أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الإسلام والآخر الثلاثاء 27 فبراير 2024, 9:03 am | |
| الإسلام والآخرأ.د. محمد داود
من الحقائق الخالدة أن الإسلام قد استوعب كل الحضارات والديانات السابقة، وجاء بأحسن ما فيها، وجاء الرسول الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- مصدقًا لما بين يديه من الرسل، قال تعالى: (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) فاطر/31.
(قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) الأحقاف/30.
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الصف/6.
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة/285.
ومن حقائق القرآن الخالدة أيضاً أن الواحدية والأحدية تكون للذات الإلهية دون سواها، وأن التنوع والتعدد والاختلاف سنة إلهية كونية فى كل ما سوى الذات الإلهية، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم/ 22.
ووضح القرآن أن التنوع والتمايز يكون حافزًا للتسابق والمنافسة فى طريق الخير، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) المائدة/48.
وأمرنا القرآن أن نتبع الأحسن والأفضل، قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) الزمر/18.
وفى الإسلام سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث سنن جسَّدت رؤية الإسلام للآخر الدينى، وكيف أن الإسلام لا يكتفى بالاعتـراف بالآخر الدينى وإنما يجعله جزءًا من الأمة والدولة، له كل الحقوق وعليه كل الواجبات.
• أُولى هذه السنن -نموذجًا للعلاقة بالآخر اليهودى- هى الصحيفة التى وضعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقب الهجرة، والمحاور الأساسية لهذه الصحيفة تدور حول المساواة والعدالة بين الفرقاء فى إطار الأمة الوليدة وبواكير الدولة الجديدة، كما تنص على أن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.
• وثانية هذه السنن -نموذجًا للعلاقة بالآخر النصرانى- هى الوثيقة التى وضعها النبى -صلى الله عليه وسلم- لنصارى نجران عهدًا بين الدولة الإسلامية الوليدة وبين النصارى، وفيها كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لنجران وحاشيتها، وسائر من ينتحل دين النصرانية فى أقطار الأرض: جوار الله، وذمة محمد رسول الله، على أموالهم، وأنفسهم، وملتهم، وغائبهم وشاهدهم، وعشيرتـهم، وبِيَعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير أن أحمى جانبهم، وأذبَّ عنهم، وعن كنائسهم وبِيَعهم وبيوت صلواتـهم، ومواضع الرهبان، ومواطن السياح.. وأن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا بما أحفظ به نفسى وخاصتى وأهل الإسلام من ملتى.. لأنى أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم.. حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم!».
ويظهر لنا واضحًا من نَصِّ الصحيفة اعتـراف الإسلام بالآخر، وقبوله، وتكريمه، والاندماج معه، واحتـرام خصوصياته.
[يمكن الرجوع لوثيقة المدينة مع اليهود ووثيقة نصارى نجران فى (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة)].
• وثالثة هذه السنن -نموذجًا للعلاقة بأهل الديانات الوضعية- كانت على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين عرض أمر معاملة أصحاب الديانات الوضعية على مستشاريه بالمسجد النبوى فأشار عليه عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قائلاً: أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «سُنُّوا فيهم سُنَّة أهل الكتاب» (راجع البلاذرى، فتوح البلدان، ص327).
وعُومل أهل الديانات الوضعية معاملة الكتابيين عبر تاريخ الحضارة الإسلامية.
• وهناك مواقف لا تحصى لتأكيد أن علاقة الإسلام بالآخر تقوم على السماحة والعدالة واحتـرام حقوقه.
- من ذلك أن القرآن الكريم أكد أن اختلاف الدين لا يجوز أن يكون مدعاة للظلم أو التغابن، وأنه إذا كانت هنالك أطراف معادية وبيننا وبينها خصام، فذلك كله يجب إبعاده عن مقتضيات العدالة، قال تعالى: (لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة/8.
ولطالما احتكم مسلمون وغير مسلمين إلى القضاء الإسلامى فكانت العدالة تفرض نفسها دون تفرقة بين أطراف المتنازعين، يشهد لذلك عشرات الموقف العملية فى تاريخ الحضارة الإسلامية، من ذلك موقف عمرو بن العاص رضى الله عنه عندما كان واليًا على مصر فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، اشتبك ابن له مع أحد المصريين، وأغراه سلطان أبيه فضرب الرجل، ومصر يومئذ حديثة عهد بالفتح، والمنتظر أن يستكين المضروب لابن القائد الفاتح الذى هزم أكبر دولة فى الأرض ورمى بجيشها فى البحر الأبيض، لكن المجنى عليه كان يأنس فى الإسلام وحكمه غير هذا الذى نزل به، فأقسم ليبلغن شكواه إلى أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه، لكن الولد الذى ضربه وجد فى هذا حماقة فقال له: افعل، فلن تضيرنى شكواك، أنا ابن الأكرمين!
وبينما كان عمر بن الخطاب بين خاصته وعمرو بن العاص وابنه فى مجلسه، والمدينة غاصة بالوفود فى موسم الحج، قدم المصرى المظلوم وقال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن هذا -وأشار إلى ابن عمرو- ضربنى ظلمًا، ولما توعدته بالشكوى إليك قال: افعل، فلن تضيرنى شكواك، أنا ابن الأكرمين!
فنظر عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص نظرة استنكار وقال له هذه الكلمة العظيمة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتـهم أمهاتـهم أحرارا؟!».
ثم توجه إلى الشاكى وناوله سوطه وقال له: اضرب ابن الأكرمين كما ضربك!
لقد أنصف عمر الإسلام بـهذا الحكم.
• ومن المواقف العملية التى تؤكد إن الإسلام دين يقوم على السماحة فى معاملة الآخر، وعلى احتـرام أواصر الإنسانية التى تجمع بين بنى آدم قاطبة: - ما رواه البخارى عن جابر رضى الله عنه قال: مرت بنا جنازة فقام لها النبى -صلى الله عليه وسلم- وقمنا، فقلنا: يا رسول الله إنـها جنازة يهودى! فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أليست نفسًا؟!».
- وروى سفيان عن حماد بن أبى سليمان عن الشعبى أن أم الحارث بن أبى ربيعة ماتت وهى نصرانية فشيعها النبى -صلى الله عليه وسلم-.
- وأوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأهل الذمة، فقال: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ومن آذى ذميًّا كنت خصمه يوم القيامة».
وحدَّث زيد بن سعنة -وهو من أحبار اليهود- أنه أقرض النبى -صلى الله عليه وسلم- قرضًا كان قد احتاج إليه يسد به خللاً فى شئون نفر من المؤلفة قلوبـهم، ثم رأى أن يذهب قبل ميعاد الوفاء المحدد للمطالبة بدينه، وقال: أتيته (يعنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضينى حقى؟ فوالله ما علمتكم بنى عبد المطلب إلا مطلا، ولقد كان لى بمخالطتكم علم!
فنظر إلىَّ عمر وعيناه تدوران فى وجهه كالفلك المستدير، ثم رمانى ببصره فقال: يا عدو الله! تقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذى نفسى بيده لولا ما أحذر فوته لضرب سيفى رأسك.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلىَّ فى سكون وتؤدة، فقال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرنى بحُسن الأداء وتأمره بحُسن اتباعه.
اذهب به يا عمر فأعطه وزده عشرين صاعًا من تمر مكان ما رُعْتَه».
قال زيد: فذهب بى عمر، فأعطانى حقى وزادنى عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟
قال: أمرنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أزيدك مكان ما رُعتك.
إن تـرويع يهودى آذى صاحب الرسالة -صلى الله عليه وسلم- بلسانه ويده لم يأذن صاحب الرسالة به، وأمر أن يبدله مكانه عوضًا تطيب به نفسه.
والحق أن الإسلام يوصد كل الأبواب أمام نفر من الخلق يستهينون بأقدار الآخرين وحقوقهم.
بقلم أ.د. محمد داود المصدر: موقع بيان الإسلام الرابط: http://bayanelislam.net/
|
|