(٢) إِسْلَامُ عُمَرَ:
– ابْنَ أُخْتِهِ؟

– «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ!»

– أَلَمْ يَكُنْ قَدْ أَسْلَمَ بَعْدُ؟

– تَعَجَّلَهُ خَالُهُ لِهَدْمِ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّمَا كَانَ يَتَعَجَّلُهُ لِبُنْيَانِهِ، وَإِقَامَةِ دَعَائِمِهِ وَتَشْيِيدِ أَرْكَانِهِ.

– أَرَادَ أَنْ يُطْفِئَ بِهِ النُّورَ فَأَذْكَاهُ!

– كَانَ مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْجُرْأَةِ.

– وَقَدْ عَرَفَ خَالُهُ كَيْفَ يُلْهِبُ قَلْبَهُ بِعَدَاوَةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيذَائِهِمْ، وَالْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمْ.

– فَلَمَّا هَاجَرَ الصَّحَابَةُ إِلَى «الْحَبَشَةِ»، وَظَلَّلَهُمُ «النَّجَاشِيُّ» بِحِمَايَتِهِ، ضَاعَفَ ذَلِكَ مِنْ حِقْدِ «أَبِي جَهْلٍ»، فَلَمْ يَدَّخِرْ وُسْعًا فِي تَحْمِيسِ «عُمَرَ» لِلْفَتْكِ بِالْقَائِدِ الْأَعْظَمِ، حَتَّى يَهْدَأَ قَلْبُهُ، وَيَسْتَرِيحَ بَالُهُ مِنْ لَهِيبِ الْغَيْظِ.

– خَيَّبَهُ اللهُ!

– دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ.

– كَانَ الرَّسُولُ حِينَئِذٍ جَالِسًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْ صَحَابَتِهِ فِي دَارٍ قَرِيبَةٍ مِنَ «الصَّفَا».

– فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ «عُمَرُ»، وَقَلْبُهُ يَكَادُ يَتَمَزَّقُ مِنَ الْغَيْظِ.

– أَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَفْتِكَ بِهِ، وَهُوَ بَيْنَ صَحَابَتِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ؟

– إِنَّ الْأَحْقَادَ لَتُذْهِلُ الْإِنْسَانَ عَنِ الصَّوَابِ، وَتُنْسِيهِ عَوَاقِبَ مَا هُوَ قَادِمٌ عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَالٍ.

– كَانَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ:
إِذَا هَمَّ أَلْفَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَزْمَهُ
وَنَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ الْعَوَاقِبِ جَانِبَا!


– قُلْتَ لَنَا: إِنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ هَاجَرُوا إِلَى «الْحَبَشَةِ».

فَمَعَ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ الرَّسُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟

– كَانَ يَجْلِسُ مَعَ عَمِّهِ «حَمْزَةَ» وَابْنِ عَمِّهِ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ»، وَصَدِيقِهِ «أَبِي بَكْرٍ».

– فَمَاذَا عَوَّقَ «عُمَرَ» عَنْ عَزِيمَتِهِ الْخَاطِئَةِ؟

– إِرَادَةُ اللهِ وَمَشِيئَتُهُ، وَلُطْفُهُ وَرَحْمَتُهُ.

– وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

– وَلَكِنْ كَيْفَ حَقَدَ عَلَى الرَّسُولِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْعَظِيمُ؟

(٢-١) صِفَاتُ عُمَرَ:
– لَقَدْ كَانَ «عُمَرُ»، مُنْذُ طُفُولَتِهِ، مِثَالًا عَالِيًا لِلْعَقْلِ الرَّاجِحِ؛ فَكَيْفَ انْدَفَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ الْعَوْجَاءِ؟! وَكَيْفَ زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرِّ الْمُسْتَطِيرِ؟!

– أَتَحْسَبَانِ أَنَّهُ كَانَ يُقْدِمُ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الشَّنْعَاءِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُسِيءٌ؟!

– أَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُحْسِنٌ؟!

– الْإِحْسَانَ كُلَّهُ.

– كَيْفَ تُعَلِّلُ ذَلِكَ؟

– كَانَ حُسْنُ الْقَصْدِ حَادِيَهِ وَهَادِيَهِ.

– مَا أَقْدَرَكَ عَلَى اخْتِرَاعِ الْأَحَاجِيِّ وَالْأَلْغَازِ!

– الْأَمْرُ غَايَةٌ فِي الْوُضُوحِ: كَانَ «عُمَرُ» مُخْلِصًا لِوَطَنِهِ وَعَقِيدَتِهِ، مُتَفَانِيًا فِي الْبِرِّ بِأَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ. وَهَا هُوَ ذَا يَرَى رَجُلًا وَاحِدًا، يَجْهَرُ بِرَأْيٍ جَدِيدٍ، لَا عَهْدَ لِقَوْمِهِ بِمِثْلِهِ، فَلَا يَكَادُ يُعْلِنُهُ حَتَّى تَشْتَعِلَ نَارُ الثَّوْرَةِ فِي «مَكَّةَ»، فَتَشْغَلَ أَهْلِيهَا عَنْ تِجَارَتِهِمْ، وَتُلْهِيَهُمْ عَنْ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي كَانَ يَعْبُدُهَا آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ فَكَيْفَ تَعْجَبَانِ إِذَا رَأَيْتُمَاهُ يَتَحَمَّسُ لِعَقِيدَتِهِ الْخَاطِئَةِ، فِي نَظَرِنَا، بَعْدَ أَنِ اقْتَنَعَ بِهَا؟ وَأَيُّ غَرَابَةٍ فِي أَنْ يُجْمِعَ رَأْيَهُ عَلَى تَنْفِيذِ خُطَّتِهِ، كَلَّفَهُ ذَلِكَ مَا كَلَّفَهُ؟

(٢-٢) عَدَاوَةُ عُمَرَ:
– يَا لَلْعَجَبِ! أَكَانَ يَظُنُّ الرَّسُولَ مَصْدَرَ التَّفَرُّقِ وَالِانْشِقَاقِ، وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ كَلِمَةَ الْعَرَبِ وَوَحَّدَهَا، وَسَدَّدَ خُطَاهَا إِلَى أَقْوَمِ سَبِيلٍ؟!

– أَكَذَلِكَ كَانَ يَظُنُّ بِأَوَّلِ مَنْ وُفِّقَ إِلَى تَوْحِيدِ الْعَرَبِ تَحْتَ رَايَةِ الْإِسْلَامِ، وَجَعْلِهَا حَقِيقَةً رَاهِنَةً؟!

– كَانَتِ الْبِيئَةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي تُحِيطُ بِهِ تُوهِمُهُ ذَلِكَ، وَكَانَتْ أَهْوَاءُ الْحَاقِدِينَ تَحْجُبُ عَنْهُ شَمْسَ الْحَقِيقَةِ السَّاطِعَةَ، كَمَا تَحْجُبُ السُّحُبُ الشَّمْسَ عَنِ الْأَنْظَارِ، فِي رَائِعَةِ النَّهَارِ.

– كَانَتْ ظُلُمَاتُ الْجَهَالَةِ تَحْجُبُ عَنِ الْقُلُوبِ نُورَ الرَّسُولِ ﷺ.

– كَانَتْ قُلُوبُهُمْ كَالْأَعْيُنِ الْمِرَاضِ، لَا تَرَى النُّورَ!

– لَقَدْ أَرَادَ «عُمَرُ» أَمْرًا، وَأَرَادَ اللهُ أَمْرًا!

– وَاللهُ بَالِغُ أَمْرِهِ.

– كُلُّ شَيْءٍ حَسَنٌ إِذَا حَسُنَتْ نِهَايَتُهُ!

– صَدَقَ الْقَائِلُ:
إِنْ خَتَمَ اللهُ بِغُفْرَانِهِ
فَكُلُّ مَا لَاقَيْتُهُ سَهْلُ


(٢-٣) تَحَوُّلُ عُمَرَ إِلَى الْهُدَى:
– فَكَيْفَ تَحَوَّلَتْ وِجْهَةُ «عُمَرَ» مِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى؟

– أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيْرًا، فَلَقِيَ فِي طَرِيقِهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ النَّاصِحِينَ، فَاسْتَوْقَفَهُ لِيَعْرِفَ أَيْنَ قَصْدُهُ وَغَايَتُهُ، بَعْدَ مَا رَأَى عَلَى وَجْهِهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْغَيْظِ، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَدْرَكَ وِجْهَتَهُ، وَعَرَفَ غَايَتَهُ، بَعْدَ أَنِ اطَّلَعَ عَلَى سِرِّهِ، وَعَرَفَ دِخْلَتَهُ.

(٢-٤) نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ:
– مَا اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ؟

– اسْمُهُ «نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ».

– أَكَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟

– كَانَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ عَنْ «عُمَرَ»!

– فَمَاذَا قَالَ «نُعَيْمٌ»؟

– بَصَّرَ صَاحِبَهُ بِمَا هُوَ قَادِمٌ عَلَيْهِ مِنْ هَوْلٍ، وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي تَحْذِيرِهِ، وَإِظْهَارِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ وَخِيمِ الْعَوَاقِبِ.

– مَاذَا قَالَ لَهُ؟

– أَذْكُرُ مِنْ حَدِيثِهِ قَوْلَهُ: «وَاللهِ، لَقَدْ غَشَّتْكَ نَفْسُكَ، يَا «عُمَرُ»! أَتُرَى بَنِي «عَبْدِ مَنَافٍ» تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قَتَلْتَ «مُحَمَّدًا»؟!»

– فَهَلْ خَافَ «عُمَرُ» هَذَا الْوَعِيدَ؟

– بَلْ زَادَهُ ذَلِكَ عِنَادًا وَإِصْرَارًا.

– إِنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ جُرْأَةِ «عُمَرَ» وَصَلَابَتِهِ، لَا يَتَفَزَّعُ لِمِثْلِ هَذَا الْوَعِيدِ.

– بَلْ يَزْدَادُ لَهُ تَحَدِّيًا وَإِصْرَارًا.

– هَكَذَا كَانَ!

(٢-٥) حِيلَةُ نُعَيْمٍ:
– فَمَاذَا صَنَعَ «نُعَيْمٌ»؟

– لَجَأَ إِلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ، لِيَصُدَّهُ عَنْ غَايَتِهِ.

– مَاذَا قَالَ؟

– أَفْضَى إِلَيْهِ بِإِسْلَامِ أُخْتِهِ «فَاطِمَةَ» وَزَوْجِهَا «سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ» لِيَشْغَلَهُ بِذَلِكَ عَنْ غَايَتِهِ.

– مَا أَبْرَعَ حِيلَتَهُ!

– لَقَدْ عَرَفَ كَيْفَ يُنْسِيهِ جُرْحَهُ الْقَدِيمَ، بِمَا أَدْمَاهُ مِنْ جُرْحٍ جَدِيدٍ.

– يَا لَهُ مِنْ سِيَاسِيٍّ بَارِعٍ!

– فَمَاذَا صَنَعَ «عُمَرُ»؟

– رَأَى أَنَّ أُخْتَهُ وَزَوْجَهَا أَوْلَى بِالنُّصْحِ وَالتَّحْذِيرِ، وَأَحَقُّ بِاللَّوْمِ وَالتَّعْزِيرِ.

– فَأَسْرَعَ إِلَى دَارِهَا فَاقْتَحَمَهَا وَقَلْبُهُ يَغْلِي بِأَحْقَادِهِ.

– فَمَاذَا رَأَى؟

– سَمِعَ أُخْتَهُ وَزَوْجَهَا يُرَتِّلَانِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ.

– لَقَدْ ثَبَتَ لَهُ، حِينَئِذٍ، صِدْقُ مَا نَمَى إِلَيْهِ.

– وَأَحَسَّتْ أُخْتُهُ وَزَوْجُهَا وَقْعَ أَقْدَامِهِ، فَأَخْفَيَا عَنْهُ الصَّحِيفَةَ.

– فَمَاذَا صَنَعَ؟

– بَدَأَ ﺑ «سَعِيدٍ» فَصَرَعَهُ، وَكَادَ يَفْتِكُ بِهِ.

(٢-٦) عُمَرُ يَضْرِبُ أُخْتَهُ وَيُسِيلُ دَمَهَا:
– فَأَسْرَعَتْ أُخْتُهُ إِلَيْهِ لِتَحْمِيَ زَوْجَهَا مِنْهُ.

– فَضَرَبَهَا ضَرْبَةَ مَغِيظٍ حَانِقٍ، فَشَجَّهَا، وَأَسَالَ دَمَهَا.

فَثَارَتْ ثَائِرَةُ الزَّوْجَيْنِ، وَأَقْبَلَا عَلَيْهِ يَتَحَدَّيَانِهِ، وَيُعْلِنَانِ إِسْلَامَهُمَا فِي غَيْرِ مُبَالَاةٍ، وَيَقُولَانِ: «لَقَدْ أَسْلَمْنَا، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ».

– فَكَيْفَ قَابَلَ هَذَا التَّحَدِّيَ الرَّائِعَ؟

– ارْتَبَكَ وَتَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ وَأَدْرَكَ شَنَاعَةَ اعْتِدَائِهِ، حِينَ رَأَى مَا أَلْحَقَهُ بِأُخْتِهِ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْأَذَى، وَرَوَّعَهُ مَا سَالَ مِنْ دَمِهَا.

– لَا عَجَبَ إِذَا تَمَلَّكَهُ الْفَزَعُ.

– أَيُّ مَوْقِفٍ هَائِلٍ؟!

– أَيُّ لَحْظَةٍ مَرْهُوبَةٍ؟!

– وَهَكَذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ النَّدَمُ فَأَطْرَقَ مَحْزُونًا. وَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ، فَأَلْهَمَهُ أَنْ يَسْأَلَ أُخْتَهُ، لِتُرِيَهُ الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَانَا يَتْلُوَانِهَا.

وَلَمْ يَكَدْ يَقْرَأُ مَا تَحْوِيهِ مِنْ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، حَتَّى بَهَرَهُ مَا فِيهَا مِنْ إِعْجَازٍ، فَأَشْرَقَ نُورُ الْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ، وَبَدَّدَتْ أَضْوَاؤُهُ كُلَّ مَا رَانَ عَلَيْهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْوَثَنِيَّةِ.

– فَكَانَ هَذَا سَبَبَ إِسْلَامِهِ.

– ثُمَّ مَاذَا؟

(٢-٧) إِسْلَامُ عُمَرَ:
– أَسْرَعَ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ يُعْلِنُ إِسْلَامَهُ وَيَنْصُرُهُ عَلَانِيَةً، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَخْذُلُهُ عَلَانِيَةً!

– وَأَصْبَحَ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَكْبَرَ نَصِيرٍ لِلْإِسْلَامِ.

– وَأَكْبَرَ عَدُوٍّ لِلْوَثَنِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ.

– وَهَكَذَا كَسَبَ الْمُسْلِمُونَ بِفَضْلِ دَسَائِسِ «أَبِي جَهْلٍ» وَأَنْصَارِهِ أَكْبَرَ أَعْوَانِهِمْ!

– كَمَا كَسَبُوا نُصْرَةَ عَمِّهِ «أَبِي طَالِبٍ»، حِينَ هَدَّدُوهُ بِقَتْلِ ابْنِ أَخِيهِ.

– وَكَمَا كَسَبُوا إِسْلَامَ عَمِّهِ «حَمْزَةَ» وَنُصْرَتَهُ، حِينَ بَالَغَ «أَبُو جَهْلٍ» فِي تَحْقِيرِ الرَّسُولِ، وَأَسْرَفَ فِي إِهَانَتِهِ.

– وَكَسَبُوا نُصْرَةَ «النَّجَاشِيِّ»، حِينَ أَغْرَوْهُ بِطَرْدِ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ.

– وَغَنِمُوا إِسْلَامَ «عُمَرَ» حِينَ زَيَّنُوا لَهُ قَتْلَ الرَّسُولِ.

– لَقَدْ كَانَتْ كُلُّ كَارِثَةٍ تَلْحَقُ بِالرَّسُولِ أَوْ أَصْحَابِهِ، تَخْطُو بِدَعْوَتِهِ النَّيِّرَةِ خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَةً إِلَى الْأَمَامِ!

– وَكَانَ لِحُسَّادِهِ، كَمَا رَأَيْتُمَا، أَكْبَرُ الْأَثَرِ فِي نَجَاحِ رِسَالَتِهِ وَنَشْرِهَا!

– وَالتَّعْجِيلِ بِنَشْرِ أَضْوَائِهَا السَّاطِعَةِ فِي الْآفَاقِ.

– مَا أَصْدَقَ الْقَائِلَ: «كُلُّ مَا لَمْ يَقْتُلْكَ فَهُوَ يَنْفَعُكَ»!

– الْآنَ فَهِمْتُ حِكْمَةَ الْعَرَبِ، وَعَرَفْتُ لِمَاذَا كَانُوا يَبْتَهِجُونَ كُلَّمَا كَثُرَ حُسَّادُهُمْ.

(٢-٨) كَثْرَةُ الْحُسَّادِ دَلِيلٌ عَلَى الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:
– صَدَقُوا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْحُسَّادِ دَلِيلٌ عَلَى الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، فَلَا عَجَبَ إِذَا قَالُوا فِي دُعَائِهِمْ لِمَنْ يُحِبُّونَ: «أَكْثَرَ اللهُ حَاسِدِيكَ.»

– وَرَحِمَ اللهُ الشَّاعِرَ الَّذِي يَقُولُ:
اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الْحَسُودِ
فَـــإِنَّ صَـــبْرَكَ قَــــاتِلُهْ
– كَالنَّارِ تَأْكُلُ بَعْضَهَـــا
إِنْ لَـــمْ تَجِـــدْ مَا تَأْكُلُهْ


– وَرَحِمَ اللهُ الْقَائِلَ:
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَـشْــــــرَ فَضِيـــــلَةٍ
طُــوِيَتْ، أَتَـــاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
– لَوْلَا اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ
مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ!