أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثاني: الأسباب الداخلية للأزمة الثلاثاء 07 فبراير 2012, 12:26 am | |
| المبحث الثاني
الأسباب الداخلية للأزمة
أولاً: الأسباب السياسية
1. الصراع القبلي
يُعَد إقليم دارفور صورة مصغرة للسودان، من حيث تعدد المناخات والإثنيات، ومن أبرز سمات أهل دارفور أنهم خليط من المجموعات الأفريقية والعربية، وأن المجموعات العربية التي وفدت إلى الإقليم منذ عهود سحيقة وكذا المجموعات الأخرى التي جاءت من أنحاء متفرقة من القارة في فترات لاحقة امتزجت بالمجموعات المحلية بنسب متفاوتة من خلال التزاوج، ولذلك فليس من السهل معرفة الانتماء القبلي لمعظم سكان إقليم دارفور، بما في ذلك الكثير من القبائل العربية، من مجرد التوصيف اللوني أو الجسدي، وخصوصاً أن شيوخ وزعماء القبائل حرصوا، تاريخياً، على تذويب الحواجز الإثنية والعرقية بين مختلف الجماعات داخل الإقليم، وفي مناطق التماس القبلي خاصة من خلال علاقات القرابة والمصاهرات لتحقيق التعايش السلمي، ومن خلال خلق الانتماءات المزدوجة بين أفراد القبائل المختلفة وعناصرها على الرغم من التصنيفات القائمة بين عرب وفور وزغاوة ومساليت وميدوب وقمر وغيرها.
يرى البعض أن إقليم دارفور يتميز بتركيبة قبلية معقدة للغاية، ولكنها اتسمت بالتعايش السلمي بين الأفراد والمجموعات، وساد بينها التسامح والاختلاط وفق قيم وتقاليد متعارف عليها.
لم يعد هذا الانسجام قائماً، حيث تحولت النزاعات اليسيرة حول الموارد واستغلال الأرض إلى تكتلات قبلية وعرقية شملت القطاعات المسيسّة منها ومثقفي دارفور.
ويشير البعض إلى أن هناك قائمة تشمل 24 قطاعاً من القبائل العربية في حربها مع قطاعات قبيلة الفور، وهكذا توسع الصراع من شمال جبل مرة إلى جميع مناطق الفور، وبرزت نعرة التجمع العربي مقابل جبهة نهضة دارفور.
ترجع جذور أزمة دارفور إلى عدة عقود مضت، حيث ارتبطت هذه الأزمة في بدايتها بصراع تاريخي بين القبائل على النفوذ والموارد، وإن كان النزاع لم يتحرك دوما باتجاه واحد، حيث شهد تحولات وتفاعلات، جعلته يأخذ مع الوقت أنماطا جديدة، تتأثر بعدد من العوامل الإقليمية المتعلقة بالاضطرابات في دولة تشاد المجاورة، وكذلك الصراع الليبي التشادي في السبعينيات، والثمانينيات من القرن الماضي، وقد أضافت الظروف والمتغيرات البيئية ـ وخصوصا الجفاف والتصحر ـ بعدا آخر أسهم في استمرار النزاعات واتساعها، وفي هذا السياق زادت الصراعات وتعمقت النزاعات ، وبدأ يترسخ معها فضلا عن الطابع الإثني الطابع السياسي، حيث استندت الحركتان المتمردتان الرئيسيتان على قاعدة اجتماعية ذات أصول أفريقية، فحركة تحرير السودان تعتمد على تحالف يتكون من ثلاث قبائل أفريقية أساسية هي الفور والزغاوة والمساليت، بينما تستند حركة العدالة والمساواة على أحد أفرع قبيلة الزغاوة، وقد وجهت قوات التمرد عملياتها ضد القوات الحكومية، ومن تحالف معها من قبائل ومليشيات تنتمي معظمها إلى قبائل ذات أصول عربية، وبذلك شهدت الأزمة في دارفور ظهور متغيرين جديدين، هما: الإثنية المسيسة، وتوجيه السلاح إلى الدولة ومؤسساتها رأساً، بعد أن كان الصراع في المراحل السابقة، يدور بين القبائل بعضها بعضاً.
يلاحظ أن أغلب قبائل دارفور مشتركة مع تشاد وليبيا وجمهورية وسط أفريقيا، وقد أدت ظاهرة الجفاف والتصحر إلى هجرات جماعية للقبائل المختلفة من الشمال إلى الجنوب أو المدن الرئيسية، ومن أهم القبائل التي هاجرت للجنوب الزغاوة، وهى قبيلة تمارس الرعي، ومارس أفرادها، بعد استقرارها جنوباً، الزراعة والتجارة وأصبحت أغنى قبيلة بدارفور والسودان، وتوزع أبناء الزغاوة -والذين استفادوا من الهجرة إلى ليبيا خلال الثمانيات والسبعينات- في جميع أنحاء السودان، ويمارسون مهنة التجارة.
والمعروف أن كل قبائل دارفور تملك أراضٍ خاصة بها، حتى القبائل العربية الرعوية، ولذلك سميت بعض المناطق في دارفور بأسماء القبائل مثل دار الزغاوة، ودار الميدوب، ودار الرزيقات وغيرها.
وتسمي الأراضي الخاصة بالقبائل من رعاة الإبل "الدمر" حيث يستقرون فيها خلال فترة الصيف.
وأدت الهجرات، بسبب الجفاف والتصحر والبحث عن مراع وارض زراعية خصبة جديدة، إلى احتكاك مع القبائل المحلية، ودخلت القبائل في صراعات محلية، وعمت الصراعات لتشمل القبائل العربية في ما بينها، مثلما حدث بين قبيلتي بنى هلبة والمهرية في منطقة عد الفرسان عام 1984، والصراع بين القمر والفلاتة عام 1987.
بيد أن هذه الصراعات القبلية تطورت بتحالف بعض القبائل العربية ضد الفور في مناطق جبل مرة ووادي صالح، بعد الانفلات الأمني عام 1986، حيث انتظمت هذه القبائل فيما سمي بالتجمع العربي، والذي أنشئ في بداية الثمانينيات، عندما كان أحمد إبراهيم دريج -وهو من الفور- يتولى منصب حاكم الإقليم، ليكون كيانا سياسيا سريا هدفه السيطرة على جميع أراضى دارفور، وطرد جميع القبائل غير العربية من المنطقة، ونتج عن هذا الكيان تنظيم سرى آخر عرف بتنظيم قريش، وهدفه تجميع القبائل العربية بدارفور وكردفان وفق برنامج مخطط لحكم السودان، ومنافسة قبائل الشمال التي استأثرت بالحكم منذ الاستقلال.
فى مواجهة التجمع العربي، الذي كان يجد الدعم من السلطات الرسمية في الخرطوم إبان حكومة الصادق المهدي، حاول الفور إحياء حركة "سونى" التي تأسست منظمة عسكرية سرية عام 1965، وذراعاً لنهضة دارفور، التي كانت تضم جميع مثقفي المنطقة بالخرطوم، بيد أن الفور فشلوا في إحياء التنظيم بسبب عدم خبرتهم العسكرية، وتضييق القبائل العربية والحكومة عليهم.
وقد سببت التنمية غير المتوازنة، وتدني البنيات التحتية بدارفور هجرة أعداد كبيرة من أبناء الإقليم للعمل في وسط السودان في المشاريع الزراعية.
وقد أسهمت كل هذه العوامل في استفحال الأمر، الذي تحول من غبن محلي، ونزوح داخلي، إلى تمرد مسلح ضد الحكومة له أهداف سياسية وصلات خارجية، وقد ساعد على ذلك سياسات الحكومة المركزية في الخرطوم، التي ظلت تنظر إلى دارفور منطقة مرشحة للتمرد، بعد ثورة داود بولاد، القيادي في الجبهة الإسلامية القومية، الذي انضم للحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون جارانج في بداية التسعينيات، بسبب موقف قادة الجبهة من الصراع القبلي بين قبيلته الفور وبعض المجموعات العربية.
وقاد مجموعة من مقاتلي الحركة في نوفمبر عام 1991 بهدف السيطرة على منطقة جبل مرة، لإعلان انضمام الفور للتمرد.
إلا أن الحكومة استنفرت جميع القبائل وخاصة العربية التي استطاعت القضاء على قواته، وألقي القبض عليه، وأعدم رميا بالرصاص بمحاكمة إيجازية سريعة وسرية.
وبعد مقتل بولاد بدأ الفور في وضع الترتيبات اللازمة لإنشاء كيان عسكري بدلا من المليشيات غير المنظمة، وأجروا اتصالات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون جارانج، كما أجروا اتصالات مع قياداتهم السياسية في الخارج، وعلى رأسهم أحمد إبراهيم دريج حاكم إقليم دارفور السابق، ورئيس الحزب الفيدرالي.
لقد بات الصراع القبلي إذن ظاهرة اجتماعية تشكل هاجسا للدولة وللمواطنين، حيث بلغت حدتها درجة من الخطورة قادت إلى إعلان بعض الأماكن غير آمنة، ما وضعها تحت قانون الطوارئ، وحتى تحت الحكم العسكري المباشر، وعلى الرغم من أن مؤتمرات الصلح بين المتحاربين، وفرض الديات والتعويضات المالية تساعد مؤقتاً في مساعي التهدئة؛ إلا أنها لا تستأصل جذور المشكلات، ولا تعالج أسباب الاقتتال.
2. غياب الإدارة المدنية/ الأهلية:
كانت الإدارة الأهلية متمثلة، تقليدياً، في السلطان والناظر والعمدة والشيخ، وكانت تضطلع في الماضي بعمل تنظيمي إيجابي لتسوية النزاعات بين القبائل سلمياً، فكان هؤلاء المسئولون يملكون إلى جانب مكانتهم الاجتماعية بين الأهالي، سلطة قانونية تخولها لهم الدولة، هذه السلطة كانت تساعدهم على إدارة العلاقات بين القبائل العربية والأفريقية بحزم من ناحية، وبصورة هادئة يقبلها ويرتضيها الجميع من جهة أخرى، ذلك لأنها كانت تقوم على احترام العرف والتقاليد، غير أن هذه الإدارة الأهلية الفاعلة قد ألْغاها نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري، واستبدل بها لجان الاتحاد الاشتراكي، التي فشلت في التعامل مع التعدديات الثقافية في الإقليم، ومن ثَم، فشلت في القيام بدور تسوية النزاعات بين القبائل، وهو ما أفضى إلى تراكم الاحتقانات والاحتكاكات وتناميها حتى وصلت إلى الاشتباكات والتصادمات.
3. تأثير نموذج الصراع في الجنوب السوداني:
ربما يكون للحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان تأثير مباشر وغير مباشر في مشكلة دارفور، فالأثر المباشر: هو آراء عناصر الحركة الشعبية لجنوب السودان بمن فيهم العقيد الراحل د. جون جارانج وأصواتهم المرتفعة، وأفكارهم ورؤاهم التي بثتها أجهزة الإعلام الخارجي.
فهذه تكاد تكون ذات أثر مباشر في متمردي دارفور.
أما الأثر غير المباشر، فهي خلاصات ما توصلت إليه الاتفاقات والبروتوكولات مع الحركة الشعبية، فقد كانت حافزاً ومشجعاً لأبناء دارفور أيضاً للسير بالقضية عسكرياً؛ لأنها السبيل الذي يعتقدون أنه ناجح لتحقيق المكاسب السياسية.
4. سلبيات محاولة الحكومة السيطرة على أقاليمها:
يرى كثيرون من أبناء دارفور أن ما يجري في المنطقة، حالياً، يمثل نتاجاً طبيعياً لسياسة الشمال تجاه الغرب الكبير "دارفور وكردفان"، وهى سياسة تعتمد زعزعة الاستقرار في المنطقة، بجعل القبائل المختلفة تقاتل بعضها بعضاً، حتى لا يتحد سكان المنطقة، والذين يبلغ عددهم أكثر من نصف عدد سكان السودان الشمالي إذا استثنينا الشرق والجنوب وجنوب النيل الأزرق.
ويرى هؤلاء أن حكومة الإنقاذ بدأت في تنفيذ هذه السياسة بعد وقوف أبناء غرب السودان مع الشفيع أحمد محمد، الأمين العام الأسبق للمؤتمر الوطني، الذي رشح نفسه عام 1996 لتولى منصب الأمانة، ضد الدكتور غازي صلاح الدين، الذي سانده جميع أبناء الشمال والوسط، وكان هذا بداية بروز عدم الثقة من جديد بين أبناء الغرب عموماً وخاصة أبناء دارفور وأبناء الشمال والوسط، حيث بدأت الحكومة في محاربتهم اقتصادياً، وبدأ الحديث يدور عن سيطرة أبناء الغرب، ولاسيما الزغاوة، اقتصاديا على السودان من خلال سيطرتهم على أشهر سوق شعبي في العاصمة السودانية " سوق ليبيا" بأم درمان.
أيضا هناك آراء أخرى تقول إن حكومة الإنقاذ تريد من عملياتها هذه معاقبة الدارفوريين بسبب موقفهم من الجبهة الإسلامية القومية عام 1985، عندما كانت تعول عليهم كثيرا في الانتخابات البرلمانية، ووضعت كل ثقلها في دارفور، إلا أنها لم تحصد سوى نائبين مقابل 38 لِحزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، وحتى هذان النائبان انشقا عنها وانضما للحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني، ويعزز هذا الموقف انشقاق يحيى داود بولاد، الذي كان رئيساً للجبهة بجنوب دارفور، وانضمامه للحركة الشعبية لتحرير السودان. يشكو العديد من مواطني غرب السودان عموماً، ودارفور خاصة، من تعرضهم للتمييز السلبي من سكان وسط السودان وشماله، وذلك رغم اشتراكهم في الإسلام، كما أن هناك توتراً في العلاقات وانتفاء ثقة بين الطرفين بسبب مظاهر التعالي العرقي والثقافي، حيث إن أغلب سكان الشمال والوسط ينظرون بالدونية لسكان الغرب، وسكان دارفور خاصة.
وتقليدياً، يُعد إقليم دارفور مواليا لحزب الأمة، وذلك لانتماء غالب أهله لطائفة الأنصار التي تقودها أسرة المهدي.
ويمثل الإقليم منطقة مغلقة لنفوذ ذلك الحزب، حتى الآن، رغم محاولات اختراقه من القوى الحديثة المحلية والأحزاب العقائدية، خاصة الجبهة الإسلامية القومية، التي ركزت في دعايتها في إهمال الحكومات المركزية وقيادة حزب الأمة لقضايا تطوير الإقليم، ونجحت الحركة الإسلامية في تحقيق اختراقات واضحة خاصة وسط الشباب والمتعلمين من خريجي الجامعات، حيث يلاحظ أن أغلب رؤساء الاتحادات الطلابية بالجامعات على مدى سنوات من دارفور، ولكن انشقاق الحركة الإسلامية السودانية إلى فريقين بقيادة الدكتور حسن الترابي والفريق عمر البشير أثر تأثيراً كبيراً على أبناء دارفور، حيث انضم أغلبهم إلى الترابي، واستغلت الحكومة ذلك، واتهمت المتمردين لاسيما حركة العدالة والمساواة بأنها موالية للمؤتمر الشعبي، الذي أسسه الترابي، بعد الانشقاق، واتُهِم المؤتمر الشعبي بدعم المتمردين، حتى إن إعادة اعتقال الدكتور الترابي، مؤخراً، جاءت في إطار هذه الاتهامات.
ثانياً: الأسباب الاقتصادية للأزمة:
1. طبيعة النشاط الإنتاجي بين سكان الإقليم:
يتشكل النشاط الإنتاجي في إقليم دارفور من نمطَين متمايزَين فالقبائل الأفريقية أكثرها من المزارعين المستقرين، أما القبائل العربية فأغلبها من الرعاة الرحل وراء الماء والكلأ، وأثناء هذا الحراك الدائم للقبائل العربية من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، تحدث أحيانا احتكاكات بين الرعاة والمزارعين، وذلك بسبب تعدي الماشية على المحاصيل الزراعية، ومحاولاتهم التمركز المؤقت في تلك المناطق، وهو ما ينظر إليه من جانب المقيمين الدائمين على أنه نوع من التعدي على مناطق السيادة والنفوذ التقليدية.
في حين ينظر الرعاة للأمر على أنه حق مكتسب لطبيعة نشاط الرعي، ونمط إنتاجي معترف به، تقره القوانين والأعراف والتقاليد، ومن ثَم، فلا يجوز لأحد أن يعترض على تحركاتهم ما لم تتعد على ممتلكات الغير بالأذى والضرر، وأنه في بعض الأحيان يكون سبب الخلافات اعتداءات المزارعين المقيمين على ممتلكات الرعاة، وهو ما يؤدي إلى التصادمات، والواقع يشير إلى أن هذا الوضع ليس مقصوراً على السودان، ولكنه يشيع في القارة الأفريقية كلها حيث يتألف هيكلها الاجتماعي من تلك الثنائية الرعوية ـ الزراعية.
2. التنافس علي الموارد:
المنافسة بين الرعاة والمزارعين ـ لاسيما إذا كانوا ينحدرون من مجموعات إثنية متباينة ـ على الموارد في إقليم دارفور، من أهم أسباب الصراع وأكثرها تكرارا وانتشارا فيه، وربما يرجع ذلك إلى ندرة الكلأ في بعض مناطق الإقليم، وندرة موارد المياه السطحية، وقرب الموجود منها من أماكن الزراعة المطرية التقليدية، ولذلك فكثيراً ما تنشب صراعات بين الرعاة والمزارعين، وتتطور إلى صراعات مسلحة وحروب قبلية، ولدرء مثل هذه الصراعات اتفق أهل دارفور منذ القدم على صيغة للتعايش السلمي بين القبائل المختلفة، تقضي بفتح مسارات، يتبعها الرعاة في رحلاتهم الرعوية من الجنوب إلى الشمال، ذهاباً وإياباً، في فترات محددة من العام، تلبي حاجة الرعاة، وتحفظ في ذات الوقت حقوق المزارعين، وتحول دون اجتياح الرعاة لمزارعهم، كما أنها تراعي الأعراف والتقاليد الكفيلة بحفظ توازن المجتمع وحقوق الجميع. وعلى الرغم من حدوث بعض التجاوزات في عملية التطبيق، فقد ظل هذا النظام العرفي يحظى بالاحترام والقبول من الطرفين. إلا أن تغييراً طرأ على الأوضاع خلال العقود الأخيرة، ونتيجة لذلك تكررت الصراعات القبلية في المنطقة، ومنها اندثار معالم المسارات القديمة والتوسع الزراعي، وظهور قرى جديدة في مسارات الرحل، إضافة إلى تضاعف أعداد الإبل والماشية، كما أدى انتشار الأسلحة المطلوبة للحماية وتأمين الأسر إلى حدوث تجاوزات من جانب الرعاة، ومن جانب المزارعين تجاه الرعاة، وهو الأمر الذي يبدأ في غالب الأحيان، باشتباكات فردية لا تلبث أن تأخذ شكل الحرب القبلية الشاملة بين جماعات الرحل والمزارعين، كما حدث من حرب شاملة، على سبيل المثال، بين الماهرية والزغاوة في محافظة "كتم" خريف 1994، وكما حدث قبل ذلك بين الفور وتحالف القبائل العربية في ولاية دارفور عام 88/1989.
إذن فقد ساد العرف بأن للرحل مسارات معلومة، يرتادونها في أوقات محددة، في اتجاهات متعاكسة في فصلي الصيف والخريف، ولهم أماكن تجمع وانتظار، ومنازل معروفة.
ولكن التوسع في الزراعة التقليدية والآلية وزيادة السكان وأعداد الحيوانات أحدثت خللاً في هذا النظام الترحالي، ما قاد إلى نزاعات مؤلمة بين هذه الفئات من مستخدمي الأرض.
وقد شكل هذا الأمر مصدراً دائماً لتجدد الصراعات، وهو الأمر الذي يستدعي المزيد من المتابعة والاهتمام ووضع الحلول الناجحة، بما يكفل اجتثاث مسببات النزاع من جذورها الأساسية.
ويتضح من تعدد النزاعات أن الابالة في شمال دارفور اشتركوا في 15 معركة (أي 50%) يليهم الزغاوة الذين اشتركوا في 11نزاعاً اقتتالياً (37%).
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |