الوفاءُ وحُسنُ العهد وصِلَةُ الرَّحِمِ 1352
الوفاءُ وحُسنُ العهد وصِلَةُ الرَّحِمِ

وأمَّا خلقه ﷺ في الوفاء وحسن العهد، وصلة الرحم ـ فحدثنا القاضي أبو عامر محمد بن إسماعيل بقراءتي عليه، قال حدثنا أبو بكر محمد بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الحبال، حدثنا أبو محمد بن النحاس، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن سنان، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن بديل، عن عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي الحمساء، قال: بايعتُ النبي ﷺ ببيع قبل أن يُبعث، وبقيت له بقيَّة، فوعدتهُ أن آتيهِ بها في مكانه، فنسيتُ، ثم ذكرتُ بعد ثلاثٍ، فجئتُ فإذا هو في مكانه، فقال: يا فتى، لقد شققتَ عَلَىَّ، أنا هنا منذ ثلاث أنتظرك.

وعن أنس (رضي الله عنه): كان النبي ﷺ إذا أُتِيَ بهديةٍ قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة، فإنها كانت صديقة لخديجة، إنها كانت تُحِبُّ خديجة.

وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ما غِرْتُ على امرأةٍ ما غِرْتُ على خديجة، لِمَا كنتُ أسمعهُ يذكرها، وإن كان ليذبح الشاة فيُهديها إلى خلائلها.

واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها.

ودخلت عليه امرأة، فهشَّ لها، وأحسن السُّؤال عنها، فلمَّا خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حُسن العهد من الإيمان.

ووصفه بعضهم، فقال: كان يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على مَنْ هو أفضل منهم.

وقال ﷺ: إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء غير أن لهم رحمًا سأبلها ببلالها.

وقد صلَّى عليه الصلاة والسلام بأمامة ابنة ابنته زينب يحملها على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.

وعن أبي قتادة: وَفَدَ وَفْدٌ للنجاشي، فقام النبي ﷺ يخدمهم، فقال له أصحابه: نكفيك.

فقال: إنهم كانوا لأصحابنا مُكرمين، وإني أحِبُّ أن أكافئهم.

ولَمَّا جِيءَ بأخته من الرضاعة الشيماء في سبايا هوازن، وتعرَّفت له بسط لها رداءه، وقال لها: إن أحببتِ أقمتِ عندي مُكَرَّمَة محبة، أو متعتكِ ورجعتِ إلى قومكِ فاختارت قومها فمتعها.

وقال أبو الطفيل: رأيت النبي ﷺ وأنا غلام إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه، فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: مَنْ هذه؟ قالوا: أمُّهُ التي أرضـعتـه.

وعن عمرو بن السائب ـ أن رسول الله ﷺ كان جالسًا يومًا، فأقبل أبوه من الرضاعة، فوضع له بعض ثوبه، فقعد عليه، ثم أقبلت أمُّهُ فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام رسول الله ﷺ فأجلسه بين يديه.

وكان يبعث إلى ثويبة مولاة أبي لهب مُرضعته بصلة وكسوة، فلمَّا ماتت سأل: مَنْ بَقِيَ من قرابتها فقيل لا أحَدٌ.

وفي حديث خديجة رضي الله عنها أنها قالت له ﷺ: أبشر، فوالله لا يُخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصل الرَّحِمِ، وتحملُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعينُ على نوائب الحق.

من كتاب الشفا يتعريف حقوق المصطفى
للعلامة القاضي عياض

الرابط:
https://www.azhar.eg/ProphetMohamed/ArtMID/6111/ArticleID/10490/