أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: ملف النعوش الطائرة الثلاثاء 03 يناير 2012, 1:42 am | |
| ملف النعوش الطائرة
(حوادث قتل العمالة المصرية في العراق عقب انتهاء الحرب الإيرانية ـ العراقية)
البداية:
كانت بداية "ملف النعوش الطائرة"، ما أثارته الصحافة المصرية، عن أوضاع المصريين العاملين في العراق، والمشاكل التي تقابلهم، وتأزم علاقاتهم مع السلطات العراقية، وظاهرة ازدياد أعداد الجثث العائدة من بغداد، وهو ما عُرف "بالنعوش الطائرة".
ففي جريدة الأهرام، الصادرة في 15 نوفمبر 1989، تحت عنوان "تقرير لرئيس الوزراء عن أوضاع المصريين بالعراق"، نُشر الخبر التالي:
"استقبل الدكتور عاطف صدقي، رئيس الوزراء، أمس، السيد إبراهيم عوف، سفير مصر في العراق، الذي قدم تقريراً مفصلاً عن أوضاع العمال المصريين في العراق، وعن الإجراءات التي تم اتخاذها في البلدين لصرف تحويلاتهم. وصرّح الدكتور عصمت عبد المجيد، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، بأن الموضوع سيعرض على أعمال اللجنة العليا المصرية العراقية المشتركة، بعد غدٍ السبت. ومن ناحية، صرح السيد نبيل نجم، سفير العراق في القاهرة، بأنه صدر في بغداد قرار جديد بالتحويلات، بدأ تنفيذه من بداية الشهر الماضي، ويسمح بتحويل 10 دنانير (33 دولار) للعمالة العادية، وما بين 30 و40 ديناراً شهرياً للعمالة الرسمية والفنية. وأكد أن هذه الإجراءات ليست موجهة إلى العمالة المصرية، بل لكل العمالة الأجنبية، وذلك بعد أن توقفت المعونات، التي تقدمها دول الخليج خلال الحرب". ********************** . لقاء صدام حسين، مع ممثلي المصريين العاملين في العراق نشرت جريدة الأهرام، الصادرة في 16 نوفمبر 1989، خبر لقاء الرئيس العراقي صدام حسين، ممثلي المصريين العاملين في العراق. وقد "أكد الرئيس العراقي، صدام حسين، اعتزازه بأبناء الشعب المصري من العاملين في العراق. وقال إن لهم مكانة خاصة لدي القيادة ويفترض أن تكون هذه المكانة في نفوس العراقيين جميعاً. وأعرب عن انزعاجه من التقارير، التي نشرتها بعض الصحف مؤخراً، حول وجود مشاكل للعاملين المصريين في العراق. وقال الرئيس العراقي ـ في حديث مع مجموعة من أبناء جمهورية مصر العربية العاملين في العراق، أذاعه راديو بغداد أمس ـ إنه قرر الاستماع من المصريين مباشرة، ليتأكد بنفسه من صحة ما تقوله بعض الصحف، عن وجود حالة عدم ارتياح من العراقيين، تجاه أبناء مصر. وأشار إلى أن وجوده في مصر، لمدة ثلاث سنوات في مطلع الستينات، أعطاه الفرصة للتعرف تفصيلياً، على خواص أبناء مصر الإيجابية الكبيرة. وكان ذلك فرصة للتعرف على العروبة، من موطن أخر غير العراق، والتبيين باليقين الملموس بأن مستقبل الأمة العربية مشرف. وقال إنه يستنكر القول بوجود شعور معاد لدي العراقيين تجاه المصريين، وواضح أن هناك فرقاً بين ما يمكن اعتباره ظاهرة سلوكية، وبين الحوادث الفردية. وأشار إلى أن الظاهرة السلوكية، تظهر في التعاملات بشكل عام، في المصنع والمحل، والتعاملات اليومية مع أجهزة الدولة والمواطنين، وهو الأمر الذي نفي وجوده في العراق، ووصفة بأنه يتناقض مطلقاً مع المبادئ القومية، التي يؤمن بها العراق. وأضاف أن وجود بعض الانحرافات أو السلوك المزعج، أمر يمكن أن يحدث في أي مكان، وليس صفة الظاهرة العامة. وذكر أن الإنسان العراقي أصبح يستخدم يديه في العراك، أكثر مما يستخدم لسانه، وأرجع ذلك إلى امتداد فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية، لمدة ثماني سنوات، وأن ذلك يعد أحد الآثار المتخلفة عنها. وقد حضر اللقاء السيدان طه ياسين رمضان، النائب الأول لرئيس الوزراء، وسعدون حمادي، نائب رئيس الوزراء، وعدد من الوزراء العراقيين. وتناول الرئيس صدام حسين موضوع التحويلات المالية، للمصريين العاملين في العراق، فقال لن يتأخر تحويل أو استحقاق لأي مواطن مصري، وأعرب عن قلقه وانزعاجه بسبب موضوع تأخير التحويلات وأرجعها إلى ظروف الحرب العراقية ـ الإيرانية. وأكد الرئيس العراقي أن مسألة تأخير التحويلات، مؤقتة، مشيراً إلى أن العراق بلد غني، وأن المسألة سوف تحل". ************************ . التحقيق في وفاة مئات المصريين العاملين بالعراق: نشرت جريدة الأهرام، بتاريخ 17 نوفمبر 1989، أن مسؤولاً حكومياً عراقياً أكد أمس، أن العراق ومصر شكلا لجنة رسمية للتحقيق، في وفاة مئات المصريين العاملين في العراق، خلال الأشهر القليلة الماضية. ونفي السيد طه ياسين رمضان، عضو مجلس قيادة الثورة، والنائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، أنه حدث استغناء جماعي عن العمالة المصرية، في العراق. ووصف لقاءه بأبناء جمهورية مصر العربية أمس، بأنه خير تعبير عن عمق الحب والصداقة، وعلاقة الاخوة بين القطرين الشقيقين. وقد بلغ عدد الرحلات الإضافية القادمة من العراق، خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية 20 رحلة طيران، أقلت 6 آلاف مواطن مصري. وذكر مدير عام الشركة العراقية، أن الرئيس صدام حسين، أمر بتخفيض قيمة الربع لتذكرة شركة الطيران، كما سمح للراكب المصري بأن يحمل وزناً يراوح بين ثلاثين وأربعين كيلوجراماً مجاناً. ************************ . تصاعد الأحداث: تفاقمت الأمور، وازدادت توتراً، في 18 نوفمبر 1989، أثناء احتفال المصريين بالفوز على الجزائر، في مباراة لكرة القدم، في تصفيات كأس العالم. ونشرت جريدة الأهرام، في 19 نوفمبر 1989، أن بغداد شهدت أمس أحداثاً مؤسفة، عندما أشتبك عدد من العراقيين، مع جَمْعٍ من المصريين، كانوا يطوفون شوارع العاصمة العراقية تعبيراً عن فرحتهم، بوصول الفريق القومي المصري، إلى نهائيات كأس العالم. ونتج عن تلك الاشتباكات مصرع عدد من المصريين، وإصابة عدد أخر، وفقاً لما أوردته وكالة رويتر. ولم تذكر عدد أو أسماء الضحايا بالتحديد. بينما أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية، نبأ الهجوم الذي تعرض له هؤلاء العاملون المصريون، ومصرع وإصابة عدد منهم دون تحديد. وذكر أحد العاملين لوكالة رويتر، أن أحد العراقيين قاد سيارته المسرعة وسط جمهور المصريين، مما أدي إلى مصرع عدد منهم، وإصابة عدد أخر بجراح. وقال إنه سمع أيضاً أصوات طلقات نارية، تم تصويبها إلى المصريين، الذين كانوا يحتفلون بوصول مصر إلى نهائيات كأس العالم. وذكرت رويتر أن السلطات العراقية أغلقت الشوارع، التي وقعت بها الاشتباكات؛ وأن عدداً من سيارات الإسعاف، هرعت إلى هذه الشوارع. وقال مراسل الوكالة، الذي توجه إلى مكان الأحداث، إنه شاهد عمال البلدية يقومون بتنظيف الشوارع من الحجارة، وبقايا الزجاج المحطم. وأضاف، أن عدداً من واجهات المحلات قد تحطم. وقالت وكالة رويتر، نقلاً عن أحد العاملين المصريين الجامعيين قبل مغادرته بغداد ـ تعليقاً على ظروف العاملين المصريين في العراق ـ أن الوضع كان سيئاً للغاية، إلى أن أجتمع الرئيس صدام حسين، مع ممثلي العاملين المصريين يوم الأربعاء الماضي. وكان الرئيس العراقي قد طمأن العمال المصريين في اللقاء، الذي أذيع على شاشة التليفزيون العراقي، إلى أنه سيتم حل مشكلة تحويلات المصريين، وقال إن أسباب وفيات المصريين، هي أسباب طبيعية. وأشارت رويتر أمس، إلى أن جثث 44 مصرياً وصلت إلى القاهرة، هذا الشهر من بغداد، وأن جثث 1000 مصري وصلت إلى البلاد خلال الأشهر العشرة الأخيرة. وفي بغداد أكد السيد طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي، أن العلاقات بين البلدين أقوي وأرقى مما يحدث، لبعض العمال المصريين في العراق، من أحداث ذات طابع فردي. وقال، إنه يمكن حل مثل هذه الموضوعات، عن طريق قيادات البلدين. ******************* 5. أحداث الجمعة الحزينة: تابعت جريدة الوفد الصادرة في 23 نوفمبر 1989، أحداث يوم الجمعة 18 نوفمبر 1989، متحدثة عن مذبحة المصريين في بغداد، أثناء احتفالهم بالفوز على الجزائر، وكيف أطلق العراقيون الرصاص على تجمعات المصريين، في شارع الرشيد، فقتلوا 7 أشخاص وأصابوا 120 آخرين بجروح خطيرة. كما جرت اعتقالات واسعة للمصريين، بعد الأحداث الدامية. ومن المؤسف أن الفرحة لم تكتمل حيث تحولت إلى حزن شديد، ومأتم كبير، عندما أقتحم المواطن العراقي بسيارته جموع المصريين، فقتل مصرياً وأصاب عشرات آخرين بجروح بالغة الخطورة. وهتف المصريون ضد تصرف المواطن العراقي الأهوج، وطالبوا بالقبض عليه فوراً. قام العراقيون، الذين كانوا يشاركون المصريين الفرحة، بإطلاق أعيرة نارية على المصريين، وطعنوا بالمطاوي الظهور الآمنة. ونشبت معركة حامية بين الطرفين، راح ضحيتها 7 أشخاص، وأصيب حوالي 120 شخصاً بإصابات بالغة الخطورة. لم يفعل المصريون سوي تكسير عدة سيارات، حاولت هي الأخرى أن تقتحمهم. ويزعم السفير إبراهيم عوف، سفير مصر في العراق، مصرع مواطن واحد. حاصرت قوات الشرطة العراقية، ومعظمها من الفرق الخاصة، جميع المداخل المؤدية إلى منطقة المربعة، منعاً من ازدياد المصريين في المنطقة. وتمت محاصرة شارع النهر، وكذلك أول شارع الرشيد، بالقرب من السوق العربي، وأخر الشارع من ناحية ميدان السّعدون. كما تم تكثيف قوات الأمن على جميع الكباري، التي تقع على نهر دجلة، وتؤدي إلى شارع الرشيد. إضافة إلى تكثيف الأمن بشارع الجمهورية الموازي للرشيد. وأطلقت الشرطة أعيرة نارية في الهواء، لفض الاشتباك بين المصريين والعراقيين. كما استخدمت القوات الخاصة، القنابل المسيلة للدموع، وقنابل المولوتوف الصغيرة، لتفريق المتظاهرين. هتف المصريون بالفداء لمصر، ونددوا بتصرفات أفراد الشعب العراقي ضدهم. وأطلقوا شعارات تصف تصرفات بعض العراقيين بالهمجية. وطالب المصريون بضرورة عزل السفير المصري، الذي "لا يهش ولا ينش"، على حد تعبيرهم. كما طالبوا الرئيس صدام حسين، بالحضور ليشهد بنفسه هذه الأحداث، ويطلع على أفعال شعبه ضد المصريين. كذلك طالبوا الرئيس حسني مبارك، التدخل فوراً لحمايتهم، قبل أن يلقوا مصرعهم. وطالبوا بعودتهم إلى مصر فوراً، وكانت جموع المصريين في جميع أنحاء بغداد، قد هبت من الأزقة والحواري والشوارع للحضور إلى منطقة المربعة بشارع الرشيد، لمؤازرة إخوانهم المصريين. وتصدت لهم قوات الأمن، بإطلاق الأعيرة النارية، والقنابل المسيلة للدموع، وفرقتهم. فرّ المصريون وبأعداد كبيرة على شكل مجموعات، وصارت كل مجموعة منهم محاصرة بالشرطة، وعدد كبير من العراقيين. وأخذ المصريون يدخلون أي منزل أو فندق يجدونه أمامهم، خوفاً من الرصاص، الذي يتطاير حولهم من كل جانب. انتهت المعركة في الساعة الحادية عشرة، مساء يوم الجمعة الماضي (18 نوفمبر 1989)، وتقرر فرض حظر التجول بشارع الرشيد، حتى صباح السبت (19 نوفمبر 1989). واستجاب الرئيس العراقي، صدام حسين، لمطالب المصريين، وأمر أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة بالحضور إلى موقع الأحداث. وحضر العضو، الذي كان يستقل السيارة الخاصة الرقم (222628) بغداد، وهدّأ من روع المصريين، ووعدهم بإيجاد كل الحلول المناسبة لمشاكلهم، فاستجابوا له وغادروا موقع الأحداث. وانتشرت فرق الكاراتيه العراقية، والقوات الخاصة، في جميع أنحاء منطقة المرّبعة. وبعد الساعة الحادية عشرة مساء، تم تمشيط المنطقة بالكامل، واعتُقل كل المصريين الموجودين في شارع الرشيد، والشوارع الفرعية المؤدية إليه، واستمرت حالة فرض حظر التجول، حتى صباح السبت الماضي. وسادت حالة توتر شديدة في مدينة بغداد، خلال الأيام التالية للمذبحة. وفي هذا الوقت ـ بعد انتهاء المعركة ـ أتي إلى موقع الأحداث السفير إبراهيم عوف، سفير مصر في العراق، وثار عليه بعض المصريين، الذين لم يبرحوا مكان الحادث، لأنه تأخر كثيراً حتى تأزم الموقف. وطالبوا بضرورة عزله فوراً، لأنه لا يستجيب لمطالب أي مصري في العراق، ودائماً السفارة المصرية مكتبها مغلق. وأكدت جموع المصريين، أن الحالة بهذا الشكل تنذر بوقوع كوارث شديدة، ويجب عودتهم فوراً. وطالبوا الرئيس مبارك، بسرعة تسهيل ترحيلهم إلى مصر، وضمان حصولهم على مستحقاتهم. ولم يسلم من أذى المذبحة أي مصري، كان موجوداً يوم الجمعة الماضي. كما تعرض الصحافيون المصريون، والعرب، ومراسلو الصحف العالمية، ووكالات الأنباء، إلى مضايقات بشعة. كانت الشرطة تطارد الصحافيين، في كل موقع يرتادونه. وصدرت أوامر بقطع جميع الاتصالات، مع صحفهم. في صباح السبت الموافق 19 نوفمبر، عقد طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء العراقي، ووزير الخارجية، مؤتمراً صحافياً عالمياً، حضرة أكثر من 300 صحفي مصري وعربي وعالمي، ومثلهم من المخبرين، ورجال الشرطة السّريين، والمخابرات. ورفض طارق عزيز، الإدلاء بأي تصريح عن المذبحة، التي تعرض لها المصريون. وأعلن أنه غير مكلف بالحديث عن العمالة المصرية في العراق، وقال إن أخاه طه ياسين رمضان، النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، الذي كان موجوداً في هذا اليوم بالقاهرة، هو المكلف بالحديث، عن مشكلة المصريين في العراق. أعلن الصحفيون المصريون، أنهم مدعوون إلى العراق، لحضور المؤتمر الصحفي الخاص، بالحديث عن مشكلة المصريين في العراق. ونفى طارق عزيز هذا الموقف، وأكد أن المؤتمر الصحفي لشرح أبعاد المشكلة العراقية ـ الإيرانية. وأصر الصحفيون العالميون، على الحديث عن قضية العمالة المصرية، خاصة وأنهم تعرضوا لمذبحة كبرى مساء الجمعة الماضي. ورفض طارق عزيز التعليق. ************************ . وجهة نظر عراقية في أزمة العمال المصريين: تابعت جريدة الوفد الموقف، بتاريخ 24 نوفمبر 1989، عندما التقى أحد محرريها السفير نبيل نجم، سفير العراق في القاهرة، على متن الطائرة المتجهة إلى بغداد. وعندما سأله عن الأحداث الأخيرة في العراق، وما تعرض له المصريون من أذى، أكد السفير العراقي أن الرئيس صدام حسين، يولي المصريين اهتماماً خاصاً، وأن المصريين يحتلون مكانة خاصة لديه، وهذا صحيح". ورداً على سؤال حول المعاملة السيئة، التي يتعرض لها المصريون بالعراق، قال السفير العراقي: "سيدي، الرئيس صدام حسين قال: إن الإنسان العراقي أصبح يستخدم يديه في العراك، أكثر مما يستخدم لسانه، لامتداد فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية، لمدة ثماني سنوات، وأن ذلك يعد أحد الآثار المتخلفة عنها". وأكد نبيل نجم أن العلاقة، بين شعب مصر، وبين البلدين على المستوى الرسمي والشعبي، علاقة ممتازة. وأكد السفير العراقي أن ما نشرته الصحف المصرية، حول ما تعرض له المصريون من حوادث، أزعج بصورة كبيرة الرئيس صدام حسين، وأعلن أن الرئيس، من منطلق تقديره الخاص والعميق، لمكانة المصريين، ومكانة مصر، لا يقبل أن يتعرض أي مصري، للخطر والانزعاج، وذلك لأنه يقدر الدور الرائد للمصريين، في بناء النهضة العراقية، ودور مصر الرائد على الساحة العربية، وحل قضاياها. وأعلن السفير العراقي، أن ما يحدث يدخل قطعاً تحت نطاق السلوك العادي، الذي يحدث في كل زمان ومكان. وأبدى السفير العراقي انزعاجه الشديد، لما نشرته الوفد، من أن هناك عدم ارتياح من العراقيين، تجاه المصريين. وأخذ السفير يقرأ خطاب الرئيس العراقي، أثناء لقائه بالمصريين مؤخراً. وأعلن السفير العراقي أن متأخرات المصريين، ستصلهم كاملة، وسيتم وضع برنامج بذلك. وفي مطار صدام ببغداد، كانت هناك أعداد مصرية كثيرة تنتظر العودة إلى مصر، على الرغم من أن الرحلات اليومية، بين القاهرة وبغداد، وصلت إلى ما بين 9 و14 رحلة. وأكد جميع المصريين أنهم عائدون صفر اليدين لا يملكون أموالاً، وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب النفسي، بما يلاقونه من معاملات سيئة، وصلت إلى حد القتل، وإطلاق الرصاص عليهم في الشوارع، من سكارى عراقيين. ************************* . آراء بعض العاملين في العراق: التقى محرر جريدة الوفد، بعددٍ من العمال المصريين العاملين في العراق، وعقب محاورتهم خلص إلى الآتي: أ. معاملة قسم شؤون العرب: معاملة قسم شؤون العرب في العراق بالغة السوء! المصري يُعامل وكأنه حيوان. ويقف المصريون في صفوف عديدة، يتعرضون خلالها لأبشع أنواع الإهانات، التي يرفضها الدين والأخلاق، أثناء استخراج الهوية، وهي البطاقة التي يحملها الأجنبي داخل العراق. ب. تحويل المدخرات: في الموعد الذي حدده البنك، لنزول المواطنين إلى مصر، أشترط عدم تحويل أي مبالغ عراقية، إلاّ بعد مرور حوالي 3 أشهر. كما أن المبلغ المسموح بتحويله ضئيل جداً، ولا يكفي شيئاً، مما يضطر المصري إلى صرف باقي أمواله، التي شقي بها، في شراء مستلزمات غير ذات جدوى. ويعود المواطن في النهاية بمبلغ ضئيل، لا يساوي المعاناة، التي عاشها في سنوات الغربة والشقاء. ويضيف المواطن المصري في انفعال شديد: إن هذا المبلغ الضئيل، لا يحصل عليه المواطن، بل يأخذ بدلاً منه حوالة صفراء، لا تُصرف إلاّ بعد سنة، والله أعلم هل تصرف.. أم لا؟! ويعود المواطن إلى زوجته أو أسرته خالي الوفاض، لا يحمل شيئاً سوى البطاقة الصفراء، التي تحولت إلى أمنية كبرى للمصري، الذي يعمل في العراق، هل سيمد الله في اجله حتى يصرفها؟ ج. المطار وسوء المعاملة: النقطة الثالثة، هي المعاملة السيئة، التي يتعرض لها المصريون، في مطار صدام ببغداد، من الأجهزة المسؤولة عن المطار. فهم يتعرضون إلى إهانات بشعة، لا مثيل لها. كما أن المسؤولين عن المطار، يوبخون أفراد الشعب المصري القادمين إلى العراق. د. أجهزة الشرطة: أمّا النقطة الرابعة، فهي المعاملة السيئة، التي تمارسها أجهزة الشرطة، ضد الأفراد المصريين في الشارع العراقي، حتى وصل الأمر أن، أهدرت الشرطة حقوق المصريين. هـ. السفارة المصرية: النقطة الخامسة والأخيرة، هي السفارة المصرية في العراق؛ هذه السفارة "لا تهش ولا تنش"، على حد تعبير المصريين، بل إن أبوابها مغلقة دائماً، ولا تقدم مساعدات للمصريين، ولا تلتفت إلى مشاكلهم. وتطلب جموع المصريين في العراق، ضرورة عزل السفير إبراهيم عوف، سفيرنا في العراق، لأنة لا يعيش مشاكل المصريين، وأغلق باب السفارة المصرية، في وجوه المصريين. وأبلغ الحكومة المصرية ببيانات مضللة، عن القتلى في العراق، في السنوات الأخيرة. كما أن جميع التقارير التي تصل لمصر، عن حالة أبنائها في العراق، غير صحيحة. ودائماً يزعم السفير، أن حالة المصريين، بخير، في الوقت الذي يدوي فيه الرصاص على رؤوسهم، والمطاوي تطعنهم في ظهورهم. و. تخفيض التحويلات وتأخيرها: ومن أخطر ما رواه أحد المصريين، ما حدث لبعض المصريين في الديوانية، عندما خفضت رواتبهم بنسبة 60 %، حتى وصل أجر العامل الفني إلى 40 ديناراً فقط، في الشهر. فأضرب عن العمل حوالي 280 مصرياً، في مصنع لصناعات الإطارات، خاصة وأن ساعات العمل زادت بشكل رهيب، فهل هذا عدل، أن تنخفض الرواتب وتزداد ساعات العمل؟ باختصار شديد، المسألة هي "تطفيش" العمالة المصرية، بطريقة تدعو إلى الحزن على ما حدث. وكذلك مشكلة التحويلات، فقد صدر القرار، الذي يقضي بتخفيض القيمة في 22 أغسطس 1989. هذا القرار لا يسمح إلاّ بتحويل عشرة دنانير في الشهر، يعني بما يعادل 30 دولاراً، ويعني أن العامل لا يستطيع أن يحول، سوى 360 دولار في السنة. وكان المبلغ، الذي يحصل عليه العامل قبل سنوات، هو 1200 دولار من التحويل، ثم جرى تخفيضه إلى 840 دولار منذ سنتين، وتم تخفيضه مرة ثالثة، منذ حوالي شهرين ونصف، إلى 360 دولاراً. *************************** 8. مقترحات اتحاد مصر لحل الأزمة: أ. أرسل أحمد العماوي، رئيس اتحاد عمال مصر، إلى الحكومة العراقية، ثلاثة اقتراحات، لحل مشكلة العمال المصريين المستغني عنهم. وشملت الاقتراحات منح العمال المصريين المهلة القانونية، قبل الاستغناء عنهم، وعدم طردهم عشوائياً وفجأة، من دون سابق إنذار. ومنحهم كافة مستحقاتهم، كاملة من دون نقصان، ومنح العاملين المصريين شهادات خبرة بذلك. وتبادل البيانات بين الحكومتين، العراقية والمصرية، حول عدد العمال الحقيقي في العراق، والأعداد المطلوب الاستغناء عنها. ولكن الحكومة العراقية، تجاهلت هذه الاقتراحات، لسببين: أولاً: أن غالبية العمالة في العراق، حرة من دون عقود. ثانيا: إن أصحاب الشركات، التي يعمل بها المصريون، رفضوا تنفيذ هذه التوصيات، ولم يعملوا بها. وأعلن فاضل غريب، رئيس اتحاد عمال العراق، أن الاتحاد يتابع مشاكل المصريين، ويبلّغ بها الرئيس العراقي، صدام حسين. وذلك في الوقت، الذي يزداد فيه الموقف تعقيداً، وسوءً على سوء. ومن المؤسف أن الخارجية المصرية، تتخذ موقفاً من الأحداث والأزمة الخطيرة، التي تحدث للمصريين في العراق، وكأن الأمر لا يعنيها في شيء. ويتساءل المصريون في بغداد، لم هذا التكاسل، والتباطؤ في حل مشاكلهم، أم أن المسألة اتفقت عليها الحكومتان العراقية والمصرية، على تجاهل أزمة العمالة المصرية. وأكد العاملون المصريون، أن مطالبهم هي، العودة فوراً إلى أرض الوطن. وليس كما يدعي المسؤولون، من أن سبب ذلك هو قانون العرض والطلب، في سوق العمل. بل إن الأمر بصراحة شديدة، هو رغبة العراقيين الحقيقية في عودتهم. ب. إن مسألة خطف المصريين، أصبحت ظاهرة بشعة في العراق؛ وظاهرة قتل السكارى العراقيين للمصريين، شبه دائمة باستمرار، خاصة في المحافظات الأخرى، بعيدة عن العاصمة. وإذا توجه أهل القتيل، أو أصدقاؤه إلى قسم الشرطة، فإن الرد جاهز لدى مأمور القسم، وهو: "ماذا أفعل للسكران"؟ ويضيع دم المصريين هدراً، من دون ذنب ارتكبوه سوى إخلاصهم، في تعمير المدن العراقية. ********************** . نسيان مجهودات المصريين العاملين في العراق: إن ظاهرة العداء الشديد للمصريين، لم تكن موجودة منذ سنوات مضت. وقد ازدادت حدة العداء في الأيام الأخيرة، وربما يكون السبب هو تسريح أشخاص من الجيش العراقي. وهؤلاء خرجوا لا يجدون أماكن عمل تأويهم، ووجدوا المصريين يمتهنون المهن، وينشطون في التجارة وغيرها، مما دفع العراقيين إلى أن يطاردوا المصريين في أعمالهم، ليحلوا محلهم. ولم يعد العراقيون يرغبون، في وجود أي مصري عندهم، ويتجاهلون كل ما فعله المصريون للعراق، خلال الحرب مع إيران. لقد نسى العراقيون أنه بفضل المصريين لم تتوقف مؤسسات الدولة والمصانع، عن العمل أثناء الحرب، وأن العمال المصريين يفصلون بانتظام من المؤسسات الحكومية، من دون أن يتمكنوا من الحصول على مستحقاتهم، من تعويضات بموجب عقود. كما أن العمالة المصرية تتعرض، للإهانة والسّباب، ويعاملون معاملة سيئة للغاية، والدليل على ذلك، هو عودة المصريين على طائرات شحن. وقد نقل مطار بغداد، خلال الشهور العشرة الماضية، حوالي ألف وثلاثة وخمسين جثة، لعمال مصريين، عُثر في العديد منها، على آثار كسور في الجمجمة. كما أن عدد المصريين في العراق، كان حوالي مليونين عاد أكثر من مليون منهم إلى مصر، منذ شهر يونيه الماضي. وما زالت رحلات العودة، منتظمة، يومياً ما بين 9 إلى 14 رحلة. ومن المنتظر عودة باقي المصريين خلال الثلاثة الأشهر القادمة. وأكد المصريون أن المسؤولين العراقيين، خاصة في أقسام الشرطة، يبررون ما يحدث بشكل غريب، لا يقبله عقل أو منطق. فمثلاً يقتل عراقي مصرياً، فيتم إبلاغ قسم الشرطة، فتكون النتيجة أن القاتل كان سكراناً، وما عليه من شيئ! ويتم الإفراج عن العراقي من دون محاسبته، وكأنّ المسألة فوضي أو شريعة غاب! وفي حقيقة الأمر، كان المسؤولون العراقيون يختلقون تبريرات هشة، عن الجرائم البشعة والخطيرة، التي تحدث يومياً للمصريين. ******************* . التساؤل عن حقيقة الأحداث: أثارت مجلة المصور، في عددها الصادر في 24 نوفمبر 1989، الموضوع نفسه تحت عنوان: "قضية الحقوق وقضية النعوش"، وكان سؤالها: لا نعرف من نلوم على، الذي حدث للمصريين في العراق؟ هل نلوم العراق، أم نلوم أنفسنا، أم أنه قدر مصر، أن يلقى المصريون دائماً جزاء سنمّار؟ لو أردنا نبدأ بمسؤوليتنا نحن المصريين، فمسؤوليتنا أننا تركنا الأبواب مفتوحة على مصاريعها، لهجرة العمالة المصرية، من دون ضابط أو رابط. في السبعينات، كان بعض دهاقنة (خبراء) الاقتصاد المصريين يتصور، أن هجرة العمالة المصرية إلى الخارج، ربما تشكل الحل الأمثل للمشكلة الاقتصادية في مصر. فتحوا الأبواب على مصاريعها، من دون قيد أو ضابط، في ظروف ربما كانت تستوجب ذلك. كانت خزائن دول الخليج لم تزل تعمر بفوائض بترولية ضخمة، مكنتها من الأنفاق الضخم على عدد من المشروعات، التي تطلب أعداداً هائلة من العمالة الأجنبية. أصبحت الهجرة حلم كل مصري، حتى الفلاحين هجروا أراضيهم، تركوها بوراً، وذهبوا يعملون فوق سقالات البناء، في العراق والسعودية ودول الخليج، التي ازدحمت بأعداد هائلة، وصلت في بعض الأحيان إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين عامل مصري. وعلى الرغم من أن العلاقات السياسية لم تكن قائمة، بين مصر وعالمها العربي، فلقد لقيت العمالة المصرية ترحيباً من هذه الدول، لأسباب عديدة ربما كان أبرزها: - أن الجميع يعرفون، أنّ المصريين لا يهاجرون إلى الأبد، وأنهم، لا بد، عائدون إلى بلادهم، وأن غاية ما يريدونه من الهجرة، أن يتحقق لهم بعض المدخرات، التي يعودون بها كي تعاونهم على المستقبل. - وأن الجميع يعرفون، أيضاً، أن المصريين في الهجرة، هم أكثرهم الجاليات العربية عزوفاً عن التدخل في شؤون الآخرين، شاغلهم الوحيد في الغربة أن يؤدوا أعمالهم، على نحو يرضي صاحب العمل، وأن يتمكنوا من تحويل بعض من مدخراتهم، إلى ذويهم في مصر. - وإن العمالة المصرية، التي خرجت من مصر، من دون ضابط أو رابط، أدت إلى وفرة ضخمة في سوق العمل، هبطت بأجورهم إلى الحدود الدنيا. وكان العمال المصريون يعملون في هذه الدول، من دون أية مظلة تحميهم، وقد أدت وفرتهم الزائدة إلى قبول ما لا يمكن قبوله. ولأن الباب كان ـ ولا يزال ـ مفتوحاً على مصراعيه، أصبحت العمالة المصرية في الخارج، نهباً للنصابين والأفاقين، الذين أثروا ثراء ضخماً، من وراء مكاتب التوظيف الوهمية، أو من وراء شركات الأموال، التي نهبت مدخرات العمال. واجب الإنصاف يقتضي منا أن نقول، إن جهوداً عديدة قد بُذلت بالفعل، في محاولة لتنظيم خروج العمالة المصرية، بما يضمن حقوقها في إطار اتفاقيات عمل ترعاها الدولة. ولكن هذه المحاولات أصتدمت بمشكلتين أساسيتين: أولهما: أن بعضاً من الدول المستفيدة من هذه العمالة، لم تكن متحمسة لأي تنظيم من هذا النوع، لأن تنظيم هذه العلاقات سوف يعود، بالضرورة، إلى نوع من توازن العرض مع الطلب، بما يحفظ للعمالة المصرية حقوقها. ثانيهما: أن محاولة التنظيم، كانت تصطدم، داخل مصر، بمعارضة استناداً إلى الدستور، الذي يكفل للمصريين حرية التنقل والعمل، في إطار القانون. لا ينبغي أن يكون هناك عائق، أمام ضرورات تنظيم هجرة العمالة المصرية إلى الخارج، لأن الأمر في النهاية يتجسد في صورة يرفضها كل مصري! آلاف المصريين يذهبون وراء حلم الهجرة، يتصورون أن فرص العمل لم تزل وفيرة، وأن الأيام لم تزل تمضي سيرتها الأولى. ثم تصدمهم الحقيقة، فيضطرون، أو تضطرهم الظروف، إلى أشياء وأشياء تزري صورة الوطن، وتمتهن كرامته. والذين يحتجون بالدستور، الذي أكد على حرية التنقل في إطار القانون، عليهم أن يدركوا أن لا أحداً يطلب قيوداً تعسفية، تشل النص الدستوري، أو تبطل فاعليته. ولكننا نطلب فقط، أن يكون السفر للعمل في الخارج، وقفاً على من يرتبطون بعقود عمل حقيقية. وأن تشرف الدولة على عقود عمل جماعية، تنظم وتحفظ حقوق عمالنا في الخارج. والمؤسف أن العائد الأكبر من دخول هؤلاء، قد تسرب في مسائل غريبة: شركات توظيف الأموال التي أكلت جزءاً، وضاعت أجزاء أخرى في أنماط استهلاكية جديدة، لم تكن تعرفها القرية المصرية. وسعيد الحظ من استطاع أن يبني لنفسه داراً جديدة، من الطوب الأحمر، أكلت قيراطاً أو قيراطين من أرضه الزراعية. الآن أختلف الوضع، لم تعد فرص العمل وفيرة، ولم تعد الأجور مغرية كما كانت. وتضاعفت، بسبب الأزمة الاقتصادية، التي تمسك بخناق الجميع، القيود على تحويلات العمال، حتى بلغت تلك النسبة الشحيحة في العراق. وذلك يعني في النهاية، أن مصر سوف تواجه مشكلة جديدة، تتمثل في عودة هؤلاء العاملين من دون أن ينالوا حقوقهم الدّنيا. فلماذا إذن يصر البعض على أن تظل الأبواب مفتوحة على مصاريعها؟ ليسمح لي الأشقاء في العراق، وقد قدمت المسؤولية المصرية على مسؤولية أي طرف آخر، أن أتحدث بكل الصراحة، عن مسؤولية الجانب العراقي، في الأزمة المثارة بين الشعبين، لأن صراحة الأشقاء هي، التي يمكن أن تفتح الطريق إلي فهم مشترك، ولأن المشكلة قد أصبحت جزءاً، من شاغل الشارع المصري، والشارع العراقي، بحيث أصبح مستحيلاً أن يكون في الصمت، أو التهوين، أو العداوة، الحل أو العلاج. لقد بقي المصريون ما يقرب من عشرة سنوات في العراق، كانوا موضع الرعاية والاهتمام، كانوا يلقون بالفعل معاملة كريمة، في كل مكان. كانت لهم أسبقية الرعاية على كل الجاليات الوافدة، كانت حقوقهم تماثل أو تقترب من حقوق العراقيين. فما الذي تبدل، أو تغير حتى يصبح الحال غير الحال، ولماذا أقترن التبدل بوقف الحرب مع إيران؟ أحد لا يستطيع أن يزعم، أن المصريين جميعاً، كانوا على مستوي المسؤولية، كما أن أحد لا يستطيع أن يزعم، أن الجميع كانوا أخياراً. فالمصريون، شأنهم شأن العراقيين، وشأن أي شعب آخر، يمكن أن يكون فيهم الصالح والطالح، وفي جالية ضخمة، وصل عددها إلى ما يقرب من المليون نسمة، يصبح ذلك أمراً طبيعياً، لأن بينهم من يضرب، ويتشاجر، ويسرق، ويزني، بل ومن يقتل، تلك طبائع البشر، والمهم في مثل هذه الظروف، أن يكون إدراكنا لهذه المتاعب، مرتبطاً بفهمنا المتكامل للدور العظيم، الذي أداه المجموع المصري تجاه العراق، وهو يخوض حربة الضروس ضد إيران. إنني أخشى أن أقول إن المعايير قد تغيرت، بعد وقف القتال؟ ثم تأتي بعد ذلك قضية النعوش، وهي تحمل جثث المصريين، الذين ماتوا في العراق. والأرقام المصرية تقول، إن صناديق الموت حملت إلى مصر 975 حالة هذا العام، على وجه التحديد. وربما تكون النسبة طبيعية، قياساً إلى عدد المصريين الموجودين في العراق. وربما يكون بين هؤلاء أعداد لقيت حتفها، في ظروف لا تحتمل الشك أو الشبهة، ظروف تتعلق بحوادث طارئة في العمل، أو في الحياة. لكن ما ثار شكوك الأهلي في القرى والنجوع، أن التقارير، التي تأتي مع الصناديق، تقارير مبتورة لا تفيد شيئاً عن الظروف، التي وقع فيها الحادث. تذكر فقط "ماس كهربائي"، أو "شج في الرأس"، أو "تهتك في الجمجمة"، أو "لا يزال الأمر قيد البحث". وحتى الأسبوع الماضي، كانت وزارة الداخلية المصرية تشكو، من أن التقارير، التي طلبتها عن هذه الحوادث، لم تصل بعد من بغداد. على الرغم من أن وزارة الداخلية العراقية، أكدت استعدادها لأن ترسل كل التقارير، المتعلقة بمن لقوا مصرعهم، في ظروف تختلف، عن ظروف الوفاة الطبيعية. لا أريد أن أعطي لهذه القضية أبعاداً، تزيد من حجم الشكوك المثارة، لأنني لا أستطيع أن أصدق، أن هناك من يترصد قتل المصريين في العراق. ليسمح لي الأشقاء في العراق، أن أقول بكل الصراحة، إن القرارات الأخيرة، التي حددت لكل الفئات العاملة في العراق نصيباً في التحويل، لا يزيد على 40 ديناراً، إن كان موظفاً حكومياً، ويصل إلى 10 دنانير في الشهر، إن كان يعمل على عاتقه، هذه القرارات كانت تنطوي في داخلها، على قرار بالاستغناء، عن جزء كبير من العمالة المصرية، إن لم يكن معظمها. لأن أياً من العاملين المصريين في العراق، سوف يسأل نفسه: ما الذي سوف يستفيده من الغربة، إذا لم يتمكن من تحويل قدر من دخله، يمكّنه من الإنفاق على الأسرة، التي تركها في مصر؟ ولا لوم ولا تثريب على العراق، إن كانت أعاده ترتيب البيت العراقي، بعد نهاية الحرب، قد تطلبت ذلك. ولكن ينبغي لبغداد، أن تناقش أثار هذه القرارات مع القاهرة، لكي يتدبرا معاً ردود أفعالها، على ما يقرب من مليون مصري، ربما يتعذر استمرار بقائهم هناك، بحيث تصبح عودتهم كريمة بلا مهانة، بدلاً من تكدسهم في مطار بغداد، آلافاً تنتظر أياماً تطول إلى أسابيع. ما كان لبغداد أن تنسى، وسط أولوياتها العديدة، أن لهؤلاء المصريين حقوقاً، ينبغي أن تؤدى. فالورقة الصفراء التي يحملها كل عائد، لتعطيه حق صرف تحويلاته الضئيلة في القاهرة، مؤجلة السداد إلى أكثر من ثمانية أشهر قادمة، حتى تراكم للمصريين العائدين، ما يقرب من 400 مليون دولار. إن الوضع الاقتصادي صعب في العراق، وأعرف أن العراق قد اقتطع أخيراً، ومن بنود ضرورية، 30 مليون دولار، لكي يتم صرفها على ثلاث دفعات سداداً لبعض المتأخرات. لكن كيف لمواطن مصري بسيط، اغترب عاماً عن بلاده، أملاً في فسحة الرزق، أن يستوعب ذلك؟ إن الرؤية الواقعية لأبعاد مشكلة المصريين العاملين في العراق، تبدأ من الوفاء بحقوقهم الاقتصادية، في أسرع وقت ممكن، لأن ذلك هو جوهر المشكلة، ولأن كل المشكلات الأخرى، هي في الحقيقة، ردود أفعال لحقوق تأخرت عن أصحابها. **************************** . معاملة المصريين، عقب انتهاء الحرب مع إيران وفي تحقيق أخر لمجلة المصور في العدد نفسه، تساءلت الجريدة، عن الأبعاد الحقيقية، لمشكلة العمال المصريين في العراق؟ ولِمَ وقع التبدل المفاجئ، في معاملة المصريين هناك؟ خلصت إلى أن بداية المشكلة، كانت عندما تم تخفيض تحويلات المصريين إلى 60 % ، عقب الحرب مباشرة، مما حدا بعدد كبير من المهنيين العودة إلى وطنهم. وبقي هناك ما يقرب من المليون عامل، وغالبيتهم ليسوا من الحرفيين، أو المدربين مهنياً، إلى جانب مدرسي الجامعات، وهؤلاء يسمح لهم بتحويل 50 % من مرتباتهم، وموظفي الحكومة، الذين يسمح لهم بتحويل أربعين ديناراً عن كل شهر. ويخصم من التحويل أربعة أشهر، شهران للإجراءات، وشهران للمجهود الحربي، ثم يُعطى العامل ورقة التحويل، أو الورقة الصفراء، كما يسمونها. ولكن الذي حدث بعد ذلك، أن أحداً منذ 8 نوفمبر لم يحصل على حقه، أو تحويلاته. وتوقف بنك الرافدين عن صرف التحويلات، وبدأت أفواج كبيرة من العمال تتردد على البنك، من دون أن يصرف لهم شيئاً. وتراكمت مستحقات آلاف المصريين، الذين وصلوا بالفعل، حتى بلغت ما يقرب من 400 مليون دولار. ومن خلال اتصالات القاهرة ببغداد، فُهم أن العراق تطلب أن تُسدد البنوك المصرية مستحقات العمال، على أن يتولى بنك الرافدين، تسديدها للبنوك المصرية بعد ذلك. وتأتي، بعد ذلك، ظاهرة إرسال النعوش الخشبية، تحمل جثث الموتى. وقد كانت هذه الظاهرة مفهومة أثناء الحرب، إذ كانت التقارير الطبية، التي تصاحب تلك الجثث، توضح أن سبب الموت طلق ناري، ولكنها لم تعد مفهومة بعد الحرب، خاصة عندما ظلت نسبة الموتى كما هي، وتغيرت صيغة التقارير الطبية عن سبب الوفاة، إلى "شج في الرأس"، و"صعق كهربائي"، "تهتك في الوجه"، أو يكتفي التقرير بعبارة "ما زال قيد البحث". وقيل، أيضاً، في أسباب وفاة العمال، أنها بسبب إقدامهم على أعمالٍ لم يتدربوا عليها. بعد أن غادر الحرفيون المدربون، العراق إلى مصر. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لِم هذا التبدل في معاملة المصريين بالعراق؟ أصبحت صالة الوصول الرقم (1)، في مطار القاهرة الدولي، ساحة مخصصة لتجمع العمال والفلاحين، القادمين من العراق. فبمعدل كل نصف ساعة تصل طائرة عراقية، تحمل مئات العاملين في العراق، العائدين إلى بلادهم، بعد أن توترت الأحوال والأجواء السائدة هناك، مما دفع آلاف العاملين إلى العودة إلى وطنهم. ووسط تلك الحشود، كانت هناك ظاهرة أخرى، أثارت الأقاويل بين العديد من المصريين، وهى عودة أبنائنا العاملين هناك، في نعوش، أو صناديق خشبية. وكان لابد من تحرى تلك الظاهرة، حيث إن النعوش لا تصل بصفة دائمة، أو بأعداد منتظمة إلى مطار القاهرة، ولكن الذي يحدث، أنه قد يمر شهر من دون أن تصل جثه واحدة، بينما قد يصل في شهر أخر حوالي مائة جثة، وذلك نتيجة لما يحدث من تجميع تلك الجثث، في المشرحة المخصصة لها في بغداد، إلى أن يتوافر لها أماكن على الطائرات، خاصة عندما تقلع طائرة عراقية من نوع "جامبو"، حيث يتم تخصيص نصف الطائرة، لنقل أكبر عدد ممكن من تلك النعوش. وبأجراء مقارنة بسيطة بين عدد الجثث، الذي وصل إلى القاهرة في أكتوبر 1988، وعددها في أكتوبر 1989، نجد أن الفرق ليس كبيراً، حيث كان في أكتوبر 1988 عددها (83) جثة عامل مصري، بينما في أكتوبر 1989 أرتفع عددها إلى (102) جثة. والفرق ليس كبيراً على أي حال، ولكن الظاهرة اللافتة للنظر هي الصيغة التي تتم بها كتابة التقرير الصحي، المرفق مع تلك الجثث. فإن أي طبيب متخصص إذا قرأ تلك التقارير، فلابد أن يجزم بأنها كتبت من دون تحري الدقة، أو من دون الكشف عن السبب الحقيقي للوفاة. فإن حوالي 80 % من التقارير المرفقة، مع تلك الجثث، كتبت فيها عبارة أن سبب الوفاة "كسر بعظام الجمجمة وتمزق به |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: ملف النعوش الطائرة الثلاثاء 03 يناير 2012, 2:00 am | |
| وهي، طبعاً، ليست الصورة الصحيحة، التي لا بد أن يتضمنها كل تقرير صحي، يبين سبب الوفاة. بينما تغيرت وتعدلت الأسباب الأخرى، ما بين "احتشار في عضلة القلب"، وهي عبارة تم كتابتها في التقارير الصحية المرفقة، مع جثث لمصريين لا تزيد أعمارهم على ثلاثين عاماً. وهذا ما يثير الشبهة. ثم عدة عبارات أخرى، مثل الصعق الكهربائي، والغرق، وحادث سيارة، بينما كانت التقارير أثناء فترة الحرب، تحمل تعبيراً واحدة هو "أصيب بطلق ناري"، ولكن تلك الصورة تغيرت، بعد الحرب إلى صيغ أخرى. ****************** 2. النفي العراقي عندما التقت مجلة "المصور" السفير العراقي" نبيل نجم"، لتستوضح منه أبعاد ما يحدث، رفض القول، إن بعض المصريين، يشكون من سوء معاملتهم وانتهاء عقودهم، من دون وجه حق، وكذلك عدم أخذ حقوقهم، بما يخالف حتى قوانين العمل العراقية، وبما يخالف كذلك توجيهات الرئيس، صدام حسين، الذي يؤكد أنه لا فرق بين عراقي وعربي، وأن المصري هو الأول في العراق، ومع ذلك يتعرض المصريون لسوء معاملة في الفترة الأخيرة. ويستطرد السفير العراقي قائلاً: وكما أن المصريين عراقيون، والعراقيين مصريون، قبل أن يكونوا أي شيء آخر، وأضاف بالنسبة للأخوة المصريين، كان لهم امتياز خاص طيلة هذه الفترة العصيبة، التي مرت بها العراق. وأقصد بذلك حق تحويل المدخرات بنسبة عالية إلى الخارج، في الوقت الذي لم يسمح للعراقيين بذلك حتى الآن، فليس هناك تجاوزات بالمعنى، الذي يفسره البعض بأن هناك تجاوزا منظماً، ومحاولة للإساءة المنظمة للمصريين في الفترة الأخيرة- فمن الظلم القول بذلك، أو التصور أن هناك شيئاً فيه إساءة، للمواطن المصري، الموجود على الأرض العراقية. وإن ما يقع، في بعض الأحيان، من تجاوزات، يقع من المواطنين المصريين العاملين في العراق. وعلى الرغم مما ذكره السفير، في شأن التجاوزات والجرائم، فإنه رفض أن تكون سبباً مباشراً لكثافة عودة المصريين من العراق. كما رفض السفير نجم، أن تكون إفرازات ما بعد الحرب، سواء أكانت اجتماعية أو نفسية، أو ما يمكن أن تسمى "حالة العداء" وعدم الارتياح تجاه الأجانب، بشكل عام، والمصريين بشكل خاص. قال: لا، لا هذا غير موجود أبد في العراق. ما دامت هناك فرص عمل. ولكن عندما لا تكون فرص للعمل، فلا مبرر لوجود عمالة غير العمالة الوطنية في ذلك البلد. ولكننا في العراق، لا نفرض حتى على الشخص الموجود في العراق بلا عمل، مغادرة البلاد. ولكن في الوقت نفسه، كيف تريد من دولة خرجت من حرب، ألاّ تُعيد ترتيب وضعها المالي، بما يؤّمن وقوفها اقتصادياً بشكل سليم، وبالتالي لا تستطيع أن تفرض، على كل من هب ودب، أن يحول مبالغ حصل عليها خلال وجوده في هذا البلد. فعندما لا يوجد عقد بيني وبين عامل، كيف أستطيع أن أحول له مبالغ للخارج؟ ونحن من أول أكتوبر أعدنا النظر في تحويلات العمال، الذين يعملون بالسوق، أي من دون عقود عمل مع الدولة، ويجب ألاّ يغيب عن بالنا، أنه في يوم من الأيام وإلى قريب، كانت نسبة عالية من مدخرات المصريين تحول إلى الخارج، بمحض إرادتهم. وهذه النسبة استمرت أيام الحرب، حتى نهاية عام 1987. ثم نقصت هذه النسبة، طبقاً للظروف المالية، ومع ذلك كان الجميع سعداء بهذا التنظيم: ويجب أن نميز بين مسألة التحويلات، وهي مسألة مادية تحل من خلال القنوات الرسمية، وبين الادعاءات، التي لا أساس لها من الصحة، والتي تتنافى مع واقع العراقيين ونظرتهم للأخوة المصريين، وللعرب عموماً. وأرجو أن نفهم أن وجود 400 جريمة في شهر واحد، لا يعني مطلقاً أن المليون مصري في العراق مجرمون، أو منحرفون، لا، فالمنحرفون هم الأربعمائة، الذين ارتكبوا هذه الجرائم. ويربط السفير العراقي في مصر، نبيل نجم، بين تأخير التحويلات، التي يُنتظر صرفها لمدة عام وأكثر، وبين حالة العراق الاقتصادية. فيقول: "في الحقيقة التأخير بدأ منذ نهاية 1988، ولم تكن هناك شكوى في السابق. وكانت النسب أعلى من ذلك بكثير، ويجب أن نضع في بالنا، أننا بلد خرج من حرب، ومثقل بأعباء وهموم مادية كبيرة، وإعادة بناء وتسديد ديون. فلهذا، جاء التنظيم والتشريعات الجديدة، ولمدة ثلاث سنوات فقط، أخذين بعين الاعتبار أن العراقي ليس له الحق في التحويل، وأن الأشقاء المصريين قد حولوا ما يقرب من 200 مليون دولار شهرياً، أي مليارين و400 مليون دولار في العام، إذا قدرنا أن استحقاق المصري 200 دولار شهرياً، وأن عددهم قد وصل إلى مليون في يوم من الأيام. وقد قمنا بالتحويل، من دون أن نحسب حساباً لظروفنا الاقتصادية". وعن إمكان الحل لمشكلة تحويلات العاملين، وإنهاء تأخيرها، يقول السفير نبيل نجم: "لقد اتصلت الآن بمصرف الرافدين، وأبلغني أن مصرف الرشيد سيقوم بدفع المبالغ المحولة من شهر فبراير 1989، وسيتولى مصرف الرافدين صرف المبالغ المحولة، من شهر نوفمبر من العام الماضي، التي مر عليها عام. ونحن بشكل عام نحاول علاج الموضوع، وهو يحظى باهتمام كبير من المسؤولين العراقيين، والبحث عن سبل لتأمين إيصالها بأسرع ما يمكن ومن دون تأخير. ونحن نعتبر ما يحدث، هو حالة مؤقتة، ونرفض أن يكون هناك فكرة إساءة إلى المصريين، ولا نريد الخلط بين هذا وذلك، ولكننا نعالج هذا الموضوع بالتنسيق مع الجهات الرسمية، ومع الجهات المصرفية، في كلا البلدين". *************************** 3. مقترحات وزير العمل المصري لحل المشكلة على الجانب المصري يقول عاصم عبد الحق، "وزير القوى العاملة"، إن وزارته، تقوم من خلال العلاقات القوية بين مصر والعراق، على حل المشاكل، التي تتعرض لها العمالة المصرية. وأنه يجب أن يوضع في الاعتبار، أن العراق الشقيق قام بتسريح جزء من قواته المسلحة، لكي تأخذ مكانها في العمل المدني، مما كان له أثره في عودة جزء من العمالة المصرية. وأن الاتفاقية الموحدة بين دول مجلس التعاون، نصت على إنشاء لجان مشتركة بين الدولتين، تكون مهمتها التشاور والتنسيق المستمر، في مجال تنظيم وتشغيل العمالة العربية والأفريقية. ورداً على الشكوى المتزايدة، من جانب العمال المصريين العائدين من العراق، بسبب تعرضهم للإهانات، وإنهاء أعمالهم، وعدم استرداد حقوقهم، يقول عبد الحق: لقد صدرت توجيهاتنا للمستشار العمالي في العراق، لبحث هذه الشكاوى، وكل مواطن مصري تتم تسوية حالته ويأخذ حقوقه كاملة، يغادر العراق طبقاً للقوانين السارية. ويعترف وزير القوى العاملة، أن مصر لا تعرف عدد عمالها في العراق، وأنه ليس لدية إحصاء دقيق لهم، ويبرر ذلك بأن العراق الشقيق من الدول، التي تسمح بدخول الرعاية العرب، ومنهم المصريون، من دون تأشيرة مما يساعد على تدفق العمالة المصرية إلى العراق، طبقاً لأحكام الدستور المصري، الذي يسمح للمواطن بالهجرة، سواء المؤقتة أو الدائمة. ولا تستطيع الوزارة وضع قيود على السفر، الأمر الذي يصبح معه، معرفة الأعداد الحقيقية للعاملين المصريين في العراق، أمراً بالغ الصعوبة، وأن كانت الأعداد التقديرية، لدي الوزارة عن طريق مكتبها العمالي في العراق، تقدر حجم هذه العمالة بحوالي مليون وربع المليون مصري، في بداية عام 1989. وعلق وزير القوى العاملة على تأخير تحويلات العاملين في العراق بقولة: إن هذا الموضوع سينتهي في القريب العاجل، نظراً للعلاقات الطبية بين البلدين، والاتصالات المكثفة بيننا وبين الإخوة المسؤولين في العراق، على أعلى المستويات الرسمية. وقد تمت مناقشة هذا الموضوع مع المسؤولين العراقيين، وبدأت ترد فعلاً لبنك الرافدين في القاهرة اعتمادات مالية سوف تحد من ظاهرة تأخر هذه التحويلات. وعن إمكان استيعاب العمالة المصرية العائدة، يقول وزير القوى العاملة، إن انتهاء الحرب، لا شك أدي إلى حدوث انكماش في حجم العمالة الأجنبية في العراق، ونحن بصدد دراسة أوضاع العمالة في مصر، خاصة مع خطة الدولة في التوسع نحو زراعة الأراضي، وبناء المدن الجديدة، والاستثمار في جميع المجالات. أذن لِم لا تنظم الوزارة سفر العمال للخارج، بدلاً من فتح الباب من دون ضوابط، مما يعرض المصريين لأخطار كثيرة، أقلها رخص سعر العمالة المصرية في الخارج؟ يجيب وزير القوى العاملة قائلاً: لقد صدر القانون الرقم 119 لسنة 1982، الخاص بتنظيم أجور العمال المصريين في الخارج، وذلك عن طريق الوزارة، أو مكاتب مرخص لها بمزاولة هذا النشاط. ويهدف هذا القانون لضمان تعاقد العمال الراغبين في العمل بالخارج، بأجور تتفق ومستويات المعيشة في هذه الدول. وجدد عبدالحق التأكيد على أن الوزارة، تعمل من خلال الاتصالات والمشاورات المستمرة، بينها وبين الأخوة في العراق، على جميع المستويات، على إزالة وحل جميع المعوقات والمشاكل، التي يصادفها العمال المصريون في العراق. وسيتم قريباً حل مشكلة التحويلات، خصوصاً وهي تبحث على أعلى المستويات، في البلدين الشقيقين. *********************** هل أغلق ملف النعوش الطائرة؟ نشرت جريدة الأهرام الصادرة في 2 أكتوبر 1990، تحت عنوان: "تقرير لمبارك عن وفيات المصريين في العراق"، خبراً عن وصول 995 جثة في تسعة أشهر. وقد تلقى الرئيس حسني مبارك، تقريراً من السيد محمد عبدالحليم موسى "وزير الداخلية"، عن ظروف وفاة مجموعات كبيرة من المصريين العاملين في العراق. وصرح وزير الداخلية، بأن عدد الجثث، التي وصلت إلى مطار القاهرة، منذ أول يناير الماضي حتى الآن، 995 جثة، ولوحظ أن جميعها جثث للرجال، وليس بينها جثة واحدة لسيدة، وأن متوسط أعمار، الذين قتلوا في العراق تراوح بين 19 و44 سنة. وقال إن الدلائل المؤكدة تشير ـ بعد إعادة الفحص الطبي لبعض الجثث، التي قدمت مؤخراً ـ إلى أن 60 % من أصحابها لقوا مصرعهم، نتيجة اعتداء وقع عليهم,. ولوحظ أن تقريراً يصل مع كل جثة، يقول إن الوفاة نتيجة تهشم في الجمجمة، أو طلق ناري، أو تكسير في الترقوة، أو الحنجرة، أو صعق تيار كهربائي. ولوحظ أيضاً أن التقرير لا يتضمن الأسباب، التي أدت إلى تلك الحوادث، التي انتهت بالتهشم أو الكسر أو ظروف الطلق الناري، ومن الذي أطلقه، مشيراً إلى أن ذلك كله كان مثاراً الشبهات. وكانت التقارير، التي تصل قبل غزو الكويت مع الجثث، تذكر أن سبب الوفاة دوالي في المريء، أو تليف في الكبد، أو أزمة قلبية مفاجئة. وقال الوزير إن الرئيس حسني مبارك، طلب تقريراً مفصلاً، بسبب وصول أعداد كبيرة من جثث المصريين العاملين في العراق، لمطار القاهرة يومياً، وبصفة منتظمة، وبمتوسط يصل إلى 140 جثة شهرياً، منذ غزو العراق الكويت. وقد كان يراوح ذلك العدد في الأشهر الثلاثة، السابقة على الغزو بين 30 و40 جثة. وأشار وزير الداخلية، إلى أن وزارة الخارجية، تدخلت وطلبت موافاتها بتقارير مفصلة، عن ظروف وفيات المصريين في العراق. وتجرى مناقشة المصريين العائدين من الكويت، حول معلوماتهم عن المتوفين والأماكن، التي توفوا بها، وأسباب الوفاة. وذلك إضافة إلى استقاء المعلومات، حول هذا الموضوع من مصادر، خاصة بأجهزة الأمن. وقال الوزير إنه تم إبلاغ المنظمات الدولية المعنية، بتلك الأمور للتدخل لدى العراق، لوقف تلك الأعمال. ****************** 5. إعلان الرئيس حسني مبارك عن الجثث نشر في جريدة الأهرام الصادرة في 16 نوفمبر 1990 تصريح للرئيس حسني مبارك، لرؤساء تحرير الصحف المصرية جاء فيه: "إن الشعب المصري لن يغير موقفة من أدانه غزو العراق على الكويت، لأن المصريين عرفوا كيف تصرف النظام العراقي، تجاه العاملين في العراق. ويكفي أن عدد الجثث، التي وصلت إلى مصر بلغ ثمانية آلاف جثة". ************************ 6. تشكيل لجنة دولية للتحقيق في شكوى عمال مصر ضد العراق تقدم اتحاد نقابات عمال مصر، بشكوى ضد العراق، إلى منظمة العمل الدولية، أثناء اجتماعها بجنيف في نوفمبر 1990، بسبب اتخاذ العراق إجراءات تعسفيه ضد العمال المصريين، الأمر الذي أفقدهم حقوقهم، من أجور، وتحويلات مالية، ومكافآت نهاية الخدمة. وكذلك معرفة الحقائق في وفيات المصريين في العراق. واتخذ مجلس إدارة المنظمة قراراً، بتشكيل لجنة دولية ثلاثية من الحكومات والعمال وأصحاب العمل، من فرنسا وبريطانيا وكوستاريكا للتحقيق في شكوى اتحاد نقابات عمال مصر. وقد نسقت وزارة العمل المصرية، مع المسؤولين العراقيين، نظاماً لدفع التعويضات للمصريين العائدين، من البنوك المصرية، وعلى فترات زمنية، طبقاً للاتفاق بين الجانبين. ولا يزال دفع التعويضات موضوعاً شائكاً غير قابل للحل حتى اليوم 2012م. المصدر: موسوعة مقاتل من الصحراء http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/ELNoch/index.htm |
|