السحر من السبع الموبقات
عبدالله محمد الحمادي
السحر من السبع الموبقات Ocia2170
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَى الله عليه وسلَم قال: ‌”اجتنبوا ‌السبع ‌الموبقات. قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.

وفي حديث آخر عند النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه ﷺ: “مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَك،َ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ”.

وروى البزار في مسنده، والطبراني في معجمه، عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلَى الله عليه وسلم قال: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ”.

والسحر عزائم ورقى وعقد شيطانية، تؤثر في الأبدان والقلوب، وتفرق بين الرجل وزوجته، وبين الولد وأبيه وأخيه وصديقه، تجلب الآفات المتنوعة، والأوهام المزعجة، وكل ذلك بإذن الله تعالى وإرادته، فإنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله تعالى، كما قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102].

في الآية: إثبات أن السحر حقيقة ، وأن الساحر يفرِّق بسحره بين المرء وزجه ، وأنه يضر بسحره الناس لكن لا يقع ضرره إلا بإذن الله.

قال ابن جرير في تفسيره: (القول في تأويل قوله تعالى: “وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُر”ْ، وتأويل ذلك: وما يُعَلِّمُ الملكان أحدًا من الناس الذي أنزل عليهما من التفريق بين المرء وزوجه حتى يقولا له: إنما نحن بلاء وفتنة لبني آدم، فلا تكفر بربِّك).

والعجب من أناس جهال التبس عليهم حال السحرة الكذابين، ودجل المشعوذين، فتحيروا فيما يصدر من السحرة من خوارق العادات، كعلمهم للغيب فيما يدعون، وشفائهم لبعض الحالات التي كتب اللَّه شفاءها قبل إتيانه للساحر.

وكيف يرجى السبب في الشِّفاء من عديم الدين والخلق والمروءة، الذين تلبس الشيطان بهم، فأصبحوا خدامه ومريديه.

كما قال تعالى: ﴿‌وَأَنَّهُ ‌كَانَ ‌رِجَالٌ ‌مِنَ ‌الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]

حكم تعلم السحر وتعليمه
السحر تعلمه وتعليمه كفر بالله تعالى، قال تعالى: ﴿‌وَلَا ‌يُفْلِحُ ‌السَّاحِرُ ‌حَيْثُ ‌أَتَى ﴾ [طه: 69].

وقد صرح بذلك أئمة السلف من الصحابة والتابعين:
قال الحسن البصري رحمه الله: “من سحر فقد أشرك. وقال ابن جريج رحمه الله تعالى: “لا يجترئ على السحر إلا الكافر”.

وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)، قال: “فأثبت كفرهم بتعليم السحر.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
“وقوله تعالى: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر.

قال ابن قدامة رحمه الله:
“فإن تعلُم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم”.

وقال الإمام النووي رحمه الله:
“وأما تعلمه – أي السحر – وتعليمه فحرام.

وقال مرعي الكرمي رحمه الله:
“فساحر يركب المكنسة فتسير به في الهواء، أو يدَّعي أن الكواكب تخاطبه: كافر، كمعتقد حِله”.

وقال الخرشي رحمه الله:
“المشهور أن تعلم السحر كفر، وإن لم يعمل به”.

وقد عده النبي ﷺ من السبع الموبقات، كما في الحديث السابق:
“اجتنبوا السبع الموبقات“، وذكر منها: “السحر. والسحر يجمع بين الاعتداء على النفس والمال والعرض، فضلاً عن اعتدائه على حق الله بإشراك غيره معه، ولسوء ما يقع فيه الساحر ومن أتاه.

عقوبة الساحر
ولما كان السحر جرمًا كبيرًا، شرع له الإسلام حدًّا زاجرًا وعقابًا صارمًا، وحدُّ الساحر القتل. فقد قتلت حفصة رضي الله عنها جارية لها سحرتها.

وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر.

قال أحمد:
صح ذلك عن ثلاثة من أصحاب النبي ﷺ عن عمر وجندب وحفصة.

كما روي قتل السحرة عن عدد من الصحابة منهم عثمان وابن عمر وأبو موسى وقيس بن سعد، ومن التابعين سبعة منهم عمر بن عبد العزيز.

وقتل جندب الأزدي رضي الله عنه رجلاً يلعب بالسحر أمام الناس.

فعن أبي عثمان النهدي رحمه الله قال:
“كان عند الوليد رجل يلعب، فذبح إنساناً وأبان رأسه، فعجبنا، فأعاد رأسه كما كان. فقال الناس: سبحان الله! يحيي الموتى، ورآه رجل صالح من المهاجرين يقال له جندب الأزدي؛ فنظر إليه، فلما كان من الغد اشتمل سيفه فجاء ذلك الرجل يلعب لعبه ذلك، فاخترط المهاجري سيفه فضرب عنقه وهو يتلو: ﴿‌أَفَتَأْتُونَ ‌السِّحْرَ ‌وَأَنْتُمْ ‌تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: 3] وقال: “إن كان صادقاً فلْيُحْيِ نفسه”. (أخرجه البخاري في التاريخ، والبيهقي في الدلائل، وصححه الذهبي).

قال العلماء:
“إذا رأيت الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء، فلا تغتر به، حتى تعرض عمله على الكتاب والسنة”.

والعجيب أن الناس يُسَمُّون من يفعل هذا بالشيخ أو الفقيه أو المعالج الروحاني، وهو معالج شيطاني يسلب عقيدة المريض.

كما روى أبو يعلى بإسناد جيّد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وفي صحيح مسلم قال النبي ﷺ: “مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً.

قال النووي رحمه الله:
“معناه أنه لا ثواب له فيها”.

وقال البغوي رحمه الله:
“العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق من الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة.

والتنجيم من السحر، بدليل قوله ﷺ: “مَن اقتبَسَ شُعبةً مِن النُّجومِ، فقدِ اقتبَسَ شُعبةً مِن السِّحرِ، زاد ما زادَ”. (أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه النووي).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“فقد صرح رسول الله ﷺ بأن علم النجوم من السحر.

فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، واحذروا الإخلال بتوحيدكم، ﴿‌وَلَقَدْ ‌عَلِمُوا ‌لَمَنِ ‌اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102-103].

عبدالله محمد الحمادي
باحث شرعي

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين:
https://islamonline.net/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ad%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a8%d9%82%d8%a7%d8%aa/