أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: العالم الإسلامي في ظل طعنات الاستشراق الأحد 16 أكتوبر 2011, 11:45 pm | |
| العالم الإسلامي في ظل طعنات الاستشراق ( تقرير )
ابو وليد المهاجر
يؤكد الدكتور عبد المنعم محمد حسنين أن من الخطأ القول إن الاستشراق حركة علمية لا هدف لها إلا دراسة التراث الشرقي في معتقداته وآدابه؛ لأن الاستشراق في الحقيقة والواقع خادم للاستعمار وأهدافه، وهو يتخذ من دراسة التراث الشرقي وسيلة لمحاربة الإسلام، والتشكيك في مصادره ليصرف المسلمين عن دينهم، فلا تتحقق لهم قوة ولا عزة، بل يظلون تابعين للغرب، مقلّدين كل ما في بلاده من ألوان الفساد والانحلال. والاستشراق حقل معرفي ضخم نشأ في الغرب لدراسة الثقافات الشرقية وتمثلها في الفنون المختلفة. وتعتبر الجوانب العلمية والسياسية والدينية للاستشراق هي الأبرز بين جوانبه المختلفة، فقد كانت الهاجس الرئيس وراء نشوئه. غير أن الجوانب الأخرى، في الفنون والآداب الغربية، ذات أهمية لمن يريد التعرف على ذلك الحقل في مختلف جوانبه. التعريف اللغوي: لو أرجعنا هـذه الكلمة إلى أصلها لوجدناها مأخوذة من كلمة إشراق ثم أضيف إليها ثلاثة حروف هي الألف والسين والتاء، ومعناها طلب النور والهداية والضياء، والإشراق من الشرق حيث نزلت الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام. ولما كان الإسلام هو الدين الغالب فأصبح معنى الاستشراق البحث عن معرفة الإسلام والمسلمين وبلاد المسلمين عقيدة وشريعة وتاريخاً ومجتمعاً وتراثاً... الخ. التعريف عند الغربيين: ومع أن مصطلح الاستشراق ظهر في الغرب منذ قرنين من الزمان على تفاوت بسيط بالنسبة للمعاجم الأوروبية المختلفة، لكن الأمر المتيقن أن البحث في لغات الشرق وأديانه وبخاصة الإسلام قد ظهر قبل ذلك بكثير، ولعل كلمة مستشرق قد ظهرت قبل مصطلح استشراق، فهذا آربري في بحث له في هذا الموضوع يقول "والمدلول الأصلي لاصطلاح (مستشرق) كان في سنة 1638م أحد أعضاء الكنيسة الشرقية أو اليونانية"، وفي سنة 1691 وصف آنتوني وود صمويل كلارك بأنه (استشراقي نابه) يعنى ذلك أنه عرف بعض اللغات الشرقية. ويرى رودي بارت أن الاستشراق هو "علم يختص بفقه اللغة خاصة، وأقرب شيء إليه إذن أن نفكر في الاسم الذي أطلق عليه كلمة استشراق مشتقة من كـلمة ’شرق’ وكلمة شرق تعني مشرق الشمس، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق أو عـلم العالم الشرقي". ويعتمد المستشرق الإنجليزي آربري تعريف قاموس أكسفورد الذي يعرف المستشرق بأنه "من تبحّر في لغات الشرق وآدابه". التعريف عندالعرب:
ولو انتقلنا إلى العرب والمسلمين الذين تناولوا هذا المصطلح نجد أن لإدوارد سعيد عدة تعريفات للاستشراق منها أنه "أسلوب في التفكير مبني على تميّز متعلق بوجود المعرفة بين الشرق وبين الغرب". ويضيف بأن الاستشراق ليس مجرد موضوع سياسي أو حقل بحثي ينعكس سلباً باختلاف الثقافات والدراسـات أو المؤسسات وليس تكديساً لمجموعة كبيرة من النصوص حول المشرق… إنه بالتالي توزيع للوعي الجغرافي إلى نصوص جمالية وعلمية واقتصادية واجتماعية وفي فقه اللغة. وفي موضع آخر يعرف سعيد الاستشراق بأنه المجال المعرفي أو العلم الذي يُتوصل به إلى الشرق بصورة منظمّة كموضوع للتعلم والاكتشاف والتطبيق. ويقول في موضع آخر إنّ الاستشراق: نوع من الإسقاط الغربي على الشرق وإرادة حكم الغرب للشرق". أما الدكتور أحمد عبد الحميد غراب فقد اختار هـذا التعريف: "دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون كافرون -من أهل الكتاب بوجه خاص- للإسلام والمسلمين، من شـتى الجوانب عقيدة، وشريعة، وثقافة، وحضارة، وتاريخاً، ونظمـاً، وثروات وإمكانات؛ بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولـة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي". إلغاء مصطلح الاستشراق : يجب أن نتوقف عند القرار الغربي بالتوقف عن استخدام مصطلح استشراق أو كما قال المستشرق لويس إن هذا المصطلح قد ألقي به في مزابل التاريخ، فقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي، فكان من قرارات منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 بأن يتم الاستغناء عن هذا المصطلح، وأن يطلق على هذه المنظمة (المؤتمــرات العالمية للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقيا). وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية). نشأة الاستشراق: اختلف الباحثون في نشأة الاستشراق في تحديد سنة معنية أو فترة معينة لنشأة الاستشراق فيرى البعض أن الاستشراق ظهر مع ظهور الإسلام وأول لقاء بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونصـارى نجران، أو قبل ذلك عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رسله إلى الملوك والأمراء خـارج الجزيرة العربية أو حتى في اللقاء الذي تم بين المسلمين والنجاشي في الحبشة. بينما هنـاك رأي بأن غزوة مؤتة التي كانت أول احتكاك عسكري تعد من البدايات للاستشراق ويرى آخرون أن أول اهتمام بالإسلام والرد عليه بدأ مع يوحنا الدمشقي وكتـابه الذي حاول فيه أن يوضح للنصارى كيف يجادلون المسلمين. ويرى آخرون أن الحروب الصليبية هي بداية الاحتكـاك الفعلي بين المسلمين والنصارى الأمر الذي دفع النصارى إلى محاولة التعرف على المسلمين. ومن الآراء في بداية الاستشراق أنه بدأ بقرار من مجمع فيينا الكنسي الذي دعا إلى إنشاء كراسي لدراسة اللغات العربية والعبرية والسريانية في عدد من المدن الأوروبية مثل باريس وأكسفورد وغيرهما، ويرى الباحث الإنجليزي ب.إم هولت أن القرارات الرسمية لا يتم تنفيذها بالطريقة التي أرادها صاحب القرار لذلك فإن القرار البابوي هنا لا يعد البداية الحقيقية للاستشراق.
وثمة رأي له عدد من المؤيدين يرى أن احتكاك النصارى بالمسلمين في الأندلس هو الانطلاقة الحقيقية لمعرفة النصارى بالمسلمين والاهتمام بالعلوم الإسلامية ويميل إلى هذا الرأي بعض رواد البحث في الاستشراق من المسلمين ومنهم الشيخ الدكتور مصطفى السباعي. ويقول هذا الرأي إن الاستشراق بدأ في الأندلس (أسبانيا) في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، حين اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين. فقد دعا ألفونس - ملك قشتالة - ميشيل سكوت ليقوم بالبحث في علوم المسلمين وحضارتهم، فجمع سكوت طائفة من الرهبان بدير قرب طليطلة، وشرعوا في ترجمة بعض الكتب الإسلامية العربية إلى اللغات الأجنبية، ثم قدمها سكوت لملك صقلية الذي أمر باستنساخ نسخ منها وبعث بها هدية إلى جامعة باريس. وكذلك قام رئيس أساقفة طليطلة ريمون لول بنشاط كبير في الترجمة. ومع مرور الزمن توسع الأوروبيون في النقل والترجمة في مختلف الدراسات الإسلامية، وأنشئت في أوروبا مطابع عربية -بعد اختراع الطباعةـ لطبع عدد من الكتب التي كانت تدرس في المدارس والجامعات الأوروبية. وأنشئت كليات لتدريس اللغات الشرقية في عواصم أوروبا في مطلع القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر الميلادي)، وكان الغرض الأول منها تزويد السلطات الاستعمارية بخبراء في الشؤون الإسلامية. ثم أخذ الطلاب المسلمون يؤمُّون هذه الكليات الأوروبية للدراسة فيها. ثم عمل المستشرقون في الدوائر العلمية والجامعات في كثير من الدول الإسلامية. وأنشأت الدول الاستعمارية عدة مؤسسات في البلاد الإسلامية التي خضعت لنفوذها لخدمة الاستشراق ظاهريًا، وخدمة الاستعمار والتنصير حقيقة، منها: في مصر: (المعهد الشرقي بدير الدومينيكان)، و(المعهد الفرنسي)، (وندوة الكتاب)، و(كلية السلام)، و(الجامعة الأمريكية)، و(كلية فكتوريا)، و(مدارس الراهبات والفرنسيسكان والفرير). وفي لبنان: جامعة القديس يوسف (الجامعة اليسوعية حالياً) و(الجامعة الأمريكية). وفي سوريا: (مدارس اللاييك)، و(الفرير)، و(كلية السلام)، وغيرها... وهكذا في كثير من الأقطار الإسلامية. واشتهر في العهد الاستعماري عدد من المستشرقين الذين قاموا بإصدار مجلات في جميع الدول الإسلامية، وجمعوا بشتى الطرق المخطوطات العربية الإسلامية ونقلوها إلى بلادهم بأعداد هائلة، بلغت في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) مائتان وخمسون ألف مجلد من نوادر المخطوطات، ومازال العدد في تزايد حتى يومنا هذا. عقد المستشرقون أول مؤتمر لهم في باريس عام 1290هـ، 1873م ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات الاستشراقية التي تُلقى فيها البحوث والدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته، وما تزال مثل هذه المؤتمرات تُعقد حتى اليوم. لكن البعض يقول إن هذه البدايات لا تعد البداية الحقيقية للاستشراق الذي أصبح ينتج ألوف الكتب سنوياً ومئات الدوريات ويعقد المؤتمرات، وإنما تعد هذه جميعاً "من قبيل الإرهاص لها وما أتى بعدها يعد من قبيل تعميق الفكرة، والتوسع فيها وشد الانتباه إليها". ويرى أصحاب هذا الرأي أن البداية الحقيقية للاستشراق - الذي يوجد في العالم الغربي اليوم ولاسيما بعد أن بنت أوروبا نهضتها الصناعية والعلمية وأصبح فيها العديد من الجامعات ومراكز البحوث وأنفقت ولا تزال تنفق بسخاء على هذه البحوث- قد انطلقت منذ القرن السادس عشر حيث "بدأت الطباعة العربية فيه بنشاط فتحركت الدوائر العلمية وأخذت تصدر كتاباً بعد الآخر ..". ثم ازداد النشاط الاستشراقي بعد تأسيس كراس للغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية مثل كرسي أكسفورد عام 1638 وكامبريدج عام 1632، ويضيف سمايلوفيتش بأن تأسيس الجمعيات العلمية مثل الجمعية الأسيوية البنغالية والجمعية الاستشراقية الأمريكية والجمعية الملكية الآسيوية البريطانية وغيرها بمنزلة "الانطلاقة الكبرى للاستشراق حيث تجمعت فيها العناصر العلمية والإدارية والمالية فأسهمت جميعها إسهاماً فعّالاً في البحث والاكتشاف والتعرف على عالم الشرق وحضارته فضلاً عما كان لها من أهداف استغلالية واستعمارية". وكان من المشروعات الاستشراقية المهمة إنشاء مدرسة اللغات الشرقية الحية في فرنسا برئاسة المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي التي كانت تعد قبلة المستشرقين الأوروبيين وساهمت في صبغ الاستشراق بالصبغة الفرنسية مدة من الزمن. مناهج الاستشراق: من الصعب أن نجمع المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان واحداً في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، ولكن تسهيلاً لهذا الأمر فيمكن إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد كبير من المستشرقين قديماً وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية عموماً. 1- محاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية: وهذا الأمر يتمثل في كثير من الكتابات حول الوحي وحول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويقول في ذلك عماد الدين خليل نقلاً عن جواد علي "إن معظم المستشرقين النصارى هم من طبقة رجال الدين أو من الخريجين من كليات اللاهوت، وهم عندما يتطرقون إلى الموضوعات الحساسة من الإسلام يحاولون جهد إمكانهم ردها إلى أصل نصراني..". 2- التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف: دأب المستشرقون عموماً على التشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف من خلال الزعم بأن "الحديث لم يدون وقد نقل شفاهاً مما يستوجب في نظرهم عدم صحة الأحاديث". والأمر الثاني في نظرهم كثرة الوضع في الحديث، والأمر الثالث اتهام المستشرقين للفقهاء بوضع الأحاديث وتلفيقها "لترويج آرائهم واختلاق الأدلة التي تسند تلك الآراء..". 3- البحث على الضعيف والشاذ من الروايات: يقول جواد علي "لقد أخذ المستشرقون بالخبر الضعيف في بعض الأحيان وحكموا بموجبه، واستعانوا بالشاذ ولو كان متأخراً، أو كان من النوع الذي استغربه النقدة وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ هو الأداة الوحيدة في إثارة الشك". وهذا الأمر مشهور إلى حد كبير فهم يذهبون إلى الكتب التي تجمع الأحاديث وبخاصة مثل كنز العمال وغيرها من الكتب التي لا يرد فيها تصحيح أو تخريج للأحاديث، وقد كتب باحث بريطاني عن فتح المسلمين قسطنطينية بأنه وردت أحاديث عن أن الذي سيفتحها سيكون اسمه اسم نبي ثم لما لم تفتح ادعى أن الأحاديث لا تصح لأن تكون مصدراً، أما أنه لم يعرف صحة الحديث من عدمه فأمر لا يهمه وهو الذي يدعي العلمية والنزاهة. 4-الاهتمام بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم: كثرت كتابات المستشرقين عن الفرق كالشيعة والإسماعيلية والزنج وغيرهم من الفرق التي ظهرت في التاريخ الإسلامي وأعطوها من المكانة والاهتمام أكثر مما تستحق، بل إن هناك من كتب عن المنافقين في عهد الرسول وأطلق عليهم لقب المعارضة لإعطاء ما قاموا به من عداوة لله ولرسوله شرعية. وحصل بعضهم على درجة الدكتوراه في بحوث حول هذه الفرق. 5- الخضوع للهوى والبعد عن التجرد العلمي: يقول الدكتور عبد العظيم الديب: "فالمستشرق يبدأ بحثه وأمامه غاية حددها، ونتيجة وصل إليها مقدماً، ثم يحاول أن يثبتها بعد ذلك، ومن هناك يكون دأبه واستقصاؤه الذي يأخذ بأبصار بعضهم..". 6- التفسير بالإسقاط: يشرح الدكتور الديب هذا الخطأ المنهجي بأنه "إسقاط الواقع المعاصر المعاش، على الوقائع التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم". فمثلاً واقع الغربيين يدل على تنازعهم على السلطة وإن كان الأمر يبدو في الحاضر انتخابات وحرية اختيار، ولكن الحقيقة أن من يملك المال يستطيع أن يصل إلى الأصوات حتى صدر في أمريكا كتاب بعنوان (بيع الرئيس) وكتاب آخر عن (صناعة الرئيس)، فجاء المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على أنها اغتصاب للسلطة أو تآمر بين ثلاثة من كبار الصحابة هم والله أنقى البشر بعد الأنبياء والرسل وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين فزعموا أن هؤلاء الثلاثة تآمروا على أن يتولوا الخلافة الواحد تلو الآخر. وذكرت كذلك أنهم سموا المنافقين بالمعارضة وغير ذلك من الإسقاطات التي تدل على سوء طوية وخبث وبعد عن المنهج العلمي. 7- المنهج الانتقائي وإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ: عرف عن كثير من المستشرقين في كتاباتهم حول السيرة النبوية الشريفة وحول التاريخ الإسلامي أنهم ينتقون بعض الأحداث والقضايا ويكتبون عنها ويهملون غيرها كما أنهم يشككون في أمور من المسلمات لدينا في التاريخ الإسلامي. فمن ذلك أنهم كما قال د. محمد فتحي عثمان "لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة النبوية وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده...". 8- التحريف والتزييف والادعاء: قام بعض المستشرقين بتحريف كثير من الحقائق التي تخص الإسلام ورسالته وتاريخه، فمن ذلك مثلاً أن بعضهم أنكر عالمية الإسلام وبخاصة فيما يتعلق برسائل الرسول إلى الملوك والأمراء خارج جزيرة العرب كرسائله إلى هرقل والمقوقس وكسرى، وإنكار عالمية الرسالة الإسلامية يظهر فيما كتبه جوستاف لوبون في كتابه (تاريخ العرب) حيث زعم أن الرسول رأى أنه كان لليهود أنبياء وكذلك للنصارى؛ فأراد أن يكون للعرب كتاب ونبي، وكأن الرسالة والنبوة أمر يقرره الإنسان بنفسه. أما التزييف فقد أورد ديورانت هذا الخبر "وكان للزبير بيوت في عدة مدن، وكان يمتلك ألف جواد وعشرة آلاف عبد..". والخبر كما أوردته المصادر الإسلامية الموثقة هو كالآتي "كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه خراجهم كل يوم، فما يُدخل إلى بيته منها درهماً واحداً، يتصدق بذلك جميعه". وفي مناقشة الخبر أوضح الديب أن المستشرق أضاف ألف جواد أقحمها في الخبر, وليس لها أساس, ثم إن في الخبر أن الزبير رضي الله عنه يتصدق بكل دخلهم لا يدخل بيته منها شيء فلم يورده فهل هذا من الأمانة العلمية؟. 9- اعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين: من العيوب المنهجية في الدراسات الاستشراقية أنهم يعمدون إلى المصادر غير الموثقة عند المسلمين فيجعلونها هي المصدر الأساس لدراساتهم وبحوثهم ومن ذلك أنهم يرجعون إلى كتاب مثل كتاب (الأغاني) للأصفهاني فيجعلونه مرجعاً أساسياً في دراساتهم للتاريخ الإسلامي وللمجتمع الإسلامي، كما يعمدون إلى المراجع التي ضعفها العلماء المسلمون أو طعنوا في أمانة أصحابها فيجعلونها أساساً لبحوثهم أو كان أصحاب تلك المراجع منحازين إلى فئة معينة أو متعصبين. أثر الاستشراق في العالم الإسلامي: قدّم الاستشراق خدمات كبيرة للغرب النصراني في خدمة أهدافه التي قام من أجلها من أهـداف دينية وسياسية واقتصادية واستعمارية وثقافية. وحتى عندما استغنى الغرب عن مصطلح الاستشراق وأنشأ أقسام دراسات الشرق الأوسط أو الشرق الأدنى أو مراكز البحوث المختلفة فما زالت الأهداف القديمة موجودة، ولكنه في الوقت نفسه أثّر تأثيرات سلبية في العالم الإسلامي في المجالات العقدية، والتشريعية، والسياسية، والاقتصادية والثقافية. وفيما يأتي أبرز هذه الآثار: الآثار العقدية: من أبرز الآثار العقدية للاستشراق في العالم الإسلامي ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية. فالعقيدة الإسلامية تربط كل مجالات الحياة بالإيمان بالله عز وجل وبالتصور العام الذي جاء به الإسلام للخالق سبحانه وتعالى والكون والإنسان. فلمّا كانت أوروبا قد وجدت الديانة النصرانية الـمحرفة تعيق تقدمها ونهضتها ظهر فيها التيار الذي أطلق عليه التنوير منادياً بفصل الدين عن الحياة أو قصر الدين على الشعائر التعبدية والعلاقة بين الله والإنسان، أما شؤون الحياة الأخرى من سياسة واقتصاد واجتماع فلا علاقة للدين به. ونهضت أوروبا نهضتها بمحاربة الدين والكنيسة، وبلغت الذروة في هذه الحرب في الثورة الفرنسية. وقد أثر الاستشراق في هذا المجال عن طريق البعثات العلمية التي انطلقت من العالم الإسلامي إلى فرنسا كما يقول الشيخ محمد الصبّاغ "إنّ إفساد الطلبة المبعوثين لم يكن ليتحقق في بـلد من البلاد الأوروبية كما كان يمكن أن يتحقق في فرنسا التي خرجت من الثورة الفرنسية وهي تسبح في بحور من الفوضى الخلقية والفكرية والاجتماعية.. من أجل ذلك كانت فرنسا محل البعثـات"، فانطلقت هذه البعثات من تركيا ومن مصر ومن إيران ومن المغرب. وكانت هذه البعثـات تحت إشراف مستشرقين فرنسيين، فمثلاً كانت البعثة المصرية تحت إشراف جونار، ويقول أحد المستشرقين عن البعثات الأولى أنها كانت لدراسة الهندسة والفنون الحربية، ولكن المعلمين الفرنسيين كانوا حريصين على أن ينقلوا إلى الطلاب المسلمين الآداب الفرنسية والثقافة الفرنسية. ومن تأثير الاستشراق في المجال العقدي الاهتمام المبالغ فيه بالصوفية وبخاصة تلك التي ابتعدت عن الكتاب والسنّة فتجدهم يجعلون لابن عربي مكانة خاصة في النشاطات الاستشراقية، ويجذبون أبناء المسلمين لمثل هذه الاهتمامات، كما أن من اهتمامات الاستشراق التي تدعو إلى الريبة اهتمامهم بالفرق المنحرفة كالرافضة والإسماعيلية وغيرها من الفرق، فيعطونها من وقتهم ومن دراساتهم ما تجعل الغريب عن الإسلام يظن أن هذا هو الإسلام. وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأمريكية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت واسطنبول ودبي، بالإضافة إلى كلية فيكتوريا (مدرسة ثانوية) والكلية الأمريكية في بيروت (مدرسة ثانوية) وقد زعم كرومر في احتفال بمدرسة فيكتوريا بأن الهدف من هذه المدرسة وشبيهاتها تنشئة أجيال من أبناء المسلمين يكونون جسراً بين الثقافة الغربية ومواطنيهم المسلمين، ولعلهـا عبارة ملطّفة لتكوين جيل ممسوخ لا يعرف ثقافته ولا عقيدته. وقد وصف الشيخ سعيد الزاهري التلاميذ الجزائريين الذين درسوا في المدارس الفرنسية في الجزائر، وأطلق عليها خداعاً المـدارس العربية، بأنهم لا يصلون ولا يصومون ولا يتحدثون اللغة العربية فيما بينهم، ولا يؤمنون بأن القرآن الكريم وحي من الله..". الآثار الاجتماعية: تعد الآثار الاجتماعية من أخطر الآثار التي ما زال الاستشراق حريصاً على تحقيقها في العالم الإسلامي، فقد اهتم المستشرقون بدراسة المجتمعات الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وإن دوافعهم لهذا تنطلق من النظرة الاستعلائية الغربية بأن المجتمعات الغـربية وما ساد فيها من فلسفات ونظريات هي المجتمعات الأرقى في العالم. وقد تمكن الاستعمار بالتعاون مع الاستشراق في إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في البلاد التي وقعت تحت الاحتلال الغربي. ففي الجزائر مثلاً حطم الاستعمار الملكيات الجماعية أو المشاعة للأرض وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو من الانسجام والوئام. وقد تعاون الاستشراق والاستعمار على إحداث النـزاعات بين أبناء البلاد الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي أيضاً بتقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، والتركيز على فرْنسة البربر وتعليمهم اللغة الفرنسية ونشر الحملات التنصيرية في ديارهم، وقد أنشأت الحكومة الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا لتشجيع هذه النزعة. ومن الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الاستشراق على التأثير في المجتمعات الإسلامية البنية الاجتماعية وبناء الأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية. فقد اهتم الاستشراق بتشويه مكانة المرأة في الإسلام، ونشر المزاعم عن اضطهاد الإسلام للمرأة وشجع الدعوات إلى التحرير المزعوم للمرأة التي ظهرت في كتابات قاسم أمين والطاهر الحداد ونوال السعداوي وهدى الشعراوي وغيرهم. ويرى الدكتور محمد خليفة أن موقف الاستشراق من المرأة المسلمة نابع من وقوعه "تحت تـأثير وضع المرأة الغربية أنها نموذج يجب أن يحتذى به، وان ما حققته من مساواة وحقوق، في نظرهم، يجب أن يتسع ليشمل المرأة المسلمة والمرأة الشرقية العامة..". ويضيف بأن الاستشراق يسعى "إلى تقويض وضع المرأة المسلمة داخل الأسرة على التمرد على النظام والخروج باسم الحرية وتصوير وضع المرأة المسلمة تصويراً مزيفاً لا يعكس الحقيقة". وقد أنشئت رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط ضمن تنظيم رابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية وهي التي تهتم بأوضاع المرأة المسلمة وتشجع اتجاهات التغريب من خلال مجلتها ربع السنوية واجتماعاتها في إطار المؤتمر السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط وذلك بدعوة الباحثات المسلمات اللاتي يتبنين الأفكار الغربية من أمثال نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي وحنان الشيخ وغيرهن، ومن خلال تنظيم الندوات حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية. ويقوم الاستشراق الإعلامي بدور بارز في الترويج للفكر الغربي في مجال المرأة ومن ذلك الصحافة الغربية والإذاعات الموجهة، فمن الكتب التي قدمت هيئة الإذاعة البريطانية عروضاً لها كتـاب (ثمن الشرف) للكاتبة البريطانية الأصل جان جودون التي تناولت فيه دراسة أوضاع المرأة في خمس دول إسـلامية هي الباكستان وأفغانستان والكويت ومصر والمملكة العربية السعودية. وقد خلطت الكاتبة فيه بين موقف الإسلام من المرأة وبعض التطبيقات الخاطئة في هذه الدول، ومن المعروف أن الإسلام حَكَمٌ على أهله وليس سلوك المسلمين حجة على الإسلام. وقد قدمت إذاعة لندن في شهر جمادى الأولى تقريراً عن ندوة تعقد في إحدى الدول العـربية حول موضوع المرأة وقدمت تصريحاً لمسؤول في تلك الدولة يزعم فيه أن بلاده وتركيا همـا الدولتان الوحيدتان اللتان أصدرتا قوانين تحرّم تعدد الزوجات وتعطي المرأة كثيراً من الحقـوق لمساواتها بالرجل، وإن التوازن في عرض وجهات النظر يقتضي أن تقدم الإذاعة من يتناول وجهة النظر الأخرى لمثل هذه التصريحات. وكانت الإذاعة قد قدمت تقريراً عن مؤتمر عقد في قطر للمرأة المسلمة وعرضت أخبار هذه الندوة بكثير من السخرية ومن ذلك وصفها لانتقال النساء في حافلات ذات ستائر غامقة اللون حتى لا يراهن أحد، بالإضافة إلى عبارات أخرى مليئة بالاستهزاء من موقف الإسلام من المرأة. الآثار السياسية والاقتصادية: يزعم الغربيون أن الديمقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى الآن؛ ولذلك فهـم يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، ومن بين الدول التي يريدون لنظامهم أن يسودها البلاد الإسلامية، وقد سعوا إلى هذا من خلال عدة سبل، وأبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسـلامي. وقد ظهرت كتب كثيرة عن نظام الخلافة الإسلامي وافتروا على الخلفاء الراشدين بزعمهم أن وصول الصديق وعمر بن الخطاب إلى الخلافة كان نتيجة لمؤامرة بين الاثنين. وكـتب مستشرقون آخرون زاعمين أن النظام السياسي الإسلامي نظام قائم على الاستبداد وفرض الخضوع والمذلة على الشعوب الإسلامية. بل بالغ لويس في جعل النظام السياسي الإسلامي يشبه النظام الشيوعي في استبداده وطغيانه. وقد تأثرت بعض الدول العربية التي خضعت للاستعمار الغربي بالفكر السياسي الغربي بأن قامت باستيراد النظام البرلماني دون أن يتم إعداد الشعوب العربية لمثل هذه الأنظمة، فكانت كما قال أحد المستشرقين بأن العرب استوردوا برلمانات معلبّة دون ورقة التعليمات. وما زالت هـذه البرلمانات في البلاد العربية يتحكم فيها الحزب الحاكم الذي لا بد أن يفوز بأغلبية المقاعد بأية طريقة كانت. ومع ذلك فما زال الغرب حريص على نشر "الديمقراطية" وقد كانت تصريحات الساسة الغربيين بأن (حرب الخليج الثانية) ستكون مناسبة لفرض الديمقراطية في العالم العربي وستكون البداية في الكويت. ومن الحقائق المثيرة للانتباه أن تركيا كانت من أقدم الدول الإسلامية تغرباً وتطبيقاً للنظام الديمقراطي ولكن عندما وصل الإسلاميون للحكم وانقلب السحر على الساحر -كما يقال- قلبت الدول الغربية لنظامهم الديمقراطي ظهر المجن وسعوا إلى تأييد العسكر في كبت الحريات ومصادرة الديمقراطية. أما في المجال الاقتصادي فإن الغرب سعى إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الاشتراكي والرأسمـالي وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي وكما يقول محمد خليفة "إنّ المستشرقين في سعيهم للترويج للفكر الاقتصادي الغربي قاموا بإعادة تفسير التاريخ الاقتصادي الإسلامي من وجهة نظر الرأسمالية والشيوعية كنوع من التأصيل للنظريتين وتقديمهما على أنهما لا يمثلان خروجاً عن النظام الاقتصادي الإسلامي". وكان من نتائج الترويج للاشتراكية والرأسمالية في العالم الإسلامي أن انقسم العالم الإسلامي على نفسه فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي والقسم الآخر في الفلك الرأسمالي، ولعل من طرائف المواقف الاستشراقية أن تسعى الدول الغربية إلى بث النظام الاشتراكي في بعض الدول العربية كما أشار أحد الباحثين بتدريس الاقتصاد الاشتراكي والترويج بأن التنمية الحقيقية في العالم العربي تتطلب تأميم وسائل الإنتاج، وأن الحرية الاقتصادية الغربية لا تناسب مراحل التنمية الأولى. وكان من تأثير الاستشراق أيضاً تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالاً شبه كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأساسية في العالم. الآثار الثقافية والفكرية: حقق الاستشراق نجاحاً كبيراً في التأثير في الحياة الثقافية والفكرية في العالم الإسلامي فبعد أن كـان القرآن الكريم والسنّة المطهرة وتراث علماء الأمة الذين فهموا هذين المصدرين فهماً جيـداً وعاش المسلمون على هدي من هذه المصادر في جميع مجالات الحياة أصبحت المصادر الغربية تدخل في التكـوين الفكري والثقافي لهذه الأمة سواء أكان في نظرتها لكتاب ربها سبحانه وتعالى ولسنة نبيها أو للفقه أو للعلوم الشرعية الأخرى. أو في منهجية فهم هذه المصادر ومنهجية التعامل معها كما أثر الفكر الغربي في المجالات الفكرية الأخرى كالتاريخ أو علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الإنسان أو غيره من العلوم. وقد استطاع الاستشراق تحقيق هذا النجاح بما توفر له من السيطرة على منابر الرأي في العـالم الإسلامي، فقد أنشأ الغرب العديد من المدارس كما أن العديد من أبناء الأمة الإسلامية تلقوا تعليمهم على أيدي المستشرقين في الجامعات الغربية (الأوروبية والأمريكية). ولمّا كانت بعض البلاد العربية والإسلامية خاضعة للاحتلال الأجنبي فقد مكّن لهؤلاء الذين تعلموا في مـدارسه. فما زالت الصلة قوية فيما بين الطلبة الذين تخرجوا في كلية فيكتوريا بعد أن تسلم كثير منهم مناصب حساّسة في بلادهم. ومن المنابر التي استطاع الغرب أن ينشر من خلالها الثقافة والفكر الغربيين وسائل الإعلام المختلفة من صحـافة وإذاعة وتلفاز ونشر بأشكاله المتعددة. فقد أنشئت الصحف والمجلات التي تولى رئـاسة تحريرها أو عملية الكتابة فيها كثير من الذين تشبعوا بالثقافة الغربية. وقد بذلوا جهوداً كبيرة للرفع من شأن تلاميذهم فهذا يطلق عليه "عميد الأدب العربي"، وآخر يطلق عليه "أستاذ الجيل"، وثالث يطلق عليه "الزعيم الوطني". وكان للاستشراق دوره في مجال الأدب شعراً ونثراً وقصة، فقد استغلت هذه الوسائل في نشر الفكر الغربي العلماني وبخاصة عن طريق ما سمي "الحداثة" التي تدعو إلى تحطيم السائد والموروث، وتفجير اللغة وتجاوز المقدس ونقد النصوص المقدسة. وقد استولى هؤلاء على العديد من المنابر العامة ولم يتيحوا لأحد سواهم أن يقدم وجهة نظر تخالفهم وإلاّ نعتوه بالتخلف والرجعية والتقليدية وغير ذلك من النعوت الجاهزة. وقد انتشرت في البلاد العربية الإسلامية المذاهب الفكرية الغربية في جميع مجالات الحياة في السياسة والاقتصاد، وفي الأدب وفي الاجتماع، ففي السياسة ظهر من ينادي بالديمقراطية ويحارب الإسلام وفي الاقتصاد ظهر من تبنى الفكر الشيوعي والاشتراكي وفي الأدب ظهر من نادى بالنظريات الغربية في دراسة اللغة وفي الأدب وفي النقد الأدبي؟. وأخذ كثيرون بالنظريات الغربية في علم الاجتماع وفي التاريخ وفي علم النفس وفي علم الإنسان وغير ذلك من العلوم. جهود الاستشراق في محاربة الإسلام بسلاح العلم: ينبغي على المهتمين بتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة أن يكونوا على دراية تامة بالجهود التي يبذلها المستشرقون في محاربة الإسلام؛ لأنهم -في الحقيقة- ألدّ أعداء الإسلام. والمستشرقون يتخذون العلم وسيلة للتشويش على الدعوة الإسلامية ويتسترون وراء البحث العلمي، وهم يلفّقون الأباطيل، ويلقون بها في ساحة الشريعة الإسلامية، ويحاولون تضليل شباب المسلمين الذين يتتلمذون عليهم، وإقناعهم بآرائهم الفاسدة الخبيثة؛ ليشركوهم معهم في الإساءة إلى الإسلام دون وعي. إن ما يكتبه المستشرقون عن رسالة الإسلام ورسول الإسلام يفضح الحقد الدفين الكامن في قلوبهم، ويكفي أن نذكر -على سبيل المثال- ما كتبه واحد منهم هو (جولد تسيهر)؛ لينكشف دورهم في الطعن على الإسلام، والتشويش على دعوته متخذين العلم وسيلة لما يهدفون إليه، يقول المستشرق المذكور: "فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها، التي تأثر بها تأثراً عميقاً، والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني قومه". إن جولد تسيهر وأمثاله من المستشرقين أعداء الإسلام يردّدون ما كان يردّده مشركو قريش من قبل في موقف العناد والكبر، غير أن مشركي قريش عدلوا عن عنادهم ودخلوا في دين الله وجاهدوا في سبيل الله، وكان منهم سيوف الله على رقاب أعداء الله، أما المستشرقون -إلا قليل منهم- فمصرّون على محاربة الإسلام والتشويش على دعوته بالتشكيك في القرآن الكريم والإيهام بأنه من عمل محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الرسول كان يتجاوز بعض الوحي القرآني، وينسخ بأمر الله ما سبق أن أوحاه إليه. إن عداوة المستشرقين للإسلام قد بدت من أفواههم، ومن كتاباتهم المسمومة، وما تخفي صدورهم أكبر؛ فينبغي أن نقف منهم موقف الحذر دائماً، وأن نكشف زيفهم وبخاصة الذين يصطنعون الحكمة والتعقّل، ويتظاهرون بالإعجاب برسالة الإسلام ليدخلوا على العقول دخول اللص في غيبة الحارس!! ويدسّوا السمّ في العسل؛ فلتكن عقولنا حاضرة ونحن نسمع أو نقرأ لهؤلاء المستشرقين ما يكتبون عن الإسلام ولو كان حقاً وصدقاً؛ فقد تندس كلمة هنا وكلمة هناك فتقع موقعاً قاتلاً لمن لا ينتبه إليها، ولا يأخذ حذره منها. فما أكثر الذين خدعوا من المثقفين من المسلمين بهؤلاء المستشرقين، وأخذوا مقولاتهم على أنها أحكام قاطعة لا تقبل نقاشا؛ فاشتركوا مع المستشرقين في محاربة الإسلام والتشويش على دعوتهم، وضلّ سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. إن المستشرقين بعامة قد حاولوا دراسة الإسلام بنية منعقدة على جمع المطاعن الملفقة عن الإسلام، وهم يتزيّنون بزي العلم والبحث عن الحقيقة، غير أن العصبية تغلبهم عن أن يقولوا كلمة الحق، وأن ينطقوا بما في أيديهم من شواهد؛ فيكابرون ويلجون في الضلال، ويرمون الإسلام بكل ما تحمل صدورهم من غل، وحتى من يقول منهم في الإسلام كلمة حق ليبعد عن نفسه تهمة التعصب، ويلصق بنفسه صفات العالم النزيه الذي لا يدلس ولا يدجل لا يمكن أن تسلم كتابته من بعض التعليقات المضلّلة. إن الإسلام يواجه عداوات متربّصة من كل جانب، وإن المسلمين في مواجهة حرب من أعدائهم المستشرقين؛ ورثة الصليبيين، وهذا ما يقتضيهم أن يكونوا على وعي ويقظة، وأن يتسلح الدعاة منهم بأسلحة الثقافة الواسعة الشاملة، وأن يتعرفوا على ما عند أعدائهم من أسلحة يحاربونهم بها، حتى يلقوهم بأسلحة من دينهم ومن تراثهم؛ ليردوا كيدهم ويبطلوا تدبيرهم، وما يريدونه من سوء بالمسلمين وبدينهم. الاستشراق والمؤسّسة الاستعمارية: في حوار مع مجلة (المشاهد السياسي) تحدث الأديب محمد الأسعد عن العلاقة بين المؤسسة الاستعمارية والاستشراق.. وقال إن هذه المؤسّسة لا تعني قيام مركز واحد وفريق عمل واحد يعمل في مبنى واحد، بل تعني اعتماد مناهج بحث في هذا الشرق تحمل رؤيا وتسعى إلى هدف، فتبحث في التاريخ واللغات والثقافات والمجتمعات.. إلخ، في الأكاديميّات ومراكز الأبحاث الغربية، بل وحتى في دوائر المخابرات، وترسّخ قواعد ومعايير لأي دراسة للشرق يتبعها ويخضع لها كل من يباشر هذه المهمّة. تاريخياً خدمت هذه الدراسات الاستشراقية وثبّتت عن الشرق، والعربي منه تحديداً، صوراً نمطية في الثقافة الغربية سلبيّة إلى أقصى درجة، وساهمت هذه الصور في تبرير المذابح والاحتلالات المتواصلة للوطن العربي، وإشاعة البهجة والحماسة في نفوس الرأي العام الغربي لسنوات طويلة. هذا هو القانون العام الذي تحكّم في مسيرة الاستشراق، ولا يجهل أحد دور المستشرقين في خدمة مؤسّسات بلادهم الاستخبارية والعسكرية والقيام بوظائف لا علاقة لها بالعلم وأهله، كما حدث بالنسبة للحلقة الاستشراقية التي تجمّعت في (جامعة القاهرة) منذ بداية إنشائها، والتي قدّم بعض من أفرادها خدماته للجيوش الغربية أثناء الحرب العالمية الأولى. ولعلّ أكثر أفاعيل الاستشراق وضوحاً هو دوره في التمهيد لاحتلال فلسطين وإبادة سكّانها وقراها، وتبرير إقامة كيان استعماري على أرضها منذ ستينيات القرن التاسع عشر، وهذا تاريخ ذو مغزى؛ لأنه شهد تأسيس صندوق استكشاف فلسطين البريطاني، وإعلان رعاة هذا الصندوق بوضوح أن دراستهم لهذا البلد والتجوّل في جغرافيته، إنما تستهدف امتلاكه؛ لأنه حسب زعمهم هبة من الله لهم، ونشط في إطار هذا الصندوق العسكري والمخابراتي واللاهوتي والمؤرّخ والمهندس. في فلسطين لم تكن مهمّة الاستشراق، وبخاصّة في جانب التنقيب عن الآثار، تمثيل الفلسطيني كإنسان هامشي في الأرض المقدّسة وجد بالمصادفة فقط، بل احتلال أرضه ومحو وجوده في الماضي والحاضر، وهذا هو محور كتاب الأديب محمد الأسعد الذي صدر في بيروت في أكتوبر الماضي تحت عنوان (مستشرقون في علم الآثار كيف قرؤوا الألواح وكتبوا التاريخ). ولإثبات ملكية هؤلاء المستعمرين لفلسطين في الحاضر والماضي على حد سواء، اخترعوا ولفّقوا قصص العثور على مدن توراتيّة، وأطلقوا أسماء توراتية على مدننا وجبالنا وسهولنا، وخلعوا فلسطين من تاريخها الحقيقي، ولفّقوا لها تاريخاً مستمدّاً من حكايات وأساطير توراتية. بل امتدت يد بعضهم مثل د.س. مرغوليوث إلى القرآن الكريم فترجم كلمة إرم إلى آرام انسجاماً مع التوراة وأدبها، في معرض مقالة له عن أصالة الشعر العربي (1925م)، ولجأ مستشرق آخر مثل وليم فوكسويل ألبرايت إلى إضافة كلمات إلى نقوش كتابية كنعانية عثر عليها في تل فلسطيني، وجعلها تتحدّث عمّا تسمّيها التوراة أورشليم وسقوطها (1936م)، وما زال هذا النص الزائف يدرّس في المدارس الغربية رغم افتضاحه منذ زمن طويل. لم تتوقّف مؤسّسة الاستشراق الغربي عن لعب دورها في سياق حروب هذا الوحش، بل انتقلت إلى وظائف جديدة مع ثورة الاتصالات والمعلومات، فأصبحت لا تتمركز في الجامعات ومراكز الأبحاث فقط، بل تجاوزت ذلك إلى الصحافة اليومية وشاشات الفضائيات العربية مباشرة، وإلى صياغة البيانات الدعائية، لإقناع العربي أن لا احتلال هناك ولا استعمار ولا نهب ثروات، وأن هذه مجرّد هلوسات يهلوس بها عقله المريض. ويقول محمد الأسعد: ويعمل الآن علماء أنثروبولوجيا ولغات واجتماع سياسي واقتصاد، مجنّدين وملحقين بقوّات البطش العسكري في أماكن عدّة من العالم، على شن حرب نفسية ـ اجتماعية على الشعوب التي تقصفها الطائرات بأكثر صنوف الأسلحة تدميراً. هذه هي مرحلة أطلق عليها كاتب أميركي اسم (ما بعد الاستشراق)، على غرار الحداثة وما بعدها، وكل ما بعد يعني في الفكر الغربي تحوّلاً نحو شحذ أدوات الفكر لتكون أكثر فاعلية. ويبدو أن الاستشراق بطبعته القديمة المقنعة لم يعد يكفي، وها هو يتقدّم الآن إلى ساحة الصراع عارياً من كل حجج ادّعاء الموضوعية والعلمية، إنه يتقدّم برفقة الطائرات والدبّابات وأرتال الجنود. أبرز وسائل المستشرقين لنشر أفكارهم: - تأليف الكتب المتخصصة في موضوعات مختلفة عن الإسلام وتراثه الحضاري. - إصدار المجلات الخاصة ببحوثهم عن المجتمعات الإسلامية. - إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية. - الكتابة في الصحف المحلية ببلادهم والبلاد التي لهم فيها نفوذ. - عقد المؤتمرات لمناقشة القضايا الإسلامية للوصول إلى آراء تحقق لهم أهدافهم. - إنشاء موسوعة (دائرة المعارف الإسلامية) بعدة لغات. - إنشاء الجمعيات، مثل جمعيتي (المستشرقون الفرنسيين) - الذين أصدروا (المجلة الآسيوية)- و(المستشرقون الإنجليز) الذين أصدروا مجلة الجمعية الآسيوية الملكية. وجمعية المستشرقين الأمريكيين، الذين أصدروا (مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية)، وكذلك فعل المستشرقون في كل بلد من بلدان أوروبا. من أهم مؤلفات المستشرقين: - دائرة المعارف الإسلامية، صدرت في الفترة من 1332-1357هـ، 1913-1938م. وظهرت لها طبعة جديدة في الفترة من 1365 - 1397هـ، 1945 - 1977م. - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف، في ثمانية مجلدات، وشمل الكتب الستة المشهورة، بالإضافة إلى مسن |
|