أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: (23) التقوى.. حالة فريدة الإثنين 01 أبريل 2024, 12:24 am | |
| في ظلال رمضان..
(23) التقوى.. حالة فريدة
جعل الله تعالى غاية الصيام التقوى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]..
يعلم الله تعالى أنه الترك من أجله، جوعا وظمأ وتركا للشهوة من أجله، مع الذكر وقراءة القرآن، أن هذا مقرب لتحقيق التقوى..
تلكم الغاية التي ذكرت في الصيام كما ذكرت في غاية الخلق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
والتقوى في الآية إما أن تكون متعلقة بالخلق: {خَلَقَكُمْ.. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أو بالعبادة فيكون الجهد المبذول بالتوحيد ثم امتثال الأمر من أجل الوصول للتقوى: {اعْبُدُوا.. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. التقوى حالة بشرية فريدة، تحتاج الى جهد للوصول اليها، حيث جعلها القرآن جائزة يستحقها صاحبها بعد امتحان لقلبه ومواقف، ليثبت نجاحاً يستأهل به التقوى، فالتقوى ليست مِنَّةً منك تُعرض أو تتكاسل عن تحقيقها في حق ربك!
حاشا وكلا؛ بل هي مِنَّةً من الله تعالى أن تصل لتلك الحالة البشرية الفريدة والسامية.. انظر الى الجهد: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}[الحجرات: 3] تحتاج الى تدبر عميق. وانظر الى قوله تعالى عن موقف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أحرج المواقف بين الجهاد والبيعة، والتمسك بالإسلام والصبر على اختلاف الأحداث وبذْل ألوان من العبادة مختلفة، يقول تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26]. التقوى وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]..
الناس يعيشون ويتكلمون ويفعلون ويشعرون، كما يشاؤون، لكن ذلك التقي هو حالة فريدة، حالة الشخص الرباني؛ شعوره عبادة وتقرب، وأفعاله عبادة وتقرب، وأقواله عبادة وتقرب، وآثاره خير ودلالة على الله تعالى..
حبه كخوفه كرجائه قربان، أمله وطموحه وأفقه قربان، حساسيته ودوافعه قربان، غايته من كل حركة في الحياة قربان، رؤيته للحياة والأحياء والأحداث قربان، كل لحظة تمر عليه، يراها ويشعر بها ويفعل فيها ما يكون قربانا، غير ما يفعل الآخرون ويقتلون أوقاتهم! الفارغة! لأن قلوبهم فارغة. التقوى غاية عمر، وغاية جهد التقوى حالة تُعاش، وطعمٌ يُذاق، وملبس يستر ويزين..
التقوى حساسية في ضمير وإرهاف في حس..
كلِمٌ طيّب وفعل حسن وأثر خيّر..
التقوى أمان للأعراض وأمان للدماء وأمان للأموال.. يأمن معه كل عرض وتستتر به كل عورة. التقوى أمان على المشاعر، حيث هناك الرقيب التقوى إقدام في موطنه ولو تأخر جبان أو بخيل أو لاهٍ أو شحيح، إقدام ولو بذل ماله ودمه، وعمره وراحته..
وإحجام ولو سال لعاب الآخرين واستسهلوا الحرام أو برروه أو تقاتلوا عليه..
التقوى تقف أمام الجيوش الظالمة والعروش المهابة والشهوات المترعة والحرام المزيَن والشبه الزائفة ولو تزخرفت والرموز الباطلة ولو طنطنت.. التقي يستعصي على التضليل والإضلال، والتزيين والإغواء، والتوجيه للأهواء والاستخفاف..
باطن كظاهر بل خير منه، وسر كعلانية بل خير منها، مدخل كمخرج بل خير منه، فعل كقول بل خير منه.. لذا علق تعالى بهذا الاسم العظيم الجنة في مواطن كثيرة من كتابه، يأمنون إذا فزع الآخرون ويفوزون عندما يتحسر الكثير، أجّلوا الفوز ليوم الحساب ففازوا في الدارين..
فسبحان مَنْ يختار ويصطفي. {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم: 34].. {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61].. {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 33-35]..
ابحث عنهم في كتاب الله وسير الأولين..
العملة النادرة وخير نتاج بشري..
فاللهم: {اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
|
|