حُسن العِشرة والأدب وبسط الخُلُق 1351
حُسن العِشرة والأدب وبسط الخُلُق

وأمَّا حُسن عشرته وأدبه وبسط خلقه ﷺ مع أصناف الخلق فبحيث انتشرت به الأخبار الصحيحة.

قال علي (رضي الله عنه) في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة.

حدثنا أبو الحسن علي بن مشرف الأنماطي فيما أجازنيه، وقرأته على غيره، قال: حدثنا أبو إسحاق الحبال، حدثنا أبو محمد بن النحاس، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا أبو داود، حدثنا هشام أبو مروان، ومحمد بن المثنى: قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد ابن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن قيس بن سعد، قال زارنا رسول الله ﷺ ـ وذكر قصة في آخرها: فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارًاً، وطَّأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله ﷺ، ثم قال سعد: يا قيس، اصحب رسول الله ﷺ. قال قيس: فقال لي رسول الله ﷺ اركب، فأبيت. فقال: إمَّا أن تركب وإمَّا أن تنصرف، فانصرفت.

وفي رواية أخرى: اركب أمامي، فصاحب الدَّابَّة أولى بِمُقَدَّمِها.

وكان رسول الله ﷺ يؤلفهم، ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتعهد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدًاً أكرم عليه منه.

من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يردَّه إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق سواء.

بهذا وصفه ابن أبي هالة، قال: وكان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب، ولا فحاش ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يُؤْيَس منه.

وقال الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159).

وقال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (المؤمنون: 96).

وكان يجيب من دعاه، ويقبل الهدية ولو كانت كراعًا ويكافئ عليها.

قال أنس رضي الله عنه: خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قط، وما قال لشيءٍ صنعتهُ: لِمَ صنعته؟ ولا لشيء تركته: لِمَ تركته؟.

وعن عائشة (رضي الله عنها): ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله ﷺ، ما دعاه أحَدٌ من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: لبيك.

وقال جرير بن عبد الله: ما حجبني رسول الله ﷺ قط منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم.

وكان يُمازح أصحابه، ويُخالطهم ويُحادثهم، ويُداعب صبيانهم، ويُجلسهم في حجره، ويُجيب دعوة الحر والعبد، والأمَةَ والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عُذر المُعتذر.

قال أنس: ما التقم أحَدٌ أذن رسول الله ﷺ فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما أخذ أحَدٌ بيده فيُرسل يده حتى يُرسلها الآخذ، ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له.

وكان يبدأ مَنْ لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه، بالمُصافحة، ولم يُر قط مادًّا رجليه بين أصحابه حتى يُضَيِّق بهما على أحَدٍ.

يُكرمُ مَنْ يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويُؤثرهُ بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى، ويُكني أصحابه، ويدعوهم بأحَبِّ أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحَدٍ حديثه حتى يتجوَّز فيقطعه بنهي أو قيام، ويروى: بانتهاء أو قيام.

ويروى أنه كان لا يجلس إليه أحَدٌ وهو يُصَلّي إلا خفَّف صلاته، وسأله عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته.

وكان أكثر الناس تبسُّمًا، وأطيبهم نفسًا، ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب.

قال عبد الله بن الحارث: ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله ﷺ.

وعن أنس (رضي الله عنه): كان خَدَمُ المدينة يأتون رسول الله ﷺ إذا صلّى الغداة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بآنية إلا غمس يده فيها، وربما كان ذلك في الغداة الباردة ـ يريدون به التبرك.

من كتاب الشفا يتعريف حقوق المصطفى
للعلامة القاضي عياض

الرابط:
https://www.azhar.eg/ProphetMohamed/ArtMID/6111/ArticleID/10491/