قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: قصة الإسلام في جنوب فرنسا الثلاثاء 13 فبراير 2024, 9:01 pm
قصة الإسلام في جنوب فرنسا المؤرخ الدكتور شاكر مصطفى «سوف نلاحظ على امتداد التاريخ، أن الضربات القاصمة التي وجِّهت إلى المسلمين، لم تأتِهم من الخارج؛ إنما تجيء من داخلهم، كانت الضربات الخارجيـة لا تُوجِعُ المسلمين، وكانوا يصدُّونها عادةً حين يرفعون علم الجهاد، أمَّا قنابل الأعماق التي تجيء من الداخل، فهذه هي التي تؤثر على المسلمين وتمزقهم شيعاً وفِرَقاً متناحرة».
نربونة... الموقع والتاريخ: (أُرْبُوْنَة أو نُرْبـُوْنَة) كما سَمَّاهَا العرب، أو (ناربو - Narbo) أو (ناربون - Narbonne) كما هو اسمها باللاتينية: مدينة تقع في أقصى جنوب فرنسا على الساحل الشمالي الغربي للبحر المتوسط، وهي مدينة عريقة تضرب بجذورها الموغلة في القدم أعماقَ التاريخ.
ونظراً لموقعها الإستراتيجي فقد كانت في العصور القديمـة أحد الموانئ التجـارية الهامة بين موانئ أوروبا المتوسطية، وأحد المراكز التجارية الرومانية الشهيرة في غرب أوروبا.
وكانت في القرن الأول الميلادي أعظمَ مدائن غالة (فرنسا)، وأهمَّ الموانئ التي تصدِّر منها غلاتها إلى إيطاليا وإسبانيا.
وقد وصفها (سيدونيوس أبلينارس) في القرن الخامس بقوله: «إن فيها أسواراً وطرقاً للتنزه، وحاناتٍ وعقوداً وأروقةً ذاتَ عُمُدٍ، وسوقاً عامَّة، وملهىً، وهياكلَ، وحمَّاماتٍ، وأسواقاً للبيع والشراء، ومَرَاعِيَ، وبُحيراتٍ، وقنطرةً، وبحراً».
وفي العصور الوسطى كانت نربونة تنافس مرسيليا في أهميتها التجارية، ولعبت كلٌّ منهما دوراً حيوياً في تجارة الغرب الأوروبي طوال القرن السادس وأوائل القرن السابع، ثم أصابهما التدهـور منذ ذلك الحين وحتى مستهل القرن الثامن، وهو التدهور الذي شمل الغربَ الأوروبيَّ كله بسبب هجمات الفريزيين والسكسون المستمرة عليه.
وفي عهد الحكم الإسلامي للأندلس اشتهرت نربونة بخيراتها الزراعية والرعوية، وكان خَراجها يُنقَل إلى طرسونة في شمال الأندلس.
كما اشتهرت آنذاك بصناعة الثياب الصوفية التي كانت تصدَّر منها إلى جميع أنحاء الأندلس والمغرب.
وفي أواخر العصور الوسطى كانت نربونة حلقـة وصل في التجارة الدولية بين غرب أوروبا وموانئ الشرق؛ فكانت سلع القصدير والنحاس والفضة تُنقَل من جزيرتَي إنجلترا وإيرلندا إلى ساحل المحيط الأطلسي غربي فرنسا، ثم تصعد بها المراكب في نهر الجارون إلى تولوز، ومنها تُحمَل بالدواب إلى نربونة، ومنها تُحمَل في المراكب إلى الإسكندرية.
وبالنسبة لتاريخها السياسي، كانت نربونـة أول مستعمرة رومانية في غالة، وذلك منذ عام 121 ق.م، ثم صارت عاصمة لإحدى المقاطعات الرومانية الأربع في غالة، وهي المقاطعة التي عُرفت تاريخياً باسم (غاليا النربونية).
وفي سنة 439م احتلها القوط الغربيون وضمُّوها لدولتهم التي كانت عاصمتها تولوز، والتي شملت في مطلع عهدها جنوب فرنسا ومعظم إسبانيا.
وفي عام 511م اتخذها القوط عاصمة لهم بعد أن احتل كلوفيس (ملك الفرنج) عاصمتهم تولوز.
وفي عام 532م نقل القوط مركز دولتهم إلى طليطلة، بوسط إسبانيا، لكن نربونة ظلت ضمن أملاكهم في غالة.
وطبقاً للتقسيم الإداري الروماني والقوطي، كان هذا الجزء تابعاً لإسبانيا.
وفي سنة 95هـ/714م وصل إليها المد الإسلامي عن طريق سرية بعث بها موسى بن نصير إليها من الأندلس، ويقول ابن عبد الحكم: «...وأربونة أقصى ثغر الأندلس، وكان كتاب عمر بن عبد العزيز ينتهي إلى أربونة... وأن طارقاً إنما أصاب المائدة فيها»، ولكن المؤرخين المحققين، يشككون في أنها فُتحت على أيام موسى بن نصير.
الفتح الإسلامي لنربونة: وعندما فتح المسلمون الأندلس سنة 92هـ/711م، كانت نربونة ما تزال تحافـظ على مكانتهـا كعاصمة لمقاطعة سبتمانيا التابعة للقوط، وكانت أهمَّ المـدن وأكبرها وأغناها على الساحل الفرنسي الجنوبي، وأقواها تحصيناً، وكانت هي القاعدة المتقدمة لتلك المقاطعة خلف جبال البرت باتجاه الأندلس، فكان العرب إذا أفاضوا من جبال البرتات متجهين نحو الشمال يجدون نربونة هي المدينة الأولى التي تستقبلهم، ولذلك فقد كانت أحد الأماكن التي لجأت إليها بعض الفلول القوطية الهاربة من وجه الفتح الإسلامي لإسبانيا، ومن ثَمَّ كان من الطبيعي أن يفتح العرب أيضاً هذا الجزء من المملكة القوطية التي قضوا عليها في الأندلس.
ومهما كان من أمر، فقد كانت نربونة هي المدينة التي توجهت إليها همَّة العرب أكثر من الجميع من أرض فرنسة بعد فتح الأندلس؛ فقد كان فتحُ هذه القاعدة الحصينة، وضمُّها إلى الأندلس، وإخضاعُ العصاة المتحصنين فيها للحكم الإسلامي، أمراً حيوياً، وعلى درجة قصوى من الأهمية لغزو فرنسا، بل لغزو بلدان غرب أوروبا كلها، ومن ثَمَّ ضم هذه البلدان إلى عقد دولة الإسلام العظمى وعاصمتها دمشق؛ سواء بنشر الإسلام بين شعوب البلاد المفتوحة، أم بإخضاعها من الوجهتين المدنية والاجتماعية لنفوذ الإسلام وسلطانه؛ وذلك تحقيقاً للفكرة التي راودت خيال القائد الفاتح موسى بن نصير، تلك الفكرة العملاقة التي حال استدعاء الوليد بن عبد الملك له للقدوم إلى الشام بينه وبين وضعها موضع التطبيق، ثم لم تتحقق بعد ذلك أبداً.
ولا سيما أن نربونة كانت قد خضعت طوعاً للسيادة الإسلامية بعد فتح الأندلس مباشرة، إلا أن أهلها نزعوا يد الطاعة إثر الفوضى التي عمَّت الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير الوالي الأول للأندلس في رجـب 97هـ/ مارس 716م، فأعاد المسلمون فتحها من جديد عنوة في منتصف سنة 102هـ/ أوائل 721م بقيادة السمح بن مالك الخولاني أمير الأندلس في زمن الخليفة يزيد بن عبد الملك.
وكان فتح هذه المدينة آخر الفتوحات الإسلامية في الجناح الغربي، وكانت هزيمة السمح ومقتله عند تولوز سنة 102هـ/721 قبل هزيمة عبد الرحمن الغافقي ومقتله في سهول تور وبواتيه سنة 114هـ/732 (أي بعد ذلك باثني عشر عاماً)؛ هي الدلالة الأكيدة على اكتمال تلك الفتوحات وعلى أنها قد بلغت مداها كما أكدت ذلك الحملات الإسلامية اللاحقة على جنوب فرنسا التي كانت تنطلـق من الأندلس في عهـد الولاة؛ إذ إن هذه الحملات لم تسفر عن فتح أي مدينة في غالة فتحاً مستداماً رغم توغل عبد الرحمن الغافقي وبعضُ القادة الآخرين كالهيثم بن عدي الكناني وعقبة بن الحجاج السلولي إلى أعمـاق فرنسا ووصـول أحدهـم بجيشـــه -وهو عنبسة بن سحيم الكلبي سنة 107هـ/725م- إلى صانص الواقعة على بُعد 70 كم جنوب شرقي باريس.
تأسيس قاعدة نربونة الإسلامية: بعد فتح نربونة عمل السمح بن مالك على زيادة تحصيناتها وتقوية استحكاماتها وشحنها بالمؤن وجعلها قاعدة عسكرية للمسلمين لإدارة أعمالهم هناك أولاً، ولكي ينطلقوا منها لمواصلة فتوحاتهم فيما يليها ثانياً، وليكون لهم فيها ممتَنع وحصن عندما يداهمهم خطر الأعداء ثالثاً؛ وذلك لموقعها الإستراتيجي وحصانتها وأيضاً لأهميتها البحرية بالقرب من ساحل الأندلس الشرقي ومرفأي برشلونة وطركونة، ومن ثَمَّ سهولة وصول الإمدادات إليها بحراً من جهة الأندلس أثناء الحصار.
كما أن نربونة كانت آنذاك ملائمة لسكنى العرب بها لأن مناخها كان شبيهاً بمناخ المدن العربية في الشام وشمال إفريقيا، كما أن السمح قام بتوزيع الأراضي المحيطة بنربونة بين المسلمين الفاتحين والسكان المحليين النصارى، وترك للنصارى حرية الاحتكام إلى شرائعهم وقوانينهم وأعرافهم ومتَّعهم بحقوقهم التي كفلتها الشريعة الإسلامية لهم.
وبعد ذلك تحرك السمح لمواصلة الفتوحات، فافتتح غاليس القوطية كلها وجميع قواعد سبتمانيا (لانجدوك) وعلى رأسها مدينة قرقشونة المنيعة، وغدت هذه المنطقة كلها تابعة لقاعدة نربونة الإسلامية التي كانت ولاية ثغرية تابعة للأندلس وراء جبال البرت وعُرفت في المصادر الأندلسية بعدة أسماء، منها: (ولاية أربونة) (ثغر أربونة) (ولاية الثغر) (رباط الثغر) وكان حاكمها يتبع والي الأندلس مباشرة، وسكنتها جماعات عربية قليلة من بجيلة وغافق ولخم وغيرها.
وكان هناك قاعدة تالية لها في جنوبي جبال البرت وهي (طرسونة)، ومن هذين الموقعين أدار العـرب المسلمون حركة الفتوح في فرنسا وحكموا نواحيَ واسعةً من حوض الرون وبلاد سبتمانيا.
وبالرغم من هزيمة السمح ومقتله بعد ذلك في ضواحي تولوز جنوبي غرب فرنسا في يوم عرفة 102هـ/ 10 يونيو 721م، وأيضاً هزيمة عنبسة بن سحيم الكلبي جنوبي شرقها ومقتله في شعبان 107هـ/ديسمبر 725م، وكذلك هزيمة عبد الرحمن الغافقي في وسطها ومقتله في رمضان 114هـ/ أكتوبر732م؛ وذلك أثناء محاولاتهم التوغل في فرنسا؛ فقد ظل الوجود الإسلامي في نربونة قائماً؛ بل إنه استمر مدة ثلاثين عاماً بعد معركة البلاط الشهيرة رغم صعـود نجم شارل مارتل رئيس بلاط مملكة الفرنجة ذلك الحاكم الفرنجي القوي الطاغية ذي الهجمات الشرسة عليها والحصار الخانق لها براً وبحراً بمساعدة قوات حلفائه اللومبارد البحرية في شمال إيطاليا؛ وذلك في سياق حملتيه العسكريتين الضخمتين على جنوبي فرنسا سنة 120هـ/ 737م، وسنة 122هـ/ 739م اللتين نجح خلالهما في كسر شوكة العرب في شرقي فرنسا وجنوبيها الشرقي أثناء انشغال المسلمين في الأندلس بفتنة خوارج البربر في المغرب، باستثناء نربونة بطبيعة الحال لأن حاميتها المسلمة تصدت لشارل مارتل بكل بسالة وأحبطت كل محاولاته لاقتحامها ومن ثَمَّ أجبرته على الانسحاب والعودة إلى قاعدته في الشمال خائباً، وقد مات شارل مارتل سنة 741م ونربونة ما تزال ثغرة في إمبراطوريته الواسعة.
سقوط قاعدة نربونة وتداعياته: بعد وفاة شارل مارتل زعيم قبائل الفرنج استمرت هذه القاعدة العربية الصغيرة والمنعزلة والقصية تناطح إمبراطوريته الكبيرة الواسعة بكل ثقلها وبالروح الصليبية التي كانت تسيطر عليها مدة 18 عاماً حتى سقطت في يد ابنه وخليفته ببيان القصير أول الملوك الكارولنجيين ورجل البابوية الأول في غرب أوروبا.
ولم تسقط نربونة بيد هذا الأخير إلا بعد أن عصفت الفتن العنصرية والإقليمية والقَبَلية بالمسلمين في الأندلس، وتورُّط عبد الرحمن بن علقمة اللخمي حاكم نربونة وفارس الأندلس في تلك الفتن المستعرة التي أحرقت نيرانها المسلمين ونربونة والأندلس معهم في الثلث الأخير من عصر الولاة (92 - 138هـ/711 - 756م).
ومع ذلك فإن نربونة لم تسقط بسبب الحصار الطويل والخانق الذي فرضه ببيان القصير عليها؛ وإنما سقطت نتيجة لثورة داخلية قام بها أهالي المدينة القوط ضد الحامية المسلمة المدافعة عنها بتخطيط ببيان وتدبيره بعد أن عجز عن اقتحامها من الخارج، وكان سقوطها في سنة 142هـ/ 759م بعد سنوات عديدة من الدفاع المستميت والصمود الأسطوري الذي ليس له مثيل عنها.
وكان سقوط نربونة إيذاناً بانهيار سيادة الإسلام فيما وراء جبال البرتات وبدء العد التنازلي للوجود الإسلامي في الأندلس ذاتها؛ فمن سقوط بنبلونة الواقعة وسط جبال البرت بيد البشكنس، إلى سيطرة أتباع القائد القوطي بلاي الذي رفض الخضوع للمسلمين على جليقية وشمال الأندلس إلى ما بعد نهر دويرو، إلى سقوط قطلونية في شمالها الشرقي بيد الفرنجة وصارت ولاية ثغرية تابعة لشارلمان بن ببيان إمبراطور الفرنجة وقتها حتى أصبحت هذه الولاية الثغرية منذ ذلك الحين شوكة في جنب المسلمين لأنها تطورت مع الزمن حتى أصبحت كونتيسة قطلونية التي ستخدم مملكة أرغون وتستطيع غزو الجانب الشرقي من الأندلس فيما بعد.
وتقلصت حدود الدولة الإسلامية إلى طرطوشة وإلى ما بعد سمورة وبقيت هذه المناطق مدة طويلة هي الحد الفاصل بين المسلمين والفرنجة من جهة وبينهم وبين نصارى الشمال من جهة أخرى، الذين ظهرت لهم نواة دول في أعقاب ثورة خوارج البربر في المغرب والأندلس وما تلاها من فتن بين العرب فقد صار وجود تلك الدول أمراً واقعاً في القرن التاسع، وهذه الدول هي: (استورياس، وليون، ونافار، وكاتالونيا).
ولم تفلح كل غزوات الأمراء والخلفاء الأمويين وحملات الحاجب المنصور الخمسين بعد ذلك على تلك الممالك في إعادة بسط سيادة الإسلام على تلك المناطق كما كانت عليه قبل سقوط قاعدة نربونة.
وكل ما فعلته تلك الحملات هو إعاقة تقدم تلك الممالك نحو الجنوب إلى حين.
ومن هنا ندرك كيف أن قاعدة نربونة كانت تقوم من الأندلس مقام الدرع الحصين الواقي؛ فلما زالت صارت الأندلس ذاتها مهددة من الداخل والخارج وصارت تُقضَم من شرقها وشمالها وغربها شيئاً فشيئاً.
العوامل التي أدت إلى سقوط نربونة: أهم العوامل التي أدت إلى إخفاق الفتوحات الإسلامية في فرنسا وسقوط قاعدة نربونة بيد الفرنجة ومن ثَمَّ خروج المسلمين من جنوبي غالة، ثم من شمال الأندلس بل من الأندلس كلها بعد ذلك بحوالي 800 عام: هي الفتن العنصرية والإقليمية والقَبَلية التي اندلعت بين المسلمين في المغرب والأندلس؛ كالفتنة بين العرب والبربر، والفتنة بين الشاميين والبلديين، والفتنة بين اليمانية والقحطـانية...
هذا إلى جانب الفتن التي عمَّت أرجاء العالم الإسلامي غداة سقوط الدولة الأموية دولة الفتوحات، ثم تأتي بعـد ذلك العوامـل الأخرى مثل بُعْد نربونة السحيق عن مركز الدولة الأموية في دمشق وحتى عن مراكز الجيوش الإسلامية في قرطبة والقيروان، والمصاعب التي كان يلاقيها المسلمون أثناء عبورهم ممرات جبال البرتات الخطرة والضيقة والوعرة، وقلة أعداد المسلمين الفاتحين في فرنسا بل في الأندلس ذاتها، إلى جانب اجتماع كلمة الفرنجة واستعادتهم لوحدتهم تحت راية الأسرة الكارولنجية الطامحة وتحريضات البابوية والكنائس الكاثوليكية ضد الإسلام والمسلمين.
ويرى الدكتـور حسين مؤنس أن عدم استقرار العرب في جنوب فرنسا يرجع إلى الظروف العامة التي تمَّت فتوح المسلمين في غالة خلالها؛ فقد كان المسلمون يتوغلون في قلب أوروبا الغربية نفسها، وكانت الشعوب الجرمانية متراصة يلي بعضها بعضاً، ثم إن الفرنجة أصحابَ هذه المنطقة كانوا يمرون في فترة نهوض سياسي تولاه آل (كارل مارتل) الذين عُرفوا بالكارولنجيين ليحلـوا محل الميروفنجيين.
وكان لا بد من حملات ضخمة أكثر نظاماً ليتم فتح هذه النواحي، ولكن ظروف المسلمين في المغرب والأندلس لم تكن تسمح لهم بمواصلة الفتوح التي عهدناها فيهم.
ويرى بعض المستشرقين أن القدرة العسكرية والديموغرافية للعرب على تحويل هذه الغارات إلى فتوحات مستقرة كانت غير كافية، وقد حال الطول الخطر لخطوط مواصلاتها البرية ما بين قواعدهم في إيبيريا وإفريقيا وبين هذه المواقع دون وضع خطة متكاملة من أجل التوسع فيما بعد.
وقد تُرك هذا التوسع للمبادرة الفردية من الجماعات المغيرة التي كانت تنقصها التعزيزات والإمدادات اللازمة من أجـل الاحتفاظ بالأراضي المسلوبة.
ويشير المستشرق الفرنسي بروفنسال إلى عاملين آخرين، هما: الأول: أن العرب لم يكن لديهم في ذلك العصر سوى معلومات مبهمة عن تلك البلاد الواقعة خلف جبال البرانس (البرتات).
والثاني: أن بلاد غالة (أو بلاد الفرنجة) كانت مجرد جزء من الأرض التي أطلق عليها العرب اسم (الأرض الكبيرة)، وهي عبارة عن مساحات شاسعة مليئة بالغابات الكثيفة المناسبة لعمل الكمائن ومن ثَمَّ يسهل على سكانها الدفاع المستميت عنها.
ولكن كل ما سبق من عوامل لا يعني التقليل من دور الفتن الداخلية بين المسلمين التي شهدتها الأندلس وانعكاسها سلباً على هذه الفتوحات وكونها كانت من أهم العوامل التي أدت إلى سقوط قاعدة نربونة.
آثار المسلمين في نربونة: لعلنا لا نتوقع وجود آثار عربية إسلامية في نربونة اليوم نظراً لقِصَر مدة بقاء المسلمين هناك، التي لا تتجاوز أربعة عقود، وأيضاً بسبب تعصب الفرنجة والكنيسة الكاثوليكية وتدميرهما لكل ما يتعلق بالعرب والإسلام في غالة لدرجة أن رجال الدين الكاثوليك ظلوا مدة طويلة بعد طرد المسلمين من فرنسا يأمرون أتباعهم بصهر كل ما وقع في أيديهم من مسكوكات وعملات ذهبية إسلامية مكتوب عليها آيات قرآنية أو رموز إسلامية؛ وذلك حتى لا تذكِّرهم بالإسلام، وحتى يمحو أخبار المسلمين وآثارهم نهائياً من هذه البلاد، بل عملوا على تشويه سمعتهم إلى أقصى حد، إلا أن التنقيبات الأثرية في نربونة في العقود الماضية أثبتت -على الرغم من ذلك- وجود بقايا المسجد الجامع الذي اختطه المسلمون في نربونة بعد أن اقتطعوا نصف كنيسة القديس أرستيك.
وكشفت تلك التنقيبات أن تصميم هذا الجامع يشبه تصميم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، وهذا معقول لأن أغلب الجيش العربي في الأندلس كان من عرب الحجاز واليمن ومن الأنصار، وكان هذا المسجد قد تعرض لحريق بعد احتلال الفرنجة للمدينة.
كما أسفرت عمليات التنقيب الأثرية في نربونة عن وجود عملات نقدية إسلامية في باطن الأرض تم ضربها في المدينة نفسها في القرن الثاني الهجري وهي تحتوي على آيات قرآنية ولكن دون ذكر اسم الوالي الذي ضُربت في عهده، هذا إلى جانب العثور على مسكوكات إسلامية أخرى تم ضربها خارج الأندلس.
كما كان المؤرخون قد تحدثوا قبل ذلك عن وجود بقايا أبراج وحصون على قمم الجبال والتلال القريبة من الساحل الفرنسي ومعابر جبال البرت يرجع تاريخها لعهد إقامة العرب المسلمين في نربونة.
أمَّا ما ذكره شكيب أرسلان من وجود شارع يحمل اسم السمح في نربونة اليوم اسمه بالفرنسية (Rue, de Zama)؛ فهو غير مقبول عقلاً لأن السمح يعتبر عدواً للفرنسيين وليس هناك أمَّة تُكرِّم أعداءها فتُطلق أسماءهم على بعض معالمها لتخليدهم.
ولعل هذا الشارع إنما سمي كذلك تخليداً لمعركة (زاما) الشهيرة التي انتصر فيها الرومان على القرطاجيين سنة 202 ق.م وذلك بعد فشل حملة هانيبال القرطاجي الإفريقي على روما.
ومعروف أنه بعد هذه المعركة تحولت إسبانيا إلى ولاية رومانية وصارت الإمبراطورية الرومانية تحكم حوض البحر المتوسط كله.
وليس بعجيب أن تحتفل نربونة بمعركة (زاما) وتخلِّد اسمها فتطلقه على أحد شوارعها لأن هانيبال في حملته على روما مرَّ بها على رأس جيشه قادماً من إسبانيا، هذا أولاً.
ولأن نربونة كانت من أهم مدن الرومان في جنوبي غالة ثانياً، والله أعلم! _____________ الكــاتب: أحـمــــد الظـــــــــرافي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين