منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

الحــواس فـي القـــرآن الكـــريــم أحكـام صـلاة المـريض وطهـارته إلــــــــى كــــــــــل زوجـيــــــــــن مـــن أقـــــوال شيـــــخ الإســــلام لا عـلـيـك مـا فـاتـك مـن الـدنـيا رؤية الخاطب مخطوبته قبل العقد أحْلامٌ مِنْ أبِي باراك أوباما كُــــتُـبٌ غَــــــيُّـرَتْ الـعَـالَــــــمْ مــصـــــر التي فـي خــاطـــــري الزعيـم الثــائر أحـمـــد عـــرابي مـحـاسـن العقيـــدة الإسـلامـيـــة الرَّحَّـالة: أبي الحسن المسعـودي رضـــي الله عـنـهـــم أجـمـعـــين الأسئلة والأجــوبــة في العقيــدة النـهـضــة اليـابـانـيــة الـحـديثــة الحجاج بـن يــوســف الـثـقـفــي قـصــة حـيـاة ألـبرت أيـنـشـتــاين الأمثـــال الإسـلام بيـن الـعـلـم والـمــدنـيــة

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51866
العمر : 72

السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Empty
مُساهمةموضوع: السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها   السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Emptyالثلاثاء 27 مارس 2012, 1:40 am

السيدة فاطمة الزهراء

رضي الله عنها وأرضاه

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي


         الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 

إليكم الحديث عن السيدة فاطمة الزهراء من حيث:

نسبها, زواجها, أولادها, مكانتها عند أبيها:

         أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والعشرين من سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عنهن أجمعين، ومع بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الابنة الرابعة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها .


         هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّها خديجة أمُّ المؤمنين، كانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيدة النساء في زمنها، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع، والسيدة فاطمة رضي الله عنها إحدى هؤلاء الأربع، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         ولدت قبل البعثة بقليل، تزوجها الإمام علي كرم الله وجهه في ذي القعدة من سنة اثنتين بعد وقعة بدر، لها من الأولاد الحسن، والحسين، والمحسن، وأم كلثوم، وزينب، أبناء علي بن أبي طالب، وكان عليه الصلاة والسلام يحبها، ويكرمها، ويسرُّ إليها، ومناقبها غزيرة، وكانت رضي الله عنها صابرة، دينة، خيرة، قانعة، شاكرة لله عز وجل، وقد غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام, لما بلغه أن أبا الحسن هم ولم يفعل بما رآه سائغاً من خطبة بنت أبي جهل.


         فَعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: ((إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ, فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ, وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ, فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ, يَقُولُ:


         أَمَّا بَعْدُ, أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي, وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي, وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا, وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]


         فترك علي رضي الله عنه الخطبة رعاية لها .

         الحديث عن السيدة فاطمة يطول، حديث مسعد، فهي سيدة عصرها, هي إحدى أربع نساء كملن في العالمين، والمرأة إذا كملت شيء لا يوصف، المرأة إذا كملت تكون قرة عين لمن حولها .


إليكم بعض الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن مكانة السيدة فاطمة بنت النبي:

         أيها الأخوة, صح في السيرة، وفي سير أعلام النبلاء, وسنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ)).


         وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ لِعَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: ((أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ, وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         والحقيقة من كرامة النبي عند الله؛ أن جعل له أهل بيت أطهار، ومن كرامة النبي عند الله أن الله اختاره، واختار له أصحابه، ومن كرامة المؤمن الآن؛ أن يكون حوله مؤمنون على شاكلته، يعرفون قدره، يعرفون علمه، يعرفون خلقه، يعرفون ورعه، يعرفون محبته لله عز وجل، إذا أحاطك الله بمن يقدرك، ويعرف قيمتك, فهذه نعمة من نعم الله الكبرى، وأكبر عقاب يُعاقب به الإنسان, أن يكون الذي معه مناقضاً له، أن يكون الزوج صالحاً, والمرأة سيئة، وأن تكون الزوجة صالحة, وزوجها يعصي الله عز وجل, أكبر عقاب تُعاقب به أن تكون أنت في واد، ومن حولك في واد آخر، فمن تكريم الله لك أن يجعل الذين حولك على شاكلتك، وكلما ارتقى الإنسان, يكرمه الله بأن يقيض له كرماء صالحين، وما أخلص عبد لله عز وجل إلا جعل قلوب المؤمنين, تهفو إليه بالمودة والرحمة .


         ترى الأخوة المؤمنين بينهم اللطف، والمودة، والاحترام المتبادل، والزيارات، والبذل ، والتضحية، وترى أسرًا في المحاكم, والخصومات، والشتائم, والسباب، والبغضاء، والشحناء، هؤلاء بهائم، أما الإنسان فهو مخلوق راق جداً .


         نزع أحد الصحابة عن النبي ريشة عن ردائه، فرفع النبي يديه إلى السماء, وقال: ((اللهم أكرم من نزعها))، وكانت تعظم عنده النعمة مهما دقت .

         وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ)) [أخرجه أحمد في مسنده]


         وعَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ, قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ: ((أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: فَاطِمَةُ, فَقِيلَ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: زَوْجُهَا، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا)) [أخرجه الترمذي في سننه]

هل شاركت فاطمة معاناة أبيها أثناء نشر دعوته بين أبناء قومه, وماذا قال علماء السيرة عنها؟

         أيها الأخوة, السيدة فاطمة الزهراء كانت واحدة زمانها، وعظيمة دهرها، لما تهيأ لها من الكثير من مشاهد النبوة والوحي، فقد صحبت أباها من نعومة أظفارها إلى أن فارقها النبي صلى الله عليه وسلم, يوم التحق بالرفيق الأعلى، على مدى ربع قرن .


         أيها الأخوة, فقد كانت مع النبي، وشهدت كل أحداث الدعوة، شهدت معاناة النبي في مكة، شهدت الهجرة، شهدت الغزوات، كل المعاناة التي عاناها النبي كانت إلى جانبه، كانت معه، كانت ترى بعينيها تطور البعثة من حال إلى حال، لذلك كانت رضي الله عنها شديدة الحزن على أبيها عليه الصلاة والسلام، فهي لم تعرفه إلا نبياً مرسلاً من عند الله تعالى، وهي دون الرابعة من عمرها، فلم تكد تعي على الدنيا إلا ويملأ سمعها أحداث تبليغ الدعوة ونشرها، وبثها بين جموع قريش، لازمت النبي، وشهدت كل شيء، شاركته في كل شيء، عانت كل شيء، لذلك قال علماء السيرة: كانت أشد عزماً من أخواتها، وأكثر وعياً لما جرى, ويجري من أحداث, واكبت دعوة التوحيد والإيمان .


         أيها الأخوة الكرام، لهذا احتلت فاطمة الزهراء تلك المكانة العظيمة، ليس عند أبيها فحسب، بل عند جميع المؤمنين والمؤمنات .

         أيها الأخوة, ذكر هذه السيدة الجليلة, يعطر المجالس، الكمال رائع في المرأة الوفية، المرأة المحبة، المرأة خفيفة المؤنة، كثيرة البركة، المرأة التي تسعى لإسعاد زوجها، المرأة التي ترضى من زوجها كل قليل، المرأة التي تحب الله، هذه امرأة كما يقول بعضهم: أندر من الكبريت الأحمر .


         لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يزوجها إلا لرجل كفء لها، والكفاءة في الزواج مهمة جداً، أحياناً فتاة تحفظ كتاب الله ,فلا ينبغي أن تُزوج لشاب شارد, لا يعرف قيمة دينها، ولا قيمة ورعها، آباء كثيرون تزل أقدامهم حين لا يزوجون بناتهم لمن كان كفئًا لهن .


         فهذه السيدة رضي الله عنها لها من البلاء في الإسلام ما كان لها، ولها من التضحية في سبيل الله ما كان لها، ولها من معايشة الدعوة الإسلامية من بدايتها مثل ما لها .

         من كان زوجها؟ ربيب النبي عليه الصلاة والسلام الذي رباه، وحامل لوائه، وناصره على أعدائه، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا غرابة أن الله تعالى يباهي جميع خلقه بفاطمة ابنة حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما حباها من تلك الخصال والصفاء .


الأحاديث التي وردت عن النبي بشأن إكرامه لفاطمة وأنها أكثر الناس شبهاً به :

         ورد في الترمذي في سننه من كتاب الفضائل عَنْ حُذَيْفَةَ, قَالَ: ((سَأَلَتْنِي أُمِّي مَتَى عَهْدُكَ (تَعْنِي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ فَقُلْتُ: مَا لِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَنَالَتْ مِنِّي, فَقُلْتُ لَهَا: دَعِينِي آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأُصَلِّيَ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي وَلَكِ, فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ, فَصَلَّى حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ, ثُمَّ انْفَتَلَ فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعَ صَوْتِي, فَقَالَ: مَنْ هَذَا، حُذَيْفَةُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: مَا حَاجَتُكَ, غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا مَلَكٌ, لَمْ يَنْزِلْ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ, اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ, وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ, وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         من هو الإنسان العظيم؟ الذي له عند الله مكان عظيم, قال تعالى:
?إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ? [سورة القمر الآية: 54-55]


         إن كان لك عند الله مقعد صدق، فهذه هي الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، وهذا هو الفلاح، وهذا هو النجاح، وهذا هو التفوق، وهذه هي السعادة، أن تكون لك حظوة عند الله .


          وفي الحديث الصحيح عند الترمذي, عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         قال كتاب السيرة فيما نُقل: ((إن هذه السيدة الجليلة كانت كثيرة الشبه بأبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم)) يعني أكثر بناته شبهاً به السيدة فاطمة رضي الله عنها.

         وعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, أَنَّهَا قَالَتْ: ((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا, وَقَالَ الْحَسَنُ حَدِيثًا وَكَلَامًا, وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَسَنُ السَّمْتَ وَالْهَدْيَ وَالدَّلَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا, كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا)) [أخرجه أبو داود في سننه]


         بربكم أنتم آباء، أحياناً تأتيكم بناتكم زائرات، تدخل البنت أهلاً أبي، الأب جالس مرتاح ولا يتحرك: ((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ)) .

         طبقوا هذا: ((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا)) .


         الحياة كلها مودة، أجمل ما في الحياة المودة والحب، والاحترام المتبادل، والوفاء، والتضحية، فالإنسان حين يعيش حياة الود، حياة الحب، حياة الكرم، هذا إنسان سعيد .


         مرة رأى أخ بيتاً مناسباً, فقال: ممكن أن نرى البيت يا أستاذ، قلت: لا مانع، فذهبنا نرى البيت, دخلنا إلى غرفة, وجدنا صبيًا في الخامسة عشر مضطجعًا على قفاه، ورجل فوق رجل, يشاهد مسلسلا، ولم يتحرك، ولم يغير مجلسه، ولم ينظر إلينا، هذه التربية، هذه تربية المسلسلات .


         أما تربية سيد الأنام: ((كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ, قَامَ إِلَيْهَا, فَأَخَذَ بِيَدِهَا, وَقَبَّلَهَا, وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ, وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا, قَامَتْ إِلَيْهِ, فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ, فَقَبَّلَتْهُ, وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا)) .


         لقد كان لفاطمة رضي الله عنها, ولزوجها علي كرم الله وجهه, وابنيها الحسن والحسين مكانة عظيمة .

         ففي سنن الترمذي, عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا? فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ)) .


         أخواننا الكرام، صدقوا أن الله جل جلاله إذا حباك بأهل صالحين، أهل أعفة، أتقياء، أنقياء, فهذه نعمة لا تعدلها نعمة .

         أنا أقول لكم: كثير هم الرجال الذين يكفرون نعمة الزوجة الصالحة، زوجة عفيفة، قنوعة، تخدم زوجها، يبحث عن بعض الأخطاء، ويكبرها، وينشئ مشكلة، هذا إنسان جاهل، وكثيرات هن الزوجات اللواتي حباهن الله بأزواج صالحين، مستقيمين، تبحث عن بعض نقاط الضعف فتكبرها، المرأة أحياناً تكفر بنعمة الزوج، والزوجة أحياناً يكفر بنعمة الزوجة الصالحة، فهناك زوج صالح، وهناك زوجة صالحة .


         مرة ملِك من ملوك قرطبة, وهو ابن عباد، كان يمشي في حديقته، فرأى بركة ماء، وقد هبت الريح على صفحة الماء, فجعلت منها كالزرد، فقال:
نسج الريح على الماء زرد     ............................
ولم يستطع أن يكمل البيت، وكانت وراءه جارية، قالت له:
                 .............. يا له درعاً منيــعاً لو جمد
         فأُعجِب بهذه الجارية، وتزوجها، وجعلها السيدة الأولى، وأكرمها إكراماً ما بعده إكرام ، اشتهت مرةً حياة الفقر، كيف كانت تدوس في الطين؟ فطلبت منه أن تعيش يوماً واحدًا حياتها السابقة، فجاء بالمسك، والعنبر، وماء الورد, فجبلها وجعلها طيناً، وقال: دوسي فيه, هذا هو الطين, ثم جاء ابن تاشفين من شمال أفريقيا, قضى على ملوك طوائف، وأودعه في السجن، وافتقر، فكانت هذه الجارية زوجته, تقول له مرةً: لم أر منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟ فاستحيت .


         لماذا ذكر السيدة فاطمة يملأ القلوب سعادة؟ من وفائها، من تواضعها, من حرصها على سعادة زوجها، من حرصها على راحته، من حرصها على عدم الضغط عليه .


         الآن تضغط الزوجة، تضغط حتى يأكل زوجها الحرام، ويسرق حتى يخلص من شكواها .


         قال رجل لامرأته: لقد هلكت من كثرة شكواك وهمومك، فقالت له: إذًا: يوم أشكو به, ويوم أريحك، فكانت في يوم راحته, تقول له: غدا أوجع رأسك، فالإنسان بكماله، فالإنسان بأخلاقه، الإنسان بمحبته .


         الآن: كم من إنسان تموت زوجته، إذا فكر في الزواج, قامت بناته عليه بالنكير، السيدة فاطمة لما توفيت أمها السيدة خديجة, رأت أن أباها بحاجة إلى زوجة، فلما تزوج فرحت ، وكانت أكبر معين .


         تقول البنت: نحن نخدمك، هم لا يفهمون، الإنسان بحاجة إلى امرأة، وليس إلى بنت، هناك خصوصيات للإنسان لا تحلها البنت، فلذلك البنت الوفية لا تقف حجر عثرة أمام زواج والدها إذا كان بحاجة إلى زوجة .


كيف كانت علاقة السيدة فاطمة مع زوجات أبيها ؟

         لما تقدمت خولة بنت الحكيم, تخطب للنبي صلى الله عليه وسلم لتزوجه, لم تكن لفاطمة وأخوتها من معارضة، بل كن جميعاً راغبات راضيات عن زواج أبيهن، الذي أضناه الحزن على فراق أمهن خديجة، ولما جاءت خولة, قالت: ((أفلا أخطب عليك؟ قال صلى الله عليه وسلم: بلى، ثم قال: فإنكن معشر النساء أرفق بذلك)) .


         خطبت خولة عليه سودة بنت زمعة، وعائشة بنت أبي بكر، فتزوجهما، فبنى بسودة بمكة، ثم بعائشة بالمدينة .


         الآن في التعبير الدارج بنت الحماة مخيفة، حماية ثانية، السيدة فاطمة كانت من أرفق النساء بزوجات أبيها، إذا العلاقة طيبة بين البنت وزوجة والدها، هذا شيء مثالي .


         فعاشت فاطمة مع زوجتي أبيها بكل حب وحسن عشرة، بل كان يزيد في سرورها رؤية أبيها سعيداً في زواجه هذا .

         الآن بنت الزوج دائماً ضد خالتها، امرأة أبيها، ضدها على طول مهما فعلت، فكانت فاطمة رضي الله عنها تتظافر مع عائشة في الأمور التي كانت تراها فيها محقة, وهي أكبر عون لزوجة أبيها .


         أعرف أن زوجة الأب لا يحبها أولاد الأب، أحد أخواننا ذكره الله بخير, قال: لي خالة, إذا ذكرتُ اسمها ثلاث مرات, أبكي من محبتي لها، عاملتنا معاملة أحن من أمنا .


         لمَ هذه القاعدة الثابتة: أن امرأة الأب ضد أولاد زوجها؟ الإيمان يصنع المعجزات، فإذا كانت المرأة مؤمنة, فلا تعامل أولاد زوجها إلا كأولادها، فالسيدة فاطمة لم تكن كبقية النساء بهذه العداوة الثابتة مع زوجة أبيها، بل على العكس، كانت تتعاون مع السيدة عائشة إن كانت محقة في تعاونها.


         أما موقفها من أزواج أبيها, فقد كانت أكثر انسجاماً، واحتراماً، وتوقيراً، ولا شك أنها في ذلك تقوم بواجبها تجاه حق أبيها .

         إذا كان الأب متزوجًا، وكل يوم عنده مشكلة لا يرتاح، أما عنده ابنته من زوجته السابقة في البيت فلا مشكلة، فيه انسجام، فيه مودة، وفيه تعاون, كل يوم حياة لا تُطاق، فالقاعدة الأساسية: ما الذي يسعد أباها؟ أن يدخل البيت مرتاحًا، فما كانت تختلق مشكلة إطلاقاً، بل كانت أكبر معوان لزوجات أبيها .


         موقفها دائماً كان توقير زوجاته، والإحسان إليهن، والتأدب معهن، ولم يكن منها رضي الله عنها أي تصرف يثير غضب إحداهن، فقد كانت أكبر تعقلاً لما يحصل لبنات جنسها.

         سمعت من يومين قصة امرأة لا تنجب، وزوجها جيد جداً، وهو متألم بعدم إنجابها، ويتمنى الولد، ولكن بمحبته لها, فهو ساكت، خرجت وخطبت له، وفاجأته بزوجة جيدة، هي خطبتها، قال: والله عشنا معاً أكثر من خمسة عشر عامًا، لم تحدث مشكلة في البيت, عقل راجح، زوج وفيّ، زوج جيد، فالحياة إذا بنيت على الإيمان شيء رائع .


         امرأة صالحة جداً، تزوجها رجل، قال لها: بزماني كنت أفكر في الزواج من امرأة، ثم تركت الزواج منها، قالت لي: إذا تزوجتني, أسلم وأتزوج، وأحفظ القرآن، فلما علمت زوجته الدينة أن هذه المرأة إذا تزوجها تسلم، وتتحجب، وتحفظ القرآن, قالت: بالله عليك تزوجها اليوم ، وجاء بها إلى البيت .


         المرأة إذا كان دينها أصليًا, إذا كان دينها نابعاً منها، ليس ضغطاً، ليس قهراً، إذا كان دينها نابعاً منها, تفعل المعجزات، تفعل الأعاجيب, لأنها رأت أن هذه المرأة إذا تزوجها زوجها, دخلت بالإسلام، وتحجبت، وحفظت كتاب الله، هذا كسب كبير جداً .


إليكم بيان خطبتها وزواجها بشكل تفصيلي :

         سيدنا علي لم يكن ليتقدم لخطبة فاطمة من أبيها إلا على وجل شديد لما يعلم ما لها من المكانة العظيمة عنده صلى الله عليه وسلم، وما لها من الحب الكبير في نفسه الشريفة، فكان يتحين الفرص المواتية ليتقدم إليه بهذا الطلب الغالي، وطال انتظار علي سنين عددًا، حتى إذا خامره الرجاء في تحقيق رغبته بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، أمسك أيضاً ، لأنه لا يملك مهرها, فقير، وليس في يده مال، ثم زاد إحجامه, حينما بلغه أن الصحابيين الجليلين خطباها .


         سيدنا أبو بكر خطبها، سيدنا عمر خطبها، هو فقير, لا يملك نقيرًا ولا قطميرًا، إلا أنه ابن عمها، وحين شعر الصحابة برغبة علي في خطبة فاطمة, شجعه على مراده بعض أصحاب رسول الله، وأخذ يزيده في الترغيب بما له من قرابة النسب، ومنزلة أبويه من قلبه الشريف، أبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد، وكانت أول هاشمية تلد هاشمي، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم حين كفله عمه أبو طالب أماً بعد أمه .


         يوجد مداخلات، قرابة شديدة، مكانة عالية، فوقف علياً رضي الله عنه ملياً يفكر، هو بحق أجدر الناس بفاطمة بنت رسول الله، إنه كان قد تربى، وعاش في حجر النبي، ولم يفارقه ، فزاد هذا في أمله، فتشجع, وطلب من النبي فاطمة .


         قال: ((فما راعه إلا أن التفت إليه صلى الله عليه وسلم, وسأله مترفقاً, هل عندك شيء ؟ -يعني هل عندك مهر لفاطمة؟- فأجابه علي كرم الله وجهه: لا, يا رسول الله، فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصاب يوم بدر درعاً, فقال له: فأين درعك التي أعطيتك يوم كذا؟ فأجاب علي رضي الله عنه: هي عندي يا رسول الله، قال له: فأعطها درعك -هذا المهر، لا غيره، ليس خاتم ثمنه ثمانمائة ألف, إنه درع فقط .


         لذلك عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مؤنَةً)) [أخرجه أحمد في مسنده]


         الآن ماذا ستلبسونها؟ شرط، الذهب وألماس, وشهر العسل في فنيسيا, هكذا طلبات الناس، بيت معين، مساحة معينة، بشارع معين، شهر عسل بمكان معين .

         قال: ثم بيعت الدرع بأربعمائة وسبعين درهماً، فجهزت بها عروسه، وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج علي على ابنته فاطمة رضي الله عنهما، وأسكنها صلى الله عليه وسلم قريباً من بيته- .


         وقال صلى الله عليه وسلم لعلي قبل ليلة الزفاف: لا تحدث شيئاً حتى تلقاني, فدعا بإناء, فتوضأ منه، ثم أفرغه على فاطمة وعلي، وقال: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما)) .


         أيها الأخوة, وتم زواجهما على بركة الله تعالى، وكان عمر العروس فاطمة يوم زواجها من علي بن أبي طالب ثمانية عشر عاماً، وكان علي زوجها ستة وعشرين عاماً، فكانا قريبين من أحلام أمثالهما، غير أنهما كانا منصرفين إلى ما هو أسمى من كل ذلك، إنهما تابعا السير في سبيل نشر الدعوة .  

     
ما العمل الذي كانت تقوم به فاطمة حينما يكون زوجها غائباً عن البيت, وكيف كانت تستقبله حينما يأتي إليها ؟ 

         فهذا علي رضي الله عنه ينصرف مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، وهذه فاطمة تستمر في نهجها بين نسوة الأنصار، والمهاجرين، وفتياتهم، تبث فيهم روح الدعوة الإسلامية المنفتحة، الممتدة في ربوع الحجاز، وكان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً .


         الآن إذا تأخر الرجل قليلاً في السهرة, يُقام النكير على هذا الشيخ, الذي شغل زوجها قليلاً, ما أروع امرأة في مستوى زوجها! ما أروع امرأة في مستوى الدعوة! ما أروع امرأة تحمل هموم المسلمين! ما أروع امرأة تعرف قيمة زوجها! .


         كان زوجها علي بن أبي طالب لا يفارق رسول الله أبداً, إلا ما كان في غزوة تبوك حين استخلفه في المدينة، فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ, وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا, فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]


         وكان رضي الله عنه, كلما رجع إلى بيته من غزوة غزاها, أو سرية قادها, وجد زوجته بانتظاره .

         أحياناً يأتي الزوج متعبًا، العمل شاق، والعمل خارج البيت متعب، هموم، ضغوط، مشكلات، فهي تأتي تستقبله باللؤم، بالتقريع، بالضغط الداخلي، ماذا يحصل لهذا الزوج؟ ضغط من الداخل، وضغط من الخارج, أما المرأة الصالحة فتنسي زوجها هموم العمل، تنسيه ضغوط الحياة، تستقبله، تؤنسه، تحترمه .


         عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ, فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ, حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ, قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً, فَأَكَلَ وَشَرِبَ, فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ, فَوَقَعَ بِهَا, فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا, قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ, فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ, أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا, قَالَتْ: فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ, قَالَ: فَغَضِبَ, وَقَالَ: تَرَكْتِنِي, حَتَّى تَلَطَّخْتُ, ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي, فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا, قَالَ: فَحَمَلَتْ, قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ, وَهِيَ مَعَهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ, لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا, فَدَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ, فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ, فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ, وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ, إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ, وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ, وَقَدْ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى, قَالَ: تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ, مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ, انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا, قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا, فَوَلَدَتْ غُلَامًا, فَقَالَتْ لِي أُمِّي: يَا أَنَسُ, لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ, حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ, فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ, فَلَمَّا رَآنِي, قَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ, قُلْتُ: نَعَمْ, فَوَضَعَ الْمِيسَمَ, قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ, فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ, وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ, فَلَاكَهَا فِي فِيهِ, حَتَّى ذَابَتْ, ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِيه الصَّبِيِّ, فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا, قَالَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ, قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ)) [أخرجه مسلم في الصحيح]


         امرأة ترعى حق زوجها، تخفف عنه آلام الحياة، آلام العمل، الحياة فيها ضغوط شديدة .

         أخواننا الكرام, نسب الأمراض تزيد، نسب الأورام تزيد، نسب أمراض الدم, والقلب ، والأوعية, تنزل إلى الثلاثين، والخمسة وعشرين من شدة الضغوط، أنا أستمع إلى بعض القصص، ضغط من الخارج، وضغط من الداخل .


         كان إذا عاد من غزوة غزاها أو سرية قادها, عاد إلى بيته, وجد زوجته بانتظاره, قد هيأت له أسباب الراحة، لتخفف عنه بعض ما وجدوا من عناء السفر والغربة عنها .


هل عاشت السيدة فاطمة حياة المتنعمات عند زوجها, وما هو أثاث بيتها ؟

         قال: لم تكن حياة فاطمة في بيت زوجها مترفة، ولا ناعمة، شأنها في ذلك, شأن حياتها عند أبيها قبل زواجها، حياة خشنة، والحياة الناعمة لا تصنع الرجال، ولا تصنع البطلات.


         سيدنا علي, حينا شُغل بالجهاد مع رسول الله, شُغل عن جمع المال، والاتجار به، لو سخر وقته في التجارة لصار مليونيرًا، قدرات عند الإنسان عالية، هو صرفها في معرفة الله، وفي نشر الحق .


         التاجر أحياناً من الصباح, وحتى منتصف الليل, يفكر في التجارة, سوف يتابع أموره ويربح، أما إنسان آخر, جاهد نفسه وهواه، طلب العلم، هذا كله يحتاج إلى وقت .


         فانصرف هذا الصحابي الجليل, ابن عم النبي, إلى نصرة صلى الله عليه وسلم، ونشر التوحيد بين الناشئين، فشغله ذلك عن سبيل الثراء, الذي كان أشراف قريش, قد وجهوا شبابهم إليه، فلا عجب إن رأينا هذا الصحابي الجليل, لا يملك مهراً لزوجته سوى درعه، وحال سيدنا علي قبل الزواج, لم يكن خافياً على السيدة فاطمة، الآن إذا خطب إنسان، وليس معه شيء، طولب بكل شيء، طيب لماذا قبلتم؟ .


         فكان حال سيدنا علي واضحًا للسيدة فاطمة، وكانت تعلم أن علياً لم يكن ثرياً، فلذلك لم تفاجأ بالجهاز التي جُهزت به، كان مؤلفاً من خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين .


        الآن تريد غرفة النوم كذا، الجلوس كذا، الثريات كريستال، طلبات مهرها عجيبة, وتلك الصحابية خميلة ووسادة, حُشيت ليفاً، وإناء وسقاءين، وشيء من العطر، وهي في هذا راضية كل الرضا، لأن هذا الزواج كان برضا أبيها، لذلك كانت فاطمة سعيدة كل السعادة في بيت زوجها علي رضي الله عنه على ما كانت عليه من شظف العيش .


من روائع هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم:

         اسمعوا هذه الحادثة، كان علي رضي الله عنه, كلما عاد إلى بيته, يرى فاطمة متعبة راضية, فيساعدها في بعض أعمال البيت القاسية في كل وقت, مكنته الظروف من ذلك، حيث كان غير قادر على أن يستأجر لها خادماً، أو أن يشتري لها أمة, تقوم عنها بأعباء البيت، فكان هو يخفف عنها بعض عناء البيت, فجاء عليٌّ مرةً فرآها، وهي تسقي من البئر, حتى اشتكت صدرها، فقال رضي الله عنه: ((قد جاء الله بسبي، فاذهبي إلى رسول الله فاستخدمي، -أي ائتي بخادمة-, فقالت: وأنا والله قد طحنت, حتى مَجَلَتْ يداي, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك أي بنية؟ استحيت, قالت: جئت لأسلم عليك، واستحييت أن أسأله، ورجعت فأتيناه جميعاً, جاءت بسيدنا علي، فذكر علي حالها، -أن ابنتكم يا سيدي متعبة العمل شاق، جسمها ضعيف، فهل من خادمة؟- فقال صلى الله عليه وسلم: لا والله لا أعطيكما, وأدع أهل الصفة, تتلوى بطونهم، ولا أجد ما أنفق عليهم)), النبي عد المؤمنين أسرة واحدة، ما أعطى ابنته خادمة، وهناك فقراء, يتلوون من الجوع.


         والحديث في صحيح البخاري, عَنْ عَلِيٍّ: ((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)).


         وفي رواية أحمد: (( فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا تَرَكْتُهَا بَعْدَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ رَجُلٌ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟)) .


         أرأيتم إلى النبوة؟ المؤمنون أسرة واحدة .

         وفي درس آخر إن شاء الله, نتابع الحديث عن السيدة الجليلة رضي الله عنها وأرضاها، فهي سيدة نساء أهل الجنة، وهي من أربع نساء, كملن ولم يكمل غيرهن .

والحمد لله رب العالمين .



السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 14 أبريل 2021, 2:13 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51866
العمر : 72

السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها   السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Emptyالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:30 am

         الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


ماذا نستنبط من هذه الحادثة ؟

1- تقديم المصالح العامة على مصلحة الإنسان الخاصة :

         أيها الأخوة الكرام, مع سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن، ومع بنات النبي صلى الله عليه وسلَّم، ولا زلنا مع ابنته فاطمة الزهراء .

         أيها الأخوة, وصلنا في الدرس الماضي من سيرة هذه البنت المباركة التي هي سيدة النساء بنص كلام النبي عليه الصلاة والسلام، أنها اشتكت من أعمال البيت الشاقة، فذهبت إلى أبيها تطلب منه خادمةً .

         فَعَنْ عَلِيٌّ: ((أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام, أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى, وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ, فَلَمْ تُصَادِفْهُ, فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ, فَلَمَّا جَاءَ, أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ, قَالَ: فَجَاءَنَا, وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا, فَذَهَبْنَا نَقُومُ, فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا, فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا, حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي, فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا, إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا, أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؟ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]


         وفي رواية أحمد في المسند, عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَةَ, بَعَثَ مَعَهُ بِخَمِيلَةٍ, وَوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ, حَشْوُهَا لِيفٌ وَرَحَيَيْنِ وَسِقَاءٍ وَجَرَّتَيْنِ, فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَاتَ يَوْمٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى لَقَدْ اشْتَكَيْتُ صَدْرِي, قَالَ: وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ أَبَاكِ بِسَبْيٍ, فَاذْهَبِي فَاسْتَخْدِمِيهِ, فَقَالَتْ: وَأَنَا وَاللَّهِ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ, فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ أَيْ بُنَيَّةُ؟ قَالَتْ: جِئْتُ لَأُسَلِّمَ عَلَيْكَ, وَاسْتَحْيَت أَنْ تَسْأَلَهُ, وَرَجَعَتْ, فَقَالَ: مَا فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ, فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعًا, فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَاللَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي, وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَدْ طَحَنْتُ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَايَ, وَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِسَبْيٍ وَسَعَةٍ فَأَخْدِمْنَا, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ, وَلَكِنِّي أَبِيعُهُمْ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمْ أَثْمَانَهُمْ فَرَجَعَا, فَأَتَاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ دَخَلَا فِي قَطِيفَتِهِمَا, إِذَا غَطَّيا رُؤوسَهُمَا, تَكَشَّفَتْ أَقْدَامُهُمَا, وَإِذَا غَطَّيَا أَقْدَامَهُمَا, تَكَشَّفَتْ رُؤوسُهُمَا فَثَارَا, فَقَالَ: مَكَانَكُمَا, ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ قَالَا: بَلَى, فَقَالَ كَلِمَاتٌ عَلَّمَنِيهِنَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام, فَقَالَ: تُسَبِّحَانِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا, وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا, وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا, وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا؛ فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ, وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ, قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ, فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ, فَقَالَ: قَاتَلَكُمْ اللَّهُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ, نَعَمْ, وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ)) .      


         أيها الأخوة, ذكرت هذا بالتفصيل في نهاية الدرس الماضي، أما التعليق؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام علَّم أمته أن تُقدَّم مصالح العامة على نفع الخاصَّة، هذا درسٌ بليغ: ((وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ)).


         أي أنه جعل المسلمين جميعاً أسرةً واحدة، ولو طُبِّق هذه المبدأ في حياة المسلمين, لكانوا في حالٍ آخر: ((والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن؛ من بات شبعان, وجاره إلى جانبه جائعٌ, وهو يعلم)) .

         فابنته حبيبة قلبه، أقرب الفتيات إليه، طلبت خادمةً، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، ونبيُّ هذه الأمة ورسولها، وبإمكانه أن يعطيها عشر خادمات، قال: ((وَاللَّهِ لَا أُعْطِيكُمَا, وَأَدَعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ, تَطْوَ بُطُونُهُمْ, لَا أَجِدُ مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ)) .


         فحينما نتعامل مع بعضنا بعضاً بهذا العطف، وهذه الموضوعية، وهذا التراحم, يرضى الله عنا .

2- من الطرق الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يحصل عليها إذا عجز على الحصول على دخل2- من الطرق الأخرى التي يستطيع الإنسان أن يحصل عليها إذا عجز على الحصول على دخل.


         شيءٌ آخر من هذه القصة: أنّ الإنسان إذا لم يقدر أن يصل إلى مستوى معاشي مرتفع، فالأبواب الأخرى مفتَّحةٌ على مصاريعها؛ أبواب طلب العلم، أبواب نيل رضوان الله عزَّ وجل، أبواب نشر الحق، هذا متاع لكل مؤمن، أي إذا ما أتيح لك أن تمتلك مركبة، ما أتيح لك أن تسكن بيتًا فخمًا، ما أتيح لك أن ترتقي إلى منصبٍ رفيع، هذه حظوظ الدنيا، لكن حظوظ الآخرة مبذولةٌ لكل مؤمن، يقول عليه الصلاة والسلام: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) [أخرجه البخاري عن عثمان في الصحيح]

         شأنك عند الله لا بمساحة بيتك، ولا بموقع بيتك، ولا بنوع مركبتك، ولا بمستوى وظيفتك، ولا بدخلك، شأنك عند الله بقدر ما تعرفه، وبقدر ما تعمل من خلال هذه المعرفة، وهذا متاحٌ لكل مؤمن.


من الأمثلة على الاستنباط الأول:

         الاستنباط الأول: أن المؤمن عليه أن يؤثر مصلحة المسلمين العامة على مصلحته الخاصة، هذا بادئ ذي بدء .

         سيدنا عمر رأى إبلاً سمينة, فقال: ((لمن هذه الإبل؟ قالوا: هي لابنك عبد الله, فغضب وقال: آتوني به، فلما جاءه, قال: لمن هذه الإبل؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، قال, ويقول الناس: ارعوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، وردَّ الباقي لبيت مال المسلمين)) .


         سيدنا عمر بن عبد العزيز, رأى في إصبع ابنه خاتماً ثميناً, فقال: ((بع هذا الخاتم, وأطعم بثمنه ألف جائع، واتخذ خاتماً من حديد، واكتب عليه: رحم الله عبداً عرف حده فوقف عنده)) هكذا.

         فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يؤثر ابنته حبيبة قلبه على فقراء المسلمين، المسلمون جميعاً أسرةٌ واحدة .


الشرح الأوسع للاستنباط الثاني :

         الاستنباط الثاني المهم جداً: إذا كانت أبواب الدنيا مغلقة في وجهك، إنسان ما أتيح له أن يشتري بيتًا، ما أتيح له أن يرتقي إلى منصب رفيع، ما أتيح له أن يقتني مركبةً، إلا أن أعمال الآخرة متاحةٌ لكل مؤمن، بإمكانك أن تصل إلى أعلى درجة, وأنت فقير، وأنت في أقل وظيفة، وفي أقل دخل، وفي أصغر بيت .


         فالإنسان إذا ذكر الله، وأخلص قلبه لله، وتعلَّم القرآن، وعلَّم القرآن, ارتقى إلى أعلى درجات الجنان، فإذا فاتك شيءٌ من الدنيا, فلا تنس نصيبك من الآخرة، فإنّ نصيب الآخرة موفور ، ومتاحٌ لكل المؤمنين، وفضل الله يسع لكل عبادة، لكن الدنيا كما قال تعالى: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ" [سورة الإسراء الآية: 18]

         لحكمةٍ أرادها الله، والله عزَّ وجل علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما لم يكن لو كان, كيف كان يكون, فأنت على الدخل المعتدل الذي يكفيك، إنسان جيد جداً، أنت لا تعلم كيف يكون حالك على دخلٍ آخر, أنت لا تعلم لكن الله يعلم، فليس في الإمكان أبدع مما كان، أنت في وظيفةٍ دنيا جيدٌ جداً، أنت لا تعلم كيف يكون حالك لو كنت في وظيفةٌ عُليا؟ اجعل هذا الكلام شعاراً لك: ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني .


         ليس معنى هذا أن تقعد، أبداً، ليس معنى هذا أن تتكاسل، أبداً، أما حينما تبذل كل طاقتك، وكل وقتك، وكل جهدك، وتصل بك هذا الجهد إلى هذا المكان، هذا الذي اختاره الله لي، وهذا خيرٌ لي من كل شيء، أما أن تقعد، وأن ترتاح، وأن تتكاسل، وأن تبقي نفسك جاهلاً، ولا تعمل, وتقول: هذا الذي اختاره الله لي, لا .


         أنا ذكرت سابقاً: هناك ما يسمى بفقر الكسل، فقر الكسل مذموم، وهناك ما يسمى: بفقر القدر، فقر القدر صاحبه معذور، إنسان معه مشكلة في جسمه، معه عاهة, تقعده عن طلب الرزق ، هذا فقر القدر، وفي فقر الإنفاق، الإنسان الذي يسعى للآخرة جهده ينفق مالاً كثيراً في سبيل الله ، فلا يبدو أنه غني لكثرة إنفاقه، وفي غنى الكفاية، وفي غنى البطر، غنى البطر مذموم، عدَّه النبي أحد المصائب: ((بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعًا؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إلا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا؟)) [أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في سننه]
 

         غنى البطر: هو الغنى الذي يحمل صاحبه على المعصية، اغتنى فجأةً، أراد أن يذهب إلى بلاد الله الواسعة، ذهب إلى بلاد الله الواسعة، أراد أن يرى فيها كل شيء؛ دخل إلى ملاهيها، وإلى نواديها الليلية، وإلى علبها السوداء، وإلى مجتمعاتها المنحطَّة، معه مال بإمكانه أن يفعل به ما يشاء، هذا الغنى يعدُّ أكبر مصيبةٍ للإنسان، إذا كان عندك ما يغطِّي نفقاتك, فهذه نعمةٌ ما بعدها نعمة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهمَّ من أحبني فاجعل رزقه كفافاً)) .


         فإذا قال لي أحد الأخوة الكرام: مستورة، أقول له: أصابتك دعوة النبي، لأنه يحبك، لم يشغلك بهذا المال، أحياناً تكون أنت عبداً للمال، تكون خادماً له، ويكون المال سببَ هلاكِ الإنسان أحياناً، قد يقتله بعض الناس من أجل ماله، قد يتآمر عليه أولاده، وأقرب الناس إليه من أجل ماله، وقد يفعلون فيه الأعاجيب من أجل ماله، المال قد يكون نقمة .


         فقر الإنفاق: قال أحد أصحاب النبي للنبي: ((والله إني أحبك، قال: انظر ما تقول, قال: والله إني أحبك, قال : انظر ما تقول, قال: والله إني أحبك، قال: إذا كنت صادقاً فيما تقول, للفقر اٌقرب إليك من شرك نعليك)) .


        أي فقرٍ هذا؟ فقر الإنفاق: (( يا أبا بكر, ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: الله ورسوله)).


         هذا وسام شرف، أن يكون معك مال وتنفقه، أعرف طبيبًا رحمه الله، أقام في أحد الأقبية في ريف دمشق، لكنه خدم الناس خدمة تفوق حدَّ الخيال، كل شيء يملكه, أنفقه في سبيل الله، ما أبقى لنفسه شيئاً، صار معه مرض، فقال أحد زملائه لأهل هذه البلدة الطيبة: لو أن العملية تكلِّف ستة ملايين تدفعونها, أقسموا بالله ليدفعنَّها، لكن المرض كان ميؤوسًا منه، كل شيء يملكه قدَّمه؛ هذا يلزمه مئة فأعطاه مئة، هذا يلزمه بيتٌ فأعطاه بيتًا، هذا يلزمه زواج فزوَّجه، فلما توفي ، ما عرف الناس قدره إلا بعد الوفاة.


         أي إذا فاتك من الدنيا شيء, فلا تنس نصيبك من الآخرة، وحظوظ الآخرة مبذولةٌ لكل الناس، لكل المؤمنين، وقيمتك عند الله بعلمك وعملك, قال تعالى: "وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا" [سورة الأحقاف الآية: 19] "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" [سورة المجادلة الآية: 11]


كيف كانت تستقبل فاطمة زوجها علي حينما يأتي إلى البيت؟

          فكانت هذه السيدة الجليلة راضية بما قدَّر الله لها، وهذه السيدة الجليلة, كانت ترى عائشة تستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، كلَّما عاد إلى بيته المتواضع، بالابتسامة الحلوة، واللقاء الجميل، أرأيت المؤمنة؟ يكون زوجها فقير، فتستقبله بالرضا والابتسامة، وتقبل منه دخله القليل، وبيته الصغير، وأثاثه الخشن، وتستقبله فرحةً مطمئنةً، تدخل إلى قلبه السرور، هذه المؤمنة، أما غير المؤمنة إن لم ينفِّذ لها طلباتها، والعياذ بالله، تصبح زوجةٍ لئيمة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((أعظم النساء بركةً أقلهنَّ مؤنةً)).


         فحينما ترى السيدة عائشة تستقبل النبي في حجرتها المتواضعة، كان إذا صلَّى قيام الليل أزاحت رجليها, ليتمكَّن من السجود، أي أن غرفتها لا تتسع لنومها وصلاة النبي .

         الآن البيت تكون مساحته أربعمئة متر، وهي منبوذة، تطلب أحياناً طلبات خياليَّة، فإن لم يُنفَّذ, تقابله بأسوأ مقابلة, وهناك غرفةٍ لا تتسع لصلاته ونومها، وكانت تستقبله باشة، هاشة، مبتسمة، ضاحكة، مؤنسة، مسلِّية.


         فهذه السيدة فاطمة, كانت إذا علمت بقدوم زوجها عليِّ كرَّم الله وجهه, تهيَّأت لاستقباله ، الآن الزوجة غير المؤمنة أجمل ما فيها تبديه لغير زوجها، وأبشع ما عندها تبديه لزوجها؛ كلامها القاسي، هيأتها المتبذِّلة المهملة لزوجها، أرخص ثوبٍ ترتديه لزوجها، أكره ثوبٍ ترتديه لزوجها، فإذا كان عندها استقبال، أو عندها زيارة أو شيء، بدت وكأنها ملكة جمال، هذه المرأة التي لا تعرف الله .


         انظر السيدة فاطمة: كانت إذا علمت بقدوم زوجها علي, تهيأت لاستقباله بالابتسامة المشرقة، وبالدعابة اللطيفة، لتبرهن عما في قرارة نفسها بالرضا التام لما حباها الله تعالى، إذ جعلها بنت سيد المرسلين، وزوجة وليِّ المؤمنين .


         فالزواج نعمة، عندها زوج لا ترضي زوجها، عندها زوج لا تحسن إلى زوجها، عندها زوج لا تدخل على قلب زوجها الفرح، دائماً تضغط عليه .


         والزوجة نعمة، فالذي عنده زوجة, دائماً يقسو عليها، ودائماً يضغط عليها، ويكلِّفها ما لا تطيق، ويستهزئ بها، هذه نعمة الزواج؛ نعمة الزوجة ونعمة الزوج، من أساء معاملة الطرف الآخر, فقد كفر هذه النعمة .


إليكم بعض الأحاديث التي وردت بشأن مكانة علي بن أبي طالب عند النبي:

         عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: ((بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا, وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ, فَأَصَابَ جَارِيَةً, فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ, وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ, وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ, بَدَؤوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ, ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ, فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ, سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَامَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلَمْ تَرَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, صَنَعَ كَذَا وَكَذَا, فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ قَامَ الثَّانِي, فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ, فَأَعْرَضَ عَنْهُ, ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ, فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ, فَأَعْرَضَ عَنْهُ, ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ, فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا, فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ, فَقَالَ: مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي, وَأَنَا مِنْهُ, وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ)) [أخرجه الترمذي في سننه]
         

         كان صهره الحبيب: ((مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ؟ إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي, وَأَنَا مِنْهُ, وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


إليكم هذه السنة الربانية التي قضى الله بها في عباده مع مثال عليها :

         أيها الأخوة, عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ((إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ, اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ, فَلَا آذَنُ, ثُمَّ لَا آذَنُ, ثُمَّ لَا آذَنُ, إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي, وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ, فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي, يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا, وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]


         لكن سنة الله في خلقه, أنه لا بدَّ من اضطراب العلاقة الزوجية، ليس هناك على وجه الأرض زوجان, إلا وينشأ بينهما جفوة، أو خصومة، أو نفور بعض الشيء، فقد روى ابن سعدٍ بإسناده عن عمرو بن سعيد قال: ((كان في عليٍ شدَّة على فاطمة, فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فانطلقت, وانطلق عليٌ في أثرها, فكلَّمته, فقال صلى الله عليه وسلَّم: أي بنيتي؛ اسمعي، واستمعي، وأعقلي، إنه لا إمرة لامرأةٍ, تأتي هوى زوجها, وهو ساكت .


         -أي إذا كانت المرأة مطيعة لزوجها، فليس له الحق أن يشتد عليها، إن كانت تطيع زوجها وترضيه, فليس له الحق أن يشتد عليها- لذلك قال عليٌ: فكففت عما كنت أصنع, وقلت: والله لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً)) .


         عاشت هذه السيدة الجليلة في بيت علي بن أبي طالب؛ معزَّزةً، مكرَّمةً، معظَّمةً، مبجَّلةً .


إليكم ذرية فاطمة بنت النبي, والأحاديث التي وردت بشأن محبة النبي للحسن والحسين, وعلة تسمية بناتها على تسمية أخواتها زينب وأم كلثوم:

         طبعاً أول مولود أنجبته الحسن، لقد كان سرور النبي صلى الله عليه وسلَّم بأولاد فاطمة رضي الله عنها عظيماً جداً، فاق كل سرور، بل لعله فاق سرور الأبوين نفسيهما، وكان عليه الصلاة والسلام, يأمل من زواج فاطمة من علي هذه الذرِّية الطيبة.


         قال عليه الصلاة والسلام ليلة بنى عليٌ بفاطمة, معنى بنى: أي دخل بها: ((لا تحدث شيئاً حتى تلقاني، فدعا بماءٍ, فتوضَّأ منه, ثم أفرغ عليهما, وقال: اللهمَّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك في نسلهما)) .


         واستجاب الله عزَّ وجل دعاء رسوله الكريم، فرزق الزوجين المباركين ذريةً طيبةً مباركة، فما إن مضى أقل من عام على زفاف العروسين الكريمين، حتى احتفلت المدينة المنوَّرة بمقدم المولود المبارك الذي سمَّاه جده (الحسن)، وما أن أصبح عمر الحسن يقارب السنة حتى أردفته أمه بشقيقه الحسين، فكان في ذلك سرورٌ عظيمٌ من الجد الكريم، صار له أحفاد صلى الله عليه وسلَّم، الحسن والحسين، وقف الوالدان مدهوشين أمام ذلك السرور العارم من الجد الرسول عليه الصلاة والسلام .


         فكان عليه الصلاة والسلام يضمُّهما إلى صدره الشريف، يعانقهما، ويغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه الطاهر الكبير من حبٍ وحنان، ويفيض عليهما من عاطفة الأبوَّة ما شاء الله أن يفيض.

         روى الإمام الترمذي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: ((طَرَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ, فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ, لَا أَدْرِي مَا هُوَ, فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِي, قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَكَشَفَهُ, فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وَرِكَيْهِ, فَقَالَ: هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ, اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا, وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا)) .


         يحملهما على وركيه، على خصريه .

         وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: ((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ, وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: ادْعِي لِيَ ابْنَيَّ فَيَشُمُّهُمَا, وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         وعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ, فَدَعَا فَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ, وَعَلِيٌّ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي, فَأَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ, وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا, قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ, وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ)) [أخرجه الترمذي في سننه]


         أي وأنتِ معهم، هنا في نقطة دقيقة، أي أن أهل البيت جزءٌ من الدعوة، كيف؟ لو أن إنسانًا يدعو إلى الله, وأهل بيته, ليسوا كذلك، تنشأ مشكلة كبيرة، هذه المشكلة أنه إذا كانت هذه الدعوة صحيحة، لمَ لا تطبَّق على أهل بيتك؟ هذا سؤال، فإن كانت ليست واقعية, فلا معنى لهذه الدعوة، وإن كنت لا تستطيع أن تطبقها على أهل بيتك، عظ نفسك قبل أن تعظ الناس، هذه كل القصة، لذلك يعد أهل البيت جزءًا من الدعوة، فإن استقاموا استقامت الدعوة، هذا معنى قوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" [سورة الأحزاب الآية: 33]

         لا تستقيم الدعوة إلا بالانسجام، لا تستقيم الدعوة إلا أن يكون من حول هذا الذي يدعو على شاكلة من يدعو .

         سيدنا علي كان يسعد أيَّما سعادة, حينما يرى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم متعلِّقاً تعلُّقاً شديداً بالحسن والحسين، سرَّه أن تتصل حياة النبي الكريم بحياته هذا الاتصال الوثيق، وتتابعت الثمرات المباركات، وتلد الزهراء طفلتها الأولى في العام الخامس من الهجرة، فسمَّاها جدها صلى الله عليه وسلَّم زينب، إحياءً لذكرى خالتها الراحلة زينب, وبعد عامين من ولادة زينت، وضعت فاطمة رضي الله عنها الطفلة الثانية، التي اختار لها جدها اسم أم كلثوم، تطييباً لخاطر الخالة التي لم يقدِّر الله تعالى لها أن تنجب من زوجها عثمان, أم كلثوم لم تنجب من عثمان, فسمى ابنة فاطمة الثانية أم كلثوم, فصار الحسن, والحسين، وزينب, وأم كلثوم .


         لقد ملأت هذه الذرية الطاهرة قلب الجد الكريم بحنان الأبوة, الذي افتقده بوفاة أبنائه؛ إبراهيم, والقاسم, وعبد الله.

         فلحكمةٍ أرادها الله, لم يشأ الله أن يكون للنبي ذريَّة من الذكور، فمات ابنه إبراهيم، وابنه القاسم، وابنه عبد الله، وحفظ الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلَّم هذا القدر من السعادة الأبويَّة المتمثِّلة بحبه العميق لأولاد فاطمة، وعلى الأخص منهم؛ الحسن والحسين.


مشهد نستنبط منه العبر:

         إليكم هذا المشهد: يروي الإمام النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ, قَالَ: ((خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ, وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا, فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ, ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى, فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا, قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي, وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ سَاجِدٌ, فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي, فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ, قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا, حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ, أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ, قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ, وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي, فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ, حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ)) [أخرجه النسائي في سننه]


         كنت في مسجد قبل يومين، فصلى طفل في الصف الأول، جاء إنسان بقسوةٍ ما بعدها قسوة, دفعه إلى صفٍ آخر، تألَّمت أشد الألم من هذا الموقف، النبي عليه الصلاة والسلام يحمل الحسن والحسين، ويدخل المسجد، ويضعهما أمامه, ويؤمُّ الناس.


         هكذا كانت رقَّة النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا كان حب النبي، وهكذا كان رفق النبي بالصغار .

         أيها الأخوة, نحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نربي الصغار، لأنهم المستقبل، إذا كان حاضر أمتنا لا يرضينا، فلا بأس من أن نسعى للمستقبل، بتربية أولادنا تربيةً إسلاميةً صحيحة، والطفل كما ورد أن: ((لاعب ولدك سبعاً, وأدِّبه سبعاً, وراقبه سبعاً, ثم اترك حبله على غاربه)).


         من الواحد إلى السبعة ملاعبة، من السبعة إلى أربعة عشر تأديب، من أربعة عشر إلى الواحد والعشرين مراقبة، في الواحد والعشرين صار زميلك، صديقك، وانتهى الأمر .

         عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ, وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ)) [أخرجه النسائي في سننه]


         أي أن أعظم عمل على الإطلاق؛ أن تربي ابنك تربيةً صحيحة، ليكون خليفتك من بعدك، وحينما تربي ابنك تربيةً صحيحة, أنت لا تموت حينئذٍ، فكل أعمال ابنك في صحيفتك, قال تعالى: "وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ" [سورة الطور الآية: 21]
     

         لي قريب فجأةً, شعر بدنو أجله، جمَّع ثروةً طائلةً، ثروة كبيرة جداً في السبعينات، فقيمتها الآن عشرة أضعاف، أو عشرون ضعفًا، أو ثلاثون ضعفًا، وترك ولدين بعيدين عن الدين كلياً، قال كلمة: تركنا أثمن شيء، وهم الأولاد، لم نعتن بهم، وجمعنا شيئاً لا قيمة له، وهو المال. والحمد لله رب العالمين .



السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأربعاء 14 أبريل 2021, 2:14 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51866
العمر : 72

السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Empty
مُساهمةموضوع: رد: السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها   السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها Emptyالثلاثاء 27 مارس 2012, 2:44 am

         الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


لماذا لقبت فاطمة بأم أبيها, وما هو الشعور التي كانت تبادله لأبيها, وهل كان النبي يبادلها نفس

         أيها الأخوة الكرام, لا زلنا مع سيَر الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن أجمعين، ومع سيرة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها، ومع الدرس التاسع والعشرين .


         أيها الأخوة الكرام, قضت فاطمة حياتها كلَّها، وهي تحت أنظار أبيها، كانت قريبةً من أبيها أشد القُرب، لم تغب عن لمحاته إلا ساعات خروجه من الدار، وقد كانت شديدة التعلق به والاهتمام, حتى كنيت: بأم أبيها، من شدة تعلق السيدة فاطمة بسيدنا رسول الله كنِّيت أم أبيها، أي كأنها أمٌ له من شدة محبتها، وتعلُّقها، وحرصها، وخدمتها, كان صلى الله عليه وسلم شديد التعلُّق بها أيضاً .


         الآباء يعرفون هذه الحقيقة: البنات أقرب إلى آبائهم من البنين، لأن المرأة عاطفتها جيَّاشة ، وفاؤها شديد، وأقرب للفطرة, حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام لما زوجها علياً, أسكنها بيتاً ملاصقاً لحجراته الملاصقة لمسجده, وكان عليه الصلاة والسلام إذا عاد من غزواته, أو من سفره, ابتدأ ببيت ابنته فاطمة، ثم يطوف بعدها على بيوت نسائه .


         روى ابن عبد البر عن أبي ثعلبة, قال: ((كان عليه الصلاة والسلام, إذا قدم من غزوٍ, أو سفرٍ, بدأ بالمسجد, فصلى فيه ركعتين, ثم يأتي فاطمة, ثم يأتي أزواجه)).


         وهذه السنة، تكريم البنت من السنة، فالحقيقة تكريم البنت يقوي مركزها عند زوجها، البنت الشرف معوان يحجزها عن مخالفة الشرع .

         لذلك قالوا: إنه لم يكن أحدٌ أشد حزناً على فراق رسول الله من فاطمة على الإطلاق سوى أبي بكرٍ رضي الله عنه .


كيف خبر النبي فاطمة بدنو أجله حتى لا تفجع على هذه المصيبة؟

         وقد أدرك عليه الصلاة والسلام أنه على وشك مغادرة الدنيا، لذلك راح يمهد للسيدة فاطمة بإخبارها, بأن أجله قد اقترب، لئلا تتفاجأ بالمصاب الذي لا تحتمله، أراد أن يبلغها .


         وبالمناسبة: لكرامة المؤمن عند الله, يشعره بدنو أجله، النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل قوله تعالى: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً" [سورة النصر الآية: 1-3]

         هذه السورة فيها نعي النبي عليه الصلاة والسلام، كيف لا؟ وقد قال الله عز وجل: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" [سورة الزمر الآية: 30]


         أي أنك لا بد أن تموت، هذه سنة الله في كل خلقه، والآية الثانية:

"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" [سورة آل عمران الآية: 144]

         فمن شدة محبة الصحابة الكرام للنبي عليه الصلاة والسلام، ومن شدة تعلُّق السيدة فاطمة بأبيها، هذه الآيات تقرؤها، ولكن لم يخطر على بالها, أنه سيموت، لذلك خشي النبي عليه الصلاة والسلام وقع المصاب الأليم على نفسها، فأخذ ييسر لها ببعض الشيء عن رحيله من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة، وأن ذلك قدر الله عز وجل, قال تعالى: "فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً" [سورة فاطر الآية: 43]

         الحقيقة: حينما ألمت وعكةٌ شديدةٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم في ليالٍ بقينَ من صفر في السنة الحادية عشرة للهجرة، ظن آل بيته والمسلمون, أنها وعكةٌ طارئة، لا تلبث أن تزول، دون أن يفكر أحدٌ أنه مرض الموت، وبقي النبي عليه الصلاة والسلام أسير مرضه لا يغادر فراشه، وكان المسلمون يعودونه في مرضه، وقلوبهم متعلقةٌ به، تأمُل له من الله تعالى الشفاء العاجل، وكان جميع أهله لا يتركونه، وهم في أشد لهجةٍ بالدعاء إلى الله عز وجل، أن يشفي رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما فاطمة، وعلي، والحسن، والحسين، وأخواتهما زينب، وأم كلثوم، وكل زوجاته الكريمات, أخذن يسألن الله عز وجل أن يعافي نبيه صلى الله عليه وسلم.


         عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً, فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ, تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا, -أشبه إنسان برسول الله فاطمة، ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله، قد يسأل أحدكم: ما تخطئ مِشيتها مِشية, لمَ مِشية بالكسر؟ نحن عندنا مصدر الهيئة, والمصدر مرة، مصدر الهيئة مكسور الميم، مصدر المرة مفتوح- فَلَمَّا رَآهَا, رَحَّبَ بِهَا, فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنَتِي, ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ, ثُمَّ سَارَّهَا, همس في أذنها, فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا, فَلَمَّا رَأَى جَزَعَهَا, سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ, فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ بِالسِّرَارِ, ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ, فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ, قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قُلْتُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَا حَدَّثْتِنِي مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ, أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى, فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ - أي يتلو أمامه القرآن مرة - وَإِنَّهُ عَارَضَهُ الْآنَ مَرَّتَيْنِ, وَإِنِّي لَا أُرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ - استنبط النبي عليه الصلاة والسلام أن جبريل لما عارض, أي تلا القرآن على النبي مرتين, أنها السنة الأخيرة في حياته- فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي, فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ, قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ, فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي, سَارَّنِي الثَّانِيَةَ, فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ, أَمَا تَرْضَيْ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ, أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ, قَالَتْ: فَضَحِكْتُ ضَحِكِي الَّذِي رَأَيْتِ)) [أخرجهما البخاري ومسلم واللفظ له في صحيحهما]


         هكذا عالج النبي عليه الصلاة والسلام وقع المصيبة على ابنته فاطمة قبل حصولها، رأفة منه عليها ورحمة .

         كتعليق: أي إنسان تخبره أنك سوف تموت بعدي سريعاً يضحك؟! مستحيل، لماذا ضحكت؟ لثقتها بما عند الله من إكرامٍ لها، الإنسان حينما ينقل اهتماماته إلى الدار الآخرة تسعده الدنيا، حينما ينقل اهتماماته إلى الدار الآخرة، حينما يقدم الأعمال الصالحة تلو الأعمال, أسعد شيءٍ له أن يلقى الله عز وجل، لذلك المقياس دقيق، ربنا عز وجل خاطب اليهود: "قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ" [سورة الجمعة الآية: 6-7]

         المؤمن حينما يكون عمله صالحاً, يتمنى لقاء الله، وحينما يكره لقاء الله, يكون عمله سيئاً, قال تعالى: "وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" [سورة الجمعة الآية: 7]


         صار مقياس، الإنسان المستقيم الذي له أعمال صالحة، دخله حلال، إنفاقه حلال، بيته إسلامي, لا توجد عنده مشكلة، لذلك يدعو الله عز وجل أن يكون من أهل الجنة .


في أي بيت تمرض النبي من بيوت زوجاته في اللحظة الأخيرة من عمره, وهل كانت تزوره فاطمة, وماذا تصنع؟

         ولقد بقيت فاطمة, ترقب أباها على تخوِّفٍ، حتى إذا رأته بعد أيامٍ قد تحامل على نفسه, يدور على نسائه أمهات المؤمنين كسابق عهده، راودها الأمل بشفائه .
         بالمناسبة: كل داء له دواء, وهذا الحديث يعطي الإنسان أمل كبير: ((لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ)) [أخرجه مسلم عن جَابِر في الصحيح]


         المريض يتفاءل، والطبيب يشعر أنه مقصر إن لم يبحث عن الدواء، فحافز للطبيب أن أي مرض له دواء، وطمأنينة للمريض لا تقلق, إلا مرض الموت، مرض الموت ليس له حل، فإذا كان الله عز وجل كتب للإنسان أنه سيموت، وطبعاً سيكون هذا الموت, بسبب مرض من الأمراض، هذا المرض يتم إلى أن ينتهي بالموت، فالإنسان يحضِّر حاله؛ في أمراض تميل نحو الشفاء، في أمراض تميل نحو التفاقم, إذاً: هو مرض الموت .


         راودها الأمل بشفائه، ولكنه لم يصل إلى بيت ميمونة أم المؤمنين, حتى اشتد عليه وجعه ، فأقام عندها وقتاً، ثم دعا زوجاته, يطلب إليهن ويستأذنهن في أن يمرض في بيت أم المؤمنين عائشة، فيبادرن إلى امتثال أمره, وكانت كل واحدةٍ تأمل أن يكون مرضه في بيتها، تشريفاً لها .


         وكانت فاطمة كثيراً ما تتردد على بيت عائشة، تقوم إلى جانب أبيها الذي أثقله المرض، تخدمه، وتسهر عليه مع عائشة، تشكو بثها وحزنها إلى الله تعالى، وتتجمل بالصبر على قضاء الله تعالى وقدره، ولسانها يلهج إلى الله سبحانه بالدعاء, أن يخفف عن رسوله آلام وجعه .


هل فهم أبو بكر مقولة رسول الله: ( إن عبداً من عباد الله....), وبماذا أمر النبي الناس, وهل استغفر لأهل البقيع ؟

         وفي فترات سكون الألم, كان عليه الصلاة والسلام, يخرج إلى المسجد, فيصلي بالناس، وفي يوم الجمعة, خرج عاصباً رأسه, حتى جلس على المنبر، ثم كان أول ما تكلم به, أنه صلى على أصحاب أحد, أي دعا لهم, واستغفر لهم، وأكثر من الصلاة عليهم, ثم قال: ((إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ, قَدْ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ, فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ .


         فهم الصديق أنه يعني نفسه, فبكى, وقال: يا رسول الله, بل نفديك بأرواحنا, وأولادنا وأنفسنا, فقال عليه الصلاة والسلام: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ)) [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]

         بالمناسبة: أيها الأخوة, فيه للنبي قول: ((وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ)) [أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري في الصحيح]

         قال: ((ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك)) .


         لذلك من هو الحبيب؟ هو الله، إذا أحبك الله, ألقى حبك في قلوب الخلق، إذا أحبك الله خدمك أعداؤك، وإذا لم يحبك الله, تخلى عنك أحبابك، فأيُّما إنسان أكرمه الناس، واحترموه، وأحبوه, فهذه محبة الله، وإذا أهانوه، وقسوا عليه, فهذا تأديب الله عز وجل، الأصل هو الله، إذا أحبك الله, أحبك الخلق، وإذا أبغضك الله, أبغضك الخلق، ألقى بغضك في قلوب الخلق، والطريق إلى الله سالك، والقُرب منه سهل، ولا شيء تتقرب به إلى الله كطاعته، وطاعته معروفة؛ طاعته غير تعجيزية، هناك أشخاص يضعون لك شروطًا تعجيزية، طاعته سهلة, قال تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" [سورة البقرة الآية: 286]


"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" [سورة الحجرات الآية: 13]

         ((يا سعد, لا يغرنك أنك خال رسول الله, فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة, إلا طاعتهم له)) .


         الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق, يكفي أن تستقيم على أمره يحبك، فإذا أحبك أحبك الخلق .

         ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ, الشَّوَارِعَ إِلَى الْمَسْجِدِ, إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ, فَإِنِّي لا أَعْلَمُ امْرَأً أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)) .


         أترى لهذا التقدير؟ أحياناً الإنسان تخدمه، وتخدمه، وتجده ساكتًا، تكلم بكلمة، شجع الذي يخدمك، بين مكانته، اشكره، قدِّرْ معروفَه، ((وكانت تعظم عنده النعمة مهما دقت)) .


         رأى أحدهم قشة على ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها، رفع النبي يديه, قال له: ((أكرمك الله)) .


         وهي قشة، هناك شخص يتلقى خدمات، خدمات، عناية, ثم أمره كما قال ذاك الشاعر:

أعلمه الرماية كل يـومٍ
فلما اشتد ساعده رماني

و كم علمته نظم القوافي
فلما قال قافيةً هـجاني


         الفرق كبير جداً بين إنسان يقدِّر المعروف، يقدِّر الإحسان، يقدِّر الإكرام، وبين إنسان لا يقدِّر: ((لا أَعْلَمُ امْرَأً أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ)) .


           ((ما ساءني قط)) .

        ((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر)) .


        كما خرج صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد قبل اشتداد وجعه, يدعو لهم, ويستغفر لهم.


         فقد روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ, فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ, إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ, فَانْطَلِقْ مَعِي, فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ, فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ, قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِر,ِ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ, لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللَّهُ مِنْهُ, أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ, يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا, الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى, قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ, فَقَالَ: يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ, إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا, وَالْخُلْدَ فِيهَا, ثُمَّ الْجَنَّةَ, وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ, قَالَ, قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي, فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا, وَالْخُلْدَ فِيهَا, ثُمَّ الْجَنَّةَ, قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ, لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ, ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ, ثُمَّ انْصَرَفَ, فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ)) [أخرجه أحمد في مسنده]


         وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ, أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ, فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ, وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ, وَالْبِلَادُ, وَالشَّجَرُ, وَالدَّوَابُّ)) [أخرجه البخاري في الصحيح]
   

ما هو المقصود من هذا الحديث؟

         وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن زمعة قال: ((لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع, وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين, قال: دعا بلالٌ إلى الصلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: مروا من يصلي بالناس, قال: فخرجت, فإذا عمر في الناس, وكان أبو بكر غائباً, فقلت: قم يا عمر فصلي بالناس، قال: فقام, فلما كبر, سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، وكان عمر رجلاً جهوري الصوت، قال: فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكرٍ, فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة, فصلى بالناس, قال عبد الله: قال لعمر: ويحك, ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس, قلت: والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكني حين لم أر أبا بكرٍ, رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس)).


الإشارة قوية جداً إلى أن الخليفة الذي يكون من بعده هو سيدنا الصديق.

         فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ((لَمَّا كَانَ وَجَعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ, قَالَ: ادْعُوا لِي أَبَا بَكْرٍ وَابْنَهُ فَلْيَكْتُبْ, لِكَيْلَا يَطْمَعَ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ طَامِعٌ, وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ, ثُمَّ قَالَ: يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ مَرَّتَيْنِ, وقَالَ مُؤَمَّلٌ: مَرَّةً وَالْمُؤْمِنُونَ, قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ, وقَالَ مُؤَمَّلٌ: مَرَّةً وَالْمُؤْمِنُونَ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبِي, فَكَانَ أَبِي)) [أخرجه أحمد في مسنده].


هل أعجب النبي هيئة المسلمين في صلاتهم في لحظته الأخيرة من الحياة, وماذا قال, وماذا أجاب عن كلمة قالتها ابنته حينما ما رأت عليه ما أرت؟

         وروي عن أنس بن مالك: ((أنه لما كان يوم الاثنين الذي قبض الله تعالى فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، خرج إلى الناس, وهم يصلون الصبح، فرفع الستر، وفتح الباب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام على باب عائشة، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم, حينما رأوه فرحاً به، وترفجوا, -أي تفرقوا- فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم, قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم سروراً, لما رأى من هيأتهم في صلاتهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئةً منه تلك الساعة.


         -وفي رواية أخرى قال: ((حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء)).


         هذا هو العمل، أن تربي أشخاصاً، أن تربي قادةً، أن تربي مؤمنين، أن تربي محسنين، أن تربي أناساً يحبون الله، يقيمون أمر الله في حياتهم.


         وفي رواية: ((حتى بدت نواجذه)) من شدة فرحه.


         فهذه ثمرة العمل، تصور إنسانًا زرع شجرة، فلما أينعت وأثمرت, يشعر بسعادة كبيرة جداً؛ فالدعوة إذا أثمرت أُناساً مؤمنين، صادقين، ورعين، مستقيمين, دعاة إلى الله عز وجل، فهذا إنجاز كبير جداً-.


         قال: ثم رجع، وانصرف الناس، وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق, -أي برئ من وجعه, فرحوا الناس، فهذه صحوة الموت، قبل الموت في صحوة، المؤمنون ينتعشون قبل الموت, ليشهدوا أنه لا إله إلا الله، وليكون لقاؤهم بالله عز وجل عن وعي- وقد خاطبهم النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أيها الناس سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإني والله ما تمسكون علي بشيء، إني لم أحل إلا ما حل القرآن، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن)).


         أي لا يوجد علي مأخذ، ما أحللت إلا ما أحل الله، وما حرمت إلا ما حرم الله، لكن المعنى المخالف، الذي يحل ما حرم الله له عذابٌ أليم، أو الذي يحرِّم ما أحل الله.


         قالت عائشة: ((رجع إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في ذلك اليوم، حين دخل من المسجد، فاضطجع في حجري، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يثقل في حجري, فذهبت أنظر في وجهه، فإذا بصره قد شَخَص، وهو يقول: اللهم الرفيق الأعلى من الجنة، فقلت: خُيِّرت واخترت, والذي بعثك بالحق.


         -فالآن هناك خيارات في الأرض, لا يعلمها إلا الله؛ إنسان يختار النساء، إنسان يختار الأموال، إنسان يختار السفر، إنسان يختار القوة، إنسان يختار المُتَع الرخيصة، إنسان يختار الشهادات العليا، إنسان يختار المكانة الاجتماعية، إنسان له هوايات؛ هذا بالحدائق، هذا بالكُتُب، هذا بالطوابع، هذا باللعب، هذا بالكرة, من هو البطل؟


هو الذي اختار الله:

من أحبنا أحببنــــــــــاه
ومن طلب منا أعطيناه

و من اكتفى بنا عما
لنا وما لنا كنا لـــــه


فالبطولة أن تحسن الاختيار

         قالت: وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما ثقُل النبي صلى الله عليه وسلم، كانت فاطمة رضي الله عنها حاضرةً عنده, ترى ما نزل به من أمر الله تعالى الذي لا مردَّ له، فتأخذها العبرات حزناً ولوعةً على أبيها، وهي تراه يدخل يديه في الماء, فيمسح بهما وجهه, ويقول: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ)) [أخرجه البخاري عن عائشة في الصحيح].


         إذا قال هذا النبي, فنحن ماذا يجب أن نقول؟

         قال أنس: ((لما ثقُل النبي صلى الله عليه وسلم, جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمة: واكرب أباه، فقال عليه الصلاة والسلام: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ)) [أخرجه البخاري عن أنس في الصحيح].

         
إليكم هذا القول الذي نعيت فاطمة أباها به, وكلمة الحق الذي صدع بها الصديق حينما سمع بنبأ وفاة النبي, وماذا قال عمر حينما سمع هذه الكلمة؟

         فلما مات قالت: ((يا أبتاه, أجبت رباً دعاك، يا أبتاه, في جنة الفردوس مأواك، يا أبتاه, إلى جبريل ننعاك)).


         فلما دفن عليه الصلاة والسلام, قالت فاطمة فرقاً على أبيها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ, فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاهُ, فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ, فَلَمَّا مَاتَ, قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ, أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ, يَا أَبَتَاهْ, مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ, يَا أَبَتَاهْ, إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ, فَلَمَّا دُفِنَ, قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ, أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟)) [أخرجه البخاري في الصحيح].


         ممكن أن يوضع هذا الإنسان تحت الثرى, وأن يهال عليه التراب, هذه سنة الله في خلقه، الموت نهاية كل حي:                
والليل مهما طال فلا
بد من طلوع الفـــجر

والعمر مهما طال فلا
بد من نـزول القـــــبر


         ويقع الخطب العظيم، ويعم المصاب جميع المسلمين، ويموج الناس حيارى, حتى وقف أبو بكر, أنا لا أعتقد أن على وجه الأرض إنسان يحب إنساناً كحب الصديق لرسول الله، لكن أعظم ما في هذا الموقف, أن هذا الحب ما حمله على الشرك، وقف رضي الله عنه, وقال قولته الشهيرة: ((أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ, وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ, فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ, وَقَالَ: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" وَقَالَ: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" -ما من كلمةٍ أبلغ من هذه الكلمة، نحن دينُنا دين التوحيد: أشهد أن محمداً عبده ورسوله.


         أحياناً مريد بسيط, يحب شيخه فيؤلِّهه، يحب شيخه, يعبده من دون الله، سيدنا الصديق كان مع رسول الله، مع أكبر إنسان، ومع ذلك هذا الحب الشديد, وهذا الهيام، ما دفعه إلى الشرك أبداً.

         إن مات أو قتل: إن تفيد احتمال الوقوع، ونحن عندنا قاعدة، حينما قال الله عز وجل: "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" [سورة المائدة الآية: 67].


         قال علماء التفسير: يعصمك من أن تُقتل، لأن قتل النبي إنهاءٌ لدعوته، وإنهاء دعوته تحدٍ لله عز وجل، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام معصومٌ من أن يقتل، والنبي صرف حُرَّاسه لما نزل قوله تعالى: "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" [سورة المائدة الآية: 67].


         صرف حراسه، فكيف نوفق بين هذه الحقيقة وبين هذه الآية؟: "أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ" [سورة آل عمران الآية: 144].


         الحقيقة: بعد أن بلَّغ الدعوة؛ يمكن أن يموت، ويمكن أن يقتل، القتل هنا لا يأتي إلا بعد تبليغ الدعوة, قال تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً" [سورة المائدة الآية: 3].

         قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية، -من شدة حب أصحاب النبي لرسول الله، هذه الآية كأنهم ما سمعوا بها إطلاقاً: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" [سورة آل عمران الآية: 144].


         قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكرٍ تلاها، فالأرض عندئذٍ ما تقلني رجلاي، حتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها)).

         هو ما كان يصدق ذلك، فلما تلا هذه الآية, عرف أنه قد توفي، ديننا كله حب، من دون حب لا يوجد دين، قال: ((يا رسول الله, إني أحبك أكثر من كل شيء, إلا من أهلي وأولادي ومالي, قال: لما يكمل إيمانك يا عمر, إلى أن قال: والله يا رسول الله, أصبحت أحبك أكثر من نفسي، وأهلي, ومالي، قال له: الآن يا عمر)).


         فلا بد أن تحب الله، وأن تحب رسوله، وأن تحب المؤمنين، وأحد شروط الإيمان؛ أن تحب المؤمنين، إن لم تحب المؤمنين فمن تحب؟ تحب الكفرة، الفسقة، الفجار, هذا الذي يميل للكفار، والعصاة، والفجَّار، ويعادي المؤمنين، حالته خطيرة جداً، يضع نفسه مع أهل الفجور.


وفاتها:

         قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام, أنبأ النبي السيدة فاطمة, أنها أول أهله لحوقاً به، فتوفيت فاطمة الزهراء رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهرٍ أو نحوها، وكان قد أذهلها المصاب الفادح، وغشيها من الأحزان على فراق أبيها صلى الله عليه وسلم ما غشيها، حتى أتاها أجلها، وقضت نحبها.


         قال عبد الله بن الحارث: ((مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهرٍ, وهي تذوب من شدة الألم على أبيها)).

         وقال الحافظ الذهبي: ولما توفي أبوها صلى الله عليه وسلم تعلَّقت أمالها بميراثه، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر رضي الله عنه، فحدثها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)).


         وقال أبو بكر لها: ((يا حبيبة رسول الله, والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنكِ لأحب إلي من عائشة، ولوددت يوم مات أبوكِ أني مت، ولا أبقى بعده، أفتُراني أعرفكِ، وأعرف فضلكِ, وشرفكِ, وأمنعكِ حقكِ وميراثكِ من رسول الله؟! إلا أني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)).


         وما أن انقضت الأيام قريباً من أيام الوداع الخالدة، حتى أخذت في التفكر بالاستعداد ليوم الرحيل، فقد بشَّرها أبوها صلى الله عليه وسلم بأنها أول أهله لحوقاً به، فكانت كثيراً ما تتحدث عن الموت، حتى قرب أجلها.


         تقول أم رافع: مرضت فاطمة الزهراء، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه, قالت لي: يا أم اسكبي لي غسلاً، فاغتسلتْ كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست ثياباً لها جدد, ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه, واستقبلت القبلة، وقالت: يا أم, إني مقبوضةٌ الساعة، وقد اغتسلت, فلا يكشفن لي أحدٌ كفناً، فماتت رضي الله عنها, فجاء علي بن أبي طالب، فأخبرته فاحتملها، ودفنها بغسلها هي, صلى عليها هو والعباس رضي الله عنهم جميعاً، وتوفيت رضي الله عنها ليلة الثلاثاء لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشر من الهجرة.


خاتمة القول:

         أيها الأخوة, كلما كان عملك طيباً, كان الموت مريحاً، وكان الموت محبباً، وكان الموت عرساً، وكان الموت تحفةً، فكل بطولتك أن تستقيم على أمر الله، وأن تعمل صالحاً حتى يكون الموت محبباً إليك، لأن الموت عند الناس أكبر مصيبة، في حالات كثيرة جداً خوف الناس من الموت لا يوصف، السبب كما قال الله عز وجل مرة ثانية: "قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" [سورة الجمعة الآية: 6-7].


         فتمني الموت أو عدم تمني, الموت مقياس دقيق لعملك، لا يوجد عندك مشكلة، لا يوجد دخل حرام، ولا مخالفة، ولا معصية ببيتك، ولا معصية في عملك، والوجهة إلى الله سليمة، وفي قلبك حب، مرحباً بالموت، خَطُّك البياني صاعد صعوداً مستمراً، والموت نقطةً على هذا الخط.

والحمد لله رب العالمين.



السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
السيرة العطرة للسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السيرة العطرة للسيدة أم كلثوم رضي الله عنها وأرضاها
» السيرة العطرة للسيدة زينب الكبرى رضي الله عنها وأرضاها
» السيرة العطرة للسيدة رقية ذات الهجرتين رضي الله عنها وأرضاها
» فاطمة الزهراء رضي الله عنها ( 2 )
» بنات الرسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: بنــات النبــي مُحَـمَّــدٍ-
انتقل الى: