أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الطريق إلى هيروشيما الأحد 02 يونيو 2024, 8:04 am | |
| التوسع الياباني في شرقي آسيا فجَّر الغزو الياباني لمنشوريا في عام ١٩٣١م، الصراع بين الصين واليابان، فعلى الرغم من محاولة اليابان إحياء حُكم آخر الأسرات الإمبراطورية في الصين في الدولة الجديدة التي قامت على أسنَّة الحراب اليابانية باسم دولة منتشوكو بدعوى قيام حركة انفصالية صينية في الإقليم، عجزَت اليابان عن إقناع حكومة الصين الوطنية والدول الأوروبية صاحبة المصالح في الصين بالوضع الجديد، وانسحبَت من عصبة الأمم ردًّا على قرار عدم الاعتراف بالنظام الجديد في منشوريا الذي اتخذته العصبة (مارس ١٩٣٣م) واستمرَّت المقاومة الصينية حتى عام ١٩٣٧م، ولكن تحولًا كبيرًا حدث في موقف اليابان منذ ذلك التاريخ الذي يحدد أيضًا بداية تزايُد نفوذ العسكريين في السلطة، وحرصهم على اتباع سياسة التوسع العسكري لكسب مزيد من الأرض على الساحة السياسية في البلاد، فبدأَت حربٌ دامية غير معلَنة بين الصين واليابان بما عُرِف باسم حادث جسر ماركو بولو (يوليو ١٩٣٧م)، ما لبثَت أن التحمَت بالصراع العالمي الكبير في عام ١٩٤١م، بعد حادث بيرل هاربر.
وبرَّر النظام الفاشي الياباني سياسة التوسع في الصين وجنوب شرقي آسيا بالحاجة إلى توفير الأمن للبلاد، فالصين تُنازع اليابان زعامة شعوب آسيا، والشيوعية المعادية للنظام الإمبراطوري تنشر لواءها في سيبيريا، والولايات المتحدة الأمريكية تبني أسطولًا قويًّا في المحيط الهادي ولا تخفي اهتمامها بالمنطقة فتُبدي تحفُّظها على تقسيم الصين على الطريقة اليابانية
والسبيل الوحيد لتحقيق الأمن للبلاد إنما يكون بالسيطرة التامة على الصين وبلاد جنوب شرقي آسيا، لتوحيد المنطقة كلها تحت زعامة اليابان في مواجهة الزحف الغربي، ومن ثَم كان احتفاظ اليابان بقوةٍ عسكرية كبيرة ضرورة تفرضها اعتبارات الأمن القومي.
وبعد حادث جسر ماركو بولو الذي تحرَّشَت فيه قوةٌ يابانية بالحامية الصينية هناك في ٧ يوليو ١٩٣٧م، احتل اليابانيون إقليمَي «بي بنج» و«تين تسن»، ثم توغلَت قواتهم في منغوليا فاحتلَّت «كالجان» لتقطع بذلك خطوط المواصلات الرئيسية بين الصين وروسيا السوفياتية، وزحفَت قوةٌ يابانية كبيرة إلى «شنسي» و«شانسي» لتوجيه ضربةٍ قاضية إلى القوات الشيوعية الصينية هناك، غير أن الغزاة قُوبِلوا بمقاومةٍ عنيفة من جانب الشيوعيين الذين شنوا ضدهم حرب عصاباتٍ أنهكَت قواهم، وعندما دخلَت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد اليابان عند نهاية عام ١٩٤١م، كانت خطوط اليابانيين في هذا الإقليم متجمدة عند الحد الذي بلغَته في عام ١٩٣٨م.
وسيطر اليابانيون كذلك على وادي اليانجتسي، ثم قدَّموا شروطهم لحكومة الصين الوطنية (الكومنتانج) التي تضمَّنَت الاعتراف بسيطرة اليابان على المواقع الاستراتيجية الهامة، والاعتراف بمنتشوكو، وتكوين جبهةٍ اقتصادية تضم اليابان والصين ومنتشوكو، فرفض شيانج كاي شيك هذه الشروط جميعًا.
وحين يئس اليابانيون من إملاء شروطهم على حكومة الصين الوطنية، تجاهلوها وحاولوا إقامة حكوماتٍ صينية في الأقاليم الخاضعة لهم على نسق حكومة منتشوكو، فأعلنوا قيام «جمهورية الصين» في بكين (ديسمبر ١٩٣٧م)، ولكنها وُوجِهَت بحربٍ ضروس شنَّتها العصابات التي نظمها الشيوعيون في الشمال، فشكَّل اليابانيون حكومةً أخرى في نانكنج برئاسة «وانج تشنج وي» أحد رفاق صن يات صن وعضو الكومنتانج المنشق، وانضم إلى الحُكومة عدد من أعضاء الكومنتانج المنشقين
وأعلنَت هذه الحُكومة أنها الممثل الوحيد للشعب الصيني، وأنها ترى أن من مصلحة الصين أن تتعاون مع اليابان، وعقدَت معاهدة في نوفمبر ١٩٤٠م، مع اليابان للدفاع المشترك ضد الشيوعية والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، واعترفَت ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا وغيرها من دول أوروبا الفاشية بحكومة وانج في يوليو ١٩٤١م.
وضمَّت المنطقة الواقعة تحت الاحتلال الياباني أقاليم غنية بالموارد الطبيعية تمتدُّ من وادي اليانجتسي فيما بين شنغهاي وهانكو جنوبًا حتى بي بنج وتشاهار شمالًا، وامتدَّت إليها سلطة حكومة وانج وخضع لها نحو ٢٠٠ مليون نسمة من السكان
وبدأَت اليابان استغلال المنطقة اقتصاديًّا، فتكوَّنَت شركات للتجارة والصناعة والتعدين امتلك اليابانيون نصف أسهمها، ورَوَّجَت الدعاية لتهدئة السكان وتصفية شعور العداء نحو اليابانيين.
ورغم فقْد الصين لنصف أراضيها وأغنى أقاليمها بالموارد الطبيعية؛ فإن الوطنيين والكومنتانج أعادوا تنظيم صفوفهم في المناطق الداخلية، وأقاموا عاصمةً مؤقتة في تشنج كنج، ونقلوا إلى هذه المنطقة الإقطاعية المتخلفة المصانع والمدارس والجامعات؛ استعدادًا لحربٍ طويلة الأمد ضد الغزاة
وقاد الحزب الشيوعي الصيني المقاومة في الشمال الغربي، فاستطاع أن يرد اليابانيين على أعقابهم في أول هزيمة مُنوا بها حين طردهم من شانسي إلى سهل الصين الشمالي، ونظَّم الحزب الشيوعي إدارة الأقاليم الواقعة تحت يده
وما كاد يحل عام ١٩٤١م، حتى كانت المنطقة المحرَّرة التابعة للحزب الشيوعي تضم حوالي ٥٠ مليون نسمة، ولكن الكومنتانج بدأ يتشكك في نوايا الشيوعيين رغم تحالفه معهم، وفي مدى صلاحية استراتيجية النفَس الطويل وحرب العصابات التي لجَئوا إليها، كما رفض الشيوعيون أن يسلموا الكومنتانج زمام أمورهم السياسية والعسكرية، وأثمرَت بذور الشك هذه انشغال كلٍّ من الطرفَين عن مقاومة اليابانيين واصطدامهما —أحيانًا— ببعضهما البعض.
وحاولَت بريطانيا أن تقنع الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بعملٍ مشترَك في الصين لإيقاف التدخل الياباني، ولكن الأخيرة كانت مشغولة بمعالجة آثار الكساد العالمي، تخشى التورط العسكري في المنطقة، وتفضِّل الركون إلى الأساليب الدبلوماسية، وفشلَت عصبة الأمم في إصدار قرار بفرض عقوبات على اليابان بسبب تميُّع موقف الولايات المتحدة وإيطاليا.
وأدَّى فشل الجهود الدولية لوضْع حدٍّ للتدخل الياباني في الصين إلى تشجيع اليابان على الْتماس حليفٍ على القارة الأوروبية، فوقَّعَت مع ألمانيا معاهدة دفاعٍ مشترك «ضد الخطر المتزايد للشيوعية» في نوفمبر ١٩٣٦م، ثم ما لبثَت أن وقَّعَت نفس المعاهدة مع إيطاليا، وبذلك ضمنَت عدم تدخُّل الاتحاد السوفياتي ضد الوجود الياباني في الصين، وازدادت القوات اليابانية ضراوة في مواجهة المقاومة الصينية التي لم تلِن قناتها
ولجأت اليابان إلى انتهاج سياسةٍ جديدة اعتبارًا من نوفمبر ١٩٣٨م، أطلقَت عليها اسم «النظام الجديد لشرق آسيا» مؤدَّاها إقامة تنسيقٍ بين اليابان ومنتشوكو والصين المحتلة في الأمور الاقتصادية
وفي إطار هذه السياسة شنَّت اليابان حربًا ضد المصالح الأجنبية غير اليابانية في الصين، فحاصرت مناطق الامتيازات الفرنسية والإنجليزية في «تين تسن» وأخذَت تفتِّش علانية الأوروبيين الداخلين إلى هذه المناطق أو الخارجين منها لتبرهن للصينيين على حقيقية الدعاية اليابانية؛ التي تقول بأن عصر السيطرة الأوروبية قد ولَّى، وأن اليابان حرَّرَت شعوب آسيا من السيطرة الغربية
ولم تسلَم من هذه الإجراءات المناطق التابعة لألمانيا حليفة اليابان، وكذلك مناطق الامتيازات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية؛ مما أضر بالمصالح الرأسمالية الأمريكية ودفع الولايات المتحدة إلى إعلان إلغاء معاهدة التبادل التجاري مع اليابان.
وعندما شَبَّ أوار الحرب العالمية الثانية في أواخر صيف ١٩٣٩م أعلنَت اليابان حرصها على عدم التورط في ذلك «الصراع الأوروبي» وأنها ستبذل قصارى جهدها لحل المسألة الصينية
غير أن تلك الحرب الأوروبية أثَّرَت على الوضع السياسي في آسيا؛ فرغم وقوف الولايات المتحدة الأمريكية على الحياد —من الناحية الرسمية— كانت تمدُّ الدول الديمقراطية في أوروبا بالأموال والسلاح، وسقطَت هولندا وبلجيكا وفرنسا في يد الألمان في شهرَي مايو ويونيو ١٩٤٠م، وبدأَت بعد ذلك معركة بريطانيا
وأدَّت هذه التطورات إلى إطلاق يد اليابان في آسيا، فقد تغاضى الإنجليز عن الإمدادات اليابانية التي كانت تُنقَل إلى الصين الوطنية عبر هونج كونج وبورما، كما حصلَت اليابان على حق استخدام مطارات الهند الصينية الخاضعة لحكومة فيشي الفرنسية في مهاجمة جنوب غرب الصين، وأرسلَت بعثة تجارية يابانية إلى جُزر الهند الشرقية الهولندية في محاولةٍ فاشلة للحصول على المزيد من إمدادات البترول، وبذلك حاولَت اليابان استغلال الظروف الصعبة التي كانت تواجهها دول أوروبا الغربية في تدعيم مركزها الاستراتيجي، وتوجيه ضربةٍ قاضية إلى المصالح الاقتصادية لتلك الدول عن طريق مستعمراتها الغنية بالبترول والمطاط والبوكسيت والحديد في جنوب شرقي آسيا.
وكان العسكريون اليابانيون يضغطون على حكومتهم منذ مارس ١٩٣٩م، لعقْد معاهدة تحالُف كامل مع ألمانيا، وأبدَت ألمانيا استعدادها للتجاوز عما لحق بمصالحها الاقتصادية في الصين من أضرار على يد اليابان من أجل عقد هذا التحالف الذي يدعم مركزها في أوروبا، غير أن معاهدة التحالف لم تُوقَّع نهائيًّا إلا في سبتمبر ١٩٤٠م، وانضمَّت إليها إيطاليا باعتبارها شريكة ألمانيا في الحرب
وأصبح واضحًا أن الحلف الياباني - الألماني - الإيطالي، يستهدف الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، فقد علَّقَت ألمانيا الآمال على هذا التحالف للحد من تدفُّق الإمدادات الأمريكية على بريطانيا
أمَّا اليابان فاعتبرَت الحلف بمثابة إنذارٍ موجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما فكَّرَت في التدخل ضد التحركات التي كان الجيش الياباني يزمع القيام بها.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن وحدَها الشغل الشاغل لليابان، لأن الاتحاد السوفياتي قد يتدخل في شمال الصين إذا نقلَت اليابان نشاطها العسكري إلى جنوب شرقي آسيا، وخاصة أن الأخيرة فقدَت الأمل في بقاء الاتحاد السوفياتي على الحياد على تلك الجبهة منذ وقع صدام بين جيش كوانتونج الياباني والجيش السوفياتي على حدود منغوليا في أغسطس ١٩٣٩م، خسر فيه اليابانيون ١٨ ألف جندي بين قتيل وجريح، وتجدَّدَت بذلك الاشتباكات بين الطرفَين، فأصبح من المُحتمل أن يوسّع السوفيات نشاطهم على الجبهة الصينية إذا شُغِل اليابانيون بالتوسع في جنوب شرقي آسيا
وبدأَت الدبلوماسية اليابانية نشاطها من أجل ضمان حيدة الاتحاد السوفياتي خلال توسُّع اليابان في جنوب شرقي آسيا، فدارت مفاوضاتٌ بين الطرفَين حول المناطق المتنازَع عليها على الحدود الصينية الشمالية، نجح خلالها ماتسوكو سايونجي وزير الخارجية الياباني في عقد معاهدة عدم اعتداء مع موسكو في ٣ أبريل ١٩٤١م، وبذلك ضمنَت اليابان سلامة مؤخرتها، وتفرغَت للبحث عن سبيلٍ لشل حركة الولايات المتحدة أثناء قيامها بتنفيذ سياستها التوسعية في جنوب شرقي آسيا وتصفية المقاومة الصينية.
وكانت سياسة الولايات المتحدة في المحيط الهادي ترمي إلى مقاومة الأطماع اليابانية، ففرضَت حكومة الرئيس روزفلت عقوباتٍ اقتصادية على اليابان حظرَت بمقتضاها تصدير البنزين والحديد الخردة والصلب إليها اعتبارًا من يوليو ١٩٤٠م
وتدهورَت نتيجة لذلك العلاقات اليابانية - الأمريكية، وفشلَت المفاوضات غير الرسمية التي دارت بين الطرفَين لرفع القيود التي فرضها الأمريكيون على التجارة بين البلدَين، ولكن الشروط التي قدَّمَتها الولايات المتحدة كانت تعني الحد من التوسع الياباني في شرقي آسيا، وكل ما أثمرَته هذه المفاوضات إتاحة الفرصة أمام الطرفَين للاستعداد للحرب.
وحين بدأَت ألمانيا غزو الاتحاد السوفياتي في ٢٢ يونيو ١٩٤١م، دون أن يكون لدى حليفتها اليابان علمٌ مسبَق بتدابير الغزو، ترك هذا الحدث أثرًا فعَّالًا على الموقف الياباني، فعقد المجلس الإمبراطوري اجتماعًا في ٢ يوليو تقرَّر فيه اختيار مدى فاعلية معاهدة عدم الاعتداء مع السوفيات عن طريق التوسع في الهند الصينية، والاشتراك في الحرب الأوروبية للاستفادة من نتائج هزيمة السوفيات أمام ألمانيا التي بدَت —عندئذٍ— وشيكة الوقوع
فطالبَت اليابان حكومة فيشي الفرنسية بمنحها قواعد جديدة في الهند الصينية، وحين تلكأَت الأخيرة قامت باحتلال المستعمرة الفرنسية، وأعدَّت الخطط العسكرية للاستيلاء على الملايو وجزر الهند الشرقية والفلبين، وكانت البحرية اليابانية قد بدأَت منذ مطلع عام ١٩٤١م، تدريباتها على ضرب بيرل هاربر القاعدة البحرية الكبرى في المحيط الهادي.
غير أن أمريكا لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات، فوجَّه الرئيس روزفلت ضربة إلى المصالح المالية اليابانية حين أصدر مرسومًا بتجميد الأموال اليابانية في بنوك أمريكا كردٍّ على غزو اليابان للهند الصينية
وحاول رئيس الحُكومة اليابانية أن يجتمع بالرئيس روزفلت؛ لتلافي وقوع الحرب بين البلدين، ولكن الحُكومة الأمريكية لم تُوافق على اللقاء المقترَح إلا إذا أوقفَت الجيوش اليابانية تقدُّمها في الهند الصينية، وأصدرَت اليابان إعلانًا واضحًا عن نواياها في المنطقة، ففشلَت بذلك محاولات تأجيل الصدام بين البلدَين، وانتقل مركز الثقل داخل الحُكومة اليابانية إلى جانب العسكريين، فشكَّل طوجو هيديكي وزير الحربية حكومةً عسكرية في ١٨ أكتوبر ووافق المجلس الإمبراطوري في ٥ نوفمبر على تقديم مقترحاتٍ جديدة إلى الولايات المتحدة لتسوية الموضوعات المتنازَع عليها، على أن تقبل الأخيرة هذه المقترَحات في موعدٍ أقصاه ٢٥ نوفمبر وفي حالة رفْض الولايات المتحدة لهذه المقترحات يتم الهجوم على بيرل هاربر ومانيلا وسنغافورة
وعندما رفضَت أمريكا الإذعان لهذه المقترحات شن اليابانيون هجومهم المشهور على بيرل هاربر في ٧ ديسمبر، فأعلنَت الولايات المتحدة وبريطانيا الحرب على اليابان في اليوم التالي، مما دعا ألمانيا وإيطاليا إلى إعلان الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية في ١١ ديسمبر ١٩٤١م.
ويذهب بعض المؤرخين الأمريكيين إلى أن حادث بيرل هاربر كان من تدبير حكومة الرئيس روزفلت التي سعَت إلى إقناع الشعب الأمريكي بالدخول في الحرب إلى جانب دول غرب أوروبا الديمقراطية ضد دول المحور، فتراخت في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لاتقاء الضربة اليابانية الأولى، رغم تمكن المخابرات الأمريكية من حل الشفرة اليابانية، وعِلْمها المُسبَق بمخططات اليابان العسكرية
ولا يقدِّم أصحاب هذا الرأي دليلًا مقنعًا على صحة وجهة نظرهم، فلو كان الحادث من تدبير الحُكومة الأمريكية حقًّا لجاءت خسائره محدودة، ولَمَا ترتَّب عليه شل حركة الأسطول الأمريكي تمامًا في المحيط الهادي حتى تمكنَت اليابان من جني ثمار تلك الضربة المفاجئة، فاستولَت على هونج كونج وفورموزا والملايو والفلبين وجزر الهند الشرقية، ولم تبدأ أمريكا هجومها المضاد ضد التوسع الياباني في جنوب شرقي آسيا إلا في نوفمبر ١٩٤٣م.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الطريق إلى هيروشيما الأحد 02 يونيو 2024, 8:04 am | |
| التورط في الحرب وسقوط الفاشية وقابلَت الولايات المتحدة اكتساح اليابان لجنوب شرقي آسيا بخطةٍ عسكرية التزمَت حدود الدفاع؛ حتى تتفرغ مع حلفائها لمواجهة هتلر، وتعيد بناء قواتها في المحيط الهادي وتنسيق خططها مع الحلفاء في مجال الاستراتيجية والإنتاج الاقتصادي
ثم انتقلَت بعد ذلك من موقف الدفاع إلى الهجوم، فشنَّت غارات جوية من حاملات الطائرات الأمريكية على الأسطول الياباني (٧، ٨ مايو ١٩٤٢م) نجحَت خلالها في إحباط محاولة اليابانيين قطْع خطوط الإمدادات الأمريكية لأستراليا عبْر جنوب المحيط الهادي، وحققَت أول انتصار على الأسطول الياباني في المعركة ميدواي Midway التي أغرقَت خلالها قاذفات القنابل الأمريكية ٢١ سفينة حربية يابانية (٤، ٧ يونيو ١٩٤٢م)، وبذلك حالت دون احتمال وقوع جزر هاوائي في يد اليابانيين.
وبدأ مد الانتصارات التي حققها اليابانيون في الانحسار اعتبارًا من عام ١٩٤٣م، حين شن الأمريكيون هجومًا شاملًا على المستعمرات اليابانية في المحيط الهادي فيما عُرِف باسم «معركة الباسيفيكي» التي امتدَّت حتى منتصف عام ١٩٤٥م، وتمكَّن الحلفاء خلالها من دحر القوات اليابانية في مجموعة الجزر المتناثرة في المحيط الهادي، وانتزاع بورما وسنغافورة والفلبين وغينيا الجديدة وأوكيناوا من أيديهم، وأنهكَت الغارات الجوية والغواصات الأمريكية الأسطول الياباني، فأغرقَت ما يُقدَّر بسبعمائة سفينة يابانية حتى نهاية عام ١٩٤٤م، الذي بدأ الأمريكان عند منتصفه غاراتهم الجوية على المناطق الخاضعة لليابان في شمال الصين ومنشورياً
وأخذَت قاذفات القنابل الأمريكية منذ مطلع عام ١٩٤٥م، تقصف المراكز الصناعية اليابانية الهامة في الجزر اليابانية ذاتها مثل طوكيو وناجويا وأوساكا وكوبي وغيرها، كما دمرَت العديد من المطارات في جزيرة كيوشو
وانضم الإنجليز إلى حلفائهم الأمريكيين في عمليات القصف الجوي للمدن اليابانية اعتبارًا من يوليو ١٩٤٥م، فقُدِّرَت الطلعات الجوية على المدن اليابانية بأكثر من ألفَي طلعة في اليوم الواحد، وفقدَت اليابان في الشهور الأخيرة من نفس العام ما قُدِّر بثلاثة آلاف طائرة و١٦٠٠ سفينة بين حربية وتجارية
وما كاد يحل أول أغسطس ١٩٤٥م، حتى كانت اليابان قد فقدَت القدرة على القتال في الجو والبحر.
وحين توالت الهزائم على اليابان قرر المجلس الإمبراطوري في يوليو ١٩٤٤م، تنحية الجنرال طوجو هيديكي من السلطة وتشكيل حكومةٍ عسكرية جديدة لمواجهة الموقف، ولكن هذه الحُكومة عجزَت عن تغيير دفة النكسات العسكرية التي لحقَت بالبلاد، وتلَتها حكومتان عسكريتان أخريان لم تحرزا أي تقدُّم في هذا المجال، فشدد الحلفاء هجماتهم المكثفة على اليابان
وكانت خسارة اليابان للحرب أمرًا مسلَّمًا به، فجرَت اتصالات بين الحُكومة اليابانية والروس في ١٣ يوليو ١٩٤٥م، تنشد من السوفيات التوسط لدى الأمريكان والإنجليز لعقد معاهدة سلام وإنهاء حالة الحرب، غير أن السوفيات التزموا الصمت، فقد تعهد ستالين في مؤتمر يالتا (فبراير) بالهجوم على منشوريا وكوريا في أغسطس لاستنزاف الطاقة العسكرية لليابانيين ومنعهم من الاستفادة بقواتهم هناك في تدعيم الدفاع عن اليابان ذاتها؛ ولذلك تلكأ السوفيات في الرد على اليابانيين حتى ٨ أغسطس بعد تعرُّض هيروشيما للقصف الذري بيومَين اثنين رغم أن استخدام هذا السلاح الجديد تم دون علمهم، فلم يطلعهم حلفاؤهم الأمريكيون على ما يفيد امتلاكهم لهذا السلاح
وجاء الرد السوفياتي على طلب اليابان في صورة بلاغ من الحُكومة السوفياتية أعلنَت فيه دخولها الحرب ضد اليابان اعتبارًا من اليوم التالي للبلاغ، وقطْع العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين
وبعد هذا البلاغ السوفياتي بساعات قُصِفَت مدينة نجازاكي وقاعدتها البحرية بقنبلةٍ ذرية أمريكية ثانية، وشَنَّ السوفيات هجومًا كبيرًا على القوات اليابانية في كوريا ومنشوريا، فتحطمَت آمال العسكريين اليابانيين في عقْد سلامٍ مشرِّف، واضطُروا إلى القبول بشروط الحلفاء والتسليم لهم نهائيًّا في ١٤ أغسطس، ووقعَت معاهدة التسليم غير المشروط فوق ظهر السفينة الحربية الأمريكية ميسوري التي ألقَت مراسيها في خليج طوكيو (٢ سبتمبر ١٩٤٥م).
ولم يكن قرار التسليم غير المشروط ناتجًا عن تعرُّض مدينتَين من أكبر مدن اليابان وقاعدتَين من أعظم قواعدها البحرية للقصف الذري، أو عن دخول السوفيات الحرب ضد اليابان واجتياحهم كوريا ومنشوريا، ولكنه كان نتيجة تصدُّع النظام العسكري الفاشي منذ نهاية عام ١٩٤٤م، بعدما خسرَت اليابان معركة الباسيفيكي وفقد النظام مبررات وجوده، وكان قرار التسليم للحلفاء يتوقف على انهيار الحُكم العسكري، وقد أقدم الإمبراطور على اتخاذ هذه الخطوة، فأعلن بنفسه قرار التسليم بلا قيد ولا شرط فمارس بذلك سلطته لأول مرة في ظل نظام طالما اتخذ الولاء للإمبراطور سبيلًا لتدعيم سلطته، وأدار سياسة البلاد نيابة عن الإمبراطور الذي لم يكن يتمتع بسلطةٍ حقيقية، وكان المجلس الإمبراطوري الذي يخطط للسياسة العليا للبلاد ويضم أقطاب البيروقراطية وكبار العسكريين ورؤساء الحُكومات السابقين يُصدر قراراته وفْق هوى الطغمة العسكرية الحاكمة، وبنزول قوات الحلفاء إلى اليابان أُلقِي القبض على أقطاب النظام العسكري الحاكم، وقُدِّموا للمحاكمة باعتبارهم مجرمي حرب، وشُكلَت في ٢٢ أبريل ١٩٤٦م، حكومة برئاسة شيديهارا كيجيرو آخر مَنْ بقي على قيد الحياة من الشخصيات الليبرالية التي لعبَت دورًا بارزًا في الحياة السياسية قبل انجراف اليابان في تيار الفاشية، ووقع على كاهل حكومته عبء إصلاح ما أفسدَته الحرب وإعادة بناء اليابان وفق أسس جديدة خطَّط لها الأمريكيون ونفَّذها الساسة الليبراليون.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الطريق إلى هيروشيما الأحد 02 يونيو 2024, 8:12 am | |
| مصادر يمكن الرجوع إليها: (1) Alperovitz, Gar: Atomic Diplomacy, Hiroshima and Potsdam New York 1965. (2) Amrine, Michael: The Great Decision, The Secret History of the Atomic Bomb, New York 1969. (3) Herbert Feis: The Road to Pearl Harbor, USA 1950. (4) James David: The Rise and Fall of the Japanese Empire, London 1951. (5) Maruyama Masao: Thought and Behavior in Modern Japanese Politics, ed by Ivan Morris, USA 1963. (6) Richard Storry: The Double Patriots, A Study in Japanese Nationalism, USA 1957. (7) Seiji G. Hishida: Japan Among the Great Powers, USA 1940. (8) Stonier, Tom: Nuclear Disaster, New York 1963. (9) Togo, Shigenori: The Cause of Japan, New York 1956. (10) William Craig: The Fall of Japan, USA 1967. (11) Yale. C Maxim: Control of Japanese Foreign Policy, A Study of Civil-Military Rivaly 1936–1945, USA 1957.
|
|