الشرائع قوة إيجابية من اجل إسعاد البشرية
الشيخ د. سالم عبد الجليل
الشرائع قوة إيجابية من اجل إسعاد البشرية Aao_aa13
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

فالله الذي خلق الانسان فطره على التدين.

وارسل له الانبياء ليعلموه الدين الصحيح حتى لا تنحرف الفطرة.

وانزل له الكتب التي تبقى حتى وان مات الانبياء الذين بلغوها.

والمتأمل في مقاصد الشرائع مهما اختلفت أزمنتها يجد بينهااتفاقًا واضحاً بما يؤكد على ان الشرائع في اصلها مصدرها واحد.

وصدق الله القائل: "كذلك يوحي إليك والى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" سورة الشورة: ٣.

ولو ابقى اصحاب كل كتاب على كتابهم من غير تحريف لما وجدنا اي اختلاف فيما بينها اللهم الا في بعض التفاصيل.

ولو عاد اهل الاديان السماوية الى دراسة مقاصد الشرائع لوجودوها تتفق في أهدافها ومن ذلك: تحقيق الأمن والأمان لكل البشر.

وهو ما يحقق للناس السعادة والاستقرار وينشر بينهم المحبة والسلام.

ان مقاصد الشريعة تصب كلها في مراعاة حق الانسان على اخيه الانسان بغض النظر عن دينه ولونه ونوعه.

وبنظرة متانية على مقاصد الشريعة الإسلامية يتبين لنا انها تنقسم الى ثلاثة أقسام:
القسم الأول منها: "الضروريات"
وقد عرَّفها الإمام الشاطبى بقوله: إنها تعنى ما لابد منه فى قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفوت حياة، وفى الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين...

ومن هنا شرع الإسلام من الأحكام والتكاليف ما يحمى هذه المصالح التى تبلغ الحاجة إليها مبلغ الضرورة ولا تقوم حياة الناس بدونها.

وهذه المقاصد الضرورية خمسة هى:
حفظ النفس والعقل والدين والمال والنسل.

وحياة الإنسان فى هذه الدنيا تقوم على هذه الأمور الخمسة التى تعد ضروريات لازمة له من حيث هو إنسان، كما تعد أصولاً راسخة لحقوقه العامة التى ينادى بها المجتمع الإنسانى فى العصر الحديث، والتى لا تتوافر الحياة الإنسانية الرفيعة إلا بها.

ولا يتحقق السلام وتسود المحبة الا في ظلالها.

ومن هذا المنطلق فان التدين الصحيح او الفهم الصحيح للدين سيؤدي بالقطع الى المحبة لا التباغض والى السلام لا الحرب.

ولاشك فى أن تحقيق هذه المطالب الخمسة تحقق للإنسان مصلحة حقيقية فى دينه ودنياه.

ومن هنا جاءت الشرائع السماوية للمحافظة عليها، كما أن الشرائع الوضعية تحاول أن تحققها.

أما القسمان الآخران فهما:
"الحاجيات والتحسينات"، وهما بمثابة الأمور التكميلية.

وليس معنى ذلك أنها غير مطلوبة أو يمكن الاستغناء عنها، وإنما هى فى مرتبة دون مرتبة الضروريات.

فالحاجيات:
هى الأمور التي لا يكون الحكم الشرعي فيها لحماية أصل من الأصول الخمسة المشار إليها، بل يقصد بها دفع المشقة أو الحرج أو الاحتياط لهذه الأمور الخمسة.

والتحسينات:
هى الأمور التي لا تحقق أصل هذه المصالح (الخمسة) ولا الاحتياط لها، ولكنها تحفظ الكرامة وتحمى الأصول الخمسة.

ومن ذلك بالنسبة للنفس حمايتها من الدعاوى الباطلة والسب وغير ذلك مما لا يمس أصل الحياة، ولا حاجيات من حاجياتها، ولكن يمس كمالها ويشينها.

والاصل في خلق الناس مختلفين في النسب وغيره هو التعارف والتآلف ومن ثم نشر المحبة والسلام.

وليس التنافر والتناحر والبغض والكره ومن ثم الحروب.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلاّ بالتقوى».

والتعارف هو المدخل إلى التفاهم والتعاون الإنساني العام، من منطلق المساواة التامة بين البشر الذين هم من أصل واحد.

وفي ذلك تأصيل لمفهوم التعاون من منظور الحضارة الإسلامية.

وهذه حقيقة خالدة من حقائق الحياة التي أودعها الله في الخلق، تؤكد أن البشر سواسية، محكوم عليهم أن يتعارفوا، وأن يتبادلوا المصالح، ويحترم بعضهم بعضاً، لأن التعارف، وهو تبادل المعرفة، لا يكون إلا في ظل الوئام والتفاهم والاحترام المتبادل الذي يجب أن ينبني على قواعد القانون الدولي، والتعاون في تبادل المصالح المشتركة.

من هنا تتوضَّح لنا الأهمية البالغة لدور الأديان في تعزيز التعاون الدّولي، وفي التقارب بين الشعوب، وفي الحوار بين الثقافات، وفي التحالف بين الحضارات، وفي تسوية الخلافات والنزاعات التي تفضي إلى الحروب، والتي تترتب عليها المآسي التي تذهب ضحيتها الشعوبُ التي تكتوي بنارها وتتعذب بآثارها.

إن من رسالة الأديان تعميق الأخوة الإنسانية، لأن البشر عباد الله الخالق يعودون إلى أصل واحد، وتزكية النفوس وإقامة العدل والسلام، ونبذ الحروب والنزاعات بين الشعوب، وكفالة الحقوق للإنسان، حتى يحيا في هذا العالم عزيزاً مكرماً ذا إرادة حرة، ويتعايش مع إخوانه في الإنسانية، في جو من الفهم والتفاهم والوئام والسلام.

وفي ذلك تعميق لقيم السلام والمحبة وغيرهما من القيم الانسانية الراقية لا فرق بين مسلم وغيره، يقول الإمام عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، في رسالته إلى واليه على مصر مالك بن الأشتر: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظيرٌ لك في الخلق».

وجوهر الأديان هو السلام. وفي الإسلام (السلام) من أسماء الله الحسنى.

وعلى هذا الأساس، فإن رسالة الدين الإسلامي هي السلام القائم على قيم الحق والعدل والاحترام المتبادل والاعتراف بالاختلاف، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآياتٍ للعالمين».

وهي آيات باهرات ودلائل مشيئة إلاهية جديرٌ بالإنسانية اليوم أن تعيها وتستوعبها للخروج من هذا المأزق الذي وصلت إليه العلاقات الدولية في هذه المرحلة.

إن الدور الذي يجب أن تقوم به الأديان في نشر حقوق الانسان ومن ثم نشر المحبة والسلام يفوق الدور الذي تلعبه القوانين الوضعية والقرارات التي تصدرها المنظمات الدولية.

لان التعاليم الإلهية والمبادئ الدينية، التي هي المصدر الأساس لقيم الخير والحق والعدل والمساواة والسلام.

لها احترامها الفطري والغريزي.

إننا نؤمن بأن رسالة الأديان هي نشر المحبة والسلام والعدل بين البشر، ونبذ الكراهية والتمييز العرقي والظلم والعدوان.

وهنا يأتي دور علماء الدين ورجاله بان يبرزوا للناس هذه المعاني العظيمة ويذكروهم بمقاصد الشرائع التى تحقق للجميع الأمن والما والمحبة والاستقرار على مستوى الوطن بل على مستوى العالم.

بقلم الشيخ الدكتور/ سالم عبد الجليل
الداعية الإسلامى المعروف
المصدر: موقع بيان الإسلام
الرابط:
http://bayanelislam.net/