عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (29)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
  الوسيلة التاسعة والأربعون: التفريج عن المسلم، والتيسير عليه، وستره وعونه Ia_aya12
الوسيلة التاسعة والأربعون: التفريج عن المسلم، والتيسير عليه، وستره وعونه
وكل واحدٍ من هذه عبادة مستقلة، وورَد في كلٍّ منها نصوصٌ خاصة تحثُّ عليه.
ففي الستر مثلاً يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19]، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: ((لا يَستر عبد عبدًا في الدنيا، إلاَّ ستَره الله يوم القيامة))، والستر في الآخرة يكون -إن شاء الله- لأهل الجنة لا لأهل النار، وقد روى ابن ماجه وصحَّحه الألباني أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن ستَر عورة أخيه المسلم، ستَر الله عوْرته يوم القيامة، ومَن كشَف عورة أخيه المسلم، كشَف الله عوْرته؛ حتى يَفضَحه بها في بيته)).

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من امرئ مسلم، يرى من أخيه عورة فيَسترها، إلاَّ أدخلَه الله بها الجنة))؛ رواه الطبراني في "الأوسط"، وضعَّفه الألباني بلفظ: ((لا يرى مؤمنٌ من أخيه عوْرةً فيَسترها عليه، إلاَّ أدخَله الله بها الجنة)).

وفي الحديث الذي حسَّنه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن؛ كسوتَ عوْرته، وأشبَعتَ جوْعته، أو قَضيتَ له حاجة)).

وفي حديث عائشة الذي رواه أحمد وصحَّحه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث أحْلِف عليهنَّ: لا يجعل الله -عزَّ وجلَّ- مَن له سهمٌ في الإسلام كمَن لا سهمَ له، فأَسْهُم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولَّى الله -عزَّ وجلَّ- عبدًا في الدنيا فيُولِّيه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجلٌ قومًا إلاَّ جعَله الله -عزَّ وجلَّ- معهم، والرابعة لو حَلَفت عليها، رجوت ألاَّ آثَمَ: لا يَستر الله -عزَّ وجلَّ- عبدًا في الدنيا، إلاَّ ستَره يوم القيامة)).

ولكني ذكَرت هذه العبادات هنا جُملة؛ لأكتفي فيها بحديث واحدٍ، ثم ابْحَثْ أنت عن المزيد إن أردتَ المزيد، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن نفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدنيا، فرَّج الله عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن ستَر مسلمًا، ستَره الله في الدنيا والآخرة، والله في عوْن العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سلَك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا، سهَّل الله به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمَع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلاَّ نزلَت عليهم السكينة، وغَشِيتهم الرحمة، وحَفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمَن عنده، ومَن بطَّأ به عمله، لَم يُسرع به نسبُه))، والحديث في صحيح مسلم.

• وأخصُّ بالذِّكر من كلِّ هذا:
قضاء حوائج المسلمين؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يَظْلمه، ولا يُسلِمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة، فرَّج الله عنه بها كربة من كُرَب يوم القيامة، ومَن سَتر مسلمًا، ستَره الله يوم القيامة)).

فهلاَّ عَمِل كلُّ مسلم بتلك الوصيَّة النبوية الغالية المباركة، أم أنَّ أكثر الناس لا ينشغل إلاَّ بنفسه، ولسان حاله يقول: نفسي، نفسي.

أين الذين كانوا يمشون في حوائج إخوانهم رغبةً فيما عند الله؟! أين هذا الصِّنف الكريم العزيز الذين كان الله يَستعملهم لإدخال السرور والسعادة على المسلمين؟!

أسأل الله أن يُؤلِّف بين قلوب المسلمين، وأنْ يَجمع شَتاتهم، وأن يجعلَهم جميعًا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى.

كما أخصُّ أيضًا إقالة عثرة المسلم؛ ففيها من التفريج عن المسلم ما فيها، ولا سيَّما لو دخَل الندم إلى هذا المسلم؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((مَن أقال مسلمًا، أقال الله تعالى عَثْرته))، وفي رواية عند أبي داود: ((من أقال مسلمًا، أقاله اللهُ عَثْرتَه))، وزاد ابن ماجه - كما في فضائل الأعمال للمَقدسي -: ((يوم القيامة)).

فائدة:
الإقالة في اللغة: الرفع والإزالة، ومِن ذلك قولهم: أقال الله عَثرته، إذا رفعَه من سقوطه، ومنه: الإقالة في البيع؛ لأنها رفْع العقد، وهي في اصطلاح الفقهاء: رفْع العقد وإلغاء حُكمه وآثاره بتراضي الطرَفين.

وتجري الإقالة في العقود الملزمة، وأكثر ما تقع في البيع، وتكون مندوبة إذا ندِم أحدُ الطرفين، وشعَر بحاجته الماسَّة إلى الرجوع في العقد.

وتكون الإقالة بالإيجاب والقَبول الدَّالَّيْن عليها، وتتوقَّف في قَبولها على رضا الطرَفين.
--------------------------------------------------------------