أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث السادس عشر: المرحلتان الأولى والثانية للحرب غير المعلنة الثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 12:43 am | |
| المبحث السادس عشر المرحلتان الأولى والثانية للحرب غير المعلنة أولاً: المرحلة الأولى للحرب غير المعلنة 1. التطور العام لأعمال قتال الجانبين بعد أقل من أسبوع من قرار التقسيم انطلقت قوات جيش الجهاد المقدس والإنقاذ تدير أعمال القتال في شكل كمائن الطرق وأعمال القناصة ونسف وحرق المنشآت التي تأوي المؤسسات الصهيونية والمنشآت التجارية اليهودية، إلا أن ذلك النشاط لم يكن يحكمه هدف واحد واضح أو خطة مدروسة أو قيادة موحدة. وما أن حل عام 1948 حتى اشتد الصراع وارتفعت حدته بشن الغارات العربية على المستعمرات اليهودية المعزولة، ووضع الكمائن على الطرق إلى تلك المستعمرات وفرض الحصار على بعضها، كما قامت قوات المجاهدين بشن الهجمات على قوافل السيارات المتجهة إلى المناطق والمستوطنات المحاصرة.
وبعد أن أيقن الفلسطينيون أهمية التحكم في خطوط المواصلات، فإنهم جعلوا من قطع المواصلات اليهودية أهم أهداف هجماتهم فيما بين يناير ومارس 1948. وقد تركزت هذه الهجمات على المحاور الرئيسية التالية: تل أبيب ـ القدس، حيفا ـ الجليل الغربي، العفولة ـ بيسان، بالإضافة إلى كل الطرق المؤدية إلى مستعمرات النقب أما على الجانب اليهودي، فكان أكثر ما أزعج القيادة الإسرائيلية في تلك المرحلة هو تدهور الموقف العسكري في المناطق التي يشكل اليهود أقلية فيها، وانقطاع المواصلات البرية مع المستعمرات النائية في النقب والتي بلغ عددها 27 مستعمرة. فبنهاية شهر مارس تم عزل مستعمرات "عتصيون" الأربعة في تلال الخليل كما أصبح النقب والقدس وأجزاء من الجليل الغربي معزولة عن التجمعات اليهودية الرئيسية، وكانت القوات المدافعة تقاتل قتالاً يائساً من أجل البقاء. وعلى الرغم من أن المنطق العسكري كان يقضي بتقصير خطوط المواصلات إلا أن بن جوريون ـ الذي تولى منذ بداية الحرب زمام إدارتها بصفته قائدها السياسي وموجهها الإستراتيجي ـ أصدر توجيهاته إلى قيادة الهجناه بضرورة التمسك بكافة الأراضي والمستعمرات اليهودية مهما كان الثمن، مما فرض عبئاً عسكرياً ثقيلاً على قيادة الهجناه، بإرغامها على الاحتفاظ بخطوط مواصلات وإمدادات طويلة معرضة للهجمات العربية المستمرة، وقد حاولت تلك القيادة استغلال وضع هذه المستعمرات لامتصاص جزء من الضغط العربي بعيداً عن التجمعات اليهودية في السهول، واتخاذها قواعد لشن حرب عصابات خلف الخطوط العربية، وعدتها أهدافاً نائية يلزم بلوغها عندما يحين الوقت للتحول للهجوم من أجل احتلال المنطقة العربية بأسرها. وكانت الإستراتيجية اليهودية في هذه المرحلة تقضي باتخاذ وضع الدفاع والتمسك بالأراضي التي يسيطرون عليها وربطها ببعضها قدر المستطاع لإقامة وضع عسكري مقبول يسمح بمواجهة الجيوش العربية عند تدخلها. إلا أن تلك الإستراتيجية لم تمنع الهجناه والمنظمات الإرهابية من القيام ببعض الهجمات الانتقامية على بعض القرى العربية، وشن حرب المتفجرات ضد بعض المراكز العربية في الأحياء السكنية مثلما حدث في يافا يوم 5 يناير 1948 وفي القدس في اليوم التالي، رداً على الهجمات العربية على قوافل الحماية.
2. معارك المستعمرات أ. معركة "كفار صولد" بدأت أولى المحاولات العربية للاستيلاء على القرى والمستعمرات اليهودية المعزولة في العاشر من يناير 1948، ففي صباح ذلك اليوم عبرت كتيبة اليرموك الأولى المكونة من 200 مقاتل ـ من قوات جيش الإنقاذ بقيادة أديب الشيشكلي ـ الحدود السورية الفلسطينية، وهاجمت مستعمرة "كفار صولد "الواقعة جنوب الحدود مباشرة، وعلى مسافة 35 كم شمال بحيرة طبرية. وقد نجحت الكتيبة في مفاجأة القوة المدافعة عن المستعمرة واحتلال قسم كبير منها، إلا أن القوة البريطانية المدرعة التي أرسلها القائد البريطاني لشمال فلسطين على وجه السرعة أجبرت الكتيبة العربية على إخلاء المستوطنة والعودة إلى داخل الحدود السورية.
ب. معركة "كفار عتصيون"[1] بعد أربعة أيام من الهجوم السابق لكتيبة جيش الإنقاذ، قامت كتيبة من جيش الجهاد المقدس بقيادة عبدالقادر الحسيني بالهجوم على مستعمرات "كفار عتصيون" الأربعة الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة القدس بنحو 25 كم. وقامت الكتيبة العربية في البداية بعزل المستعمرات الأربعة وقطع طريق الإمداد البري إليها يوم 14 يناير، ولم يبق من وسيلة اتصال بها سوى طائرات السلاح الجوي الخفيفة، وقد وجهت الكتيبة العربية هجومها الرئيسي إلى كفار عتصيون بينما قامت بعض قواتها بهجوم مخادع على "مسؤوت اسحاق" و"عين تسوريم". وتصاعد القتال بضراوة وتكبد الجانبان خسائر كبيرة، مما اضطر قيادة لواء "عتصيوني" بالقدس إلى دفع قوة تبلغ نحو 200 جندي من قوات البالماخ لنجدة المستعمرات المحاصرة، وبينما كانت قافلة تلك القوة تشق طريقها عبر تلال الخليل فجر 16 يناير حاصرتها القوات العربية بقيادة المجاهد إبراهيم أبو دية، وبعد أن طالبت القوات الأخيرة بالتسليم دون جدوى اقتحمت تلك القوات التل الذي احتمت به القوة اليهودية مع غروب شمس ذلك اليوم واستولت على القافلة اليهودية وأسرت جميع أفرادها.
ج. معركة "طيرة تسفي" قامت قوة من جيش الإنقاذ فجر يوم 16 فبراير بمهاجمة مستعمرة "طيرة تسفي" الواقعة على مسافة 30 كم جنوب بحيرة طبرية على الضفة الغربية لنهر الأردن، وبمجرد أن أطبقت تلك القوة على المستعمرة احتدم القتال حتى أشرفت المستعمرة على السقوط، لولا تدخل القوات البريطانية التي أنذرت القوة العربية بإيقاف الهجوم على المستعمرة، ولما كانت قيادة قوات الإنقاذ في المنطقة غير مستعدة للتورط في قتال مع القوات البريطانية، قد أمرت قواتها بإيقاف الهجوم وفض الاشتباك والعودة إلى قواعدها في السامرة.
3. معارك خطوط المواصلات مع تتابع شهر فبراير بدأت سلطة الانتداب تتقلص تدريجياً وزاد العرب من ضغطهم على المستعمرات اليهودية وأكثروا من إقامة الكمائن على طرق المواصلات الموصلة إليها. الأمر الذي أدى إلى معاناة تلك المستعمرات من نقص المؤن واضطرار قيادة الهجناه إلى تسيير القوافل المحمية بالعربات المدرعة وبعثرة جهودها في عدة اتجاهات لإمداد تلك المستعمرات مما أضعف قدرتها على العمل في وقت كانت تعيد فيه تنظيم قواتها وتقوم بتشكيل وحداتها الجديدة التي كانت تتطلبها عملياتها المقبلة. وشهد شهر مارس تزايد الضغط العربى على خطوط المواصلات اليهودية، ففى السابع عشر من ذلك الشهر دارت معركة "الدهيشة" بين القدس والخليل حيث قُتل بضع مئات من اليهود وأسر المجاهدون الفلسطنيون 350 أسيراً وغنموا أسلحتهم وذخائرهم، فضلا عن الاستيلاء على 150 عربة كان بعضها مصفحا بدروع محلية. وفى الرابع والعشرين من مارس، وقعت قافلة يهودية فى كمين عربى على طريق تل أبيب القدس، أسفر عن تدمير 12 عربة من تلك القافلة. وعندما حاولت قيادة الهجناة تسيير قافلة جديدة في اليوم التالي جرى تدمير خمس عربات أخرى، كما وقعت قافلة أخرى في كمين عربي في نفس اليوم قرب عطاروت أسفر عن مقتل أربعة عشر فرداً من أفرادها. وفي السابع والعشرين من نفس الشهر دفعت قيادة الهجناه بقافلة كبيرة كانت تضم تسع عشرة عربة مدرعة وثلاثاً وثلاثين من عربات النقل وحافلة لإمداد مستعمرات كفار عتصيون الأربعة ـ التي كانت على شفا المجاعة ـ بالأطعمة والوقود والذخائر التي كانت في أمس الحاجة إليها، منذ أحكم حصارها جيش الجهاد المقدس في منتصف يناير. ووصلت القافلة سالمة إلى المستعمرات المنهكة، إلا أن عودتها لم تكن بنفس القدر من السلامة بعد أن وضع المجاهدون العوائق على طريق تقدمها، وقد نجحت القافلة في إزالة ست منها إلا أن الصخور الضخمة للعائق السابع أجبرت عربة الإزالة على الخروج عن الطريق فسقطت منقلبة في حفرة جانبية، وما لبث الرصاص أن انهال على القافلة يمزق أفرادها، وقبل الغروب كانت القافلة في حالة يُرثى لها من التعب واليأس بعد أن جُرح أغلب أفرادها وقُتل البعض الآخر، وعندما بدأت تنهمر عليهم قنابل المولوتوف فر القادرون منهم على السير إلى الحقول المجاورة يختبئون خلف أشجارها، ولم ينقذهم من الوقوع في الأسر سوى وقوع الظلام. وفي صباح اليوم التالي أرسلت القيادة البريطانية في القدس قوة مدرعة لإنقاذ من تبقى حياً من القافلة، إلا أن القيادة العربية أصرت على أن يلقوا السلاح أولاً وتُغنم عرباتهم قبل أن تسمح للبريطانيين باصطحابهم إلى القدس الجديدة. وفي 28 مارس قضت قوات الجهاد المقدس على قافلة يهودية أخرى كانت في طريقها إلى مستعمرة "يحيام" في الجليل وقتلت 40 فرداً منها. وقد لاقت قافلتان أخريان نفس المصير عندما حاولتا التسلل إلى القدس تحت جنح الظلام. وبانتهاء شهر مارس كان جيشا الإنقاذ والجهاد المقدس قد كبدا القوات اليهودية 1200 قتيل، إلا أن تلك الخسائر لم تضع هباء فقد وفرت لقيادة الهجناه وقتاً ثميناً كانت في أمس الحاجة إليه لإعادة تنظيم وتعبئة قواتها وجلب ما تستطيع من الأسلحة والمهاجرين من الخارج حتى يمكنها التحول للهجوم وتنفيذ "الخطة د"، التي ألقت على ألوية الهجناه مهمة انتزاع المبادأة من العرب والاستيلاء على الهيئات الحاكمة التي تسيطر على محاور التقدم وعلى الفراغ الذي تخلفه القوات البريطانية المنسحبة. وتوقف موعد تنفيذ تلك "الخطة د" على وصول الأسلحة والذخائر والمجندين من الخارج واستكمال استعداد ألوية الهجناه للعمل.
4. استخدام القوة الجوية في أولى المراحل الفرعية للحرب غير المعلنة منذ اندلاع القتال بين المنظمات العسكرية الصهيونية وجيشا الإنقاذ والجهاد المقدس، لعبت القوة الجوية الإسرائيلية الوليدة أولى أدوارها في الصراع المسلح ضد الفلسطينين والمتطوعين العرب الذين لم يتوفر لهم مثل هذا السلاح، بل أن أفضل أسلحتهم لم يكن يتجاوز بنادق ورشاشات الحرب العالمية الثانية. فمع الأيام الأولى للحرب غير المعلنة، قام السرب الأول بأولى أعماله القتالية ضد جماعة من العرب قرب "كيبوتس نباطيم" في السابع عشر من ديسمبر 1947. وتعددت استخدامات القوة الجوية تبعاً للإستراتيجية التي أملتها المتطلبات السياسية التي قررتها القيادة الصهيونية العليا في فلسطين، فقد أدى القرار السياسي بالاحتفاظ بالمستوطنات النائية والمنعزلة رغم إحاطة المناطق العربية بها وسيطرتهم على الطرق الموصلة إليها ـ إلى البحث عن وسائل بديلة لإمداد المستعمرات المحاصرة وإخلاء الجرحى منها، فضلاً عن فتح الطرق إليها. "وسرعان ما تبين أن المعاونة لهذه المستوطنات لا يمكن إرسالها إلا بطريق الجو". ولعل أبرز الأمثلة على استخدام طائرات القوة الجوية في تحقيق الاتصال بالمستعمرات المحاصرة وإمدادها وإخلاء جرحاها، هو ما قامت به تلك القوة حيال مجموعة مستعمرات "عتصيون" قرب القدس. ففي البداية "كان يتم إلقاء الأسلحة وخصوصاً الذخائر، ومواد بناء، وأدوية طبية بالمظلات من طائرات الهجناة". وبعد ذلك تم تمهيد مدرج لهبوط وإقلاع الطائرات، "وبدأت الطائرات تحط يومياً، إذا سمحت حالة الطقس بذلك، جالبة ذخائر وأسلحة، ومنقذة المرضى والجرحى". ولم تكن مستوطنات النقب أسعد حالاً من سابقتها، "فبنهاية شهر مارس وجدت المستوطنات في منطقة النقب نفسها معزولة بالكامل عن البلاد". وقامت القوة الجوية بعمل ما يمكنها، إلا أن ما كان يمكن تحقيقه بالطائرات المتيسرة كان قليلاً جداً. كما كان سائقو القوافل يتنفسون الصعداء عندما يرون طائرات "الأوستر" تستطلع الطريق أمامهم وتبلغ عن الكمائن العربية، ومهما يكن الأمر، فقد عادت كل الإمدادات والمواصلات المنتظمة إلى القوة الجوية". ومع سيطرة العرب على طرق المواصلات الرئيسية وجدت قيادة الهجناة الحل في تيسير قوافل السيارات المدرعة، ترافقها الطائرات لاستطلاع الطرق أمامها. إلا أن ذلك لم يمنع قوات المجاهدين من نصب الكمائن وتدمير القوافل اليهودية طوال شهر مارس على نحو ما سبق.
ثانياً: المرحلة الثانية للحرب غير المعلنة 1. التطور العام لأعمال قتال الجانبين بنهاية شهر مارس كانت مناطق عديدة في فلسطين قد خلت من القوات البريطانية التي بدأت انسحابها مبكراً، وما تبقى من تلك القوات لم يكن قادراً ولا راغباً في تدخل يعوق انسحابه من هذا البلد، وحتى المرات التي تدخلت فيها القوات البريطانية خلال هذه المرحلة لم يكن تدخلها يحمل طابع الحسم، ولم يتصرف البريطانيون كأصحاب السلطة في ذلك البلد، وإنما كوسطاء للتهدئة والتوصل إلى حلول وسطى تضمن سلامة مصالحهم الحيوية وطرق انسحابهم من فلسطين، وأوجد انكماش السلطة البريطانية فراغاً عملت الوكالة اليهودية على ملئه قبل أن تسبقها إلى ذلك القوات العربية. واستغلت القيادة اليهودية وصول نسبة كبيرة من شحنات السلاح التي تعاقدت عليها في أواخر مارس وأوائل أبريل لتصدر أوامرها بالتحول للهجوم وتنفيذ "الخطة د"، وكان تأمين التجمع اليهودي في منطقة القدس وتحقيق الاتصال به أحد الأهداف الرئيسية لتلك الخطة لرفع المعاناة اليهودية في المدينة المقدسة والمناطق المحيطة بها. وعلى ذلك بدأت قوات الهجناه أولى عملياتها الهجومية "العملية نخشون" في الثالث من أبريل لإنهاء عزلة منطقة القدس وتحقيق الاتصال بها، وبنهاية يوم 10 من نفس الشهر كانت قوات الهجناه قد حققت الاتصال بمنطقة القدس وفتحت ممراً لإمدادها، إلا أنه سرعان ما أعادت قوات الجهاد حصارها للقدس يوم 18 من نفس الشهر. مما أجبر قيادة الهجناه على القيام بعملية جديدة للسيطرة تماماً على طريق القدس. وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه العملية "نخشون" كانت قوات المنظمتين الارهابيتين "الايتسل" و "ليهي" تقومان بمذبحتهما الشهيرة في قرية دير ياسين ضد السكان العزل يوم 9 أبريل، مخلفة وراءها 254 قتيلاً. وقد استهدفت تلك المذبحة ترويع عرب فلسطين وإجبارهم على الفرار من قراهم لتفريغ الدولة العبرية من السكان العرب والاستيلاء على ممتلكاتهم. وانتهز القاوقجي فرصة انشغال قيادة الهجناه بمتابعة "العملية نخشون" لشن هجوم كبير في الثالث من أبريل للاستيلاء على مستعمرة "مشمار هاعيمك" ووضع نهاية للإغارات اليهودية على القوافل العربية المتجهة إلى حيفا وتأمين نقطة وثوب لأعمال قتاله التالية. إلا أن جيش الإنقاذ لم يحقق أهدافه بالرغم من تكرار ذلك الهجوم يوم 12 أبريل. وخلال شهر أبريل بدأت الكفة تميل لصالح قوات الهجناه التي نجحت في استخدام قوات كبيرة لم يسبق استخدامها من قبل خلال عمليتي "نخشون" و"مشمار هاعيمك"، ففي العملية الأولى استخدمت قيـادة الهجناه مجموعة لواء، وفي الثانية استخدمت قوة تعادل كتيبتين. وفي منتصف أبريل استولت وحدات اللواء "جولاني" على مدينة طبرية بعد جلاء القوات البريطانية عنها، وأجبرت سكانها العرب على الجلاء عن المدينة واللجوء إلى شرق الأردن، الأمر الذي كان بداية مأساة اللاجئين الفلسطينيين. وفي 28 أبريل استعد إيجال آلون للاستيلاء على مدينة صفد وفك الحصار عن الحي اليهودي في المدينة الذي كان محاصراً منذ شهر فبراير. وعلى أثر إخلاء القوات البريطانية لمواقعها في مدينة حيفا يوم 21 أبريل بدأ لواء "كرملي" هجوماً ناجحاً على الأحياء العربية انتهى بالاستيلاء على المدينة يوم 31 أبريل. وفي الوقت الذي كانت قوات الهجناه تهاجم فيه حيفا، شنت قوات منظمة "الايتسل" هجوماً فاشلاً على مدينة يافا في 25 أبريل، أعقبه هجوم ثان ناجح بواسطة قوات "الهجناه" ومنظمة "الأيتسل" انتهى بسقوط المدينة في أيدي القوات اليهودية يوم 13 مايو. وبينما كان لواء "كرملي" يحكم قبضته على مدينة حيفا قام لواء يفتاح بقيادة إيجال آلون بإعادة تنظيم أوضاع قواته في الجليل الشرقي استعداداً لمواجهة الجيوش العربية المنتظر تدخلها في منطقة مسؤوليته على امتداد بحيرة طبرية والحدود السورية اللبنانية، وعلى ذلك قام آلون باحتلال المناطق العربية الحاكمة في المنطقة للسيطرة على خطوط المواصلات فيها وكانت صفد بحكم موقعها المرتفع المتميز أحد الأهداف الرئيسية التي كان على آلون الاستيلاء عليها لإحكام سيطرته على المنطقة، وفور انسحاب القوات البربيطانية من الجليل الشرقي يوم 28 أبريل بدأ اللواء "يفتاح" هجومه لتطهير المنطقة تمهيداً للانقضاض على صفد. وفي السادس من مايو شنت القوات اليهودية هجومها على المدينة إلا أنها لم تستطع الاستيلاء عليها إلا في صباح 13 مايو.
ولما كانت قوات الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ في منطقة القدس قد أعادت غلق الطريق إليها، فقد حاولت قيادة الهجناه إعادة فتح الطريق قبل أن تتدخل الجيوش العربية في القتال، وحشدت لذلك قوات اللوائين هارئيل وجعفاتي اللذين شنا هجوماً على الهيئات والقرى العربية المتحكمة في الطريق ابتداءاً من 9 مايو إلا أنها واجهت مقاومة شرسة واضطرت للانسحاب يوم 13 مايو. ولكنها عندما كررت الهجوم ليلة 13/14 مايو نجحت في الاستيلاء على بعض القرى العربية في المنطقة، إلا أنها لم تستطع النفاذ إلى القدس قبل يوم 18 مايو.
2. الصراع على طرق المواصلات أ. العملية "نخشون" (اُنظر خريطة طريق تل أبيب ـ القدس) و(شكل العملية نخشون) مع نهاية مارس 1948 أصبح موقف التجمع اليهودي في القدس ميئوساً منه بعد أن تزايد الحصار العربي للمدينة وأوشكت المؤن الغذائية على النفاذ، وكان هناك نحو مائة ألف يهودي في القدس الجديدة وألفين وخمسمائة آخرين في القدس القديمة يعتمدون على إمدادهم بالمياه ومواد الإعاشة من السهل الساحلي ومنطقة تل أبيب بينما كان العرب يسيطرون على سفوح الجبال المسيطرة على المنطقة بين الأخيرة والعاصمة. كما كانت المستعمرات اليهودية المنتشرة شمال القدس على طريق رام الله معزولة تماماً عن القدس، وبالمثل كانت الجامعة العبرية فوق جبل المكبر ومستشفى هداساً مقطوعتين عن المدينة الجديدة. وإزاء هذا الوضع الحرج، رأي "بن جوريون" أنه لابد من عملية كبيرة لفتح الطريق إلى القدس، حيث كان أي فشل في هذه المدينة سيكون بمثابة ضربة قاتلة للمخطط الصهيوني في فلسطين والروح المعنوية للتجمع اليهودي فيها. وعلى ذلك استهدفت عملية نخشون فتح ممر إلى القدس يراوح عرضه بين عشرة كيلومترات على جانبي الطريق في المنطقة الساحلية واثني كيلو متراً في المنطقة الجبلية. وحشدت قيادة الهجناه لهذه العملية مجموعة لواء قوتها 1500 مقاتل مشكل من كتيبة من اللواء "هارئيل" بقيادة عوزي نركيس، وكتيبة من اللواء جعفاتي، وبعض عناصر من اللواء "كرياتي" وسرية من اللواء "عتصيوني"، وأسندت قيادة تلك القوة إلى العقيد شيمون أفيدان قائد اللواء جعفاتي. وقسمت مسؤولية العمل بين القوات المخصصة للهجوم، فوقع على الكتيبة الأولى تطهير المنطقة الممتدة من القدس حتى اللطرون والسيطرة على النقاط الحاكمة في هذا القطاع، بينما كان على الكتيبة الثانية تطهير المنطقة الممتدة من خلدة حتى اللطرون، مع الاحتفاظ بالكتيبة الثالثة كاحتياطي عام. وبمجرد تأمين الطريق كان على أفيدان أن يتحرك على رأس قافلة إمداد كبيرة (60 عربة نقل محملة بالمؤن والتعزيزات العسكرية) إلى القدس لتزويدها باحتياجاتها من مواد الإعاشة والذخائر. وما أن وصلت أولى شحنات الأسلحة المشتراة من تشيكوسلوفاكيا (200 رشاش و 4500 بندقية) في أوائل أبريل حتى قرر بن جوريون الإسراع بتنفيذ العملية نخشون، إلا أنه كان على قوات الهجناه أن تقوم قبل ذلك بعمليتين، الأولى قرب صرفند والثانية غرب القدس. ففي العملية الأولى قامت وحدة كوماندوز من الهجناه بنسف مقر قيادة المجاهد حسن سلامة الذي كان يقود قوات الجهاد المقدس في منطقة الرملة لضمان عدم تدخل تلك القوات في القطاع الغربي للعملية نخشون. أما العملية الثانية فكانت تستهدف احتلال القسطل وتأمين "موتسا" غرب القدس لضمان حرية المرور إلى "كريات عنافيم" والذي كانت تتحكم فيه قرية القسطل من موقعها المرتفع. وفي ليلة 3 أبريل تحركت قوة من البالماخ من كيريات عنافيم ونجحت في احتلال القرية وسلمتها إلى قوة من اللواء عتصيوني قدمت من القدس صباح يوم 3 أبريل إلا أن قيادة قوات الجهاد المقدس في المنطقة حشدت بعض قواتها جنوب القسطل وبدأت تضغط على القوة اليهودية فيها، مما دفع قيادة اللواء عتصيوني إلى تعزيز قواتها المدافعة في "القسطل" بباقي الاحتياطي المتوفر لديها، بعد أن رفضت قيادتا "الأيتسل" و"ليهى" ـ اللتان كانتا تعدان للإغارة على دير ياسين ـ الاستجابة لطلبها من أجل دعم الدفاع عن القسطل. وعندما بدأت العملية الرئيسية ليلة 5 أبريل نجحت كتيبة "جعفاتي" في احتلال قريتي خلدة ودير محيسن اللتين كانتا تتحكمان في طريق القدس شرق اللطرون في الوقت الذي قامت فيه كتيبة هارئيل بالهجوم على قرية دير محسير على مرتفعات باب الواد[2]، مما سمح للعقيد أفيدان بثغرة في الطريق لتمرير أولى قوافل الإمداد إلى القدس متجاوزاً مقاتلي هارئيل الذين كانوا يحاولون السيطرة على مرتفعات باب الواد، ولكن كتيبة هارئيل تعثرت في هجومها، فقد وُوجهت بمقاومة عنيفة من قوات الجهاد المقدس، وردت كل هجماتها على ساريس وبيت محسير، في الوقت الذي تمكن فيه المجاهدون من تعزيز مواقعهم بين قولونيه وموتزا غرب القدس. أما في منطقة القسطل فقد دارت فيها واحدة من أعنف المعارك في تلك الحرب امتدت عدة أيام وتبادل فيها الطرفان القرية عدة مرات، وتحملا خسائر جسيمة، وقضى المجاهدون تماماً على أحد سرايا لواء عتصيوني التي لم ينج منها سوى ضابط صف واحد، في الوقت الذي كان فيه عبدالقادر الحسيني في دمشق يبحث مع اللواء إسماعيل صفوت إمداد قواته بالأسلحة والذخائر التي أوشك مخزون قواته منها أن ينضب. وما أن عاد عبدالقادر الحسيني يوم 6 أبريل وألم بالموقف حتى أعد لهجوم مضاد قاده بنفسه ليلة 7/8 من نفس الشهر، واستمر تصاعد القتال بضراوة حول القسطل حتى التاسع من أبريل عندما أُجبرت بقايا القوات اليهودية في القسطل على الانسحاب بعد أن قتل كل قادتها باستثناء أحد قادة القطاعات. إلا أن الموقف انقلب فجأة في اللحظة الأخيرة، فقد قُتل عبدالقادر الحسيني عندما اقترب من موقع ظن أنه أصبح تحت سيطرة القوات العربية. وفترت بموته همة المقاتلين الذين تركوا مواقعهم لتشييع جنازته، ولم يبق في القسطل سوى 50 مجاهداً، فلما عاودت قوات البالماخ الهجوم يوم 10 أبريل لم يكن صعباً عليها التغلب على هؤلاء المجاهدين الذين قاربت ذخائرهم على النفاد، وما أن استعادت القوات اليهودية السيطرة على القسطل حتى كانت القافلة الثانية تأخذ طريقها إلى القدس في نفس اليوم.
ب. العملية "هارئيل" قبل أن تنتهي العملية نخشون تحولت مسؤولية استمرار فتح وتأمين طريق تل أبيب/ القدس إلى "إسحاق رابين" قائد لواء هارئيل المشكل حديثاً من كتيبتي بالماخ، بعد أن تم تدعيمه بكتيبة هجناه من لواء "جعفاتي" من أجل هذه العملية، ولتأمين استمرار فتح الطريق شنت قوات رابين عدة هجمات على القرى العربية التي تهدد القوافل اليهودية فاحتلت ودمرت قرى ساريس وبدو وبيت سوريك في الفترة ما بين 12 و 17 أبريل. الأمر الذي سمح لرابين بتمرير ثلاثة قوافل إضافية إلى القدس تشمل نحو 250 عربة. وفي الوقت الذي كانت تجرى فيه الأحداث السابقة، كانت القوات اليهودية المعزولة في جبل المكبر تتمسك بمواقعها بمساعدة الإمدادات التي كان يجري تسريبها إليها بشكل غير منتظم. وعندما تحركت إحدى القوافل اليهودية لإمداد تلك المواقع يوم 13 أبريل سد المجاهدون طريقها عند حي الشيخ جراح وانهالوا عليها بالنيران، وبعد نحو سبع ساعات تم اكتساح دفاعات القافلة وغنم المجاهدون عرباتها بما تحمله من إمدادات وذخائر وانتهى الأمر بسقوط أفرادها السبعة والسبعين بين قتيل وأسير.
ج. العملية "يبوس" بانتهاء العملية هارئيل يوم 17 أبريل كانت القوافل التي نجحت في المرور إلى القدس خلال العمليتين السابقتين قد خففت أزمة الإمداد الخانقة بالنسبة للتجمعات والقوات اليهودية في القدس القديمة والجديدة وزادت من قدرتها على الصمود، على أن الغوث لم يستمر طويلاً فسرعان ما أُغلق الطريق إلى القدس مرة أخرى. فقبل أن يمر يوم واحد على انتهاء العملية هارئيل حتى كان المجاهدون العرب قد استولوا يوم 18 أبريل على مستشفى اوجستا فكتوريا فوق جبل سكوبي وقرية الزاوية بالقرب من الجامعة العبرية، كما بثوا عدداً من الكمائن بينها وبين القدس. ومع اقتراب موعد الانسحاب البريطاني من القدس واستمرار شن الهجمات العربية لم تصبح فقط المواقع اليهودية الأمامية (شمال المدينة القديمة) عرضة للاجتياح، بل إن المدينة الجديدة نفسها أصبحت عرضة للخطر. وبناءاً على طلب "دافيد شلاتيل" قائد لواء "عتصيوني" ومسؤول الدفاع عن القدس تعزيزه بقوات إضافية، قررت قيادة الهجناه إعادة اللواء هارئيل إلى المنطقة لدعم حامية القدس وأسندت قيادة القوات المشتركة إلى "إسحاق صادية"، الذي تحرك يومي 20 أبريل على رأس قافلة من 302 عربة تحمل قوات اللواء هارئيل ومزيداً من الإمدادات إلى قوات القدس، وصاحبهم في هذه الرحلة دافيد بن جوريون رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، الذي كان يريد أن يطمئن بنفسه على الأوضاع في القدس. وبمجرد دخول القافلة المنطقة الجبلية عند باب الواد وقعت في كمين أعده لها المجاهدون على امتداد اثني كيلو متر من الطريق وأوقعوا بها خسائر جسيمة، كما فشل الهجوم المضاد الذي قامت به مجموعة العربات المدرعة التي كانت تحمي القافلة. إلا أن كثافة نيران القوات في القافلة حالت دون اقتراب المجاهدين منها، إلى أن جاءت في المساء تعزيزات يهودية جديدة من القدس ساعدت على تخليص الجزء الأمامي من القافلة الذي واصل طريقه إلى القدس، بينما اضطر القسم الخلفي منها إلى العودة إلى مستعمرة خلدة دون أن يتمكن من المرور. وهكذا أُغلق الطريق ثانية وفُرض الحصار على اليهود في القدس مرة أخرى. وبوصول إسحاق صادية ومعه 700 من قوات هارئيل إلى العاصمة قرر استخدام قوات هذا اللواء فضلاً عن لواء عتصيوني لفك الحصار المضروب على القدس الجديدة والحي اليهودي في القدس القديمة وتحقيق الاتصال مع المستعمرات اليهودية شمال وجنوب المدينة، وذلك بالاستيلاء ـ كخطوة أولى ـ على الهيئات والمواقع العربية التي تسيطر على القدس وما يجاورها وهى، النبي صموئيل وشعفاط في الشمال، والشيخ جراح ومستشفى أوجستا فيكتوريا في الشمال الشرقي، والقطمون في الجنوب. واشتملت خطة العملية "يبوس" على دق ثلاثة أسافين رئيسية، الأول في اتجاه النبي صموئيل الواقعة فوق أعلى قمم جبال اليهودية لفتح الطريق إلى مستعمرتي النبي يعقوب وعتاروت المعزولتين في شمال مدينة القدس والثاني في اتجاه الشيخ جراح لتحقيق الاتصال مع المواقع اليهودية على جبل المكبر، والثالث في اتجاه حي القطمون لتحقيق الاتصال بميكور حاييم (الحي اليهودي) جنوب القدس القديمة، مع تأمين الاتصال بكتلة المستعمرات اليهودية جنوب القدس. وبدأت أولى مراحل العملية بهجوم اللواء "هارئيل" بقيادة إسحاق رابين ليلة 21/22 أبريل لدق الإسفين الأول. وبالرغم من نجاح رابين في الاستيلاء على بيت اكسا والشوفات في طريقه إلى النبي صموئيل، إلا أن قواته تعثرت عندما بدأت تقترب من هدفها الأصلي، حيث أخذت كمائن المجاهدين تفتك بتلك القوات والتعزيزات التي أرسلت لتدعيمها، واضطرت القوات اليهودية في النهاية إلى الانسحاب بعد تكبدها خسائر جسيمة. وبذا ظلت عتاروت والنبي يعقوب معزولتين. وفي ليلة 26 أبريل بدأت المرحلة الثانية للعملية بالهجوم على حي الشيخ جراح، ودار القتال عنيفاً طوال الليل من منزل إلى منزل، ونجحت قوات الجهاد المقدس التي استماتت في الدفاع عن الحي إلى إجبار القوات اليهودية على الارتداد مدحورة إلى المدينة الجديدة[3]. وعندما عاود اللواء هارئيل الهجوم يوم 28 أبريل للاستيلاء على مستشفى فكتوريا وقرية الطور المجاورة لقطع الطريق على قوات الجهاد المقدس بين أريحا والقدس قوبل بوابل من النيران أجبرته على الارتداد مرة أخرى دون أن يحقق أهدافه[4]. وفي اليوم التالي بدأت المرحلة الثالثة بهجوم كتيبتي اللواء "هارئيل" على حي "القطمون" الذي كان يدافع عنه المتطوعون العراقيون في جيش الإنقاذ، وبعد قتال عنيف تمكنت قوات البالماخ خلال الليل من احتلال دير سان سيمون الذي كان المتطوعون العراقيون يتخذونه قاعدة لهم، ولكنها في الصباح تعرضت لسلسة من الهجمات المضادة الضارية من جانب القوات العراقية وبعض قوات الجهاد المقدس، وبصعوبة شديدة تمكنت قوات الهجناه من الصمود في الدير حتى وصلتها كتيبة من لواء عتصيوني قامت بتأمين الموقع، وعندما انتهت معركة الدير كانت كتيبة البالماخ التي استلوت عليه قد فقدت 40 قتيلاً و 60 جريحاً. وبالاستيلاء على الدير وتأمينه واصلت كتيبة اللواء هارئيل الأخرى اقتحام حي القطمون بالتعاون مع كتيبة "عتصيوني" التي قامت بتعزيزها. وفي صباح أول مايو اتصلت القوات المهاجمة بحي "ميكور حاييم" المعزول. وبانتهاء العملية يبوس فإنه يمكن القول أن قوات صادية لم تحقق إلا هدفاً واحداً من جملة الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها، بينما لازمها الفشل بالنسبة لباقي الأهداف، وهو ما يرجعه حاييم هيرزوج إلى التوقيت السيئ لهذه العملية.
د. العملية "مكابي" إزاء استمرار عزل منطقة القدس عن السهل الساحلي، قررت قيادة الهجناه القيام بعملية جديدة أطلقت عليها اسم "مكابي" لفتح طريق القدس/ تل أبيب باستخدام اللواء "هارئيل" من غرب القدس لتطهير المنطقة شرق اللطرون بينما يقوم اللواء "جعفاتي" بتطهير المنطقة من خلدة حتى اللطرون، وكانت بعض قوات جيش الجهاد المقدس والإنقاذ تحتل بلدة اللطرون وقرية بيت محسير اللتين كانتا تتحكمان في الطريق عند سفوح المرتفعات بمنطقة باب الواد. وبدأ اللواءان تحركهما يوم 9 مايو طبقاً للخطة، وتقدمت قوات اللواء "جعفاتي" بنجاح واحتلت المواقع المسيطرة على الطريق من خلدة حتى غرب اللطرون حيث تعثرت نتيجة للقصف المدفعي العربي لجيش الإنقاذ الذي حال دون تقدمها للالتقاء بقوات اللواء "هارئيل" شرق اللطرون. ولم يكن اللواء "هارئيل" أفضل حالاً فقد انهالت عليه النيران العربية طوال الفترة من 9 إلى 11 مايو فحالت دون وصوله إلى أهدافه في باب الواد، ولم تستطع قوات اللواء هارئيل من الاستيلاء على قرية بيت محسير العربية إلا صباح يوم 12 مايو بعد أن تعثرت أمامها ثلاث ليال كاملة تكبدت فيها خسائر جسيمة لم تسمح لها باستكمال مهمتها التي كانت تقضي باحتلال قرية دير أيوب. وعندما تحولت قوات الجهاد المقدس إلى الهجوم المضاد بمعاونة مدفعية القاوقجي التي كانت تعاونها صدرت الأوامر في حالة من اليأس إلى قوات اللواء جعفاتي بإرسال بعض مصفحاته لاختبار الطريق، فانهالت عليها نيران قوات جيش الإنقاذ التي نجحت في احتلال المرتفع المطل على اللطرون وأوقعت بها خسائر جسيمة أجبرتها على التراجع، ولم يكن حظ كتيبة جعفاتي التي تحركت يوم 13 أبريل لاحتلال معسكر الأسرى السابق في اللطرون بأفضل من سابقتها، حيث أجبرت تلك الكتيبة على التراجع تحت ضغط نيران جيش الإنقاذ. وإزاء هذا التعثر في منطقة اللطرون أصبح الهدف الأساسي للعملية "مكابي" هو الاستيلاء على اللطرون وأسندت قيادة الهجناه هذه المهمة إلى "أفيدان" قائد اللواء جعفاتي، الذي قرر التخلي عن أسلوب الهجوم المباشر والقيام بعملية تطويق لمنطقة اللطرون من ناحية الغرب لقطع طريق رام الله / اللطرون، وبذلك تمكنت قوات اللواء جعفاتي من الاستيلاء على بلدة جزر ليلة 13/14 مايو، وبصباح 15 من نفس الشهر كانت قوات أفيدان قد استولت على قريتي أبو شوشة والقباب. وما أن وصلت أنباء دخول الجيش المصري فلسطين من الجنوب في نفس اليوم حتى تم تحويل قوات اللواء جعفاتي إلى اجبهة الجنوبية باستثناء إحدى كتائبه التي بقيت في المنطقة في الوقت الذي أرخى فيه القاوقجي قبضته على اللطرون لتحوله إلى منطقة المثلث تنفيذاً للأوضاع العربية الجديدة بعد تدخل الجيوش العربية، الأمر الذي مكن كتيبة أفيدان المتبقية من احتلال اللطرون ليلة 15/16 دون مقاومة كبيرة في الوقت الذي تمكنت فيه بعض قوات اللواء هارئيل من احتلال قرية دير أيوب، وبذا انفتح الطريق إلى القدس مؤقتاً إلا أن قافلة الإمداد لم تكن مستعدة، وعلى ذلك لم يتحرك إلى القدس سوى مصفحة واحدة كانت تحمل بعض مدافع الهاون وقذائفها أطلق عليها قافلة "اليتيم". ومع زيادة ضغط القوات المصرية في الجنوب والقوات الأردنية في الشرق خلال الثلاث أيام التالية أسرعت قوات اللواء جعفاتي واللواء هارئيل لمقابلتها، مما سمح لقوات المجاهدين من استعادة اللطرون دون مقاومة تذكر. وهكذا أغلق الطريق إلى القدس للمرة الخامسة، ولم يفتح بعد ذلك إلا خلال فترة القتال الثانية في شهر يونيه.
هـ. العملية "باراك" كانت "الخطة د" تتضمن فتح الطريق إلى مستعمرات النقب المحاصرة قبل تدخل الجيوش العريبة. وعلى ذلك قامت إحدى كتائب اللواء جعفاتي يوم 14 مايو بالاستيلاء على قريتي البرير وجوليس اللتين كانتا تسدان الطريق إلى تلك المستعمرات لبناء مخزون من الأغذية والأسلحة والذخائر يكفي لإعاشتها وصمودها فترة طويلة، انتظاراً لما تسفر عنه الأحداث خلال المرحلة التالية من الصراع، عندما تتدخل الجيوش العربية. ***************************** [1] يشير ميرزوج أن قوة الدعم كانت فصيلة من 35 مقاتل وأنها أبيدت تماماً. [2] يشير اللواء حسن البدري أن العملية "نخشون" بدأت صباح 4 أبريل بينما أوضح "حاييم هيرتزوج" أن العملية بدأت مساء 5 من نفس الشهر، أما المرجع الرسمي الذي أصدرته رئاسة الأركان الإسرائيلية عن تلك الحرب فقد حدد توقيت تلك العملية بفجر يوم 5 أبريل. [3] تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن القوة المهاجمة قد نجحت في الاستيلاء على الشيخ جراح إلا أن القوات البريطانية أجبرتها على تركه، كما يشير "تريفور دي بوي" أن المرحلة الثانية بدأت يوم 25 أبريل. بينما أوضح اللواء حسن البدري أن تلك الرحلة بدأت مساء 24 أبريل، أما المرجع الرسمي الإسرائيلي فأكد على أن الهجوم بدأ فجر 26 أبريل. [4] يشير اللواء حسن البدري أن معاودة الهجوم على مستشفى فكتوريا والقرية المجاورة لها بدأت يوم 29 أبريل كما تم الهجوم على القطمون في نفس اليوم إلا أن "دي بوي" أوضح أن الهجوم على مستشفى فكتوريا تم يوم 28، بينما تم الهجوم على القطمون في اليوم التالي. وما أشار إليه دي بوي هو الأقرب إلى المنطق لاشتراك كتيبتي اللواء هارئيل الموجودتين في القدس آنذاك في العملية الأخيرة، ولا يعقل أن يزج صادية بالكتيبتين مرتين في نفس اليوم مرة للاستيلاء على المواقع العربية في مستشفى فكتوريا في شرق القدس ومرة أخرى ضد القطمون في الجنوب. [5] "ميسباريم" بالعبرية تعني المقص تعبيراً عن فكرة العملية. [6] يشير دي بوي إلى أن توجيهات تنفيذ العملية صدرت في منتصف أبريل، بينما يشير اللواء حسن البدري أن تلك التوجيهات صدرت في أواخر أبريل، أما سلوتسكي فحدد 22 أبريل تاريخاً لذلك وهو الأقرب للمنطق، خاصة وأن سلوتسكي هو المؤرخ الرسمي للهجناة ومن ثم أتيحت له فرصة أكبر للاطلاع على وثائقها. [7] يشير اللواء حسن البدري أن الهجوم على عكا بدأ يوم 19 بينما تجمع المصادر الإسرائيلية وبعض المصادر الغربية على أن الهجوم بدأ يوم 17 مايو. [8] اختلفت الرويات العربية والإسرائيلية بشأن كيفية القضاء على المدافعين في مستعمرة كفار عتصيون، حيث تُجمع المصادر الإسرائيلية على أن المدافعين رفعوا الراية البيضاء بعد أن تم اقتحام المستعمرة، وأن الفيلق الأردني توقف عن إطلاق النار، إلا أن القوة غير النظامية والأهالي الذين دخلوا المستعمرة استمروا في إطلاق النار حتى أبادوا كل من كان فيها انتقاماً لما فعله اليهود في دير ياسين، أما رواية التل وبعض المؤرخين العرب فتشير إلى أن المدافعين استمروا يقاتلون خلف مواقعهم المحصنة مما دعا إلى قصف تلك المواقع واقتحامها والقضاء على من فيها من المقاتلين. يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الخميس 26 أكتوبر 2023, 7:03 pm عدل 2 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث السادس عشر: المرحلتان الأولى والثانية للحرب غير المعلنة الثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 12:47 am | |
| 3. الصراع على المدن الرئيسية والمراكز الحيوية أ. معركة "مشمار هاعيمك" (اُنظر خريطة معركة مشمار هاعيمك) خطط فوز الدين القاوقجي قائد جيش الإنقاذ أولى أعماله التعرضية خلال هذه المرحلة للهجوم على مستعمرة "مشمار هاعيمك" الواقعة بالقرب من طريق حيفا/ جنين بهدف السيطرة على مرج ابن عامر، ووضع نهاية للإغارات اليهودية على القوافل العربية المتجهة إلى حيفا، علاوة على تأمين قاعدة تصلح للهجوم غرباً للسيطرة على طريق حيفا/ تل أبيب أو الهجوم شرقاً للسيطرة على مستعمرات مرج بن عامر. وحشد القاوقجي لهذه المعركة قوة مشكلة من كتيبة اليرموك الأولى بقيادة المقدم محمد صفا وسريتي مشاه وثلاث عربات مصفحة تساندها بطارية مدفعية فرنسية من أربعة مدافع عيار 75 مليمتراً ومدفعية أمريكية عيار 105 مم وبعض الهاونات عيار 3 بوصة. وعلى الجانب الآخر كان "يهودا يغزوري" قائد المستعمرة قد أعدها للدفاع من جميع الجهات وزودها بنطاقات كثيفة من الأسلاك الشائكة وخنادق المواصلات، كما أتم تدريب المدافعين الثلاثمائة على مهامهم خلال المعركة المنتظرة، واحتفظ لهم داخل المستعمرة بما يكفيهم من احتياجات القتال والإعاشة مدة شهر كامل، وكانت قيادة الهجناة قد زودت القوة المدافعة بعدد من الهاونات عيار 3 بوصة. وحتى يحول القاوقجي أنظار العدو عن اتجاه هجومه الوشيك قام فوج اليرموك الأول بهجوم خداعي ليلة 3/4 أبريل على مستعمرة زراعيم المجاورة لقرية زرعين العربية شمال شرق جنين. وفي الساعة 1700 يوم 4 أبريل بدأ التمهيد النيراني للهجوم الذي استمر لمدة ساعتين محدثاً خسائر جسيمة في القوات المدافعة، أعقبه هجوم سرايا فوج القادسية بقيادة المقدم مهدي صالح العناني وسرية من كتيبة حطين وسرية أخرى أردنية، إلا أن القوات المهاجمة توقفت أمام أسوار المستعمرة تحت ضغط نيران المدافعين. وخلال الليل دفعت قيادة الهجناه في المنطقة بكتيبة بالماخ وسريتين من اللواء جولاني، وبينما نجحت السريتان في التسلل داخل المستعمرة عبر الحقول المجاورة ليلة 4/5 أبريل، فقد اتخذت كتيبة البالماخ مواقعها في مستعمرة "عين هاشوفيط" القريبة، في الوقت الذي كانت فيه قوات القاوقجي تضغط على "مشمار هاعيمك". وفي الصباح تجدد القصف المدفعي واستولت القوات العربية على المرتفعات المحيطة بالمستعمرة، إلا أن القيادة البريطانية في المنطقة طلبت من القاوقجي وقف إطلاق النار فوراً. وعندما استأنف القاوقجي الهجوم مرة أخرى يوم 7 أبريل تدخل الكولنيل "تشارلز بيل" قائد القوات البريطانية في المنطقة مرة أخرى ونجح في عقد هدنة بين الطرفين لمدة 24 ساعة لإجلاء النساء والأطفال من المستعمرة. وخلال الأيام التي توقف فيها القتال أتمت المستعمرة تحصيناتها بعد وصول تعزيزات جديدة إليها، كما أتمت الكتيبة الأولى بالماخ استعداداتها في مستعمرة "عين هاشوفيط" للقيام بالهجوم المضاد. كما وصلت إلى المنطقة وحدات من لوائي "كرملي" و"اسكندروني" وفور انتهاء الهدنة اشتعل القتال مرة أخرى، وبدأت قوات البالماخ والوحدات الأخرى هجومها المضاد يوم 8 أبريل تحت قيادة "إسحاق صادية" عن طريق الاقتراب غير المباشر للوصول إلى مؤخرة قوات القاوقجي متجنبة الدخول في مواجهة مع قواته خوفاً من نيران المدفعية المعاونة لها وعاونها في ذلك طائرات سرب الجليل. وقد نجحت قوات صادية في الاستيلاء على بعض القرى العربية المجاورة، وتبادل الجانبان المرتفعات المسيطرة على المنطقة وبعض القرى عدة مرات. وفي 12 أبريل شن القاوقجي هجوماً جديداً على مستعمرة "مشمار هاعيمك" إلا أن القوة المهاجمة وقعت في كمين وسط الأحراش التي تغطي مدخل المستعمرة، في الوقت الذي تمكنت فيه قوات الهجناه من الاستيلاء على قرية أبو زريق التي كانت تقطع الطريق القادم من حيفا، مما سمح بدفع تعزيزات جديدة من قوات الهجناة إلى منطقة القتال، في الوقت الذي اضطر فيه القاوقجي – الذي وصلته الأنباء عن القتال الدائر لفتح طريق القدس (العملية نخشون) ـ إلى إرسال قسم من قواته إلى الجبهة الجديدة في منطقة اللطرون. وعندما فشل هجومه الأخير على "مشمار هاعيمك" يوم 14 أبريل أمر القاوقجي قواته بالانسحاب العام إلى معسكراتها حول طوباس، مما سمح لقوات البالماخ بالاستيلاء على القرى العربية في المنطقة (أبو شوشه والنعنعية والمنسي واللجون)، الأمر الذي سمح للقوات اليهودية بالسيطرة على مرج ابن عامر وتشديد قبضتها على حيفا.
ب. الإغارة على "دير ياسين" في الوقت الذي كان يجرى فيه القتال في معركة "مشمار هاعيمك" قامت منظمتا الأرجون (ايتسل) وشتيرن (ليحى) بواحدة من أشهر مذابحهما الجماعية لإجبار العرب على الفرار وهجر قراهم لتفريغ المنطقة التي يسعون للسيطرة عليها من سكانها العرب. ففي التاسع من أبريل أغارت بعض قوات هاتين المنظمتين الإرهابيتين بقيادة "بنزيون كوهين" على قرية دير ياسين العربية في ضواحي القدس، والتي لم يكن سكانها يشكلون أي خطر على التجمع اليهودي في العاصمة باعتراف المؤرخين اليهود أنفسهم، وانقض المغيرون على القرية تسبقهم عربة مصفحة، إلا أنهم اصطدموا بمقاومة لم يتوقعوها، وقُتل في تبادل إطلاق النار أربعة منهم وجُرح اثنان وثلاثون، فطلبوا المساعدة من قائد الهجناة في القدس، الذي أرسل لهم كمية من الذخائر وأمر رجال البالماخ بتغطيتهم أثناء سحب جرحاهم. ولكن تغطية قوات البالماخ للمغيرين وإمدادهم بالذخيرة لم يسمح لهم فقط بسحب جرحاهم وإنما أيضاً بتحويل الإغارة الفاشلة إلى "مذبحة في القرية دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وأنهوا عملهم بحمل قسم من الأسرى الذين وقعوا في أيديهم على سيارات طافوا بها في شوارع القدس في موكب نصر وسط هتافات الجماهير اليهودية. وبعد ذلك أُعيد هؤلاء الأسرى إلى القرية وقُتلوا. ووصل عدد الضحايا من الرجال والنساء والأطفال إلى 245 شخصاً".
ج. العملية "ميسباريم" (الاستيلاء على حيفا)[5] تصاعد التوتر في منطقة حيفا خلال مرحلة الحرب غير المعلنة. على أثر تفجير بعض العناصر اليهودية قنبلة في الحي العربي للمدينة أودى بحياة ستة من العرب وجرح 47 أخرون في السادس من ديسمبر 1947، مما أدى إلى تصاعد الاضطرابات بين العمال العرب واليهود في معمل تكرير النفط بالقرب من الميناء التي أسفرت عن مصرع 41 عاملاً يهودياً، وفي 14 يناير 1948 نسف بعض العرب عربة مكتب بريد في الحي اليهودي مما أسفر عن إصابة 45 يهودياً بجراح. وبالإضافة إلى التراشق بالنيران وأعمال القناصة من الجانبين فقد كان أبرز الأحداث التي سبقت العملية "ميسباريم"، هو نصب اليهود كميناً خارج حيفا لقافلة عربية كانت تحمل أسلحة من لبنان لقوات المجاهدين في حيفا يوم 18 مارس، وقد لقى محمد الحنيطي قائد المجاهدين في المدينة مصرعه في ذلك الكمين، وقد رد المجاهدون بكمين آخر لقافلة يهودية كانت تحمل الإمدادات لمستعمرة "يحيام" ولقى معظم قوة الحراسة في القافلة مصرعهم. وفي 18 أبريل اجتمع الجنرال "هيوستكويل" قائد القوات البريطانية في شمال فلسطين مع عمدة المدينة اليهودي ليخبره بعزمه على التخلي عن مسؤوليات حفظ الأمن في المدينة توطئة لإخلائها من القوات البريطانية، وقد أكد له عمدة المدينة تعهده السابق بتأمين عملية إخلاء القوات البريطانية عن طريق ميناء حيفا مقابل تسليم المدينة لليهود، وبعد يومين أخطر الجنرال "ستكويل" أمين عز الدين ـ الذي خلف محمد الحنيطي في قيادة مجاهدي حيفا ـ بنيته في التخلي عن مسؤوليات الأمن في المدينة تمهيداً لإخلاء البريطانيين منها. وكان إخلاء القوات البريطانية لمواقعها في المدينة والتجمع بمنطقة الميناء يوم 21 أبريل بمثابة إشارة البدء "لموسى زاليتسكي (كرمل)" قائد لواء كرملي لشن عملية ميسباريم للاستيلاء على الأحياء العربية في حيفا والسيطرة على المدينة بأكملها طبقاً للخطة التي سبق إعدادها كأحد الخطط الفرعية لتنفيذ الخطة (د) على ضوء أوضاع العرب واليهود في المدينة. فبينما كان العرب الذين يمثلون الأقلية في المدينة يسكنون في السفوح السفلي لجبل الكرمل كان معظم اليهود الذين يمثلون أغلبية السكان يسكنون منطقة السفوح الوسطى للجبل والتي كان يطلق عليها "هدار الكرمل"، كما كان باقي اليهود يسكنون في الحي التجاري ناحية الميناء. وبذا كانت الأحياء العربية محصورة بين البحر والأحياء اليهودية من ناحية الشرق وبين الحي التجاري اليهودي والأحياء اليهودية في هدار الكرمل من ناحية الغرب.
وعلى ذلك تلخصت فكرة عملية ميسباريم (المقص) في عزل وتمزيق الأحياء العربية في المدينة ثم الاستيلاء عليها بعد ذلك. وتنفيذاً لتلك الفكرة قُسمت قوات اللواء كرملي ثلاثة أقسام على النحو التالي: (1) القسم الأول يهبط من هدار الكرمل ويتجه شمال شرق المدينة نحو وادي "روشميا" لعزل الأحياء العربية عن أية إمدادات يمكن أن تصلها من المناطق العربية خارج المدينة على طريق عكا، مع احتلال مقر لجنة الأحياء الشرقية (بيت النجادة) الذي كان مشرفاً على كوبري روشميا ويمكن أن يعرقل حركة المواصلات من حيفا إلى الجليل والمروج. (2) القسم الثاني يهبط من هدار الكرمل نحو الشمال الغربي للمدينة لتجزئة القطاع العربي الأوسط والغربي والاستيلاء عليه بالتعاون مع قوات القسم الثالث. (3) القسم الثالث يصعد من الحي التجاري ليقابل قوات القسم الثاني ويستكملان معاً الاستيلاء على المنطقة العربية وتطهيرها. وبدأ تحرك قوة القسم الأول من اللواء فجر يوم 21 أبريل في مجموعة من العربات المصفحة لتنفيذ الشق الأول من الخطة، ونجحت تلك القوة في احتلال بيت النجادة بعد قتال ضار من حجرة إلى أخرى، وما أن استقرت تلك القوة في المبنى حتى حاصرتها قوات المجاهدين وراحت تمطرها بالنيران وأنزلت بها خسائر شديدة، وضاعت جميع محاولات قائد اللواء لفك الحصار عن تلك القوة سدى، فأصدر لها الأمر بالانسحاب إلا أنها كانت عاجزة حتى على تحقيق ذلك في ظل إحكام الحصار العربي والأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى التي كان عليها أن تحملها، وعلى ذلك لم يتم تحرير تلك القوة إلى بعد سقوط الأحياء العربية. أما الشق الآخر من الخطة قد بدأ تنفيذه في منتصف ليلة 22/23 أبريل بتحرك القسمين الثاني والثالث من الواء "كرملي" للقيام بالهجوم العام لشطر الأحياء العربية وتجزئتها. ولم يأت الصباح حتى كانت الأحياء العربية قد تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، وبدأت عملية تطهير المنازل ونسف بعضها على رؤوس من فيها، في الوقت الذي حالت فيه القيادة البريطانية دون تحرك إحدى سرايا الجيش الأردني – الموجودة تحت قيادتها في المنطقة ـ لمساندة المجاهدين في الدفاع عن الأحياء العربية، ولم يستطع قائد السرية أن يفعل شيئاً سوى إيواء بعض العائلات التي هامت على وجهها. وسرعان ما انهارت المقاومة العربية ـ التي استمرت متفرقة بعض الوقت ـ وبدأ الذعر يجتاح الأحياء العربية، وهنا تدخل الجنرال ستكويل واقترح على الطرفين عقد هدنة إلا أن القيادة اليهودية أصرت على إلقاء العرب لسلاحهم أولاً وفرض حظر التجوال في جميع الأحياء العربية، بالإضافة إلى بعض الشروط التعسفية الأخرى، وخشي العرب أن يكون ذلك توطئة للتنكيل بهم على غرار المذابح الدموية السابقة، فقرر أغلبهم الرحيل إلى لبنان. وفي هجرة جماعية لم يعترضها اليهود ـ غادر حيفا نحو 70 ألف عربي من سكانها خلال خمسة أيام. بنهاية شهر أبريل كانت القوات اليهودية قد أتمت السيطرة على المدينة بأكملها، والتي لم يبق فيها سوى بضعة آلاف من سكانها العرب.
د. العملية "شاميتز" (الاستيلاء على يافا)[6] كانت مدينة يافا طبقاً لقرار التقسيم من نصيب العرب، كما كانت تخوم المدينة من ناحية الشرق والجنوب الشرقي مناطق عربية جيدة الدفاع تمثل أسفيناً بين المناطق اليهودية شمال شرق وجنوب شرق المدينة يعوق الاتصال الجغرافي بين هذه المناطق ويقطع الطريق إلى مطار اللد. وعلى ذلك أصدرت قيادة الهجناه توجيهاتها يوم 22 أبريل لتنفيذ العملية التي أطلق عليها الاسم الرمزي "شاميتز" بهدف الاستيلاء على المناطق العربية المتاخمة ليافا وحصار المدينة لإجبارها على الاستسلام. وأُسند تنفيذ العملية "شاميتز" إلى اللواءات الثلاثة الموجودة في محيط المنطقة المطلوب الاستيلاء عليها. فكُلف لواء "اسكندروني" الانطلاق من "كفار عازار" شمال الأسفين العربي لاحتلال قرى ساقية والخيرية وسلامة، وفي الوقت الذي يقوم فيه لواء "كرياتي" من تل أبيب بتثبيت القوات العربية المدافعة عن المدينة من اتجاهي الشمال والجنوب، واللواء "جعفاتي" من جنوب شرق يافا باحتلال تل الريش وقرية يازور. وبدأ تنفيذ العملية خلال الأسبوع الأخير من أبريل، وبينما كان اللواء كرياتي يقوم بتثبيت دفاعات يافا واللواءان اسكندروني وجعفاتي يقومان بتطهير المناطق العربية المتأخمة للمدينة من الشرق، إذ بمنظمة الأرجون (المنشقة) ـ التي حشدت نحو 600 مقاتل من أفرادها في مستعمرة "رامات جان" شرق تل أبيب ـ تنطلق من المستعمرة فجر يوم 25 أبريل لتشن هجوماً على حي المنشية الملاصق لتل أبيب دون أن تخطر أو تنسق هجومها مع قوات الهجناه التي تقاتل للسيطرة على تخوم المدينة العربية. وعندما فشلت قوات الأرجون بقيادة "أميهاي فاجلين" في تحقيق أي نجاح يُذكر طوال يومي 25 و 26 أبريل نتيجة صلابة مقاومة قوات الجهاد المقدس بقيادة حسن سلامة ووحدة جيش الإنقاذ بقيادة النقيب نجم الدين – اللتين تعاونتا في إحباط هجوم الأرجون – اضطرت الأخيرة إلى طلب المساعدة من الهجناة وقبلت شروطها بإخضاع قواتها في المنطقة لقيادة الهجناة والتعهد بعدم القيام بأية أعمال دون موافقتها. وعندما استؤنف تنفيذ العملية بالتعاون بين الأرجون والهجناه ليلة 27/28 أبريل، نجحت الهجمات اليهودية شمال وشرق يافا في تحقيق أهدافها، بينما تعثر اللواء جعفاتي على تل الريش. ففي الشرق نجح لواء "اسكندروني" في احتلال الجزء الجنوبي من معسكر تل "ليتفنسكي" وتل "هاشومير" وقريتي الخيرية وساقية، وفي الليلة التالية احتلت وحدات لوائي كرياتي واسكندروني قرية سلامة التي هجرها أهلها بينما سيطرت بعض وحدات اللواء جعفاتي على قرية "يازور"، وبذا تم عزل مدينة يافا تماماً. وفي الشمال نجحت قوات الأرجون بدعم من قوات الهجناه في الوصول إلى الساحل وعزل حي المنشية عن بقية يافا. أما في الجنوب فقد تعثر هجوم كتيبة اللواء "جعفاتي" على تل الريش نتيجة لسوء التخطيط والتنسيق من ناحية والهجوم المضاد الناجح التي شنته قوات الجهاد المقدس بالتعاون مع إحدى وحدات جيش الإنقاذ من ناحية أخرى، مما كبد تلك الكتيبة خسائر جسيمة بلغت 133 بين قتيل وأسير وجريح وأجبرها على الانسحاب مخلفة وراءها كمية كبيرة من أسلحتها. وإزاء عزل مدينة يافا أسرع فوز الدين القاوقجي بإرسال ميشيل العيسى على رأس إحدى وحدات جيش الإنقاذ المدعمة بالمدفعية لفتح الطريق إلى يافا، إلا أن القوات البريطانية – التي وجدت أن الوقت قد حان لتدخلها – كانت قد سبقته إلى ذلك، ولكن تدخل القاوقجي والبريطانيين الذي جاء متأخراً لم يغير مصير المدينة التي بدأ أهلها ينزحون عنها في هجرة جماعية إلى شرق الأردن بعد أن نجح البريطانيون في تأمين طريق الرحيل، وفي عصر 13 مايو 1948 كانت المدينة قد سقطت في أيدي القوات اليهودية بعد أن رحل عنها معظم سكانها العرب.
هـ. العملية "يفتاح" (الاستيلاء على صفد والسيطرة على الجليل الشرقي) لما كانت قوات جيش الإنقاذ تحتل عدداً من المراكز الحيوية الحاكمة في منطقتي الحولة وصفد التي خلفتها القوات البريطانية عندما بدأت تخفيف قواتها في المنطقة، فقد سمحت هذه المراكز لجيش الإنقاذ بالسيطرة على طرق المواصلات في الجليل الشرقي وتهديد المستعمرات اليهودية في وادي الحولة، كما سمحت بفرض الحصار على الحي اليهودي في مدينة صفد. ولما كانت تلك المراكز تقع في المناطق اليهودية طبقاً لقرار التقسيم فقد كان على قوات الهجناة ـ تبعاً للخطة "د" ـ تطهيرالمنطقة من القوات العربية وترتيب الأوضاع في الجليل الشرقي قبل تدخل الجيوش العربية النظامية. وطبقاً لرواية ايجال آلون قائد البالماخ الذي أُسندت إليه قيادة العملية "يفتاح"، أن تلك العملية كانت تستهدف السيطرة على المعاقل الرئيسية وتحرير الطرق الشمالية، وتجهيز منطقة الجليل للدفاع قبل تدخل الجيوش العربية النظامية، وكان محور العملية هو السيطرة على مدينة صفد ذات الأهمية الإستراتيجية، التي تقع على ارتفاع أكثر من 800 م ويقطنها أغلبية عربية (نحو 12 ألف عربي مقابل أقل من ألفي يهودي). وعشية انسحاب القوات البريطانية من صفد يوم 15 أبريل نجح آلون في تسريب قوة من البالماخ لدعم قوات الهجناه المستنزفة التي تقوم بالدفاع عن الحي اليهودي، كما نجحت قوات جيش الإنقاذ ـ فور انسحاب القوات البريطانية من المدينة ـ في الاستيلاء على المواقع الحاكمة فيها، التي كانت تشتمل على أربعة معاقل هى: قلعة الشرطة على جبل كنعان على التخوم الشمالية الشرقية للمدينة والقلعة القديمة ومركز الشرطة وبيت شلفا، وهى تقع جميعاً داخل المدينة نفسها. وقبل الهجوم على صفد بدأت قوات اللوائين "جولاني" و"يفتاح" في التمهيد للعملية بمحاولة الاستيلاء على بعض المواقع الحاكمة التي يسيطر عليها جيش الإنقاذ في منطقة الحولة. فقامت إحدى كتائب اللواء جولاني بالهجوم على قلعة الشرطة شمال بلدة النبي "يوشع" ـ الواقعة شمال شرق بحيرة الحولة بمسافة 5 كم والتي تسيطر على طرق المواصلات في الجليل الشمالي الشرقي ـ إلا أن قوات جيش الإنقاذ في القلعة ردتها على أعقابها بعد أن كبدتها خسارة بعض قواتها، وعندما قامت كتيبة البالماخ الثالثة بتكرار الهجوم على نفس القلعة يوم 20 أبريل لم يكن حظها بأفضل من سابقتها، واضطرت إلى الانسحاب بعد مقتل 22 من أفرادها بينهما اثنان من قادة سراياها. وما أن جلت آخر القوات البريطانية عن الجليل الشرقي بأكمله حتى بدأت قوات آلون في الاستيلاء على المراكز والقرى العربية المسيطرة على طرق الاقتراب إلى صفد، فقامت إحدى وحدات الهجناه يوم 28 أبريل بالاستيلاء على قلعة شرطة روشبينا ومعسكر الجيش شرق صفد بمسافة 3 كم، كما انطلقت كتيبة البالماخ الأولى في أول مايو من كريات سارة شمال شرق صفد بمسافة 1.5 كم للاستيلاء على قريتي بيريا وعين الزيت العربيتين شمال صفد بمسافة 2 ـ 3 كم، ثم تقدمت منها إلى الحي اليهودي شمال غرب صفد، وبذلك تم تدعيم القوات المدافعة عن الحي بكتيبة بالماخ، عُززت بكتيبة أخرى في الثالث من مايو. وما أن اطمئن آلون على دعم قواته داخل الحي اليهودي حتى شن هجومه الأول على المعاقل العربية الرئيسية في المدينة ليلة 5/6 مايو، وبالرغم من الدعم النيراني بمدافع الهاون لم يكن بوسع قوات البالماخ إحراز أي تقدم في القتال الضاري، في الوقت الذي أمطرت فيه المدفعية العربية الحي اليهودي بوابل من نيرانها. وإزاء عجزه عن إحراز أي تقدم سحب آلون قواته خارج صفد بعد أن تزايدت خسائرها لإعادة تنظيمها ووضع خطة جديدة لهجومها، ودعمها بمدافع بيات المضاد للدبابات لفتح ثغرات في المباني الحصينة. وفي مساء 10 مايو عاود آلون الهجوم على الثلاثة معاقل العربية القريبة من الحي اليهودي وهى: بيت شلفا والقلعة القديمة ومركز الشرطة، وفي ظل الأمطار الغزيرة التي ظلت تهطل طوال الليل نجحت القوات المهاجمة في شق طريقها بعد قتال ضار من بيت إلى بيت. وبصباح يوم 11 مايو كانت قوة الهجوم قد استولت على بيت شلفا، إلا أن القلعة القديمة لم تسقط في يد القوات المهاجمة إلا بعد أن تكرر الهجوم عليها ثلاث مرات، أما المعركة الأصعب والأطول فقد كانت على مركز شرطة المدينة. وبعد قتال ضار استمر حتى يوم 12 مايو نجحت القوات اليهودية في الاستيلاء على باقي المعاقل العربية في صفد، بالإضافة إلى قلعة جبل كنعان على تخومها الشمالية الشرقية، وبذا أصبحت تتحكم في المدينة التي بدأ سكانها العرب ينزحون عنها، مما سهل لقوات اللوائين جولاني ويفتاح الاستيلاء على كافة الهيئات الحاكمة حول المدينة، وبالاستيلاء على صفد نجحت القوات اليهودية في السيطرة على الجليل الشرقي. و. العملية "بن عامي" (احتلال عكا والسيطرة على الجليل الشمالي الغربي) (أنظر خريطة العملية بن عامي (تأمين الجليل)) و(خريطة الاستيلاء على عكا) بعد سقوط مدينة حيفا وتأمينها لم يبق من الخطة "د" في الجليل الغربي سوى الاستيلاء على مدينة عكا، وعلى ذلك شرع اللواء كرملي في الاستيلاء على القرى والمواقع العربية شمال وشرق عكا لعزل المدينة العربية من ناحية وتحقيق الاتصال مع المستوطنات اليهودية المعزولة في الجليل الشمالي الغربي مثل "يحيام" و"حنيتا" من ناحية أخرى، وفي 14 مايو كان اللواء كرميلي قد نجح في عزل مدينة عكا عن تخومها العربية في الشمال والشرق بعد الاستيلاء على تل نابليون شرق المدينة وقرى السامرية والزيف والبصة شمالها. وفي مساء 14 مايو انطلقت قافلة الإمداد إلى المستعمرات اليهودية المعزولة قرب الحدود اللبنانية. أما مدينة عكا فلم تسقط إلا بعد بدء مرحلة الحرب المعلنة عندما شن لواء كرملي هجومه عليها يوم 17 مايو تحت ستر نيران القصف المدفعي من تل نابليون، الذي سبق أن استخدمه القائد الفرنسي لقصف المدينة نفسها خلال حصارها في ربيع عام 1799، فبعد قتال ضار لمدة 22 ساعة تمكنت قوات اللواء كرملي من اقتحام قلعة عكا الشهيرة والاستيلاء على المدينة التي أسرع أهلها أيضاً بالرحيل عنها براً وبحراً إلى لبنان[7].
ز. الاستيلاء على كتلة مستعمرات "عتصيون" كانت كتلة مستعمرات عتصيون محاصرة بواسطة بعض قوات جيش الجهاد المقدس منذ شهر يناير 1948، إلا أن طائرات النقل الخفيفة ظلت تربط المستعمرات الأربعة المكونة لتلك الكتلة (كفار عتصيون، مسؤوت اسحاق، عين تسوريم ورفاديم) بالتجمع اليهودي الرئيسي في السهل الساحلي، حاملة إلى تلك المستعمرات الإمدادات والأسلحة من وقت لآخر ومُخلية الجرحى في رحلات عودتها، إلا أن الحصار لم يمنع القوات اليهودية في تلك المستعمرات من فتح النار على قوافل السيارات العربية التي تتحرك بين القدس والخليل وتستغل فترة الحصار في تحصين دفاعاتها ضد الهجمات العربية. ومع بداية شهر مايو كثفت القوات اليهودية في مستعمرة "كفار عتصيون" ملاحقتها للسيارات والقوافل العربية بالنيران، وقد رأى البريطانيون الذين كانوا يرغبون في المحافظة على فتح طريق القدس/ الخليل الذي تستخدمه قواتهم، أن الاشتباكات اليهودية لا يمكن السكوت عليها. وعلى ذلك قامت فصيلة من الفيلق العربي الموضوع تحت القيادة البريطانية مدعمة بست سيارات مدرعة وثلاثة مدافع وقوة من المجاهدين العرب بشن هجوم تأديبي على مستعمرة كفار عتصيون صباح يوم 4 مايو، كما قامت بقصف دير الشعار (الروسي) ـ الذي يستخدمه اليهود في قطع طريق القدس/ الخليل ـ وبعض المواقع الأخرى بالقرب من الطريق مما اضطر المدافعون إلى الانسحاب منه بعد تكبدهم خسائر فادحة، وفي المساء انسحبت القوة بعد تأدية مهمتها. وفي 12 مايو استغلت إحدى سرايا الفيلق العربي اشتباكاً مدبراً لتصفية الموقف في كتلة مستعمرات عتصيون بالتعاون مع قوات المجاهدين قبل خروج قوات الفيلق من فلسطين مع مؤخرة القوات البريطانية، فقام الرائد حكمت مهيار قائد إحدى سرايا الفيلق العربي المدعمة بست مدرعات بالاشتباك مع مستعمرة كفار عتصيون بأوامر من قائد كتيبتة الرائد عبدالله التل. وسرعان ما دُعمت تلك السرية بالمجاهدين من القرى العربية المجاورة، وكانت الأهداف الرئيسية للهجوم هى مستعمرة كفار عتصيون وأرض الهبوط وسط كتلة المستعمرات. وبدأ الهجوم على الدير الروسي بعد قصف مكثف من المدرعات أجبر المدافعين على الانسحاب بعد تكبدهم خسائر جسيمة. وخلال القتال يوم 12 مايو نجحت القوات المهاجمة في عزل كل من المستعمرات الأربعة كل على حده واستولت على أرض الهبوط، إلا أن القوات العربية أوقفت هجومها خلال الليل، وعندئذ تحرك الرائد عبدالله التل لتعزيز سريته وتولى القيادة بنفسه. وفي الصباح الباكر قامت سرية الفيلق العربي باقتحام كفار عتصيون بعد تمهيد نيراني كثيف، وهرع في أعقابها قوة من المناضلين وأهالي القرى المحيطة لتطهير المستعمرة، وانتهى الهجوم بالقضاء على القوة المدافعة عن بكرة أبيها عدا ثلاثة من الأرجون أُخذوا أسرى، بينما لجأ سكان المستعمرة من غير المقاتلين إلى المستعمرات المجاورة[8].
أما المستعمرات الثلاثة الأخرى في كتلة عتصيون فقد عرضت التسليم عن طريق منظمة الصليب الأحمر، ووافقت الوكالة اليهودية على شروط التسليم التالية: (1) تسليم السلاح للعرب. (2) أخذ الرجال كأسرى حرب. (3) تسليم النساء والأطفال والعجزة لمنظمة الصليب الأحمر. وعندما عرض الأمر على الجنرال جلوب وافق على تلك الشروط. وبذلك تم تصفية ذلك الجيب اليهودي جنوب القدس عشية بدء الحرب المعلنة. إلا أنه يمكن القول أن ذلك الانتصار وإن حسن الموقف العسكري العربي في القدس، إلا أنه لم يكن له نتيجة تُذكر على الموقف الإستراتيجي العام في فلسطين عشية بدء مرحلة الحرب المعلنة، فقد تحسن الموقف العسكري اليهودي كثيراً منذ بداية تنفيذ الخطة "د"، حيث أصبحوا يسيطرون على كل السهل الساحلي شمال مدينة غزة حتى الحدود اللبنانية، كما نجحوا في الاستيلاء على كافة المدن الساحلية، وبذا أصبحوا يسيطرون على كافة المواني الفلسطينية. وفي منطقة الجليل نجحوا في احتلال المدن الرئيسية المسيطرة على خطوط المواصلات مثل صفد وطبرية وبيسان وبذلك حافظوا على الاتصال الجغرافي بين التجمعات اليهودية في السهل الساحلي ومرج بن عامر ووادي الحولة، وسيطروا على الجليل الشمالي الشرقي والشمالي الغربي، كما حافظوا على مستعمراتهم في منطقة النقب وفكوا الحصار عنها. أما في منطقة القدس، فإنهم وإن فقدوا كتلة مستعمرات عتصيون ولم يتمكنوا من الحفاظ على الاتصال الجغرافي المستمر بين المدينة والسهل الساحلي، فإنهم نجحوا في تحقيق الاتصال بين الأحياء اليهودية في القدس وحسنوا موقفهم ودعموا قواتهم فيها، كما زودوا الأحياء والقوات اليهودية فيها بمخزون من مواد الإعاشة والذخائر تكفي لصمودها فيها عدة أشهر.
4. دور القوة الجوية في ثاني المراحل الفرعية للحرب غير المعلنة عندما بدأت قوات الهجناه في التحول للهجوم في كافة المناطق لتنفيذ الخطة "د"، ألقى ذلك الانعطاف في سير الحرب عبئاً جديداً على قوتها الجوية الناشئة، حيث كان على تلك القوة ـ بالإضافة إلى مهامها السابقة ـ المشاركة في نقل الأسلحة والعتاد من الخارج، فضلاً عن معاونة العمليات الهجومية من الداخل. وقد وقع نقل الأسلحة العاجلة على عاتق طائرات "الكوماندو" و"الكونستليشن" و"سكاي ماستر" التي تم شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية وكان يتولى قيادتها أطقم طيران أمريكية. وحتى يمكن أن تتحرك هذه الطائرات بصورة قانونية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفلسطين، أخذت هذه الطائرات غطاء شركات أمريكية وبنمية وهمية. وقد سمح جلاء القوات البريطانية مبكراً عن جزء كبير من السهل الساحلي لفلسطين وبعض المطارات في تلك المنطقة، باستخدام هذه المطارات في هبوط طائرات النقل العاملة بين القاعدة الإسرائيلية في تشيكوسلوفاكيا ـ حيث يتم تجميع وشحن الأسلحة ـ والقطاع الذي تسيطر عليه القوات الصهيونية في السهل الساحلي. وخلافاً لسياسة البيت الأبيض المنحازة للحركة الصهيونية، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تتابع نشاط تهريب الأسلحة إلى المنظمات الصهيونية في فلسطين وتحذر منه، خاصة مع تورط العديد من الشخصيات الأمريكية فيه، ففي الثاني عشر من أبريل أرسل الأدميرال هيلنكوتر ـ مدير المخابرات المركزية ـ مذكرة بهذا الشأن إلى كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزيري الخارجية والدفاع بعنوان "عمليات نقل جوية تآمرية في أوروبا". وحذر هيلنكوتر في مذكرته من عمليات نقل الأسلحة بشكل تآمري إلى المنظمات الصهيونية في فلسطين وقال: "إن مثل هذه الرحلات الجوية تزيد من حدة التوتر السياسي في المنطقة". إلا أن تحذير مدير المخابرات المركزية لم يجد صدى ملائمـاً لدى الرئيس ترومان، الذي كان واقعاً تحت تأثير "دافيد نلز"، مساعده والمتحدث بلسان المنظمات الصهيونية في البيت الأبيض. ومن ثم، استمر تدفق الأسلحة إلى المنظمات العسكرية الصهيونية في فلسطين لتتصاعد حدة الصراع وتنتقل إلى مستوى العمليات الهجومية من جانب تلك المنظمات ـ على نحو ما سبق، ولم تكن المعاونة المطلوبة من القوة الجوية في ذلك الوقت قاصرة على أعمال الإمداد ونقل الأسلحة إلى المناطق المحاصرة واستطلاع الطرق ـ شأنها في الشهور الأولى لعام 1948 ـ إنما تعدى ذلك الأمر إلى الحاجة إلى المعاونة الجوية النيرانية لتسهيل أعمال القوات القائمة بالهجوم. ولما كانت الطائرات المتوفرة آنذاك للقوة الجوية في فلسطين، تتشكل في مجموعها من طائرات النقل الخفيفة والمتوسطة وطائرات المواصلات والاستطلاع، وجميعها غير مسلحة أو معدة لمهام المعاونة الجوية النيرانية، فقد تقرر إجراء بعض التعديلات عليها لتسليحها، حتى تتلاءم مع المهام الجديدة المطلوبة منها خلال تلك المعركة. وطبقاً لرواية كاجان "جمعنا تشكيلة من المعدات التى وائمناها مع الجسم والأجنحة لحمل وقذف القنابل، وبقليل من التعديلات كان يمكن تحويل طائرة نقل صغيرة لتكون قادرة على حمل ست قنابل زنة مائة وخمسة وعشرين رطلاً، أربعة تحت الجسم واثنتان تحت الأجنحة". وقد سمح تسليح طائرات النقل أن تقوم القوة الجوية الإسرائيلية الناشئة بمعاونة قوات الهجناه أثناء القتال من أجل خطوط المواصلات في ربيع عام 1948م، والتى كان أبرزها عملية "نخشون" و"هارئيل" و"مكابي" لفتح طريق القدس، و"بن عامي" للسيطرة على منطقة الجليل وطرق مواصلاتها، كما ساهمت في أعمال القتال لفك الحصار عن المستعمرات المحاصرة في النقب والجليل الشمالي الغربي. |
|