الوسيلة الثامنة والستون: استحضار النيَّة وتحسينها في جميع الأعمال:
حتى الأعمال الدنيوية، فلو نويتَ فيها نيَّة صالحة، أُثِبْتَ عليها؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى)).
الوسيلة التاسعة والستون: الحرص على الأعمال التي تُديم الحسنات بعد الموت:
فلقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمَّته الحرِصَ على جمْع الحسنات التي تجعل العبد ينجو من النار، ويفوز بجنة العزيز الغفَّار.
ومن شدَّة حِرْص النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ورحمته بنا، دلَّنا على تلك الأعمال التي تَجلِب لنا الحسنات حتى بعد موتنا، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما روى ابن ماجه، وحسَّنه الألباني: ((إنَّ مما يَلحق المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته: عِلمًا نشَره، وولدًا صالحًا ترَكه، ومُصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجْراه، أو صدقة أخرَجها من ماله في صحَّته وحياته، تَلحقه من بعد موته)).
وقال أيضًا كما روى البزَّار وحسَّنه الألباني: ((سَبْع يجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفَر بئرًا، أو غرَس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترَك ولدًا يَستغفر له بعد موته))، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "ينبغي على الإنسان أن يعرفَ شرَف زمانه، وقدْر وقته، فلا يُضَيِّعُ منه لحظة في غير قُربة، ويقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتَكُنْ نيَّته في الخير قائمة من غير فتور، فإذا عَلِم الإنسان أنه وإن بالَغ في الجدِّ بأن الموت يَقطعه عن العمل، عَمِل في حياته ما يدوم له أجْرُه بعد موته، فإذا كان له شيءٌ في الدنيا - وقَف وقفًا، أو غرَس غرسًا، أو أجْرَى نهرًا - ويسعى في تحصيل ذريَّة تَذكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يُصَنِّف كتابًا في العلم، فإنَّ تصنيف العالِم ولدُه المُخلَّد، وأن يكون عاملاً بالخير، عالِمًا فيه، فينقل من فِعْله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لَم يَمُت، والله أعلم، وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم".
الوسيلة السبعون: استباق الخيرات والبحث عن الجوائز:
فما أحلى الجوائز! وما أغلاها عندما تكون من الله ربنا! تَعَمُّ فوائدها في حياتنا الدنيا، وتدوم فوائدها إلى الأبد، فابْحَث - أخي يا بن الإسلام - عن الجوائز، وأنا أَذكر لك هنا جائزتين، وليس ذلك حصرًا للجوائز، ولكن لإلقاء الضوء على هذا الأمر العظيم الفائدة، فالفرق بين المؤمنين وغيرهم هو الرغبة فيما عند الله تعالى، فاللهم أعْطِنا ولا تَحرمنا يا ربَّ العالمين.
ولسوف تَنطلق من هذه الجوائز إلى جوائزَ أخرى لا تنتهي، ولكني سأذكر لك بعض الأمثلة؛ لتتمكَّن من البحث عن الجوائز العظيمة من الله الكريم - تبارك وتعالى.
- فعندما نتوضَّأ يُعطينا الله جائزتين، الأولى: يغفر لنا جميع ما تقدَّم من الذنوب، والثانية: يَفتح لنا أبواب الجنة الثمانية؛ ففي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، وفيه: ((ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ، فيُسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، إلاَّ فُتِحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء)).
فهذا مثال تسير عليه في البحث عن الجوائز العظيمة من الله الكريم، وأُضيف إليك أخي مجموعة أخرى من الأمثلة، ولكن دون أدلة؛ حتى لا أُطيل عليك، فابْحَث عن أدلتها وهي مشهورة، وابْحَث عن أعمال أخرى وجوائز أخرى، وقيِّدها في كُنَّاشِك - كُرَّاسك - لتنفع بها نفسك وغيرك وقت الحاجة، والله المستعان.
• عندما نحبِّب الناس في الدين، يُعطينا الله جائزتين: يَفتح لنا سُبل الخيرات، ويُنجينا من مهالك الدنيا والآخرة.
• عندما نقرأ آية الكرسي، يُعطينا الله جائزتين: يَحفظنا طولَ الحياة، ولا يكون بيننا وبين الجنة إلاَّ لقاء الله.
• عندما نَبِرُّ الوالدين ونَصِل الرَّحم، يُعطينا الله جائزتين: يبسط لنا في أرزاقنا، وينسَأ لنا في أعمارنا.
• عندما نُحسن معاملة الأهل، يُعطينا الله جائزتين: تَطيب حياتنا وحياة أبنائنا، وتستمرُّ حسناتنا بعد مماتنا.
• عندما نَرفُق بأهلنا، يُعطينا الله جائزتين: نكون من خير الناس، وتَمتلئ حياتنا بالخيرات.
• المرأة التي تَحتجب من دون محارمها، يُعطيها الله جائزتين: تكون من خير النساء، وتُعرَف بالعِفَّة والمَهابة.
• الزوجة المُحبة لزوجها، والتي هي سكَنٌ ودواءٌٍ له، تفوز بجائزتين: تَطِيب حياتها وحياة بيتها في الدنيا، ويكون عَمَلُها هذا مع إيمانها سببَ نعيمها في الجنة.
• عندما نُحافظ على الصلوات المكتوبات، فإننا نحصل على جائزتين: يُنجينا الله من الحريق، ويكون لنا عهدٌ عند الله أن يُدخلنا الجنة.
• عندما نقوم بالتسبيحات بعد الصلوات، فإننا نحصل على جائزتين: لا نَخيب في حياتنا أبدًا، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منَّا إلاَّ مَن يَصنع مثلنا.
• عندما نقول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة، يُعطينا الله جائزتين: يَغفر لنا ما تقدَّم من الذنوب ولو كانت مثل زَبَد البحر، ويَغرس لنا مائة شجرة في الجنة، وفي الحديث: ((ما من نخلة في الجنة إلاَّ وساقُها من ذهبٍ)).
• مَن صلَّى الضحى أربع ركعات، يُعطيه الله جائزتين: يَكفيه الله حتى آخر النهار، ويكون أجره كأجْر المعتمر.
• عندما ندعو الله في كلِّ شيء، نَحصل على جائزتين: يكون كلُّ شيء في حياتنا عبادة، ولا نتعب في أيِّ شيء.
• عندما نذكر الله دائمًا، فنتكلم عن الله في الناس، ونتكلَّم مع الله في نفوسنا، فإننا نحصل على جائزتين: نكون من أقوى الناس وأحسنهم؛ لأن الله يكون معنا، ونتشرَّف بذِكر الله لنا.
• عندما نُكثِر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله يُعطينا جائزتين: يكفينا ما أهمَّنا، ويَغفر لنا ذنوبَنا.
• عندما نستمرُّ في تعلُّم أمور ديننا، ننال جائزتين: نكون على سبيل النجاة دائمًا، ويُسَهَّل لنا طريق إلى الجنة.
• عندما نؤدي الزكاة، ننال جائزتين: تكون برهانًا ودليلاً على الإيمان، وتُطفِئ الخطيئةَ كما يُطفِئ الماءُ النارَ.
• مَن تصدَّق بعدل تمرة من كسْبٍ طيِّبٍ، يحصل على جائزتين: يقبلها الله بيمينه، ويُربِّيها له حتى تكون كالجبل.
• مَن استغنى عن سؤال الناس، فإنه يحصل على جائزتين: يُغنيه الله، ويَضمن له النبيُّ الجنةَ.
• عندما يهلُّ علينا رمضان، يُعطينا الله جائزتين: يفتح أبواب الجنة، ويُغْلِق أبواب النار.
• من صام شهر رمضان، يَحصل على جائزتين: له في كلِّ يوم دعوة مستجابة، ويدخل الجنة من باب الريَّان.
• عندما نُتابع بين الحج والعُمرة، نحصل على جائزتين: ينفي الله عنا الفقر إلى الأبد، وينفي عنا الذنوب.
• عندما نشرب من ماء زمزمَ، نحصل على جائزتين: شفاء الأَسْقام، وتحقيق ما نتمنَّاه حين نشربها.
• عندما نتحاب في الله، ونتجالَس ونتزاوَر فيه، ننال جائزتين: وَجَبت لنا محبَّة الله، ونكون في ظلِّه يوم القيامة.
• مَن يسَّر على مُعْسِر، فإنه يحصل على جائزتين: يُنجيه الله تعالى من كرب يوم القيامة، وله في كلِّ يوم صدقة، فإنْ حلَّ الدَّيْن، فله في كلِّ يوم صدقتان.
• عندما نصلي أربعين يومًا في جماعة مع التكبيرة الأولى، ننال جائزتين: بَراءة من النار، وبراءة من النفاق.
• من أتى صلاة الجماعة، فلم يُدْركها، يُعطيه الله جائزتين: يُعطيه الله مثل أجْر مَن صلاَّها وحضَرها، ويَغفر له كمَن صلاها، قلت: بشرط ألاَّ يكون مُفرِّطًا متهاونًا، وأن يكون قد أحسَن الوضوء، والله أعلى وأعلم.
• مَن صلَّى العشاء والصُّبح في جماعة، فإنه يحصل على جائزتين: كأنما صلَّى الليل كله، ونجا من سوء الظنِّ.
• مَن صلَّى الصُّبح في جماعة، ثم قعَد يذكر الله حتى تطلُع الشمس، ثم صلَّى ركعتين، يُعطيه الله جائزتين: كانت له كأجْر حَجَّة وعُمرة تامَّة، تامَّة، تامَّة، وكانت أحبَّ من عِتق أربعة من ولدِ إسماعيل.
• مَن صلَّى النافلة في البيت، أعطاه الله جائزتين: جعَل الله في بيته خيرًا، وفاز بيته بنعمة الحياة.
• مَن بات طاهرًا متوضِّئًا، فإنه يحصل على جائزتين: وكَّل الله به ملكًا يدعو له بالمغفرة، وما سأل الله شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلاَّ أعطاه إيَّاه.
• مَن قرأ آية الكرسي قبل نومه، فإنه ينال جائزتين: لا يزال عليه من الله حافظٌ، ولا يَقربه شيطان حتى يُصبح.
• مَن قام الليل وأيْقَظ أهله، فإنَّ الله تعالى يُعطيهم جائزتين: يتفضَّل عليهم - سبحانه - برحمته، ويَكتبهم من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات.
• مَن اغْتسَل يوم الجمعة وخرَج مبكرًا ماشيًا، واستمَع وأنْصَت، فإنه يحصل على جائزتين: كان له بكلِّ خُطوة عمل سنة، أجْر صيامها وقيامها، وحرَّمه الله على النار.
• عندما نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، نحصل على جائزتين: أضاء لنا من النور ما بين الجُمعتين، وأضاء لنا من النور بيننا وبين البيت العتيق.
الوسيلة الحادية والسبعون: حاوِل أن تعيش يومًا رمضانيًّا؛ لتهيئة رقبتك للعِتق من النار:
لا بدَّ - أخي يا بن الإسلام - من برنامج عملي للمحافظة على الإشراقة الإيمانيَّة، لا بد أن تعرِف كيف تعيش يومًا من أيام رمضان؛ لأن الأمة - في مجموعها -لَم تَذُق طعْمَ رمضان منذ أن ذاقَت طعْم الهزيمة، ومنذ أن عاشَت معنى الذُّل للأعداء، منذ أن تخبَّطت وتلوَّنت، ولَم تَذُق طعْمَ النصر، ولَم تتوجَّه إلى الله تعالى، ولو صامَت الأُمَّة يومًا كما ينبغي - منذ جرى لها ذلك - لتغيَّرت، ولو تغيَّرت، لغيَّر الله حالها؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
ولكي تعيش رمضان كما ينبغي، وتُصنع فيه صناعة الرجال، فلا بدَّ من السَّيْر على الخطوط الرئيسية الآتية:
تحديد الأهداف:
فنحن بحاجة إلى تحديد الأهداف التي ندخل بها رمضان، ثم رسم الطريق لتحقيق هذه الأهداف، ثم رسم خُطة للتقويم - تقويم العمل - ثم متابعة تحصيل الثمار، فمن الأهداف التي يمكن أن ندخل رمضان بها: تشوق القلب للرحمة، استحضار نيَّة المغفرة للذنوب المتقدِّمة والمتأخِّرة، سُمو الرُّوح للعِتق من النار، سُمو الرُّوح للارتفاع عن كثافة المادة وهَمِّ الفَرْج والبطن، إقامة حاكميَّة الله على النفس، إقامة دستور الأخلاق، التدريب على المداومة، هذه بعض الأهداف، وهناك كثير غيرها، فما هو الطريق لتحقيقها؟!
الطريق لتحقيق الأهداف:
لا بدَّ من إعداد العُدُّة، ويكون ذلك بما يلي: تقليل ساعات النوم، تقليل كميَّة الأكل ما أمكنَ، تقليل الكلام، تقليل الخُلْطة بالبشر؛ يعني إجمالاً: التخلُّص من سموم القلب الضارة.
إن البرنامج الموضوع لتحصيل هذه الأهداف، لن يستطيع أن يقومَ به مَن ينام عشر ساعات، أو ثماني، أو سِتًّا في رمضان، إنما يَكفيك في رمضان أن تنام أربع ساعات، ولا تَنزعج؛ فأنا وأنت نعرف كثيرًا مِن أهل الدنيا مَن ينام أقلَّ من ذلك، وسَلْ طالب الثانوية العامة، تُذهلك إجابته! وهو يريد الحصول على شهادة الثانوية العامة، وأنت تريد الحصول على الجنة، فأيُّهما أغلى؟! إنني لا أريد منك غير التضحية بيسيرٍ من النوم والطعام، والكلام والاختلاط، ضَحِّ أخي، وإن لَم تُضَحِّ في رمضان، فلن تُضَحِّيَ أبدًا، أليس كذلك؟!
محمود العشري
كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية.