هو وهي - [24] نهاية الطريق!
راقبي نفسك دائمًا واعرضي تصرفاتك وأفكارك الزوجية على مشرحة المحاسبة، فإنْ سرّك ما تجدين فاشكري الله تعالى، وإلا فبادري سريعًا بالتغيير للأفضل، وارفعي أكفّ الضراعة لِمَن يسمع ويجيب.
لم يبق لي صديق، هل كان يجب أن أخوض كل هذه التجارب لأعلم أن الوحدة هي الحقيقة الفاصلة في هذه الحياة؟! هنا.. هناك.. هنالك.. ما الفرق؟!
إن كان للغربة نفس المذاق؟! وما زلت أتساءل! هل ما أطلبه كثير؟! وهل ما أتثاقل منه هو فعليًا تافه وأنفخ فيه ليصبح وِسع الكون؟! هل لهذه الدرجة أنا عصيّة على الفهم والتعاطف؟!
لِـم على المرء أن يخسر دائمًا الكثير مقابل حصوله على شيء واحد؟! هي ابتلاءات الحياة.. أدري! ولكن تعاظمت عندي تكاليفها! كلما مررت من مرحلة إلى أختها وجدت طاقتي تضمحل على الاحتمال! انفرط العقد!!
يا له من عمر طويل! طويل.. وثقيل! أختنق على مدار الدقيقة! كيف سأستطيع أن أُخفي دموعي وأتظاهر أن كل شيء على ما يرام كي لا يتضايق فيعيفني وينفرد في عالمه، ويدير لي ظهره ليلًا فألتحف الحزن وأساير الدموع؟!
هل أنسلخ من ذاتي وشخصيتي كي أريحه، فأموت؟!! بين إقبال وإدبار، بين حزن عميق وسعادة عابرة، بين حاجة مفقودة وأمل ضائع، بين حب ونفور، هذه أنا!!
هو معي، وليس معي! كيف أُفهِمه أنني أريد زوجًا يضمني ويسمع أنيني ويتحمل (تفاهتي)؟!! أقتات بعض كسرات حب ألملمها بين الفينة والأُخرى، عند انتهاء الزحام! دخلت النفق المظلم ولن أرى النور حتى أتحلل من هذا الرباط «الغليظ»!
كلماتٌ تعصف بعقل زوجة عافت الحياة مع زوج لا يفهمها، لا يحاورها، لا يُسعِدها! وتحوّلت علاقتها معه إلى معاناة دائمة، فاختارت الطلاق، ولي معها هنا وقفات.
هل كان الطلاق هو الخيار الأسهل؟
فتحسين العلاقة والعمل عليها مُجهِد ومُكلِف، وحين نعاف الحزن نجد خيار الطلاق هو الأنسب (الآن).. أمّا ما بعده.. فهل فكّرنا فيه؟ هل طرحنا على بساط البحث ما هي آثار الطلاق وعواقبه على النفس والأولاد؟ كيف سيكون شكل الحياة بعده؟ أين سنسكن؟ مَن سينفق علينا؟ مَن سيدعمنا نفسيًا ومعنويًا؟
هل حقًا استحالت الحياة معه جحيمًا؟!
أم أن وضعكِ الاقتصادي جيد فاستسهلتِ الفراق؟ هل هناك حبّ يلوح في الأفق سهّل فك الارتباط لتتعلّقي - ربما - بوهمٍ وسراب؟! هل حقًا حاولت بكل قوتك واستطاعتك ردم الصدع ففشلتِ؟! هل كنتِ حاضرة القِبلة في جوف الليل تهزّين السكون بالأنين والابتهالات لرب الأكوان؟!
أمّا وقد عرضتِ كل هذه الأسئلة على نفسك ووجدتِ أنّك قمتِ بكل ما يلزم ولكن دون جدوى، وتيقّنتِ أنّ الحال لا بد أفضل بعد الطلاق والأمور مرتّبة، وأولادك سيعيشون في ضرر أقل بكثير، فاستخيري واستشيري كثيرًا قبل المسير إلى نهاية الطريق! وإياكِ أن تزعزعي صورة الوالد أمام صِغارك، وأبقي (وإياه) على الاحترام بينكما؛ فإن لم يصلح زواجكما فليس أقل من أن ينجح طلاقكما!
وحتى لا تتكرر مآسٍ أنثر نصائح ثلاثًا (لو) تفكّرتْ فيها الزوجة وطبّقتها لكفتها لاستقرار زواجها بإذن الله جل وعلا:
فأمّا الأولى: إياكِ أن تجعلي زوجكِ محور الكون فإن بَعُدَ أو قصّر أو مال لأُخرى انهار كيانك! قومي بواجبكِ نحوه وأحبّيه (هونًا ما) دون تعلّق (مجنون).
وأمّا الثانية: فلتكُن الإيجابية رفيق دربكِ، ولو تصارعت فكرتان فغلّبي الحسنة، فإنّ للأفكار الإيجابية تأثيرًا كبيرًا على الحياة وطيبها.
وأما الثالثة: فتألّقي بقوتك، إياك ومشاعر الضعف، فإن استولت عليك فستحطمك وتُشعِرك بالعجز، فإن اخترتِ البقاء مع زوج لا يرتقي لمستوى طموحاتك (لانعدام حل آخر أو من أجل الأولاد) فتقبّلي هذا الأمر ولا تسمحي للوهن أن يغزو نفسك، واستعيني بالله جل وعلا واحتسبي أمرك عنده.
وهمسة أخيرة، راقبي نفسك دائمًا واعرضي تصرفاتك وأفكارك الزوجية على مشرحة المحاسبة، فإنْ سرّك ما تجدين فاشكري الله تعالى، وإلا فبادري سريعًا بالتغيير للأفضل، وارفعي أكفّ الضراعة لِمَن يسمع ويجيب.
وأُنهي بكلماتٍ للكاتب البليغ مصطفى صادق الرافعي:
"ألا ما أشبهَ الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر! إن ارتفعت السفينة أو انخفضت أو مادَت فليس ذلك منها وحدها بل مما حولها، ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئًا ولكن قانونها هي الثبات والتوازن والاهتداء إلى قصدها ونجاتُها في قانونها فلا يَعْتبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه".
بقلم الأستاذة: سحر المصري
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين