المبحث الثاني: الدفاع عن مسرح العمليات الإسرائيلي
أولاً: الدفاع عن شبه جزيرة سيناء
لقد كان جيش الدفاع الإسرائيلي، بالفعل، هو "جيش الهجوم الإسرائيلي"، منذ نهاية حرب التحرير، وحتى حرب أكتوبر 1973.
وعلى المستوى العسكري العملي، كانت كل حروب إسرائيل ـ باستثناء حرب عيد الغفران ـ حروبا هجومية.
والسبب في ذلك، أن إسرائيل كانت دائما وأبدا هي البادئة بالهجوم، وهذا ليس سرا على أحد: إذ أنه نظرا لأن جيش الدفاع الإسرائيلي، جيش صغير، فقد أدرك قادة هيكل الدفاع، أن الطريق الوحيد ـ بالنسبة للجيش، الذي يعاني دائما وأبدا من نقص عدد ضباطه وأفراده ـ للوصول إلى إنجازات عسكرية، هو الإمساك بزمام المبادرة، في كل ما يتعلق بتحديد التوقيت والمكان والهدف، وهكذا فقط، يستطيع الجيش الأقل من الناحية الكمية والعددية، أن يحقق تفوقا عسكريا، محليا وزمنيا، وأن يحقق عن طريق ذلك، حسما في ساحة القتال.
ومن الواضح أن المباغتة هي عنصر حتمي، في تحقيق التفوق المحلي والزمني أو المؤقت، ولذلك، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي، كان "جيش هجوم ومباغتة".
ففي عام 1956 "عملية كودست"، وفي عام 1967 "حرب الأيام الستة" تميزت الهجمات الإسرائيلية بالمباغتة.
وفي عام 1982 "عملية سلام الجليل"، كانت إسرائيل هي المهاجمة، ولكنها في هذه المرة كانت تتمتع أيضا بالتفوق الكمي أمام العدو بحيث لم تكن هناك حاجة للمباغتة.
1. عام 1973 واللجوء للدفاع
حتى عام 1973، لم تكن لجيش الدفاع الإسرائيلي خبرة عملية، من أي نوع، في الحرب الدفاعية، وذلك لأنه منذ أن انتهت حرب التحرير، لم تتعرض دولة إسرائيل، لاعتداء، على أيدي الجيوش النظامية في الدول العربية، بهدف احتلال.
وعلى هذا فقد تجمعت لدى جيش الدفاع الإسرائيلي خبرة كبيرة، في تخطيط العمليات الهجومية، ولم تكن له أي خبرة في الحرب الدفاعية الحديثة.
ولم يتم بصورة عملية، دراسة المبادئ التي ترتكز عليها المعركة الدفاعية، أضف إلى ذلك، أن موضوع القتال الجوي، في المعركة الدفاعية لم تتم بصورة عملية، حتى عام 1973.
ولم يحدث على الإطلاق حتى عام 1973، أن صادف سلاح الطيران صعوبة، في تنفيذ المهمتين البريتين المخصصتين له، في حالة الحرب، وهما:
أ. تأمين سماء الدولة، ضد محاولات تغلغل الأسلحة الجوية العربية، لمهاجمة مخازن الطوارئ، الخاصة بجيش الدفاع الإسرائيلي.
ب. مساعدة القوة النظامية، التي تعيق الهجوم العربي، في المرحلة الأولى للحرب.
ووفقا لنظرية الأمن الإسرائيلية، فإن المرحلة الدفاعية في الحرب، يجب أن تكون قصيرة للغاية، وترتكز على قوة نظامية صغيرة، تتمتع بمعاونة مكثفة من السلاح الجوي.
وعندما تنتهي هذه المرحلة، يتحول جيش الدفاع الإسرائيلي، دون تأخير، إلى الخطوات الهجومية.
ولم تكن التقديرات العملية، فيما يتعلق بتوازنات القوى، المطلوبة للدفاع عن حدود الدولة، ترتكز على خبرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكنها تأثرت بالدرجة الأولى بحسابات حجم الجيش النظامي، وعلى وجه الخصوص، ما هو عدد الألوية المقاتلة، التي يستطيع أن يوفرها.
وخلال عقدي الخمسينيات والستينيات، كانت وحدات الاحتياط، تساهم دائما فيما كان يطلق عليه اسم "الحفاظ على الخط" ، وذلك من أجل إتاحة الفرصة، للجيش النظامي لكي يتدرب.
وفي فترة ما بعد حرب الأيام الستة، تزايدت دفعات التجنيد بعض الشيء، وتزايد معها حجم الجيش النظامي.
ولم تكن هذه الزيادة قادرة على تلبية كل الاحتياجات، والمهام، التي ألقيت على كاهل الجيش النظامي، ولكن الزعامة السياسية، أرادت أن تخفض العبء، الملقى على كاهل رجال الاحتياط، وعلاوة على ذلك، كانت هناك استهانة كبيرة بقدرة العرب العسكرية.
ونتيجة لذلك، نشأت بعد حرب الأيام الستة، توازنات قوى غير منطقية، من الناحية العسكرية.
ولقد برز هذا الأمر بصفة خاصة، على طول مواجهة قناة السويس، فلقد كانت النية المعلنة، هي الاحتفاظ في خط القناة، بقوات كبيرة جدا، وكان المطلوب أيضا، هو توافر الثقة الكاملة، في قدرة السلاح الجوي، على العمل بصورة حرة، لحسم المعركة.
كان المطلوب من القيادات العسكرية الإسرائيلية.. هو حساب حجم التوازن العسكري، المطلوب تحقيقه على الخطـوط الدفاعية، التي وصلت إليها القوات الإسرائيلية عام 1967، وذلك من القوات البرية النظامية (مشاة ـ مدرعات ـ مدفعية ـ أسلحة أخرى)، من أجل إحباط التهديدات الكبيرة.
وبطبيعة الحال فإن عناصر القوة المطلوب تحقيقها، ليست كمية فقط، إذ أن نظام الدفاع والخطط التنفيذية السليمة هما شرطان أساسيان لاستخدام جيش الدفاع الإسرائيلي بصورة ذكية وواعية. وهنا تبرز المشاكل التي تتعلق بمستوى استخدام القوات.
وفي حرب عيد الغفران وقبلها، برزت هذه الأخطاء بصورة واضحة، نتيجة لعدم الخبرة، في إدارة وخوض معركة دفاعية، ولكن هذا القصور، لا يعفي القيادة العليا من مسئوليتها، لأنه كان من الممكن التغلب على عدم الخبرة، عن طريق التخطيط الجيد.
ولقد اعترف وزير الدفاع، موشي ديان، بذلك صراحة، وهو يتحدث عن الحرب، في مؤتمر طاقم القيادة العامة، يوم 14 فبراير 1974، حيث قال: "في أي شيء كان الخطأ.. في أننا لم نُجهزْ ما يكفي من القوات استعدادا لنشوب الحرب".
2. هدف الدفاع عن القناة
لقد كان الهدف من الدفاع عن القناة، هو منع عبورها، بواسطة عدد محدود من وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي، من المشاة والدبابات [1] في مواجهة قوة مصرية، قوامها سبع فرق، تبلغ نحو 100 ألف جندي، 1300 دبابة، 1100 مدفع.
والواقع أن خطة الدفاع عن منطقة القناة، كانت مليئة بالأخطاء الفادحة، من الناحية العسكرية، صحيح أن هذه الخطة قد اعتمدت -من بين ما اعتمدت عليه- على الافتراض الأساسي، بأن السلاح الجوي الإسرائيلي، سوف يكون قادرا على تقديم المساعدة الفورية والمكثفة، للمدافعين عن القناة، في حالة حدوث هجوم مصري.
ولكن تقرير القيادة الإسرائيلية، لاستخدام قواتها الجوية، لمعاونة القوات البرية، منذ الساعة الأولى للحرب.. كان مبالغا فيه وغير واقعي.
باعتبار أنه خلال الـ 48 ساعة الأولى للحرب، سوف يضطر أولا للتعامل مع تشكيل صواريخ الدفاع الجوى، ويدمرها، أضف إلي ذلك أن الثقة الكاملة في تدمير هذه البطاريات، من الصواريخ أرض/جو -هي مسألة وقت فقط- لم يكن سليما، لأنها لم تقم علي دراسة فنية حقيقية، لا من ناحية القوة الحقيقية، ولا من الناحية التكنولوجية.
وعلي مستوى القوات البرية، فقد أخطأ جيش الدفاع الإسرائيلي، في تقديره لإدارة حرب دفاعية، لم يكن يمتلك الخبرة الكافية لإدارتها.
وكانت لهذه الأخطاء التنفيذية، تأثيرها الكبير والحاسم، في كثير من الأحيان.
3. فكر الدفاع الثابت والدفاع المتحرك في نظرية القتال الإسرائيلية:
انتهت حرب الأيام الستة، باحتلال كامل لشبه جزيرة سيناء، وتمركزت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، علي الضفة الشرقية لقناة السويس، وفي الضفة الغربية التي توجد بها مدن القناة، كانت مواقع القوات المصرية، كانت النية تتجه إلي عدم الانسحاب، بأي حال من الأحوال، دون التوصل إلي اتفاقية مباشرة مع مصر.
وفور انتهاء الحرب، بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي، ينظم صفوفه من أجل الدفاع عن سيناء.
وفي منطقة الممرات الجبلية، أقيمت مراكز السيطرة والرقابة، والحرب الإلكترونية الإيجابية والسلبية، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية، وللسلاح الجوى.
واحتلت وحدات الاستخبارات، أعلى نقطة، وهي، "جبل أم خشيب"، وبعد بضعة شهور تمركزت عناصر من السلاح الجوى، وكذا القيادة الجنوبية.
وخلال المرحلة الأولى:
وضع جيش الدفاع، وحدات مشاة ومدرعات، على طول القناة، بهدف السيطرة على المنطقة، وإقامة نقط مراقبة، تطل على الضفة الغربية.
ولقد افترض كثيرون، أن المصريين الذين تلقوا ضربة أليمة في الحرب، لن يتجرأوا على مهاجمة الجيش المنتصر.
ولكن سرعان ما تبدد هذا الافتراض، خلال فترة زمنية قصيرة، فلقد بدأت مصر في عمليات القصف المدفعي والاغارات على المواقع، التي لم تكن لديها حماية مناسبة ضد المدفعية، وأخذت الخسائر في التزايد.
وفي ضوء الموقف السابق، بدأت المناقشات في هيئة الأركان العامة، وفي القيادة الجنوبية، بهدف تحديد أفضل السبل، لإقامة هيكل دفاعي في سيناء.
وانحصرت في الجدل بين وجهتي النظر:
أ. الأولى: كانت تطالب بدفاع صلب، على خط المياه.
ب. الثانية: كانت تفضل دفاعا مرنا ومتحركا، في المنطقة الواقعة شرق القناة.
ولقد أيد رئيس الأركان، الجنرال "يشعيا هوجافيس "بالدفاع على خط المياه".
أما الجنرالان "يسرائيل طال" [2]، والذي كان قائدا للقوات المدرعة في ذلك الوقت ـ وإرييل شارون [3]، والذي كان يشغل منصب رئيس إدارة التدريب، فقد أيدا الدفاع المرن المتحرك.
ويؤكد كتاب "نظرية القتال" في جيش الدفاع الإسرائيلي، أن هناك أسلوبين للدفاع، هما الدفاع الثابت، والدفاع المتحرك.
· الدفاع الثابت:
ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، في هياكل دفاعية حصينة، وثابتة، مدعومة بهيكل من الموانع، على حين أن جزءا صغيرا من القوة، وهي القوة المدرعة، يتم استخدامها كاحتياطي لتنفيذ هجمات مضادة.
· الدفاع المتحرك:
ويرتكز على، استخدام الجزء الأكبر من القوة، كاحتياطي متحرك، على حين أن جزءا صغيرا نسبيا من القوة، يستخدم في هياكل دفاعية ثابتة.
وهذا الأسلوب القتالي، يتناسب بالدرجة الأولى، مع قوات المدرعات، التي تنفذ عمليات مناورة واسعة.
وطبقاً للنظريات الإسرائيلية، فإنه يتم اختيار الأسلوب الدفاعي، بناء على عدة اعتبارات، من أهمها:
أ. الدفاع الثابت: ويتم اختياره في الظروف التالية:
(1) عندما لا يكون هناك احتمال للتنازل عن الأرض، بسبب أهميتها، وبسبب عدم وجود عمق، (هذا الاحتمال يمكن أن يتم في سيناء، بعدم التنازل عن خط قناة السويس باعتباره خط حيوي).
(2) عندما تكون القوة الأساسية المدافعة، هي قوة مشاة، وفي سيناء، كان الاعتماد الأساسي، على القوة المدرعة.
ب. أما الدفاع المتحرك: فيتم إتباعه في الظروف التالية:
(1) عندما تكون المنطقة المدافع عنها، تتيح أو تحتم التنازل بصورة مؤقتة عن جزء منها.
(2) عندما يكون الجزء الأكبر من القوات، قوات مدرعة ومتحركة، ومن الممكن استغلال مواصفاتها وإمكانياتها وعلى وجه الخصوص في القتال المتحرك.
(3) عندما تكون ظروف الأرض والمناخ مناسبة للمناورة.
وكل هذه الشروط، التي تحتم وجود دفاع متحرك، كانت موجودة في سيناء.
4. اختيار نوعية الدفاع عن القناة في المنظور الإسرائيلي
كان المتبع بعد حرب الأيام الستة، استخدام أسلوب الدفاع المتحرك، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تسمح فيها إسرائيل ـ بدون أن يتعرض وجودها للخطر ـ بالتنازل عن الأرض، وأن تكسب الوقت لكي تستوعب أي هجوم مصري، في المنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات، لحين وصول قوات الاحتياط، وحتى يتمكن السلاح الجوي من الحصول على حرية العمل (السيطرة الجوية)، لتقديم المعاونة الجوية للقوات البرية.
وفي عام 1968، حسم الجنرال "حاييم بارليف" وكان رئيساً للأركان العامة، الموقف إلى صالح الدفاع الصلب، على خط المياه، ولم يتدخل وزير الدفاع موشي ديان، على الإطلاق، في الجدل بين النظريتين، ولم يعبر عن رأيه.
وعندما تزايدت عمليات القصف المدفعي، وتزايد عدد المصابين، على طول القناة، تقرر إقامة هيكل من الموانع يكون قادرا على مواجهة عمليات القصف المدفعي المكثفة.
وتم تخطيط هذا الهيكل الدفاعي، بواسطة طاقم، على رأسه الجنرال "إبراهام أدان"، وتضمن 28 موقعا "نقطة حصينة"، تم توزيعها على طول مواجهة الـ 160 كيلومتر، وهذا يعني أن المسافة بين الموقع والآخر كانت تصل إلى نحو 6 كم في المتوسط.
وتم بناء هيكل المواقع أو "النقط الحصينة"، وشبكة الطرق الموصلة إليها، بمساعدة مقاولين مدنيين، ومعدات ميكانيكية ثقيلة، من مختلف أرجاء البلاد، وعند نهاية عملية البناء، تولد مصطلح "خط بارليف".
وعلى طول مواجهة القناة كان للقوات المصرية في غرب القناة خمس فرق مشاة وفرقتان مدرعتان تضم نحو ألف دبابة، 100 ألف جندي.
وفي مواجهتهم بالضفة الشرقية نحو 1200 جندي ونحو 300 دبابة.
وبالتالي تصل المقارنة إلى نحو ثلاثين ضعفا لصالح القوات المصرية [4].
وكان من الواضح ومنذ البداية أن جيش الدفاع الإسرائيلي في خط القناة، كان أقل من الناحية العددية بالمقارنة بالعدو الذي يقف أمامه، فكان لا يمكن لقوة تضم حوالي 300 دبابة (مجموعة عمليات إسرائيلية) أن تصمد في وجه هجوم لقوات عربية تزيد على ثلاثة أمثالها[5]، وبسبب المسافة الكبيرة بين المواقع المحصنة .. كان من الممكن عبور القناة، في عشرات المواقع نهارا، وفي مئات المواقع ليلا، دون أن تلاحظ ذلك، نقاط مراقبة جيش الدفاع الإسرائيلي.
وقد تأكد ذلك من خلال عمليات التصوير الجوي المصري، وعمليات العبور والكمائن التي نفذتها القوات المصرية، بين النقاط الحصينة، والعودة إلى الضفة الغربية للقناة فجرا، خلال عامي 1969 ـ 1970.
ولم يكن أرييل شارون "Ariel Sharon"، كقائد للمنطقة الجنوبية، يؤمن بإمكانية منع المصريين من عبور القناة، ولم يكن يخفي ذلك.
ولذلك نجد، أنه طلب في مناقشات هيئة الأركان، بتخفيض حجم القوة المخصصة للدفاع عن النقاط الحصينة، على الضفة الشرقية للقناة، وكان يتبنى نظرية الدفاع المتحرك، للدفاع عن سيناء.
وكذلك أكد الجنرال يسرائيل طال ذلك، إذ وضع أسس القتال المتحرك، بالمنطقة الواقعة بين القناة وبين الممرات.
وعاد الجدل مرة أخرى، حول أسلوب الدفاع عن سيناء .. عندما تولى الجنرال "ديفيد أليعازر"، مهام منصبه في بداية عام 1972، وعاد شارون وطال، إلى الحديث عن ضرورة إتباع أسلوب الدفاع المتحرك، والتخلي عن الاحتفاظ بخط المياه.
وبالفعل، في ذلك الوقت ـ بعد عام ونصف من وقف إطلاق النار ـ كان خط بارليف، لا يضم سوى أعداد محدودة من القوات المدافعة.
وكان وزير الدفاع ورئيس الأركان، على علم بهذا الجدل والنقاش.
وكانا يعلمان أن قائد المنطقة الجنوبية، الجنرال شارون، لا يؤمن بأسلوب الدفاع المفروض عليه، وأنه بأسلوبه هو، يقوم بتقويض خط بارليف، لأنه يرى فيه عبئا لا طائل منه، من الناحية العملية، وكان يجب أن يتم إعادة تقييم الوضع، طبقا لمفهوم الدفاع الثابت، منذ صيف عام 1970، عندما اتضح أن السلاح الجوي الإسرائيلي، غير قادر على مواجهة هيكل صواريخ الأرض/ جو المصرية، على طول قناة السويس، وعمق الجبهة المصرية.
وكان من المعروف أن نظرية الدفاع عن خط المياه، كانت ترتكز على المساعدة أو المعاونة الجوية الحاسمة، ابتداء من الساعة الأولى من القتال.
ومع ذلك فإن القرار الخاص بالدفاع الصلب عن سيناء، الذي وضعه بارليف.. بدأ يتغير، وحدثت مسيرة مخالفة، مما أدى إلى وجود فجوة عميقة، بين الخطط العملية، وبين إمكانية تنفيذها، وكانت النتائج أليمة.
وقد أكد ذلك ديفيد أليعازر، رئيس الأركان، في شهادته أمام لجنة أجرانات: "إنني أبني على الدفاع عن خط المياه بمعاونة السلاح الجوي"[6].
وعلى هذا اعتمد الدفاع في خط القناة على:
أ. 28 موقعا (مشكلة في 31 نقطة على القناة، 11 نقطة في العمق).
ب. الاعتماد على المعاونة الجوية الفورية، لتلك القوات النظامية، المسئولة عن الدفاع عن سيناء، لم يكن له أي سند من الأساس، لأن السلاح الجوي، قد أبلغ هيئة الأركان العامة صراحة، أنه طالما لم يتغلب على هيكل الصواريخ الأرض/ جو، الموجودة على طول القناة، فإنه لن يستطيع أن يوجه إمكانياته لمساعدة القوات البرية.
وبناء على ذلك، فإنه من بين ثلاثة أعمدة رئيسية للدفاع عن خط القناة، كان هناك اثنان غائبان [7]:
الأول: هيكل المواقع الحصينة، وكان انهياره معروفا للجميع، ولكن لم يتم استخلاص النتائج، ولم يتم تغيير الخطط العملية أو التنفيذية.
الثاني: الاعتماد على معاونة جوية، للقوات البرية النظامية، ابتداء من أول ساعة للحرب، لم يكن له أي أساس يقوم عليه.
5. تحليل هيكل الدفاع عن سيناء طبقا لرأي الكاتب الإسرائيلي، الدكتور زئيف إيتان:
أ. المواقع الحصينة شرق القناة
بصفة عامة تمت إقامة 31 نقطة حصينة على طول القناة، 11 نقطة حصينة في العمق، على طول خط الجبهة، الممتد لمسافة 180 كم، منها 160 كم بطول القناة و20 كم على طول شاطئ البحر المتوسط.
ولم تكن هذه هي عملية إغلاق محكمة، وبعض النقاط الحصينة أقيمت متقاربة، بين بعضها البعض، مثل مجموعة النقاط الحصينة "ميلانو" في القنطرة، والتي أقيمت على مسافة كيلومتر واحدا بين النقطة والأخرى.
على حين كانت المسافة العادية هي حوالي 10 كم.
وفي الفترة ما بين حرب الاستنزاف، وبين حرب عيد الغفران، ساد الهدوء خط القناة، وأصدر قائد القيادة الجنوبية، الجنرال شارون، أوامره بإغلاق بعض هذه النقاط الحصينة، وما بقي منها كان محتلا بنحو 60 جنديا، وكان هناك 24 دبابة، مخصصة للقتال داخل النقط الحصينة، وتابعة لها، وتتمركز إما داخل النقطة الحصينة، أو في مواقع قريبة منها.
ب. عدد الأفراد داخل المواقع الحصينة على مواجهة القناة
عند نشوب الحرب يوم 6 أكتوبر 1973، كان عدد النقاط الحصينة المحتلة بالجنود هي 16 نقطة فقط، وكان عدد الجنود الموجودين بها يصل إلى 450 فردا، بالإضافة إلى 55 فرداً "أطقم الدبابات"، ليصبح الإجمالي 505 فرد، لقي منهم 126 فرد مصرعهم، وسقط 162 فرد بالأسر، ونجا 153 فرداً.
ومن الممكن أن نضيف إلى الـ505 فرد ، عدد 64 صمدوا في موقع "بودابست" الموجود في قطاع بور فؤاد.
ج. معاونة السلاح الجوي للقوات البرية
كان السلاح الجوي، مقيدا في نشاطه على مقربة من القناة، بسبب حائط الصواريخ، حيث مارس نشاطا قليلا، في اليوم الأول للحرب، وفي اليوم الثاني، وصل إجمالي عمليات السلاح الجوي في سيناء، إلى طلعة واحدة، في صباح ذلك اليوم، نتيجة للخسائر التي تكبدتها الطائرات.
ولو أن القادة قد فهموا، وأخذوا مأخذ الجدية، ما أبلغهم به السلاح الجوي، من أنه غير قادر على أن يقوم بالدور المطلوب منه، طبقا لنظرية الأمن، وهي معاونة القوات البرية بالنيران، ابتداء من الساعة الأولى للحرب.
ولو أنهم فهموا، أنه قد نشأ وضعا إستراتيجيا جديدا، على جبهات القتال، لكان من الممكن أن نفترض، أنهم كانوا سيعيدون تقييم الموقف، فيما يتعلق بخطط الدفاع عن الحدود، وعلى أقل تقدير، في جبهة القناة، كان سيتخلون عن مبدأ وقف العدو وصده، عند خط المياه، واتخذوا أسلوب الدفاع المرن والمتحرك.
والظاهرة الغريبة، في الحرب بين مصر إسرائيل، قد تجلت بصفة خاصة في العمليات الجوية. وكانت نظرية الأمن، وخطط الحرب، في السلاح الجوي، تقول أنه سوف يحقق بقواه الذاتية، حرية العمل في سماء مسرح العمليات، وسوف يساعد القوات البرية، ولكن في الواقع لم يكن هناك أي سيناريو، مماثل لما حدث على الطبيعة، أو قريب منه.
أما الجنرال إبراهام أدان [8]، فيتحدث عن الخطة الدفاعية عن سيناء، في كتابه "على ضفاف قناة السويس، فيقول: "لقد شكل لجنة، من أجل تعديل خطة الدفاع عن سيناء، كانت التحصينات التي تضمنتها الخطة القديمة، قد تم إنشاؤها بالفعل.
وتضمنت أساسيات الخطة المقترحة، إن المصريين سيقومون بعبور قناة السويس، في القطاعات التي تستند على المحاور الرئيسية، وهي: القنطرة ـ الفردان ـ الإسماعيلية ـ الدفرزوار ـ السويس، وكذلك الطرق أو المحاور المواجهة، والتي تؤدي إلى قناة السويس مثل المحور الأوسط ومحور الجدي ومتلا.
الخطة الرئيسية للدفاع الإسرائيلي عن حدودها، كان يطلق عليها الاسم الكودي "سيلا"، وكانت معظم القوات المحددة للخطة، هي من قوات الاحتياط، وكانت موزعة من أجل، العمل على الجبهات المختلفة.
وعلى مستوى الجبهة الجنوبية، خصصت معظم القوات، بحيث تكون ملاصقة للضفة الشرقية لقناة السويس، بحيث تكون مركزة على المحاور الرئيسية، المنتظر عبور القوات المصرية منها.
على أن يسمح الموقع الدفاعي الإسرائيلي، والذي تصل مواجهته إلى نحو 2 ـ 3 كيلومتر، بالدفاع عنه بقوة تصل إلى نحو لواء مشاة مدعم بالدبابات.
وكان على الدبابات أن تتحرك من مواقعها، لاتخاذ مواقع إطلاق النيران، على المصاطب المحددة لها، على طول قناة السويس، وفي شرقها، أما المشاة، فتأخذ أوضاعها داخل التحصينات، وخارجها، لمواجهة الهجمات المصرية.