أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: علم التدوين: تدوين القراءة الثلاثاء 27 مارس 2012, 5:39 am | |
| علم التدوين: تدوين القراءة لفضيلة الدكتور أيمن سويد - 1 - أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [ سورة العلق: 1] في سورة العلق وهو في ترتيب المصحف في جزء عم، وآخر ما نزل قوله تعالى:﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [ سورة البقرة: 281] في سورة البقرة، وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: ضعها على رأس مئتين وثمانين من سورة البقرة، فلو فتحنا المصحف على سورة البقرة، الآية مئتين واحد وثمانين، قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [ سورة البقرة: 281] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام بأبي وأمي بلغنا القرآن بطريقين: الطريق الأولى: النص المكتوب. والطريقة الثانية النقل الصوتي للقرآن الكريم. الصحابة الكرام كان من يتقن الكتابة منهم عدد محدود، فكان النبي عليه الصلاة والسلام لما ينزل عليه مقطع من المقاطع القرآنية، يدعو من حضره من الكتبة الذين يجيدون الكتابة من أصحابه أربعة خمسة سبعة ثلاثة، بحسب المتاح، فيكتبون أمامه المقطع الذي أنزل عليه والوحي حاضر، في المكان الذي أنزل به الآية، فهذا هو الطريق الأول أنه بلغ الأمة القرآن مكتوباً وكتب أمامه والوحي حاضر كما أسلفت. الطريق الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ بالقرآن العظيم ونطقه أمام أصحابه، من يعرف الكتابة منهم ومن لا يعرف، فكانوا يسمعون منه فيعيدون وهو يسمع منهم، إذن نطق رسول صلى الله عليه وسلم بألفاظ القرآن فسمعه الصحابة الكرام، وأعادوا هم بأفواههم فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قرأ قراءة صحيحة أقره، ومن كان عنده خلل صحح له تلاوته، ثم انتشر الصحابة وصاروا يعلمون غيرهم من الصحابة أو يعلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيل الذي بعدهم وهو جيل التابعين، إذن بلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن مكتوبا ومنطوقاً، أي بالنقل الصوتي وقد وصلنا القرآن في هذا العصر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر من ألف وأربع مئة من السنين، وصلنا متواتراً بهذين الأسلوبين. إذاً هنا بعض الأخوة المشاهدين يتساءلون عن كلمة متواتر، كيف متواتر، دكتور أيمن، هنا الشيخ عبد الباسط كان يقرأ بالإذاعة قرأ عن مشايخه، كيف وصله القرآن من رسول الله، كيف وصلنا جميعاً من رسول الله، هل هناك طرق؟ نعم يا سيدي هناك سلاسل، يعني كل إنسان من أهل القرآن المعاصرين له أستاذ أقرأه، فلما ينتهي القراءة على أستاذه ويشهد له أستاذه بصحة الأداء من أول القرآن إلى آخره حرفاً حرفاً، ولا يكون في خلل ولا بحرف واحد، إذا انتهى من ذلك يقول له أستاذه أجزتك أن تقرأ وتقرئ، أجزتك يعني سمحت لك وأنا أشهد أن تلاوتك متقنة مئة بالمئة مطابقة لقرائتي على شيخي ويخبره بالسند يقول له قد تلقيت القرآن الكريم على أستاذي فلان وفلان تلقاه عن فلان، فلشيوخ الأرض أهل القرآن الكريم الموجودون الآن في عصرنا لكل منهم إسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوسط ما بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدود سبعة وعشرين ثمانية وعشرين تسعة وعشرين بين عصرنا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. مر معنا أن القرآن الكريم وصلنا متواتراً، ما هو التواتر؟ نسمع هذه الكلمة كثيراً، التواتر: هو أن يكون هناك خبر من أخبار القرآن أو غيره، نحن نتكلم عن التواتر بشكل عام، لما نقول هذا أمر متواتر ما معنى متواتر أن يكون هناك حدث أو خبر في زمن ما وصل إلينا في زمننا بطريق مأمون، مأمون من التغير والتبديل، كيف يكون ذلك؟ أن ينقل هذا الخبر من جيل إلى جيل إلى جيل إلى عصرنا طبقة بعد طبقة من أول الإسناد إلى آخره ليس فرد واحد وليس فردان، طبقة يعني عشرة عشرين خمسين، في طبقة ثم الطبقة التي بعدهم كذلك، بحيث يحيل العقل أن يكون كل هؤلاء الرواة اتفقوا على الكذب، فإذا أحال العقل أن يكون هؤلاء اتفقوا على الكذب بحيث يكونوا عدول ثقات عرفت حياتهم وأمانتهم وحرصهم ودأبهم وولادتهم ووفياتهم، هذا هو معنى التواتر وقد بلغنا كتاب ربنا والحمد لله بهذا الطريق من عهد رسول الله إلى عهدنا هذا طبقة بعد طبقة هم عرفوا بالأمانة والعدل والثقة. هذه ميزة لقرآننا ما صحت لكتاب آخر، بين يدي البشر لا منسوب إلى الله ولا منسوب لبعض البشر، هذا التواتر وهذه ميزة مطابقة لما أراده الله لهذا القرآن الكريم من الحفظ، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ سورة الحجر: 9 ] - 2 - أخواني الكرام، كنا قد تحدثنا في المرة الماضية عن أن القرآن العظيم قد بلغه إلينا رسول صلى الله عليه وسلم بطريقين بلغه إلى للأمة مكتوباً وبلغه للأمة منطوقاً، أي بالصوت المسموع، فاليوم كما تفضل أخي الدكتور محمد، نتكلم كيف تم الأمر الكتابي؟ من المعلوم أن العرب كانوا أمة أميه يندر فيهم من يعرف الكتابة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه مقطع من المقاطع القرآنيه دعا من حضره، ممن يجيد الكتابة وأعود فأقول قليل ما هم، ممكن يكونوا ثلاثة أربعه اثنين خمسة، بحسب الوقائع التي كانت تنزل بسببها الآيات الكريمة، فيدعو من حضره من الكتبه ويكتبون أمامه صلى الله عليه وسلم والوحي حاضر، فإذا انفض المجلس انفض النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي الوحي، راض عن تلك القطع التي كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي الأمر هكذا إلى أن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وآل الأمر إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وكما هو معلوم في حروب الردة كان القراء يتسابقون في قتال المرتدين فكثر القتل فيهم، فخاف سيدنا عمر رضي الله عنه على ضياع القرآن المكتوب أي على ضياع القطع الأصليه التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض على أبي بكر رضي الله عنه فكرة جمع القرآن وجمع تلك القطع واستنساخ نسخة تعتبر الأم والأصل، تكون مرجعاً للمسلمين، فبعد أخذ ورد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه لذلك ودعا كاتب من كتبه الوحي العظام الذين كانوا يكتبون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فدعاه أبو بكر رضي الله عنه وطلب منه أن يتتبع تلك القطع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجمعها ويفرغها في مصحف واحد، فشرح الله صدر زيد لذلك وقام بتلك العملية الشاقة التي هو قال عنها: والله لو كلفاني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما كلفاني به، فتتبع زيد تلك القطع بطريقة فيها احتياط كبير فكان أعلن بين الصحابة من كان عنده شيء من القطع التي كتبت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فاليأتني بها، فصار الصحابة يأتون إليه بما عندهم من تلك القطع، فيقول للآتي أعندك غيرك يشهد أن هذه القطعة كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هناك شاهد ثان على تلك القطعة بعينها أخذها وإلا تركها. بهذا الاحتياط، الجليل جمع سيدنا زيد رضي الله عنه القرآن كله إلا آيتين كريمتين وجدهما عند سيدنا خزيمة بن ثابت رضي الله عنه هذا الصحابي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل شهادته بشهادة رجلين، فقال من شهد له خزيمة فهو حسبه. يعني يكفيه، فوجد عنده آيتين كريمتين لم يجدهما عند غيره مكتوبتين وأأكد على موضوع مكتوبتين، ليس منطوقتين ومحفوظتين في الصدور، ولو أنك دخلت إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت من يحفظ: ﴿َلقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [سورة التوبة: 128] أو قوله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [سورة الأحزاب: 23] لارتفعت أيد لا يحصيها إلا الله كثرة، أما من حيث الكتابة لم يجد هاتين الآيتين مكتوبتين إلا عند سيدنا خزيمة بن ثابت، فقال له: هل عندك غيرك يشهد أن هاتين القطعتين كتبتا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عندي غيري، فقبلهما منه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين. فقام سيدنا، انتبهوا لما قام، بتفريغ الكتابة الموجودة بتلك القطع في مصحف واحد، عمليه تفريغ بحت، ليس لسيدنا زيد فيها أي اجتهاد، وإنما فرغ ما رأى أمامه، هكذا صار عندنا مصحف عرف بين العلماء بالمصحف الصديقي، ووافق وضبط المحفوظ، فتلك الصحف الصديقية نسبة إلى أبي بكر، بقيت عند سيدنا أبي بكر، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى انتقل الأمر إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وبقيت تلك الصحف عنده مدة خلافته، عشر سنين ثم بعد استشهاده رضي الله عنه، آلت إلى ابنته أم المؤمنين حفصة، بنت عمر رضي الله تعالى عنهما، ففي خلافة سيدنا عثمان. - 3 - اللهم صلي وبارك على سيدنا محمد ومن والاه وآله وصحبه الكرام. أخواننا الأكارم، وقفنا في المرة الماضية عند وصول المصحف الصديقي الذي كتب في عهد أبي بكر الصديق وكتبه زيد بن ثابت رضي الله عنه. وصل هذا المصحف إلى زمان عثمان رضي الله عنه، في زمان عثمان رضي الله اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية ووصل المسلمون إلى أرمينيا وأذربيجان، تعتبر الآن من المناطق السوفيتية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، فهناك في تلك المنطقة التقى جيشان عظيمان من جيوش المسلمين، جيش قادم من العراق وجيش قادم من الشام، وفيه التابعون وفيه عدد من الصحابة وفيه من التابعين الذين تلقوا القرآن عن الصحابة، وهؤلاء لم يكونوا على درجة واحدة من الإتقان، فلما اجتمع هذان الجيشان سمع بعضهم من تلاوة بعض، فمن جملة ذلك قرأ بعضهم: (وأتموا الحج والعمرة للبيت) فقال الثاني: بل يقول الله: (وأتموا الحج والعمرة لله)، فقال الأول لا للبيت، والثاني يرد عليه، هذا يقول قراءتي أصح من قراءتك وذاك يقول بل قراءتي أصح من قراءتك واتسع الأمر، فكان من جملة الموجودين في تلك المنطقة صحابي جليل هو سيدنا حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك الصحابي الجليل الذي امتاز ببعد النظر فقد كان يقول عن نفسه: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه)) [ متفق عليه عن حذيفة رضي الله عنه] فكان دائماً عنده حس مستقبلي رضي الله عنه، فلما سمع ذلك سيدنا حذيفة هاله الأمر، وترك المنطقة وعاد إلى المدينة وقال لأمير المؤمنين عثمان أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا، اختلاف اليهود والنصارى فدعا عثمان سيدنا زيد بن ثابت وكان ما زال حياً، وأرسل إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها أم المؤمنين، وكانت الصحف الصديقية عندها،لأنها ابنة عمر والصحف كانت عند عمر رضي الله عنه في زمن خلافته، فقال لها: أرسلي إلينا الصحف فأرسلتها إليه، وطلب من سيدنا زيد بعد أن شكل له لجنة تقوم بمساعدته في الكتابة وكلهم قرشيون، إلا سيدنا زيد فهو من الأنصار، فقال له: انسخ لنا من هذا المصحف الموثق عدة مصاحف حتى نرسلها إلى الأمصار وتكون هذه المصاحف أئمة للناس يقتدون بها في قراءتهم. وهذا الذي حصل فقام زيد بنسخ عدة مصاحف من ذلك المصحف الصديقي الذي كان هو نفسه قد نسخه في زمن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه من الصحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً مراحل كلها مبينة بعضها على بعض ليس فيها اختراع، ليس فيها ابتكار ليس فيها من عند أنفسهم شيئاً، لذلك نجد في كتابة المصحف، أمور نتوقف فيها ونقول الله أعلم بمراده، فكتب سيدنا زيد وتلك اللجنة التي شكلها له سيدنا عثمان عدة نسخ وراجعوها ودققوها وضبطوها غاية الضبط، وهم أحرص الناس على كلام الله عز وجل، ثم قام سيدنا عثمان رضي الله عنه بإرسال مصحف من تلك المصاحف إلى كل مصر كبير من أمصار المسلمين، إلى كل تجمع سكاني كبير، وأرسل مع ذلك المصحف قارئاً متقناً يقرئ الناس بما في ذلك المصحف، فأرسل نسخة إلى الكوفة ونسخة إلى البصرة ونسخة إلى الشام ونسخة إلى مكة ونسخة إلى اليمن وقيل أيضاً أرسل إلى البحرين، وأبقى في المدينة مصحفين مصحفاً لعامة المسلمين ومجموعهم، ومصحفاً خاصاً عنده، إذ هو أمير المؤمنين فعليه أن يحتفظ بنسخة موثقة. وطلب من الناس أن يعرضوا ما عندهم من قرآن مكتوب، الله أعلم بحاله لأنه غير مراقب، على هذه النسخة المراقبة، المتقنة المعروفة الأصل التي هي مكتوبة من الصحف الصديقية، والصحف الصديقية مكتوبة من القطع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا فعل ولم يكن هناك وسيلة أخرى غير تلك الوسيلة التي ألهم الله سبحانه وتعالى عثمان على فعلها، ليتصور كل واحد منا أنه مكان سيدنا عثمان، هل هناك طريقة أفضل من هذا؟ الناس يملئون الأرض وفي أيديهم مصاحف الله أعلم بها، قطع، وأجزاء من المصاحف مشكوك فيها كيف نضبط الأمر؟ ليس هناك سبيل إلا أن نعيدهم إلى النسخة الموثقة. لذلك كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول لو وليت من المصاحف ما ولي عثمان لصنعت ما صنع، فانعقد إجماع الصحابة على صنيع عثمان وأقروه جميعاً على ذلك، فصارت هذه المصاحف كل منها إماماً يقتدى به، لذلك كل مصحف منها اسمه المصحف الإمام، لأن الإمام هو الذي يقتضى به في الصلاة، فكل مصحف من تلك المصاحف اقتدى الناس فيه فعرضوا ما بين أيديهم عليه فما وافق أبقوه وما خالف أتلفوه وأحرقوه حتى يبقى المصحف نقياً واضحاً بعيداً عن أي تغيير و أي لبس، وانتشر من تلك المصاحف العثمانية مصاحف كثيرة جداً لا يحصيها إلا الله عز وجل. شكراً دكتور ايمن ولعل هذا أخوتي نجده، دائماً في المصاحف من عناية الأمة بضبطها منذ عهد عثمان إلى اليوم، تجدون في الآخر أسماء علماء موثوقين، لجان تشكل وليس شخص واحد، يقوموا بمراجعة المصحف الشريف، الآن معنا في مصحف المدينة تذهبون إلى آخر المصحف، مكتوب أسماء اللجنة التي أشرفت على هذا المصحف، المصاحف المطبوعة في مصر تجدون كذلك أسماء العلماء ولجنة من كبار العلماء، والمصاحف المطبوعة في الشام بنفس الطريقة ومن يومها، هذا المصحف الشريف ما ترك لجهد فرد كائن من كان، إنما دائماً تنضم لجنة تأسياً بفعل عثمان رضي الله عنه، ولعل دكتور ايمن أشير على شيء بسيط نسمع دائماً المصاحف العثمانية، هذا الجواب عليها نسبة إلى من؟ نسبة إلى المصحف الذي جمع في عهد سيدنا عثمان، وأمر بنسخها وبقيت كل المصاحف التي بين أيدينا، منسوبة إلى تلك النسخ التي نسخت بأمره رضي الله عنه، ولعلنا نشير إلى قضية هامة أن هذا المصحف الذي كتب في عهد سيدنا عثمان وبث في الأنصار الإسلامية العواصم الكبرى التي كانت فيها جماعة المسلمين من الصحابة والتابعين وكان بينهم قراء ووافق دائماً قراءات الصحابة بمصحف المضبوط فالتقى فيها المحفوظ مع المكتوب وصارا يسيران بمسير واحد، لو كان الأمر لا سمح الله غير هذا لما تم الأمر القبول لهذا المصحف لكن توافق حفظ الصحابة بما تلقوه عن رسول الله مع ما كتبوه مجمعاً عليه، وحظي بذلك بالقبول، هل من إضافة دكتور أيمن؟ - 4 - كنا أيها الأخوة، قد تحدثنا بأن سيدنا عثمان رضي الله عنه ألهمه الله عز وجل فأطفأ تلك الفتنة التي كادت أن تحدث، بأن أرسل إلى التجمعات البشرية التي تسمى الأمصار أمصار المسلمين، أرسل إليهم نسخاً موثقةً من المصحف الصديقي، الذي كتبه سيدنا زيد في زمن الصديق عن القطع التي كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل مع كل مصحف مقرئاً يقرئ الناس، فصار الناس ينسخون من تلك المصاحف الأمهات، وانتشرت مصاحف صحيحة الله أعلم كم، لا يحصيها أحد، لكن علماءنا أيضاً جزاهم الله خيراً، من جملة عنايتهم بالقرآن، خافوا على تلك المصاحف الأمهات من عوادي الزمن، فممكن أن يحرق بعضها أو يتلف بسبب تقدم السنين أو يسرق أو أية أمر من الأمور الأخرى، فقالوا إنما كتب في تلك المصاحف أحد أمرين، إما أمر اعتاده الناس في الإملاء العادي وإما أمر اختصت به كتابة المصحف الشريف، أما ما توافق فيه كتابة المصحف ما اعتاده الناس من الإملاء فلا حاجة لتأكيد عليه لأنه كذلك، ولكن ما خالف ما اعتاده الناس من الإملاء هنا قام علماءنا بتتبع المصاحف التي أرسلها سيدنا عثمان تتبعوا ما كتب فيها، فما خالف ما اعتاده الناس من الإملاء ضبطوه وجمعوه وبوبوه، وبدأ يظهر في العالم الإسلامي تآليف في علم ناشئ سموه علم رسم المصاحف. فبدأت تظهر مؤلفات ككتاب المقنع لأبي عمرو الداني رحمه الله، في رسم المصاحف، وكمنظومة عقيلة أتراب المقاصد في أسمى المقاصد للإمام الشاطبي، وكتاب مختصر التبيين لهجاء التنزيل لأبي داود سليمان بن نجاح، ومن كتب المتأخرين كتاب إرشاد القراء والكاتبين إلى معرفة رسم وضبط الكتاب المبين للشيخ أبي عيد المخللاتي، وكتاب سمير الطالبين للشيخ علي محمد الضباع شيخ عموم مقاريء مصر الأسبق، وهكذا ضبط علماءنا هذا الأمر ضبطا كاملاً وما خشي، منه علماء قد حدث، فإن عوادي الزمان قد أتت على تلك المصاحف العثمانية فاحترق بعضها وغاب بعضها، ولم يبق إلا ما دونه علماءنا من أوصاف تلك المصاحف وما نسخ منها، وهذا أمر تواتر ولم يعد هناك مجال لأن يأتي إنسان فيزيد في القرآن حرفاً أو ينقص منه حرفاً، ولو اجتمع أهل الكرة الأرضية كلهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك لما قام به علماءنا من الضبط العظيم لكتابة المصحف الشريف فالحمد لله أننا نمسك المصحف بأدينا ونحن واثقون أن هذا المكتوب بين أيدينا هو كلام الله وهو الذي دون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما طرأ عليه أدنى زيادة ولا حرف واحد ولا نقص منه حرف واحد فلله الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة، التي لا تكاد بل لا توجد عند أمة من الأمم ولا في كتاب سماوي ولا غير سماوي، اللهم أدم علينا نعمة القرآن الكريم إنشاء الله تعالى نتكلم في الحلقة القادمة عن تتمة المراحل. - 5 - أيها الأخوة، القرآن الكريم، لا شك أنه نزل بلسان العرب، قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [سورة الشعراء: 193-195] فالقرآن العظيم كتاب باللسان العربي وباللغة العربية، والعرب في عصر نزول القرآن كانوا كما هم الحال الآن من قبائل شتى، بينهم اتفاق كبير في كثير من الكلمات لكن هناك بينهم اختلاف ضئيل في بعض الظواهر اللفظية التي تتميز بها كل قبيلة عن الأخرى لذلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّر)) [متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ] فكان كل أحد من الصحابة يعلم من بعده كما تعلم، وهكذا في عصر تابع التابعين تقريباً، ظهر رجال تفرغوا للقراءة ولنقلها وضبطها وجلسوا بعد ذلك للتعليم، فلما جلسوا للتعليم اشتهرت القراءة التي كانوا يقرءون ويُقرءون بها الناس، فصار الواحد يقول لرفيقه بقراءة من تقرأ؟ فيقول أقرأ بقراءة نافع مثلاً، ويقول الآخر بقراءة من تقرأ؟ يقول أقرأ بقراءة ابن كثير. ليس معنى هذا أن نافعاً أو ابن كثير أو غيرهما من القراء ابتدعوا أو اخترعوا هذه القراءات من عند أنفسهم، وإنما لما لزموا تلك الكيفية المعينة المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صارت تلك الكيفية تنسب إلى ذلك القارئ، تماماً كما يقول الواحد أني شافعي المذهب أو حنبلي المذهب أو حنفي المذهب ليس معنى هذا أن تلك الأحكام التي على مذهب أبي حنيفة أو سيدنا الإمام مالك أو غيرهما هي من عند أنفسهم، وإنما هي على طرائق لزمها الإمام واستنبط من خلالها الأحكام الشرعية فصارت تنسب إليه وإلا كل واحد من متبع الأئمة رضي الله عنهم، هو آخذ من الكتاب والسنة كذلك القراء الذين تصدوا للتعلم والتعليم فصارت القراءة تنسب إليهم، لأنهم لزموها لا لأنهم اخترعوها، نقلوها نقلاً محضاً وليس لهم فيها أدنى تغيير أو زيادة، ولا فتحة ولا ضمة ولا كسرة. القراء كانوا كثر جداً، لكن القراء أيها الأخوة، هم كالفقهاء تماماً، الفقهاء كانوا كثر جداً، لكن الأئمة الأربعة تهيأ لهم تلاميذ لزموهم ونقلوا مذاهبهم الفقهية، فبقيت مذاهبهم وانتشرت واندرست مذاهب غيرهم من الفقهاء مع أنهم كانوا فطاحل، الإمام الشافعي يقول عن الليث بن سعد، الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه ضيعوه، أصحابه يعني تلاميذه، يعني ما نقلوا مذهبه ولا لازموه وكتبوا ذلك الكلام الذي كان يقوله. كذلك القراء كانوا كثر جداً لكن الذين كثرت تلاميذهم ونقلت قراءاتهم هم عشرة من الأئمة، الأمام نافع المدني، الأمام عبد الله بن كثير المكي، الأمام أبو عمر البصري، الأمام عبد الله بن عامر الدمشقي، الأمام عاصم الكوفي، الأمام حمزة الكوفي، الأمام علي الكسائي الكوفي، الأمام أبي جعفر المدني، الأمام يعقوب الحضرمي البصري، الأمام خلف البزار الكوفي. هؤلاء العشرة هم الأئمة الذين إذا قيل القراءات العشرة يعني القراءات التي نقلها هؤلاء العشرة، قد يسأل سائل هل هذه القراءات العشر كلها الآن يقرأ بها المسلمون في أصقاع المعمورة؟ الجواب لا، أغلب هذه القراءات يعرفها أهل القراءات وعلماءها الذين تلقوها وعددهم كاف للتواتر في العالم الاسلامي ولله الحمد، لكن العامة من المسلمين الملايين المنتشرة من المسلمين في أغلب العالم يقرأون بالرواية التي رواها الأمام حفص عن الإمام عاصم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بلاد المغرب العربي يقرءون بقراءة نافع إمام أهل المدينة سواء من الرواية التي رواها عنه الإمام قالون أو من الرواية التي رواها الأمام ورش، وفي السودان وحضرموت يقرأون بالرواية التي رواها الأمام حفص الدوري غير حفص الذي يروي عن الأمام عاصم، الأمام الدوري يروي عن الأمام أبي عمرو البصري، في السودان يقرءون بقراءته وكذلك في حضرموت في جنوب الجزيرة العربية. هذه هي القراءات المنتشرة بين العامة والتي هي معروفة بين علماء القراءات والتي وصلتنا نحن أهل القرن العشرين، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
|
|