أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الأدب والأدباء الإثنين 08 يوليو 2024, 6:59 am | |
| دروس وتجارب وبعد هذه المرحلة كان هناك من المسلمين من يصح أن يُسَمُّوه كُتَّاب دوائر المعارف مثل الجاحظ وأمثاله، وكانت هذه الثقافات سببًا كبيرًا من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية، وحسن سمعة الرشيد، على أن للرشيد بجانب هذه الدروس العربية التي كان يتلقاها دروسًا أخرى من النظام الفارسي، كان يتلقاها باللغة العربية من يحيى بن خالد البرمكي، والفضل بن يحيى، وجعفر، وأمثالهم، وكان يتلقى بالعربية من اليونانية عن جبريل بن بختيشوع طبه وفلسفته، إذ كان الطب ملونًا باللون اليوناني.
وكانت هناك ثقافة تفوق ذلك كله، وهي تجاربه في الحياة مما كان يَرى في قصر أبيه، وما كان يراه من الجواري المختلفة الأجناس حولَهُ، ومن حروبه المختلفة، ومما كان يشاهده من أبيه المهدي أيام حروبه للزنادقة، وامتحانه لهم، وتوجيه التهم إليهم ومحاكمتهم، ومن الأيام القاسية التي قاساها أيام كان أخوه الهادي يريد حرمانه من ولاية العهد، وتولية ابنه. ••• وإذا كانت الحياة كلُّها دروسًا؛ فقد كانت دروسه كثيرة من كثرة ما لاقى، وما شاهد، وما سمع، وتمت تجاربه بعد أن نكل بالبرامكة، وتولى هو ما كان لهم من سلطان، وما كانوا يحملون من تبعات، وكان له ذوق في الشعر حادٌّ شديد، وكان ذوَّاقًا يطرب للشِّعر، فيجلس من اتِّكاءٍ، أو يقف من جلوس، وإذا كره شاعرًا غَضِب منه غضبًا شديدًا، وكان له مذهب خاص في الشِّعر؛ يقول أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني: إنَّ منصورًا النمري ظفر بحظوته عند الرشيد؛ لأنه عَرَفَ مذهبه في الشِّعر، وهو أنْ يَصِل مدحه إياه بنفي الإمامة عن ولد علِيٍّ، والطعن عليهم، وقد تعلم ذلك مما كان يبلغه من تقديم الرشيد لمروان بن أبي حفصة، وتفضيله إياه على الشعراء في الجوائز، فسلك في ذلك مسلك مروان، ونحا نحوه.
وذلك مثل قوله: خَلُّوا الطريقَ لِمَعْشَرٍ عَادَاتُهُمْ حَطْمُ المناكبِ كلَّ يومِ زِحَامِ ارْضَوْا بما قَسَمَ الإله لَكُمْ بِهِ ودعوا وراثة كُلَّ أَصْيَدِ حَامِ أنَّى يكون وليس ذاك بكائنٍ لِبَنِي النبي وراثة الأعمامِ الترجمة في عهد الرشيد
وفي عهد الرشيد عني العلماء أكثر مما كانوا من قبل بترجمة الكتب؛ ذلك أنه بدأت بشائر قليلة في الترجمة في عهد المنصور، فكان مِنْ جِهة ممعودًا يحتاج إلى أطباء ليعالجوه، ومِنْ جِهة أخرى كان مَيَّالًا إلى التنجيم؛ مِن كثرة ما خالط الشيعة، فلا يكاد يعمل عملًا إلا استشار فيه المُنَجِّمين… لذلك عني بالطب والنجوم، وقد كانت مدينة جنديسابور مشهورة بالطب من عهد كسرى، فاستقدم المنصور أحد أطبائها، وحمله على أن يقيم معهدًا ببغداد كمعهد جنديسابور، كان هذا الطبيب يعرف اللغة اليونانية، والسريانية، والفارسية، والعربية، فَلَمَّا رأى المنصور يقربه نقل له كتبًا طبيةً من اليونانية غير التي ألَّفَها باللغة السريانية، وعكف الناس على هذه الكتب، وقد قالوا: إن ابن المقفع نقل أيضًا من كتب الفرس إلى العربية كُتُبًا في المنطق والطب، كان الفُرس قد نقلوها من اليونان.
فلما جاء المهدي كان الناس قد نضجوا بعض النضج في الترجمة؛ بفضل ما وُضع في عهد المنصور، ولكنه شُغل بحركة الزندقة؛ لأن المترجمين لم يقتصروا على ترجمة كتب الطب والتنجيم وغيرها، بل ترجموا أيضًا كتب الزنادقة.
فلما فشت الزندقة في أيامه تفرغ لها، وقَتَلَ مَن اعتنقها مِنْ جِهة، وأمر المتكلمين مِنْ جِهة أخرى بالرد عليهم، وخصوصًا المعتزلة.
وقد كانت نزعة الرشيد أقوى، وزمنه أهدأ، وماله أكثر، خصوصًا وقد توافد على بغداد كثير من العلماء العارفين باللغات من السريان، والفرس، والهنود، والروم، وكان منهم مَنْ تَعَلَّم اللغة العربية؛ لأنها اللغة الرسمية للدولة، فحملهم على ترجمة الكتب، وقد توسعوا في الترجمة، وترجموا غيرها من فروع الفلسفة… إذ كان الطب والتنجيم يُعدَّان فرعين من فروعها، بجانب المنطق وما وراء الطبيعة، والطبيعة، وغير ذلك. ••• وكان الرشيد في حروبه الكثيرة مع البيزنطيين يفتح بلادًا ومدنًا تحتوي كُتبًا يونانيةً ورومانيةً كثيرةً، فلم يكُنْ يحرقها أو يُبَدِّدها؛ بل ينقلها إلى بغداد في عناية… من ذلك أنه عَثَر أثناء حروبه في أنقرة وعمورية على كثير من الكتب، فحملها إلى بغداد، وأَمَرَ طبيبه يوحنا بن ماسويه بترجمتها إلى العربية، كما أمر الحَجَّاج بن مطر بترجمة كتاب إقليدس في الهندسة، وكانت ترجمته إلى العربية هذه لأول مرة، ثم تُرجم فيما بَعْد ترجمةً ثانيةً، ومَيَّزوا الأولى بأن أطلقوا عليها الترجمة الهارونية نسبة إلى هارون الرشيد.
وشاركه العظماء في ذلك؛ فيحيى بن خالد البرمكي أَمَر أيضًا بترجمة كتاب المجسطي، ثم جاء بعد ذلك المأمون فاستغل ما تُرجم قبله، وزاد عليه كثيرًا، والناس على دين ملوكهم… فلما رأوا المأمون يميل إلى ترجمة الكتب، وينفق على ترجمتها عن سخاء اتبعوا مذهبه، وقد ساعده على ذلك نضوب الحركة التي بدأت قبْله، كما ساعده أيضًا وجود جماعة من أحرار الفكر من المعتزلة حوله كأبي الهذيل العلاف والنظام.
وقد أبلى بلاءً حسنًا في هذه الترجمة السريانيون… فقد كانوا أكثر اتصالًا بالفلسفة مِنْ قَبْل العرب، وكانوا قد نقلوا كثيرًا من الكتب اليونانية إلى اللغة السريانية، وكانوا يُعلِّمون اللغة اليونانية في مدارسهم وأكثرها في العراق، فَلَمَّا انتقل كرسي الخلافة إلى بغداد، ورأوا حاجة المتكلمين بالعربية إلى هذا العلم، حَوَّلوا ما نقلوا من السريانية إلى العربية؛ طلبًا للرزق، وحُبًّا في التقرب إلى الناطقين بالعربية. حدة مزاج الرشيد
ولقد كان الرشيد مثقفًّا ثقافةً واسعةً، وكان كبير العقل عاليَ الهمة كريم النفْس… ولكنه من ناحيته العاطفية كان حادَّ المزاج؛ يكون في مجلس وعظ ودِين فيتدين، ويفرط في التدين، ويصلي مائة ركعة في اليوم، ويحج ماشيًا، ويكون في مجلس غناء أو شراب فيملكان عليه قلبه، ويرضي عن البرامكة فلا حد لرضاه، ويغضب عليهم فلا حد لغضبه، ويعفو حتى لَيَظُنَّ الظانُّ أنه لا يعاقِب، ويحلم حتى يعفو في مواضع العقاب، ويغضب فيَخاف مَن حَوْلَه من الحديث معه؛ كالذي رُوي أنه لما عاد من حروب الروم بلغه أن نقفور نقض العهد الذي عَهِدَه، فخاف وزيره من إلقاء الخبر عليه، فأوعز للشعراء أن يخبروه بالخبر.
فقال عبْد الله بْن يوسف: نَقَضَ الذي أَعْطَيْتَه نَقْفُورُ فعليه دائرة البَوَار تَدُورُ أبْشِر أميرَ المؤمنين فَإِنَّهُ غُنْمٌ أَتَاكَ به الإلهُ كَبِيرُ فَتْحٌ يَزِيدُ على الفتوح مؤَيَّدٌ بالنصر فيه لِوَاؤُكَ الْمَنْشُورُ فلقد تَبَاشَرَتِ الرعية أنْ أَتَى بالغَدْرِ منه وَافِدٌ وَبَشِيرُ وَرَجَتْ يَمِينُكَ أَنْ تُعَجِّلَ غَزْوَةً تشفي النفوس مَكَانُهَا مذكورُ نَقْفُورُ إنك حين تَغْدِرُ إنْ نأى عنك الإمامُ لَجَاهِلٌ مَغْرُورُ أظننْتَ حين غَدَرْتَ أَنَّكَ مُفْلِتٌ هَبَلَتْكَ أُمُّكَ ما ظَنَنْتَ غَرُورُ
وقال أبو العتاهية: تجلبت الدنيا لهارون بالرضى وأصبح نقفور لهارون ذميًّا
وقال غيره: لجَّتْ بِنَقْفُورَ أسبابُ الردى عَبَثًا لَمَّا رَأَتْهُ بغيل الليث قَدْ عَبَثَا
فلمَّا علم عاد من وقته يحاربه، وهكذا العاطفة الحادة تكون كجو أمشير؛ هادئة في لحظة، ثائرة في لحظة…
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الأدب والأدباء الإثنين 08 يوليو 2024, 7:00 am | |
| حظه أكبر من صفاته وربما كانت شهرته أكبر منه، وحظه أكبر من صفاته، ولكنها الدنيا إذا أَقْبَلَت على أحد وَهَبَتْه محاسن غيْره، وإذا أَدْبَرَتْ عنه سَلَبَتْه محاسن نَفْسه، والحقُّ أنَّ العَشَرة الأولِين مِن الخلفاء العباسيين كانوا كلهم عظامًا إذا استثنينا الأمين.
وكان لكل منهم ميزة في تأسيس الدولة العباسية، ورَفْع شأنها… ولكن لم ينَلْ أحدٌ من الحظ ما نال الرشيد، وحتى الأمين لا نستطيع أنْ نُصَدِّق كل ما رُوي عن بلاهته وغفْلته.
فقد وَضَعَ عليه القصَّاصون حكايات كثيرة لا تتفق مع ترشيحه للخلافة في ذلك العصر، ومع تربيته تربيةً دقيقةً رَبَّاهُ بها الرشيد.
ولكن المؤرخين دائمًا مُولَعُون بالاستهانة بمن سقط في الميدان، وإعلاء شأن مَنْ نَجَحَ فيه، ولو كان الأمين قد تَغَلَّب على المأمون لَانْعَكَسَت الآية مِن عصْرٍ إلى عصْر… خصوصًا وأن التاريخ الأول للأمين وُضِع في عهْد خصمه المأمون، وانتقل بَعْد ذلك. =============================== |
|