قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُئلَ فضيلة الشيخ المُحدِّث حَاتِم بن عَارِف الشريف: ما حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادات؟ وهل ورد في فضلها حديث صحيح؟.
فأجاب -َثَابَهُ اللَّـهُ تَعَالَى-: الحمدُ للَّـهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على إمامِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ وعلى آله وأصحابِهِ والتَّابعينَ. وبعد: فجوابًا عن سؤالكم عن ليلة النّصف من شعبانَ، وعن مدى صحّة ما ورد في فضلها، أقول وباللَّـه التَّوفيق: لقد رُويت أحاديث متعددة في فضيلةِ ليلةِ النّصف من شعبانَ، وأحاديث في فضلِ تَخصِيصِها بِصلاةٍ أو عبادةٍ معينةٍ، أمَّا الثاني: (وهو ما ورد في تخصيصها بصلاة أو عبادة) فلم يصحّ فيها شيء، بل كلّها أحاديث موضوعة وباطلة، وحَكَمَ ببطلانها جمعٌ من أهلِ العِلمِ، منهم ابن الجوزيّ في كتابه الموضوعات (2/440ـ440ـ445 رقم1010ـ1014)، والبيهقي في الشعب (3841)، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (79ـ80)، وابن قيَّم الجوزيَّةَ في المنار المنيف (174ـ177)، وأبو شامة الشَّافعيّ في الباعث على إنكار البدع والحوادث (124ـ137)، والعراقيّ في تخريج إحياء علوم الدين (582)، ونقل شيخُ الإسلامِ الاتّفاق على بطلان الصَّلاة المسماة بالألفية كما في اقتضاء الصّراط المُستقيم (2/138).
وهذا أمرٌ لا يخفى على أَحدٍ من أَهلِ العِلمِ: أن تخصيصَ ليلة النّصف من شعبانَ بصلاةٍ لم يرد فيه حديثٌ صَحيحٌ ولا حَسَنٌ ولا ضعيف خفيفُ الضَّعف، بل ما ورد فيه كلّه موضوع مكذوب على نبينَا -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أمّا ما ورد في فضلِها مُطلقًا، فقد وردَ فيه أحاديث اختلف فيها أهلُ العِلمِ قَديمًا وحديثًا، وجَمَع كثيرٌ من الحُفَّاظِ طُرُقها، وخصها بعضهم بالتصنيف كأبي عبد اللَّـهِ ابن الدُّبَيْثيّ (ت637هـ).
فقد ورد فيها الحديث من حديث معاذِ بن جبلٍ، وعائشةَ، وأبي ثعلبةَ الخشنيّ، وعثمانَ بنِ أبي العاص، وأبي موسى الأشعريّ، وعَليِ بن أبي طالبٍ، وعبدِ اللَّـهِ بن عُمَرَ، وأبي هُرَيْرةَ، وعبدِ اللَّـهِ بن عَمرو، وعوف بن مالكٍ، وأُبيّ بن كعبٍ، وأبي أُمامةَ، وأبي بكر الصّديق -رضي اللَّـهُ عنهم أجمعين-، ومراسيل لغيرهم.
واستيعاب الكلام عن طرقها وعللها لا يُناسبُ هذا المقام، وتَرْكُ ذلك بالكلية لا يُوضَّح الحقّ ولا يُقربُ إلى الصَّوابِ، لذلك رأيتُ أن أكتفي بالكلام عن أشهر طرقها باختصار، ثم يُقاسُ عليها ما هو أشد ضعفًا منها.
أوَّلًا: حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: «يطّلعُ اللهُ ليلة النصف من شعبان إلى خلقه، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن».
أخرجه ابْنُ حبَّانَ في صحيحه (5665)، وغيرُهُ، فانظر تخريجه في حاشية تحقيقه، وفي سلسلة الأحاديث الصَّحيحة (1144).
لكن الحديث وقع فيه اضطراب كثير في إسناده، جعله من حديث أبي ثعلبةَ الخشني مَرّة (وانظر السِّلسة الصَّحيحة)، ومن حديث أبي إدريسَ الخولاني مرسلًا، وعن كثير بن مُرّة مرسلًا، وعن مكحول مرسلًا.
وكلّها مرجعها إلى إسناد واحد اضطُرب فيه هذا الاضطراب.
بيَّن ذلك ووضّحه غاية الوضوح الدَّارَقُطنيُّ في العِللِ (6/ 50 ـ 51 رقم 970)، وقال أثناء ذلك عن روايتيه من حديث معاذ بن جبلٍ: "وكلاهما غير محفوظ".
وقال عن الحديث بعد إيراده لطرقه السَّابقة: "والحديث غير ثابت".
وخصَّ الدَّارقطنيُّ في موطن آخر من علله (6/ 323 ـ 324 رقم 1169) حديث أبي ثعلبة بالذكر، ثم قال بعد عرْضِ طُرُقه: "والحديث مضطرب غير ثابت".
بل لقد قال أبُو حَاتِمٍ الرَّازيُّ -وحسبك به- عن حديث معاذ بن جبل: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد" العلل لابن أبِي حَاتِمٍ (2012).
وبذلك ظهر أن حديث معاذ وأبي ثعلبة حديثان شديدا الضعف، لا ينفعان في باب الاعتبار، أي لا يرتقيان بالمتابعات والشَّواهد.
ثانيًا: حديث عائشةَ -رضي اللَّـهُ عنها- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال لها حين افتقدته فوجدته في البقيع ـ في حديث: «إِنَّ اللَّـهَ -عزَّ وجلَّ- يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ».
أخرجه الإمام أحمـدُ (26018)، والترمذيُّ (739)، وابْنُ ماجةَ (1389) من طريق الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشةَ به.
فهو إسنادٌ ضَعيفٌ، ويشير كلام البُخاريِّ إلى ضعفِ الحَديثِ من جميع وجوهه؛ لأنَّه ضَعَّفَ الحديث لا الإسناد وحده.
ولمّا عَرَضَ الدارقطنيّ لعلل حديث عائشة هذا في العلل -المخطوط- (5/ق51/أ-ب)، وبيّن الاضطراب فيه، وأنه رُوي من وجه آخر عن حجاج بن أرطاة عن كثير بن مُرّة الحضرمي مرسلاً، ثم قال: "وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت".
لذلك فقد صرح أبو عبد اللَّـهِ الحَاكِم النيسابوريُّ بالصواب في هذا الحديث بقوله: "إنما المحفوظ هذا الحديث من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً" شعب الإيمان للبيهقيّ (3824، 3825، 3830، 3831) وللحديث عللٌ أخرى أبانها عَمرو عبد المنعم سليم في تحقيقه لكتاب ابن الدُّبَيْثي (54ـ66).
بل لقد أشار الدَّارقطنيُّ إلى أن مرجع حديث عائشةَ إلى حديث مكحول الشامي السابق ذكره في حديث معاذ، وهذا ما مال إليه البيهقيّ في الشعب (3/382،383 رقم 3383، 3835)، وقد نقل ابنُ الجوزيِّ في العلل المتناهية (2/561 رقم 921) عن الدارقطني أنه قال: "وقد رُوي من حديث معاذ ومن حديث عائشة، وقيل إنه من قول مكحول، والحديث غير ثابت".
فعادت أحاديث معاذٍ وأبي ثعلبةَ وعائشةَ إلى أنها حديث واحد، مآله إلى أنه كلام لمكحول الشَّامي!!!.
وبذلك تعرفُ الخطأ الجسيم لمن اعتبر هذه الرِّوايات روايات متعددة يَتَقَّوى بها الحديث.
ثالثًا: حديث عبد الله بن عمرو، أن رَسُولَ اللَّـهِ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «يَطَّلِعُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ».
ذكر هذا الإسناد الألبانيُّ -رحمه اللَّـهُ- في السِّلسة الصَّحيحة (3/136)، وقال: "هذا إسنادٌ لا بأس به في المتابعات والشَّواهد".
ولعل هذا من الألبانيِّ ـرَحِمَهُ اللَّـهُ- لاعتماده على أن الحافِظَ ابنَ حجرٍ قال عن حُيَيّ بن عبد الله: "صدوق.....".
ومع أن حُييّ هذا ممن اختُلف فيه، كما تجده في التهذيب (3/72)، فالأهم من ذلك أن أحاديث ابن لهيعة عنه بالإسناد المذكور آنفًا مناكير، كما بيّن ذلك ابنُ عدي في ترجمة حيي بن عبد الله في الكامل (2/450)، حيث ذكر بضعة أحاديث لابن لهيعة عن حُيَيّ عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عَمرو، ثم قال: "وبهذا الإسناد حدثناه الحسن عن يحيى عن ابن لهيعة بضعة عشر حديثاً عامتها مناكير".
وابن عدي يُعلّق نكارة هذه الأحاديث بابن لهيعة، لإحسانه الظن بحُيي بن عبد الله.
وقد ذكر الألبانيُّ لابن لهيعة متابعاً، هو رشدين بن سعد، فلو سلم الإسناد إليه، فهو ضعيف، ولا يحتمل ضَعْفُهُ مثل هذا الحديث؛ هذا إن لم تكن نكارةُ الحديث من قِبَلِ شيخهما حُيي بن عبدالله! ثم إن ابن لهيعة قد اضطرب في هذا الحديث، فمرةً يرويه كما سبق، ومَرّةً يرويه من حديث أبي موسى الأشعري (سنن ابن ماجة 1390، 1391)
ومرّة يرويه عن عوف بن مالك (مسند البزار 7/186 رقم 2754) وقد ذكر الألبانيُّ -رحمه اللَّـهُ- اضطراب ابن لهيعة هذا، في السلسة الصحيحة (1563) والغريب أن حديث ابن لهيعة المشار إليه أخيراً مرويٌّ من طريق كثير بن مُرّة الحضرمي، وقد سبق بيانُ أنّ أحدَ طرق حديث مكحول ترجع إلى أنه من حديثه عن كثير بن مُرّة فهل نعود إلى أن حديث ابن لهيعة يعود إلى حديث مكحول أيضاً؟! (وانظر السِّلسلة الصَّحيحة 3/137ـ138) هذا مع ما في حديث أبي موسى وعوف بن مالك من العلـل الأخرى الإسنادية سوى اضطرابه المشار إليه.
وبهذا كلّه يتضح أنَّ هذه الطُّرق شديدة الضَّعف غير صَالِحَةٍ للتقوَّي.
رابعًا: حديث أبِي بَكرٍ الصَّديقِ -رضي اللَّـهُ عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «ينـزل الله عَزَّ وَجَلَّ ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لكل شيء إلا الإنسان في قلبه شحناء، أو مشرك بالله».
أخرجه البزارُ (1/157ـ158، 206ـ207 رقم80) وابنُ خُزَيْمَةَ في التوحيد (1/325ـ327 رقم200)، من طريق ضعّفها جمعٌ من أهل العلم، منهم البخاريُّ، وأبُو حَاتِمٍ الرَّازيُّ، والعقيليُّ، وابنُ عديّ، والبزارُ، وغيرُهُم ـ انظر التَّاريخ الكبير للبُخاريِّ (5/424ـ425)، والجرح والتعديل لابنِ أبي حَاتِمٍ (8/306ـ307)، والضعفاء للعقيليّ (3/788ـ789)، والكامل لابنِ عديّ (5/309).
ولا يظنّنّ أحدٌ أن ابْنَ خُزَيْمَةَ قد صحّحه بإخراجه في (التَّوحيدِ) الذي اشترط فيه الصحّة، فإن ابنَ خُزَيْمَةَ قد أشار إلى ضعفِهِ بتعليقه الإسناد أوّلاً ثم بتأخير ذكر إسناده عقب إيراده للمتن، وهذا اصطلاحٌ له في كتابه الصَّحيح والتَّوحيد ذكره هو عن نفسه في التَّوحيدِ (2/637)، ونصّ عليه الحافظ ابن حَجَرٍ في مواضع من إتحاف المهرة (2/365 رقم 1905) ومن بين أحكام العلماءِ على هذا الإسناد حُكْمُ ابنِ عديّ عليه بأنَّه منكرٌ، والمُنكرُ من أقسام الحديث الشَّديد الضَّعف الَّذي لا يصلح للتَّقوَّي.
هذه أشهر أسانيد أحاديث فضل ليلة النِّصف من شعبان الواردة في مشاهير كُتُب السُّنَّة، ويبقى سواها أحاديث أخرى سبقت الإشارة إليها مقدمة هذا الجواب، وبالاطلاع عليها لم أجد فيها ما ينفع للتقوَّي فضْلاً عن أن يوجد إسناد مقبول أو خفيف الضعف، فهي بين إسناد منكر تفرد به ضعيف، وإسناد شديد الضعف فيه متهم، وحديث موضوع مختلق، لذلك فالرَّاجح عِندي أنه لم يصح في فضل ليلة النصف من شَعْبانَ حديث، ولم يُصب ـ عندي ـ من صحّحه بمجموع الطُّرق، فإن شرط التقوية ألا تكون الطرق أوهاماً أو مناكير أو بواطيل.
أمَّا أحكام العلماء على أحاديث فضل ليلة النصف من شعبان، فقد سبق ذكر أحكامهم على أفرادِها؛ ولكن سأذكر هنا مَنْ قَوَّى الحديث ومن ضعّفه على وجه العموم.
فممن قَوَّى الحديث: ابن حبان، والمنذري في الترغيب والترهيب، وللبيهقي كلامٌ ليس صريحًا في التصحيح، ذكره أبو شامة في الباعث (132)، ولشيخ الإسلام ابن تيميَّةَ كلامٌ يدل على تصحيح أو قبول ماورد في فضائلها، وذكر أنه نصُّ الإمام أحمد وأكثر الحنابلة (اقتضاء الصراط المستقيم (2/136ـ137)، واختيارات البعلي (65) ولشيخِ الإسْلامِ كلامٌ آخر يدل على توقُّفه عن تصحيح حديثها (مجموع الفتاوى 3/388).
وصحَّح الحديث أخيرًا: العلَّامة الألبانيُّ -رَحِمَهُ اللَّـهُ- كما سبق.
أمّا الذين ضعفوا الحديث من جميع وجوهه: فسبق منهم الدارقطني والعقيلي في الضعفاء (ترجمة عبد الملك بن عبد الملك 3/789)، وابن الجوزي كما في العلل المتناهية (915ـ924)، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (80)، وأبو بكر ابن العربي في أحكام القرآن (4/1690) وأقره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/128).
بل قال أبو الخطاب ابن دحية: "قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديث يصح" الباعث لأبي شامة: (127).
وقالَ ابنُ رَجَبٍ: "وفي فضل ليلة نصف شعبانَ أحاديث متعدِّدة، وقد اختُلف فيها، فضعّفها الأكثرون، وصحّح ابن حبان بعضها". لطائف المعارف (261).
بل صحّ عن جمع من السَّلف إنكار فضلها.
قالَ عبدُ الرَّحمنِ بْنُ زَيد بن أسلم (وهو من أتباع التابعين من أهل المدينة): "لم أدرك أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول، ولا يرى لها فضلاً على سواها من الليالي". أخرجه ابن وضاح بإسناد صحيح في ما جاء في البدع (119).
وقالَ ابْنُ أَبِي مُليكةَ (وهو من جِلّة التابعين وفقهائهم بالمدينة)، وقيل له: إن زياداً النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجْرُها كأجر ليلة القدر، فقال: لو سمعته يقول ذلك وفي يدي عصاً لضربته بها". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7928)، وابن وضاح في ما جاء في البدع (120) بإسناد صحيح.
ولَمَّا سُئِلَ عبد اللَّـه بن المُبارك عن النّـزول الإلهي ليلة النِّصف من شعبانَ قال للسائل: "يا ضعيف! ليلة النصف؟! ينـزل في كل ليلة". أخرجه أبو عثمان الصابوني في اعتقاد أهل السُّنَّة (92).
وقالَ ابْنُ رَجَبٍ في لطائف المعارف (263): "وليلةُ النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام، كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم يُعظّمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم يأخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلمَّا اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عُبّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كلّه بدعة".
وأما قولُ ابنِ رَجَبٍ من أن مرجع تعظيم هذه الليلة إلى الإسرائليات فقد وجدت ما يشهد له، من أن مكحولاً الشامي (وهو مرجع أكثر طرق الحديث كما سبق) قد رُوي هذا الحديث عنه في بعض الوجوه عن كعب الأحبار!! كما تراه في كتاب النـزول للدارقطني (162 ـ 164، 168 رقم 88)، وانظر لطائف المعارف أيضاً (264).
ومما نقله ابْن رَجَبٍ في لطائف المعارف (264) ويخالف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّةَ وهو قول ابْنِ رَجَبٍ: "ولا يُعرف للإمام أَحْمَدَ كلام في ليلة النِّصف من شعبانَ".
وأمَّا تعظيمُ أهلِ الشَّامِ لهذه اللَّيلةِ، فقد خالفهم في ذلك فقيه الشَّام الإمامُ الأَوْزَاعِيُّ، فيما ذكره السّبكيّ، ونقله عنه الزّبيديّ في تخريج إحياء علوم الدين (1/521)، وفيما ذكره ابن رَجَبٍ أيضًا في لطائف المعارف (263).
وأخيرًا، فعلى فرَض صحة حديث فضل ليلة النِّصف مِن شعبانَ، فإن الذي أخبرنا بفضلها وهو النَّبيّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخصها بعبادة معينة، فلو كان ذلك مشروعاً لكان هو -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحرص على فعله وبيانه للناس، بل لو قيل: إن النبيَّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شرع ما يتقرب به تلك الليلة (على فرض الصّحة) لكان هذا وجيهًا، وهو أن تنام تلك اللَّيلة خالصًا قلبك من الشِّرك والشّحناء على المسلمينَ!!.
وفي كِتابِ الورعِ للمَرُّوذيِّ (545): "قلتُ لأبي عبد اللَّـهِ [يعني الإمامَ أحمدَ بْنَ حَنْبَلٍ]: إن رجلًا مِن أهل الخَيرِ قد تركتُ كلامه، لأنه قذف رجلًا بما ليس فيه، ولي قرابة يشربون المسكر ويسكرون؟ وكان هذا قبل ليلة النِّصف من شعبانَ. فقال: اذهب إلى ذلك الرَّجل حتى تكلمه، فتخوّف عليَّ من أمر قرابتي أن آثم، وإنما تركت كلامهم أني غضبت لنفسي، قال: اذهب كلَّم ذلك الرَّجل، ودع هؤلاء، ثم قال: أليس يسكرون؟ وكان الرّجل قد ندم؟".
وتنبه أن الإمامَ أحمدَ لم يكن هو الذي ذكر ليلة النِّصف مِن شعبانَ، ولا ذكر المروذيّ أنه ذكرها له أيضًا، وإنما هو خبر ذكره المروذيّ، ومراعاة ذلك (ولو لم يصح فيه شيء) مما لا يرى فيه بعض العلماء بأسًا فهو عمل مشروع في كل ليلة، ولم يخصه المروذيّ بليلة النِّصف.
أمَّا ما يفعله كثير من الناس من الاجتماع ليلة النِّصف من شعبانَ على صلوات معيَّنة وعبادات خاصة في كل عام فهذا من البدع التي اتّفق على إنكارها من عامة العلماء، وذكر ذلك جماعة من أهل العلم.
فانظر الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي (266 ـ 267)، والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (142)، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيميَّة (2/138، 256 ـ 257)، ولطائف المعارف لابن رجبٍ (263) ولم يخالف في تبديع هذا الفعل إلا قلة من أهل العلم، منهم من ذكرهم ابن رجبٍ من أهل الشام، وإسحاق بن راهويه.
أمَّا الشافعيّ فاستحب إحياءَها، كما في الأم (1/231)، لكن لم يذكر أن ذلك يكون بالاجتماع لها، ولم يذكر الشافعيّ دليل ذلك الاستحباب.
وما دامت المسألة متنازعاً فيها فالمرجع فيها إلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ، كما قالَ اللَّـهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59].
وقد صحَّ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه مُسلمٌ (1718) وليلة النِّصف من شَعبانَ لم يثبت في فضلها حديث، وكل ما ورد في فضل تخصيصها بعبادة بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، فليس في تعمُّد القيام فيها بعبادة ما، على وجـه التعيين لها، وتخصيصها بتلك العبادة إلا ابتداعاً في الدّين، وقد قال -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» أخرجه مُسْلِمٌ (867).