ثانيًا: ميلاد المسيح عليه السلام
ومن مجالات الدراسات الاستغرابية في الشأن الدِّينِي المُتعيَّنة على العلماء العرب والمسلمين، مثلًا، تحرير مسألة ميلاد المسح عيسى ابن مريم -عليهما السلام- وطرح سؤال حول توقيت ميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليهما السلام- ووفاته -عليه السلام-، وسؤال آخر حول حقيقة وفاته -عليه السلام- في ضوء ما ورد في كتاب الله تعالى.

الذي يظهر جليًّا من سرد قصته -عليه السلام- في القرآن الكريم أنه ولد قريبًا، بل في مكان ينبت فيه النخيل: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25]، وأنه -عليه السلام- قد ولد في موسم جني الرطب وليس التمر، وهذا يعني أنه قد ولد في المدة التي يكون فيها طلع النخيل رطبًا قابلًا للجني أو الخراف في محيط فلسطين وأجواء المنطقة كلها، مما يوحي بأن ولادته -عليه السلام- كانت في الصيف أو في أواخر الصيف، وليس في الخريف أو الشتاء، كما هو الحال الآن عند الاحتفال بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، الذي يصادف عند غالبية الطوائف النصرانية الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (25/ 12) من كل سنة ميلادية؛ أي: بعد الدخول المتعارف عليه لفصل الشتاء بثلاثة أيام.

وعند بعض الطوائف الأخرى يكون ميلاده عليه السلام بعد ذلك بحوالي أسبوع، ومع هذا فقد قيل: إن مريم بنت عمران -عليها السلام- قد اختصَّها اللهُ تعالى بفاكهة الصيف تأتيها بالشتاء، وبفاكهة الشتاء تأتيها في الصيف، {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 36، 37].

وعليه يُفترض أن عيسى ابن مريم -عليهما السلام- قد ولدته أمُّهُ -وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل، وكانت -عليها السلام- إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل الدؤوب- ولدته في مكان شرقي، في الصحراء، بينها وبين قومها حجاب؛ أي سِتْرٍ، وهو الجبل، وقيل في جذع الخلة إنه كان مقطوعًا، "فلمَّا أجهدها الطلق احتضنته فاستقام واخضر وأرطب"، وهذه إن حصلت فهي من المعجزات التي تحصل في حال الأنبياء، فلا تخضع للتحليل العلمي المنطقي؛ إذ إنها من خوارق العادات، وقيل كذلك في قوله تعالى: {مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16]؛ أي: مشرقًا؛ لأنه كان في الشتاء في أقصر يوم في السنة"، على أن هذا المرجع لميشال الحايك مليء بالأخذ عن مؤلفات التصوف الباطني، "المليئة بالأساطير والشطحات"، كما يقول محمد عمارة.

ولذلك فإن مكان ميلاد المسيح عليه السلام لم يثبت عند النصارى، ولم يثبت عند المسلمين، والمشهور أنه ولد -عليه السلام- في بيت لحم، إلا أن مريم -عليها السلام- قد تركت أهلها إلى مكان قَصِي: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم: 22]، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 16، 17]، وربما أنها توجَّهِتْ إلى أرض مصر، ومصر غرب إيليا، وليست شرقها، وربما أنها حملت فوضعت، دون أن تَمُرَّ بمرحلة الحمل الزمنية التي تَمُرُّ بها عادةً النساءُ، وما احتاجت إلى المُدَّةِ التي تحتاجها المرأة من مُدَّةِ الحمل، وأقوالُ المُفَسِرينَ المسلمين في هذا كثيرة، وبعضها منقول متداول بين النصارى.

ومثل هذه الافتراضات تحتاج إلى دراسةٍ علميةٍ مُعَمَّقةٍ، سبق طرحها علميًّا من العلماء المَعنيين بدراسة الأديان، ولكنها لم تلق الرواج المطلوب؛ لأنها سَتُغَيّرْ في مفاهيم متداولة حول مولد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- من حيث المكان والزمان والطقوس، لا سيما في القسم الغربي من العالم، الذي جعل لهذه المناسبة السنوية بُعْدًا اقتصاديًّا أكثر من كَوْنِهِ طقسًا من طقوس العبادة، ناهيك عن أن يكون احتفالًا بمولد نبي عظيم من أولي العزم من الرُّسُلِ، كانت له معجزات وخوارق، بل هو نفسه كان وما يزال معجزة، ويكاد هذا البُعد يُنْسَى في ضوء طغيان العامل الاقتصادي على الاحتفاء بمولده -عليه السلام-.

علمًا أن البابا يوحنا بولس الثاني قد اعترف في 9/ 7/ 1414هـ، الموافق 22/ 12/ 1993م، بأن هذا اليوم (25/ 12) يُصادف عيدًا وثنيًّا، كان الوثنيون يحتفلون فيه بعيد ميلاد الشمس التي لا تُقهر في ذلك اليوم حتى تتوافق مع مدار الشمس الحقيقية، ألا وهي: يسوع المسيح!

كما أن الفاتيكان قد أقَرَّ كتابًا في شعبان من سنة 1423هـ (أكتوبر من سنة 2002م)، كما تذكر زينب عبدالعزيز، عن الأكاذيب الواردة في الكتاب المقدس، ومنها أن "يسوع عليه السلام لم يولد في 25 ديسمبر، وأنه كان -عليه السلام- قصير القامة"، مع أنه من الممكن جدًّا -رغم أن تسجيل المواليد في ذلك الزمان لم يكن مشهورًا- معرفة تاريخ ميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- وتواتر تاريخ ميلاده بين المحيطين به وبأمِّهِ مريم العذراء -عليهما السلام- على اعتبار أنه حالة خارقة للعادة، كونه يولد دون أب.

وقد أكَّدَ عدم ولادته في التاريخ المشهور بين النصارى صحفيان كاثوليكيان في كتاب طبع في إيطاليا، وقَدَّمَ له الأسقف جيفانرا كورافازي، عضو اللجنة البابوية للممتلكات الثقافية للكنيسة وزير الثقافة في الفاتيكان.