو كان منامًا لم تنكره؛ لأنهـا لا تنكر المنامات.
107ـ كم مرة كان الإسراء والمعراج؟
كان مرة واحدة.
قال ابن القيم: (.. ثم أسري بروحه وجسده إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى فوق السماوات بجسده وروحه إلى الله.. وكان ذلك مرة واحدة، وهذا أصح الأقوال).
وقال شارح الطحاوية: (فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة).
108 ـ اذكر بعض ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراج والمعراج؟
ـ (ما مر بملأ من الملائكة إلا أمروه بالحجامة وقالوا: يا محمد مر أمتك بالحجامة).
ـ (رأى رجل قاعدًا، على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قِبَل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى، قلت لجبريل: من هذا، فقال: هذا أبوك آدم) رواه البخاري.
ـ (وقال صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه أبوداود.
ـ (وقال صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي على موسى فرأيته يصلي في قبره) رواه مسلم.
ـ (وقال صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت يا جبريل: ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها … ثم ذكر القصة) رواه أحمد.
ـ (وقال صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد، أقرئ أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأرضها واسعة، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) رواه الترمذي.
ـ (وقال صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي مررت على قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون) رواه ابن حبان.
109 ـ ماذا كان موقف قريش من حادثة الإسراء والمعراج؟
أنكرته وكذبته.
عن جابر قال: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لما كذبني قريش قمت في الحِجر فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه) رواه البخاري.
(فجلى لي) أي كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته.
وعند مسلم (قال: فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كربًا لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به).
وفي حديث ابن عباس عند أحمد (فقال أبو جهل : حدث قومك بما حدثتني، فحدثتهم، قال: فمن بين مصفّق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبًا. قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟.. وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فما زلت أنعت حتى التبس عليّ بعض النعت، فجيء بالمسجد حتى وضع فنعته وأنا أنظر إليه. فقال القوم: أما النعت فقد أصاب).
وعند البيهقي (.. فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له، فقال: أشهد أنه صادق، فقالوا: وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة، قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء. قال: فسمي بذلك الصديق).
110 ـ ماذا نستفيد من حادثة الإسراء والمعراج وما وقع فيها؟
ـ جاءت هذه المعجزة بعد المحن التي ابتلي بها الرسول صلى الله عليه وسلم لتجدد عزيمة الرسول صلى الله عليه وسلم ولتدلل على أن هذا الذي يلاقيه من قومه ليس سببه تخلي الله عنه، وإنما هي سنة الله مع أحبائه في كل عصر ومصر.
ـ تقرير حادثة الإسراء والمعراج وثبوتها بالكتاب والسنة والإجماع.
ـ سبق أبي بكر وفضله وسبب تلقيبه بالصديق.
قال ابن حجر: (ولقب بالصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان ابتداء تسميته بذلك صبيحـــة الإسراء وروى الطبراني من حديث علي: أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق، رجاله ثقات).
111 ـ ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؟
استمر في دعوة الناس في المواسم وغيرها.
عن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، قال: ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس، إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم، فسألت عن هذا الرجل، قيل: أبو لهب) رواه الحاكم.
وعند أبي داود كان يقول: (هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي).
112 ـ ماذا نستفيــد من هـــــذا الحديث؟
ـ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الله دون تعب ولا كلل، وهكذا أنبياء الله من قبله قاموا بالدعوة إلى الله دون تعب أو توان مستخدمين جميع الأساليب والوجوه الممكنة.
كما قال تعالى عن نوح: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا. فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم...}.
(ليلاً ونهارًا) أي دائبًا من غير فتور مستغرقًا به الأوقات كلهــا.
ويقول تعالى عن إبراهيم عند احتضاره: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
ـ على الدعاة أن يطرقوا جميع الأبواب التي يمكن أن تقود إلى التمكين للدين في الأرض وعدم اليأس منها.
113 ـ من الذي استجاب لرسول صلى الله عليه وسلم؟
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى الحج طالبًا النصرة، إذ برهط من الخزرج عند العقبة، فدعاهم وعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وذلك في السنة الحادية عشرة من البعثة.
114 ـ ما الذي جعلهم يستجيبون لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
من ذلك أن اليهود كانوا معهم في بلادهم، ومعلوم أنهم أهل كتاب وعلم، فكان إذا وقع بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال قال لهم اليهود: إن نبيًا مبعوثًا الآن قد أطل زمانه، سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد.
115 ـ قدم مكة من العام التالي عدد من الأنصار، كم عددهم، وماذا حدث؟
في الموسم التالي من العام الثاني عشر للبعثة، جاء إلى أداء مناسـك الحج اثنا عشـر رجلاً من المسلمين من المدينة.
فلقوا رسول الله مع جماعة من أصحابه حتى بايعوه بيعة النساء.
عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه وإن شاء الله عفا عنه).
وفي رواية ابن إسحاق قال عبادة: (كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفرض الحرب).
(بيعة النساء) المقصـود أنهم بايعوا بيعة النساء التي نزلت فيها الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك النساء يبايعنك} … بعد صلح الحديبية، حيث لم يرد في بيعة العقبة الأولى ذكر القتال، ومعنى ذلك أن عبادة حدث بهذا النص بعد نزول الآية فشبه بيعة العقبة الأولى ببيعة النساء.
116 ـ من أرسل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرادوا العودة إلى المدينة؟
أرسل معهم مصعب بن عمير.
117ـ عند من كان منزله؟
على أسعد بن زرارة.
118 ـ هل أسلم أحد على يد مصعب بن عمير بمساعدة أسعد بن زرارة؟
أسلم خلق كثير من الأنصار، وممن أسلم من أشرافهم: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع بني عبد الأشهل الرجال والنساء، إلا أصيرم عمرو بن ثابت فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد.
119 ـ متى عاد مصعب بن عمير من المدينة؟
قبل حلول موسم الحج التالي ـ أي حج السنة الثالثة عشرة من البعثـة ـ عاد إلى مكة ليبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بنجاح مهمته.
120 ـ متى كانت بيعة العقبة الثانية؟
في موسم الحج من العام الثالث عشر من البعثة.
121 ـ ما سببها؟
لما فشا الإسلام في المدينة بين الأنصار، اجتمع جماعة من أهل المدينة وقرروا أن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ويجتمعوا معه سرًا ويدرسوا معه عن كثب موضوع هجرته إليهم.
122 ـ كم كان عددهم؟
كانوا سبعين رجلاً ومعهم امرأتان، وهما: نسَيْبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو.
123 ـ من الذي حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البيعة؟ ولماذا حضر؟
كان معه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه.
إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويستوثق له.
124 ـ ما هي بنود هذه البيعة؟
قال جابر: قلنا يا رسول الله، علام نبايعك؟ قال: (على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة) رواه أحمد
ثم سمعت قريش بهذه البيعة المباركة فلاحقت أهلهـا فلم تظفر إلا بسعد بن عبادة فعذبته، ثم نجاه الله تعالى فلحق بالمدينة، واشتد لذلك غضب قريش وعظم أذاها للمؤمنين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالهجرة إلى المدينة.
125 ـ عرف الهجرة؟
هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
126 ـ اذكر أول من هاجر إلى المدينة؟
أبو سلمة بن عبد الأسد.
ثم مصعب بن عمير.
وقد تتابع المهاجرون فقد هاجر بلال وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر.
ثم قدم عمر في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
127 ـ اذكر بعض النصوص التي تدل على أن الهجرة للمدينة كان بوحي إلهي؟
جاء في الحديث: (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي يثرب) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لا بتين).
(وهلي) ظني.
128 ـ اذكر بعض الأمور التي حدثت عند الهجرة؟
(عندما أراد صهيب الهجرة، قال له المشركون: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإني قد جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ربح صهيب) رواه الحاكم.
(عن أم سلمة أن زوجها أبا سلمة عندما أراد الهجرة حملها مع ابنه سلمة، فرآه أهلها فلحقوا به، وقالوا له: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ وانتزعوها منه وغضب عند ذلك رهط أبي سلمة فقالوا: لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا الطفل بينهم حتى خلعوا يده وذهبوا به، وانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة، فكانت أم سلمة بعد هجرة زوجها وانتزاع ابنها منها تخرج كل غداة بالأبطح تبكي حتى تمسي نحو سنة، فرقّ لها أحد ذويها فقال لرهطه: إن شئت الحقي بزوجك، فاسترجعت ابنها من آل سلمة وهاجرت إلى المدينة بصحبة عثمان بن أبي طلحة).