مؤسس الحضارة الإسلامية في مصر Ocia1887
    مؤسس الحضارة الإسلامية في مصر
    وقد شيَّد عمرو بن العاص أول جامع بمصر سنة 21هـ في الفسطاط، والذي كان يمثل ظهور الإسلام في مصر وانضواءها تحت الحكم الإسلامي، وقد عرف هذا الجامع في عهد ازدهاره بتاج الجوامع، ثم عرف بعد أن تقادم به الزمن بالجامع العتيق، ويقع شمالي حصن بابليون، وقد أصبح هذا الجامع منارًا ساطعًا للعلم والثقافة، يحكي تاريخ مصر الإسلامية عبر العصور إلى اليوم[9].

    وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه (23-35هـ/ 643- 655م)، بدأ المسلمون في تجهيز أسطول ليقضي على أي هجوم من ناحية البحر، ويقوم بالجهاد ضد أملاك البيزنطيين، وقد أُسنِد بناء هذا الأسطول إلى العناصر الخبيرة في البلاد المفتوحة في كل من مصر والشام، وبخاصة إلى القبط الذين أسهموا بنصيب وافر في بناء الأسطول الإسلامي، بحيث لم تأت سنة (33هـ/ 654م) حتى كان للمسلمين أسطول ضخم، استطاعوا به أن يحطموا السيادة البيزنطية في البحر المتوسط، ويستولوا على بعض جزره[10].

    ذات الصواري .. أول نصر بحري للمسلمين
    وفي سنة 34هـ/ 655م، قدم أسطول لغزو الإسكندرية بقيادة الإمبراطور قنسطانز الثاني لاسترداد مصر من المسلمين، وكان والي مصر آنذاك هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح من قبل الخليفة عثمان بن عفان، فخرج عبد الله بن سعد على رأس الأسطول المصري لصد خطر البيزنطيين، وفي الوقت نفسه بعث معاوية بن أبي سفيان أسطوله بقيادة بسر بن أبي أرطاة للتعاون مع الأسطول المصري، وتقابل الأسطولان مع الأسطول البيزنطي بقيادة قنسطانز الثاني في فونكس على ساحل ليكيا جنوبي آسيا الصغرى في معركة عرفت باسم ذات الصواري لكثرة صواري السفن، وقد كان القتال عنيفًا بين الطرفين، وفي هذه المعركة حوَّل المسلمون القتال البحري إلى اشتباك وجهًا لوجه، إذ ربطوا السفن الإسلامية بالسفن البيزنطية، ثم اتخذوا من ظهر السفن المتلاحمة ميادين قتال أشبه بميادين البر، وبذلك حقق المسلمون أول انتصار بحري عظيم في الإسلام، وصفه المؤرخون بأنه اليرموك الثانية.

    وعلى أية حال، لم يستغل المسلمون هذا النصر ليندفعوا إلى القسطنطينية، وربما يرجع السبب في ذلك إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان الذي حدث في ذلك الوقت[11].

    عصر الولاة
    وعندما تولى عبد العزيز بن مروان (65- 86هـ/ 684- 705م) عامل الأقباط معاملة طيبة، ولما بنى مدينة حلوان واتخذها عاصمة له بدلاً من الفسطاط، نقل إليها بيت المال، وكان الأمين عليه رجلاً قبطيًّا، وطلب عبد العزيز إلى الأقباط أن يبنوا لهم دورًا بمدينته الجديدة، ولكي يحبِّب إليهم سُكناها أمر البطريرك ببناء كنيسته فيها[12].

    وفي عصر الولاة اهتم حكام مصر بشئونها الاقتصادية، فأولوا عنايتهم بالزراعة عقب الفتح مباشرة، وعملوا على زيادة الغلاّت والمحاصيل، واهتموا بشئون الري، ولهذا أقاموا مقاييس للنيل لمعرفة الزيادة والنقصان في مياهه، فبنى مسلمة بن مخلد مقياسًا في جزيرة الروضة، وبنى عبد العزيز بن مروان مقياسًا بحلوان، وأقام أسامة بن زيد التنوخي عامل الخراج بمصر في خلافة سليمان بن عبد الملك (96- 99هـ) مقياسًا كبيرًا بالروضة سنة 97هـ[13].

    أتى عبد الله بن طاهر قائد الخليفة المأمون من الشام إلى مصر في سنة (211هـ/ 825م)، فأعاد الهدوء والاستقرار اللذين فقدتهما مصر أثناء الفتنة التي حدثت بين الأمين والمأمون، والتي وصلت جذوتها بين رجالات مصر الذين تحاربوا فيما بينهم للاستئثار بسلطة مصر، وعندما وصل عبد الله بن طاهر إلى مصر، استطاع أن يقضي على الفتن الداخلية، ويردّ الخارجين إلى طاعته، ثم توجه إلى الإسكندرية وحاصر الأندلسيين بها، فاضطروا إلى الجلاء عنها على مراكب أعدها لهم عبد الله، وقصدوا إلى جزيرة تكريت، وكانت في أيدي البيزنطيين فاقتحموها، ونزلوا بها سنة 212هـ/ 827م، وأسسوا بها دولة زاهرة استمرت نحو قرنٍ وثلث، إلى أن استعاد البيزنطيون الجزيرة من المسلمين فيما بعد[14].