الاستغراب: المفهوم المضطرب
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
الاستغراب: المفهوم المضطرب Ocia1362
التمهيد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ففي سنة 1417هـ/ 1997م شاركت في حلقة نقاش حول الطباعة العربية في أوروبا في مركز جمعة الماجد بدبي بالإمارات العربية المتحدة،وكان موضوعي عن إسهام المستشرقين في نشر التراث، فتقدم أحد الحضور ليسأل: لماذا لا نعامل المستشرقين بمثل ما يعاملوننا به؟ فنسعى إلى نقد الغرب بأديانه وآدابه وتقاليده وعاداته.
 
فبدأ ذاك السؤال يجد حيزًا في الفكر منذ ذلك الحين،وربما جاء الوقت الذي يسهم فيه الباحث بقدر من الطرح الموضوعي حول مفهوم الاستغراب (Occidentalism) برؤية إسلامية مؤصلة، لا تقوم على ردود الأفعال وتغليب العاطفة والتحيز لطرف دون آخر، بل تهتدي بالرؤية الإسلامية المؤصلة في التعامل مع الأحداث والأشخاص القائمة على العدل والقسط.
 
وهذه الوقفات الآتية هي بداية لمحاولة تجلية هذا المفهوم الجديد في لفظته (الاستغراب) على الثقافة العربية، وهو مفهوم قديم في محتواه وطرقه،فهو غير جديد؛ إذ إنه ذو علاقة بما بين الشرق الإسلامي من جهة والغرب المسيحي اليهودي أو العلماني من جهة أخرى،بما مر على هذه العلاقة من مد وجزر في وجوه التلاقي الكثيرة، وأوجه الاختلاف القليلة.
 
هي وقفات أولية سبق التعرض لها في وقفات سابقة متفرقة ضمن موضوعات ذات علاقة كالاستشراق والشرق والغرب، وتعرض هنا على ذوي الأفهام والعقول؛ ليسهموا في بلورتها وصقلها، ومن ثم الخروج برؤية واضحة حول المفهوم؛ بما يعين على جعله عنصرًا من عناصر التلاقي والتعارف والتعاون والتخالف والتعايش بين الأمم، على اعتبار أن هذه المفهومات هي من أسرار الوجود في هذا الكون، الذي أراد الله تعالى لخلقه فيه أن يعمروه ويُستَخْلفوا عليه، وينشروا فيه روح السماحة والعدل والقسط بين المخلوقات العاقلة وغير العاقلة، المتحركة والثابتة، بدلًا من الاستمرار في التناحر والتصادم والتعادي المفتعلة من قبل عناصر مهمتها قطع الطريق على منهج التلاقي، والرغبة في استمرار التشاحن والتعادي، لأغراض ليست بالضرورة إنسانية، بل هي مصالح ضيقة وإحن وشحناء تغلي في الصدور.
 
التشاحن والتعادي السائد الآن في القطبين الشرق والغرب له أسبابه، وبعض هذه الأسباب مفتعل، فرضته السياسة التي تقوم على مبدأ الهيمنة الاحتلالية (Homogeny)، والرغبة في التبعية السياسية من الشرقيين للغرب، بأي صورة من صور التبعية السياسية والاقتصادية، حتى لم تسلم منها الثقافة، رغم رفع شعار مصطلح الاستثناء الثقافي بين الغربيين أنفسهم، أو مصطلح الحدود بين الثقافات، وليس القطيعة الثقافية التامة التي ربما يدعو إليها من طغى عندهم الحماس الانتمائي بروح دفاعية متوجسة من أن تدنس الثقافات الأخرى ثقافتنا النقية الخالصة،وهي كذلك دون إغفال التماس الحكمة أينما كانت.
 
تثبت هذه المواقف مع الزمن أن الموقف من الاستغراب لم يتحدد بعد، تمامًا كما الموقف من الاستشراق الذي لا يظهر أنه سيتحدد، بما في ذلك اضطراب المصطلحين واختلاط مفهوماتها بين المفكرين، ناهيك عن غير المثقفين، وكونهما أصبحا مصطلحين مشحونين بشحنات إيديولوجية تجعلهما موضع اشتباه في كلا الضفتين؛ الغربية والشرقية[1].
 
ويتبع هذا أن موقف النخبة المثقفة من الغربيين لم يتحدد من الشرق، تمامًا كما موقف النخبة من الشرقيين الذين انقسموا في مواقفهم من الغرب انقسامات عاطفية أكثر من كونها انقسامات فكرية أو علمية،وهذا أثر بوضوح على الزعم بوجود حياد علمي في جو من الصراعات الفكرية التي ربما يستنتج المتابع منها أنها صراعات مفتعلة، تحركها قوى غير موضوعية البتة،هذا إذا كان هناك أي فكر يتبنى الحياد العلمي[2].
 
وسوف يعكس النقاش الآتي هذه الحال من الاضطراب في المواقف؛ بسبب الاضطراب في المفهومات، ومن خلال استعراض رؤى وآراء بعض المفكرين الغربيين من المستشرقين وبعض الشرقيين من العرب والمسلمين، ومن ذلك تلك الحوارات التي أجراها أحمد الشيخ معهم في كتابين مستقلين، وسيأتي التعرض لهما في ثنايا هذا البحث، وسيعتمد النقاش على ما ورد فيهما من حوارات بقدر كبير، بالإضافة إلى ما استجد على الساحة العلمية والفكرية ومن نقاش حول مفهوم الاستغراب والرؤى حوله.
 
ومن ذلك محاولات مازن بن صلاح المطبقاني إثارة هذا الموضوع في أكثر من مجال، بما في ذلك محاولاته لإصدار مجلة تعنى بالاستغراب، بالإضافة إلى محاولاته إحياء مركز للدراسات الاستشراقية بالمدينة المنورة والاستمرار فيه، ومحاولاته كسر هذا التخلف العربي في ضعف إعطاء اعتبار لمراكز البحوث والدراسات وتأثيرها على صناعة القرارات[3]،مثله في هذا مثل محاولات أحمد الشيخ وأخيه صلاح لإنشاء المركز العربي للدراسات الغربية، وإصدار مجلة دراسات غربية، وترجمات ونشرات ودراسات ومقالات وعقد الندوات وحلقات النقاش، ودعم الباحثين العرب، ومتابعة النقاشات الثقافية الدائرة في الغرب في مجال المركز[4].
 
ويأمل الباحث أن تكون هذه الوقفات مجالًا لمزيد من الطرح والمناقشة والتحرير، في سبيل قدر من الفهم الموضوعي، على اعتبار أن موضوع الاستغراب - على أهميته - لا يزال تكتنفه حال من اللَّبْس والغموض في المصطلح وفي المضمون، ومن ذلك التداخل الواضح بينه وبين مصطلح التغريب (Westernization) وما له صلة به والمواقف منه[5]،وعند كثير من الناس إذا أطلق مصطلح الاستغراب ذهب الذهن إلى التغريب، كما قد يذهب الذهن إلى الغرابة.
 
ويبقى أن أشير إلى المنهج في توثيق المعلومات الواردة في هذه الدراسة، حيث الاطراد في ذكر بيانات النشر لكل مرجع عند أول وروده، ثم يشار إليه بمرجع سابق، أو المرجع السابق، إذا كان تاليًا له،وأبدأ بالاسم الأول للمؤلف،أما في قائمة المصادر والمراجع آخر الدراسة، فتظل البيانات الوراقية (الببليوجرافية) كما هي باطراد، سوى أن البدء هنا بالاسم الأخير للمؤلف،وهذا هو المنهج الذي ارتضيته في التوثيق، مما يمليه المعنيون من أهل الاختصاص.
 
كما أشير إلى شكري الجزيل للأستاذ الدكتور أحمد الشيخ الذي أثرى هذه الدراسة بإسهاماته من خلال الكتب التي نشرها، وما يزال،كما أشكره على رغبته في نشر هذه الدراسة إن كانت ترقى إلى مستوى النشر في المركز الذي يديره الدكتور أحمد، فكان الله في عونه.
 
وكان الله في عون الجميع.
:diamonds:     :diamonds:     :diamonds:
الاستغراب: المفهوم المضطرب:
في ضوء الاهتمام بالاستشراق - من حيث الانبهار به أو التصدي له أو محاولات الالتفاف عليه - ظهرت فكرة قيام حركة مواجهة، تعنى بالغرب؛ ثقافة وفكرًا وآدابًا وعادات وتقاليد، مما حدا ببعض المفكرين العرب المعاصرين إلى أن يدعوا إلى قيام علم الاستغراب، فانبرى حسن حنفي (1935م)، ونشر كتابًا ضخمًا بعنوان مقدمة في علم الاستغراب، ليأتي هذا العلم مواجهًا للتغريب "الذي امتد أثره ليس فقط إلى الحياة الثقافية وتصوراتها للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد إلى أساليب الحياة اليومية ونقاء اللغة ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة"[6].
 
ويعرف أحمد سمايلوفتش الاستغراب بأنه كلمة مشتقة "من كلمة (غرب)، وكلمة غرب تعني أصلًا غروب الشمس، وبناءً على هذا يكون الاستغراب هو علم الغرب،ومن هنا يمكن كذلك تحديد كلمة (المستغرب)، وهو الذي يتبحر من أهل الشرق في إحدى لغات الغرب وآدابها وحضارتها"[7]،والتعبير بـ: (إحدى) هنا يوحي بالتخصص الدقيق في مواجهة الاستشراق بالاستغراب، بحيث تكون هناك إحاطة بالموضوعات الفرعية للغرب، بدلًا من تعميم الأحكام على الغرب كله - كما سيأتي نقاشه في مفهوم الغرب، وأنه ليس غربًا واحدًا.
 
ويقترح عبدالله الشارف تعريفًا للاستغراب بأنه ظاهرة نفسية واجتماعية وثقافية معاصرة، يتميز الأفراد الذين يجسدونها بالميل نحو الغرب والتعلق به ومحاكاته،نشأت في المجتمعات غير الغربية - سواء أكانت إسلامية أم لا - على إثر الصدمة الحضارية التي أصابتها قبيل الاستعمار وخلاله[8]،وقُل عن هذه الفئة الأخيرة: إنها تمثل "طبقة ثقافية ظهرت في بداية القرن المنصرم؛ لتظهر ثنائية على الساحة الثقافية في الوطن العرب والعالم الثالث، طبقة تأثرت بالكتاب الغربيين في كافة المناهج والمفاهيم والطرق وبكافة العلوم"[9].
 
نبَعَت الدعوة إلى وجود مثل هذا العلم من الشعور بأن الساحة العربية العلمية والثقافية تكاد تخلو من معرفة ثقافات الأمم الأخرى،وهذا زعم جاء نتيجة للتقصير في تتبع النتاج الفكري العربي الإسلامي، الذي لم يخلُ في زمن مِن أزمان ازدهاره من الحوار العلمي الثقافي مع الآخرين، لكن ذاك لم يسمَّ علمًا أو استغرابًا أو نحو ذلك، ولكنه أخذ طابع الردود على الآخرين، وتبيان الحق في الديانات الثلاث؛ اليهودية والنصرانية والإسلام، بما في ذلك التعرض إلى طبيعة المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - من أنه لم يكن إلا عبدًا من عباد الله، أرسله الله مبشرًا ونذيرًا، فكان عليه السلام رسولًا مبشرًا، اصطفاه الله تعالى بالرسالة وبالمعجزات المؤيدات لرسالته عليه السلام[10].
 
قد يقال: إن هذا الجانب من جوانب الحوار، وهو الاستغراب، مركز على البعد الديني، لا سيما الجانب العقدي منه، وهذا صحيح؛ إذ إن الاستشراق في منطلقاته الأولى كان على هذه الشاكلة من التركيز على الأبعاد الدينية للإسلام، معرجًا على القرآن الكريم والرسول - عليه الصلاة والسلام - والرسالة والسنة والصحابة والفتح الإسلامي[11]، وأنه - أي الاستشراق - قد انطلق من الأديرة والكنائس[12]،حيث تعود بوادر التنصير إلى القرون الأولى للإسلام،يقول فيئون النصراني: "رحم الله عبدالله بن سعيد بن كلاب القطان المصري (توفي قبل سنة 240هـ)، كان يجيئني إلى البيعة وأخذ عني، ولو عاش لنصَّرنا المسلمين"[13].
 
ولم ينل هذا المصطلح (الاستغراب) العناية التي يستحقها، وظل جانب معرفة الأمم الأخرى قاصرًا إلا على جمع من المثقفين، الذين يرغبون في توسيع آفاقهم، وفتح مجالات للحوار بين الثقافات، مما أدى عند بعضهم إلى أن ينقلب السحر عندهم على الساحر، فيسمون سفراء للثقافة الغربية، ممتهنين للتسويق لها في المحافل الفكرية، بدلًا من أن يكونوا خبراء فيها يبينون ما فيها من حق وما فيها من خلاف ذلك، فأطلق على هذه الفئة مصطلح التغريبيين westernizers، والمفهوم الذي تتولاه هذه الفئة يدعى التغريب (westernization).
 
وتغلِب على هذا التأثر النظرة العاطفية القائمة على رد فعل ذاتي وسريع،وقد تكون ناقمة على سلوكيات اجتماعية محلية ملفوظة ومرفوضة، وإن تمسحت بمسوح الدين، وهي لست بالضرورة من الدين، وإن كانت من الدين فقط تكون إلى التشديد أقرب، والإمام سفيان الثوري (97 - 161 هـ) يقول: إنما العلم عندنا الرخصةُ من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد[14]، وقد يكون رد الفعل بهذه الصفة من منطلقات فكرية أخرى أو سياسية، فيكون رد الفعل الذاتي والآني عكسيًّا ناقمًا على المجتمع بمُثله ومبادئه، بدلًا من أن يكون هؤلاء التغريبيون منافحين عن ثقافتهم بمنطلق من الاعتدال والسماحة والمنهج الوسط، من وجهة انتمائية تصبر وتسعى إلى إحداث تغيير نحو الأفضل، وإن طال الزمن.
 
الجوانب الأخرى للاستغراب - إذا سمح المصطلح - تمثلت في نقل معطيات الحضارات الأخرى، وعلمها وفكرها المتماشي مع أحكام الإسلام، وذلك عن طريق النقل والترجمة عن اللغات الأخرى، بعد صقل هذه المعطيات وأخذ النافع منها، لا للمسلمين والمحيط الإسلامي فحسب، بل للإنسانية جمعاء، بما في ذلك ترجمة (تعريب) أعمال دواوين الخلافة (دواوين الإنشاء)، عندما تبين أن الإجراءات الإدارية - بما فيها اللغة والصياغة - قد نقلت من ذوي التجارب السابقة[15].
 
ليس النقل والترجمة شكلًا من أشكال الاستغراب الواضح والمباشر، ولكنها تسهم - دون شك - في تلقي الأفكار، ثم معرفتها من خلال ما ينقل من نتاج القوم العلمي والأدبي والفني،وهي أيضًا من المشجعات على قيام تفاهم وحوار وتواصل ثقافي مع الآخرين - كما يقول محمد القيعي -[16]،وأخذ الحكمة منهم، على اعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أولى بها[17]،وربما تعد مراكز الترجمة القديمة إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، مثل بيوت الحكمة في بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس، هي من نواة الدراسات الاستغرابية[18].
 
ليس الاستغراب (Occidentalism)، أو الغربلوجيا (Westernolo-gy) هو التعامل مع الآخر بالمنطلق نفسه الذي تعامل به معظم المستشرقين والغربيين عمومًا مع المسلمين وعلوم المسلمين وثقافتهم وعاداتهم وآدابهم؛ ذلك أن عقيدة المسلمين نفسها ومنهجهم في النظر إلى الأمور تمنع من ذلك ولا تبيحه،يقال هذا ردًّا على من قال ذلك؛ إذ إننا مطالبون بالعدل مع الآخرين، حتى أولئك الذين بيننا وبينهم عداوة، أو شنآن.
 
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].
 
يقول كرم خلة في تعبير آخر: "لدينا وجهة نظر إنسانية، نحن لا نملك هذا التفكير العنصري الموجود في الغرب،العنصرية - في رأيي - مرتبطة بالإمبريالية، مرتبطة بالنظرة من أعلى إلى أسفل...الباحث الغربي عندما يدرس مصر أو السعودية فإنه يشعر أنه أمام مجتمع بدائي، ويدرس هذا المجتمع من أعلى إلى أسفل،وهذ النظرة العنصرية لم تمت بعد...لكني لا أدعو إلى مجابهتها بعنصرية مضادة، بل بموقف إنساني"[19].
 
كما يؤكد أحمد الشيخ أننا في المحيط العربي والإسلامي نتبنى تراثًا من القيم الأخلاقية، تبعدنا بمسافة كبيرة عن تشويه الآخرين والاعتداء عليهم أو (احتلالهم) أو الهيمنة عليهم، حتى لو كانت لدينا القدرة المادية والتقانية والإرادة لذلك، كما حدث من الغرب تجاه الشرق في الماضي القريب[20]، ويحدث الآن من الغرب تجاه الشرق بصور تختلف شكلًا لا مضمونًا عن ذلك الماضي القريب.
 
على أن بعض المعنيين بهذا الجانب من الحوار بين الشرق والغرب لا يرون ضرورة وجود هذا الحقل من الدراسات؛ لأنه عنده لم يحِنْ أوانه في ضوء انشغال الأمة بجهودها وموضوعاتها المباشرة، فالأحرى بالأمة أن تتجه إلى قضاياها المزمنة، "وإن كان هذا لا يمنع بعض الباحثين العرب من إعداد رسائل علمية حول موضوعات تتعلق بالغرب"[21].
 
وهل يحتاج الأمر إلى أن تتكرر صورة الاستشراق معكوسًا بالاستغراب، بحيث يعيش الاستغراب المراحل التي عاشها الاستشراق، بما في ذلك خدمة الاستشراق للاحتلال؟ وهل ننتظر مثلًا الوقت الذي يحتل الشرق فيه الغرب حتى تنطلق الدراسات الاستغرابية، فتتكرر حينئذ النظرة الفوقية المعكوسة؟[22]، هذا تساؤل غير مطروح في ضوء المنهج العلمي الذي يدرس الشرقيون من خلاله الغرب،ولا يظهر أن الموضوع يسير بهذه الرؤية التبسيطية.
 
وربما فهم آخرون التوجه إلى الدراسات الاستغرابية على أنه انكماش ثقافي على الذات، وجهل بما يدور خارج الحدود، وأنه إصرار على إبراز الفوارق أكثر من الإصرار على إبراز المشتركات، والتركيز على السلبيات وإغفال الإيجابيات، في الوقت الذي نعيش فيه اختراقًا من قِبل الغرب لأحوالنا، مما قد ينسينا رسالتنا[23].

________________________________________
[1] انظر المناقشات المستفيضة حول مفهوم الاستغراب، ونظرة العرب والمسلمين لهذا المفهوم. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق. ص 319.
[2] انظر: كرم خلة. حذار من المركزية الشرقية. ص 155 - 167. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق. ص 319.
[3] انظر: سميح فرسون، الاستغراب نقد للغرب. ص143 - 167. في: أحمد الشيخ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. مرجع سابق. ص 319.
[4] انظر: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق. ص 314 - 315.
[5] انظر: أحمد عبدالوهاب. التغريب: طوفان من الغرب. القاهرة مكتبة التراث الإسلامي، 1411هـ (1990م). ص48.
[6] انظر: حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب - بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1412هـ (1992م). ص 18 - 19.
[7] انظر: أحمد سمايلوفتش. فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر. ط 2. القاهرة: دار الفكر العربي، 1418هـ (1998م). ص 35 - 38.
[8] نقلًا عن موقع الدكتور عبدالله الشارف. 16/ 9/ 1453هـ - 14/ 7/ 2014م.
[9] نقلًا عن موقع الدكتور عبدالله الشارف. 9/ 5/ 1435هـ - 10/ 3/ 2014م. وانظر له أيضًا: الاستغراب في الفكر المغربي المعاصر. الرباط: منشورات كلية الآداب تطوان، 2003م. وله كذلك: الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب. طنجة: منشورات كلية الآداب تطوان، 2000م.
[10] انظر: رصدًا وراقيًّا في التراث العربي الإسلامي لهذه الجهود في الحوار مع الآخر، من خلال التراث العلمي الإسلامي المنشور: النصرانية: فصل ردود وتقويم، وفصل النصرانية: حوارات ومناظرات. ص 205 - 234. في: علي بن إبراهيم الحمد النملة. التنصير في المراجع العربية: دراسة ورصد وراقي للمطبوع. ط2. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1424هـ (2003م). ص 418.
وجاءت القائمة ملحقة في هذه الدراسة كنماذج بعنوان نواة الدراسات الاستغرابية: الاستغراب الديني.
[11] انظر: مازن بن صلاح مطبقاني. درسنا الاستشراق ونبدأ الآن في دراسة الاستغراب. الجزيرة الثقافية. ع132 (3/ 11/ 1426هـ - 5/ 12/ 2005م). ص10.
[12] انظر: نجيب العقيقي. (طلائع المستشرقين). في: المستشرقون: موسوعة في تراث العرب مع تراجم المستشرقين ودراساتهم عنه منذ ألف عام حتى اليوم. ط5. القاهرة: دار المعارف، 2006م. 1: 110 - 125.
[13] انظر: الذهبي. سير أعلام النبلاء/ أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه شعيب الأرناؤوط، وحققه جمع من المحققين العرب. ط2. - بيروت: مؤسسة الرسالة. 1402هـ (1982م). 11: 174 - 176، ترجمة 76.
[14] انظر: يوسف بن عبدالبر (توفي سنة 463هـ). جامع بيان العلم وفضله. 2مج. الدمام: دار ابن الجوزي، 1414هـ (14949م). 2: 784. برقم 1467، وإسناده حسن.
[15] انظر: علي بن إبراهيم النملة. التواصل الحضاري بين الأمم في ضوء تناقل العلوم والآداب والفنون. الرياض: الجمعية السعودية للتاريخ والحضارة، 1436هـ (2015م). ص 248.
[16] انظر: محمود القيعي. الترجمة تشجع على التفاهم. ص263 - 273. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. مرجع سابق. ص 319. وانظر أيضًا: (الحوار الثقافي من خلال الترجمة. ص 92 - 99). في: أمحمد جبرون. تجربة الحوار الثقافي مع الغرب: قراءة تقويمية ونموذج مقترح. بيروت: مركز نما للبحوث والدراسات، 1435هـ (2014م). ص 158. (سلسلة دراسات في الحالة الإسلامية. 1).
[17] قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفل المخزومي يضعف في الحديث من قبل حفظه، وحكم الألباني على الحديث بأنه ضعيف جدًّا، ورواه ابن حبان في الضعفاء عن أبي هريرة، ولفظه: ((الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها جذبها))، وهذا الحديث وإن لم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن معناه صحيح؛ وذلك أن المؤمن لا يزال طالبًا للحق، حريصًا عليه، ولا يمنعه عن الأخذ به حيث لاح وجهه شيء، فكل من قال بالصواب أو تكلم بالحق قُبِل قوله، وإن كان بعيدًا بغيضًا، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8].
[18] انظر: أنور لوقا. أنا مستغرب بدون استغراب. ص211 - 218. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. مرجع سابق. ص 319.
[19] انظر: كرم خلة. حذار من المركزية الشرقية. ص155 - 167. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. مرجع سابق. ص 319.
[20] انظر: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب .المرجع السابق. ص 288.
[21] انظر: الحبيب الجنحاني. قضايانا أولًا والاستغراب ثانيًا. ص1987 - 210. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق ص 319.
[22] انظر: الحبيب الجنحاني. قضايانا أولًا والاستغراب ثانيًا. ص197 - 210. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق. ص 319.
[23] انظر: علال سيناصر. مستغربون أكثر مما نظن. ص229 - 237. في: أحمد الشيخ. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب. المرجع السابق. ص 319.