أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الوسيلة الثالثة والثلاثون: الخروج في طلب العلم الجمعة 15 مارس 2024, 10:28 pm | |
| عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (28) مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري غفر الله له ولوالديه وللمسلمين الوسيلة الثالثة والثلاثون: الخروج في طلب العلم قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما رواه مسلمٌ: ((من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل الله به له طريقًا إلى الجنة)).
ولا يَغُرنَّك كونُ سلَفِنا الصالح يمتنعون عن مَجالسِ العلم في رمضان؛ فإنَّ مجالس العلم عندهم عامرةٌ طولَ العام، ويَقْتطعون رمضان للقرآن، ولكن مجالس العلمِ عندنا خاوية في الغالبِ طوالَ العام، ولا نهتمُّ في رمضان مثلهم بالقرآن، فلماذا نقيسُ حالَهم على حالنا؟! ولماذا نتركُ العلمَ في رمضان تشبُّهًا بهم؟! ونتركه في بقيةِ العام مخالفةً لهم؟! فاستعنْ بالله، وابدأ في طلبِ العلم، وطالع في فضائلِه لتعلو همتك، ولتبدأ بواجب الوقت من أحكامِ الصيام وزكاة الفطر والعمرة -إن كنتَ ستعتمر- ثم سِرْ بعدَ رمضان في رَكْبِ أهلِ العلم؛ لعلَّ الله يحشرك معهم.
إنَّ المسلمَ يتعرَّضُ في حياتِه للعديد من الحالات الطارئة التي يحتاجُ فيها إلى وجودِ جوابٍ فوري يعمل بمقتضاه عند حصولِ الحالة المعيَّنة، وكثيرًا ما يصعب - أو يتعذَّر - وقتها البحثُ عن الحكمِ الشرعي أو السؤال عنه.
وهذا يؤكِّد أهميةَ طلبِ العلم والتفقه في الدِّين ومعرفة أحكام الشريعة؛ حتَّى إذا ما احتاج المسلمُ إلى الحُكمِ وجدَه عنده، فأنقذ نفسَه، أو غيره من إخوانِه المسلمين من الوقوعِ في المحرَّمات أو الأخطاء، وكثيرًا ما يؤدِّي الجهلُ إلى فسادِ العبادة، أو الوقوع في الحرَج.
ومن المؤسفِ أن يقومَ إمامٌ إلى الخامسةِ سهوًا في صلاته بالجماعة، فلا تجد في المسجدِ واحدًا يعرف الحكمَ الشرعيَّ في هذه المسألة، أو يأتي مسافرٌ وقت إقلاع الطَّائرة، وهو ينوي العمرة، ويكتشف فجأةً أنه قد نسي لباسَ الإحرام، وليس هناك وقتٌ لتوفيرِه، ثم لا يجدُ في المطارِ من المسلمين مَن يخبره بماذا يفعلُ في هذه الحالة الطارئة، ويدخل شخصٌ المسجدَ وقد جمعوا للمطر، وهو في صلاةِ العشاء، وهو لم يصلِّ المغرب، فيقع في حيرةٍ من أمره، وقُل مثل ذلك في كثيرٍ من الحالاتِ التي يختلف فيها المصلُّون، ويتناقشون بجهلهم، فيقع الاضطرابُ والتشويش في مساجد المسلمين وجماعاتهم، وفي كثيرٍ من الأمور الشخصية والفردية، فإنَّ الجهلَ يوقع في الحرج، وربما الإثم، وخصوصًا إذا كان المرءُ في موقفٍ يَجِب عليه فيه أن يتَّخِذَ قرارًا، وليس عنده علمٌ يَبني عليه هذا القرار.
وإذا كان أهلُ الدُّنيا يضعون الإجاباتِ المسبقة للتصرُّفِ السَّليم في الحالاتِ الطَّارئة؛ كحصولِ الحريق، وانتشالِ الغريق، ولدغةِ العقرب، وحوادثِ الاصطدام، والنَّزيفِ والكُسور، وسائرِ إجراءاتهم في الإسعافات الأوليَّة وغيرها، يُعَلِّمون ذلك للنَّاس، ويقيمون الدوراتِ لأجلِ ذلك، فأهل الآخرة أولى أن يتعلَّموا ويُعلِّموا تفاصيلَ أحكام هذا الدِّين.
ومما ينبغي الانتباهُ له هنا التفريقُ بين المسائلِ الافتراضيَّة التي لا تقع، أو نادرة الوقوع، وبين المسائلِ الواقعة فعلاً، التي عُلِم من التجربةِ وحال النَّاس أنَّها تَحْدث، ويقع السؤالُ عنها.
فأمَّا القسم الأول، فالبحثُ فيه من التكلُّفِ الذي نُهينا عنه شرعًا، والذي حذَّرَنا منه النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في "الصحيحين": ((ذَرُوني ما تركتُكم، فإنَّما هلك مَن كان قبلكم بكثرةِ سؤالِهم واختلافهم على أنبيائهم...))؛ قال ابنُ رجب -رحمه الله- في شرحِ هذا الحديث: "فدلَّت هذه الأحاديثُ على النهي عن السؤالِ عمَّا لا يُحتاج إليه، وعلى النهي عن السؤالِ على وجهِ التعنُّتِ والعبث والاستهزاء".
وعلى هذا المعنى يُحمل كلامُ جماعةٍ من السلف كما جاء عن زيد بن ثابتٍ -رضي الله عنه- أنَّه كان إذا سُئِل عن الشَّيء يقول: "كان هذا؟"، فإن قالوا: لا، قال: "دعوه حتَّى يكون"؛ كما أورده ابنُ رجبٍ في "جامع العلوم والحِكَم"، وأورد الدارميُّ في "سُننِه"، وابن عبدالبرِّ في "جامع بيان العلم" آثارًا مشابهة.
أما القسم الثاني، وهي المسائلُ التي تقعُ، فالسؤال عنها محمود، وقد كان أصحابُ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أحيانًا يسألونه عن حكمِ حوادثَ قبل وقوعِها، لكن للعمل بها عند وقوعِها، كما قالوا له: "إنَّا لاقو العدوِّ غدًا، وليس معنا مُدًى، أفنذبحُ بالقصَب؟"، وسألوه عن الأُمراءِ الذين أَخبر عنهم بعده، وعن طاعتِهم وقتالهم، وسأله حذيفةُ -رضي الله عنه- عن الفتن، وما يصنعُ فيها، فهذا يدلُّ على جوازِ السؤال عمَّا هو مُتوقَّعٌ حصولُه.
وعلى كلِّ حال، فقد ثبت عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يفقِهه في الدِّين)).
• احرص على حضورِ مجالس العلم والذِّكر، واحذرْ من الإعراضِ عنها؛ فقد روى مسلمٌ وأبو داود والترمذيُّ وابن ماجه وأحمدُ عن رسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه قال: ((وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتابَ الله، ويتدارسونه بينهم، إلاَّ نزلت عليهم السَّكينةُ، وغشيتهم الرَّحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرَهم الله فيمن عنده))، وفي "الصحيحين": دخلَ ثلاثةٌ المسجدَ والنبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- معه أصحابُه، فوجد أحدُهم فرجةً في الحلقةِ فجلس فيها، وأمَّا الثاني فلم يجد فرجةً فجلس خلفهم، وأمَّا الثالث فانصرف، فقال النبي -عليه السَّلام-: ((ألا أخبرُكم عن الثلاثةِ نفر، أمَّا أحدُهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأمَّا الآخرُ فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأمَّا الآخَر فأعرض، فأعرضَ الله عنه)).
وإن أصرَرْت على أنَّه لا طلبَ للعلم في رمضان، فلْيَكن طلبُك للعلمِ برمضان؛ فهذا حقٌّ من حقوقِه، وهو واجبُ الوقت، وإنْ كنتُ أرى أنَّ تعلُّمَ أحكامِ الصيام ينبغي أن يسبقَ دخول رمضان؛ حتى يتسنَّى لك الصيامُ الذي يُرضي اللهَ -تعالى- ولكن في رمضان يمكنك أن تتَّخِذَ من هذا الكتابِ بابًا للعلمِ والعمل والدَّعوة؛ وهاك بعض المقترحات: • القراءة الجديدة: لِتَكنْ خُطَّتُك مع هذا الكتاب: اكتب أفضلَ ما تقرأ، واحفظْ أفضل ما تكتب، وبلِّغ مَن حولك أفضلَ ما حفظتَ. • الإذاعة اليوميَّة: استخدم مادةَ هذا الكتابِ في التحضير لخاطرة يوميَّة في المسجد المُجاوِر، أو في مُصلَّى كليتك أو عملك؛ على ألاَّ تتجاوز الخاطرةُ 5 دقائق، وتكون عقبَ صلاةِ الظهر أو العصر. • الإذاعة الأسبوعيَّة: قدِّم نسخةً من هذا الكتابِ لإمام مسجدك مع إهداءٍ رقيق؛ لينتفعَ بها في خطبِ الجمعة الرَّمضانية، وتنال أنت أجرَ كلِّ من سمع الخطبة. • الحلقة التعليمية: اجعل هذا الكتابَ موضوعَ المدارسة مع شبابِ الحي في حلقةٍ مسجديَّة يومية عقب صلاةِ الفجر أو صلاة العصر، والاتفاق على الخروجِ بتوصياتٍ عمليَّة مناسبة. • اللوحات الإرشاديَّة: انتفع من مادةِ هذا الكتاب في عملِ لوحاتِ حائطٍ مسجديَّة، أو أخرى تُعلَّق في مداخلِ البيوت السكنية، والأماكن التعليمية. • الطُّعم اللذيذ: يمكنك وضع نُسَخ من هذا الكتابِ في مكتبة المسجد المجاور، أو أماكن الانتظار العامَّة؛ كالعياداتِ وغيرها؛ لتعمَّ الفائدة. -----------------------------------------------------
|
|