أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الادعــــــــــــــــــــــاء الثالث الأحد 14 يناير 2024, 12:00 am | |
| ثانياً: وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للسيدة خديجة رضي الله عنها حتى بعد وفاتها: لو كان تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- من السيدة خديجة لغرض الحصول على المال أو الوجاهة الاجتماعية، لظهر ذلك في سلوكه ونشاطه بعد الزواج، ولكنه لم يكن من أمره بعد زواجها ما يدل على إسرافه في مالها، كما يفعل النفعيون الذين يتزوجون العجائز الثريات، فلم يعمد إلى البذخ في مظهره، بل كان متواضعا عفيفا، ولم يعمد إلى القصف مع أبناء المياسير إظهارا لثرائه الطارئ، بل ازداد تباعده عن كل ألوان القصف [16]، وزاد زهده في الرخاء والترف، وصار يقضي الكثير من وقته صائما معتزلا للناس وحده في الجبل.. حتى كانت خديجة تخرج للبحث عنه مع خدمها، كما تبحث الأم عن ابن لها أقلقها طول غيابه، وتحمل إليه هناك الطعام، لقد زاد الرجل بالزواج من الكهلة عفة واستقامة، وزاد الرجل بالزواج من الثرية نزاهة وعزوفا عن البذخ والترف، فأين الطمع هنا، وأين الوصولية؟ لا طمع ولا وصولية، ولكنها الأكذوبة التي لا تتورع ولا تستحيي.
وإن كان للوصولية موضع في حياة خديجة رضي الله عنها، فلن يكون لها موضع وقد ماتت، فإذا به يحزن عليها حزنا شديدا، وإذا حزنه يطول في حين اشتد عليه اضطهاد القرشيين وإيذاؤهم لشخصه، وقد زاد من جرأتهم عليه موت عمه أبي طالب في تلك السنة أيضاً.
وفي ذلك الحين أدرك المؤمنون القلائل أن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في حاجة ماسة إلى من يؤنس وحشته، ويخفف عليه أعباء الجهاد ومتاعب الاضطهاد، وأن طفلته الصغيرة فاطمة الزهراء بحاجة إلى عناية الأمهات، وندب المؤمنون لمفاتحته في ذلك خولة بنت حكيم، فتلطفت في ذلك، ثم عرضت عليه أن يتزوج، فمَنْ التي تزوَّجَها ذلك "الوصولي المزعوم"؟ سودة بنت زمعة، امرأة متقدمة في السِّنِّ ليس لها جمال خديجة، ولا مال لها على الإطلاق ولا جاه، وإنما هي أرملة طيبة القلب، ولم يكن للرجال فيها مأرب [17].
ثم أية مُصانعة هذه التي تجعل الزوج يفي لزوجته بعد مماتها بسنين وسنين، فلا يذكرها إلا ورق قلبه ولهج لسانه بالترحم والثناء؟!
وهل ينسى المُنصف ما حدث بعد موقعة بدر، فقد وقع "أبو العاص بن ربيع" زوج ابنته زينب في الأسر، وكان يومئذ على دين أبيه مستمسكاً بالكفر، وطولب أبو العاص بالفدية كما طولب سائر الأسارى، وبعثت زينب بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة بالفدية، وفيها قلادة كانت لأمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فإذا بالقائد الظافر يرق لمرأى القلادة أيما رقة، وكأنما تمثل له جيد [18] صاحبتها الراحلة، وكم التمس معها من عزاء، وكم نعم معها بالراحة من وعثاء الجهاد [19] وعناء الدعوة، وما يلقاه من صدود وجفوة وقسوة، فالتفت إلى أصحابه ينشدهم أن يردوا القلادة إلى زينب، ويفرجوا عن زوجها المأسور إكراما لتلك الذكرى العزيزة.
وأبو العاص بن الربيع من هو؟ أليس ابن أخت خديجة، ابن هالة بنت خويلد؟
وكانت خديجة تعده بمثابة ولدها، وهي التي أشارت على زوجها أن يزوجه من ابنتها زينب قبل بعثته.
وقد يتلكأ ذو طوية مُغرضة في هذه المناسبة، فيزعم أنه ربما رق لمرأى القلادة، لأنه تذكَّر ابنته، ولأن هذه القلادة كانت من قبل لخديجة ثم "أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها" كما جاء في سيرة ابن هشام.
ولكن ما القول في أمر وقع بعد ذلك بأعوام، ولا شبهة في أن تكون عاطفته في تلك المناسبة منصرفة إلى الوفاء للزوجة الأولى التي غبر [20] على موتها زمن مديد؟
فقد كانت عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- على صباها وملاحتها، وهي البكر الوحيدة التي تزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول إنها لم تغر من امرأة إلا خديجة، «كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة» [21].
وكانت عائشة كثيرا ما تغار منها كلما ذكرها صلى الله عليه وسلم، وضاقت ذات يوم بما في صدرها فهتفت مغيظة محنقة: «وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين [22] هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها؟ [23] فإذا وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يربد [24]، ويصيح بعائشة في زجر وتقريع عنيف: "ما أبدلني الله -عز وجل- خيرا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله -عز وجل- ولدها إذ حرمني أولاد النساء». [25] ولم تجسر [26] عائشة -الزوجة الشابة ذات الحظوة- أن تجري ذكر خديجة على لسانها بعد تلك الغضبة.
فمن ذا الذي كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يصانعه وهو يفي لخديجة -رضي الله عنها- هذا الوفاء الجميل الذي يستحق أن يكون مضرب الأمثال لسائر الأزواج، رجالا ونساء!
أتراه كان يصانع التي ماتت، ليغضب التي يعيش معها ويحبها؟!
ما القول في هذا الوفاء المُعجز، والدنيا حافلة من حولنا بأمثلة العقوق ونسيان الفضل وخيانة العهد؟!
وما كان أحرى ذلك "الوارث" أن يعوض ما فات عليه في ربع قرن من اللذات، لو أنه كان الرجل الانتهازي الذي يزعمون [27].
الخلاصة: • كان زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من خديجة -رضي الله عنها- نتاجاً للرضا الكامل، والقبول المتبادل والترحيب التام من الأهل والعشيرة، وليس فيه أية شبهة قسر أو نفور، بل إن السيدة خديجة هي التي سعت إلى الزواج من النبي -صلى الله عليه وسلم- لـما لمسته بذكائها من كونه الشخصية النموذجية في عصرها، فقد نقل إليها غلامها ميسرة خبر رحلة محمد في تجارتها إلى الشام، وما كان من خلقه وسماحته ومهارته وحكمته، وكذلك ما ذكره الراهب النصراني نسطورا من نبوءة وبشارة بشأنه، وما كان له في ذلك السفر من الكرامات والخصائص.
• لقد كان ذلك الزواج موفقا، فقد كانت خديجة سيدة نساء مكة، وأوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وأوفرهم عفة واستقامة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- زينة شباب قريش جمالاً وعقلاً وأدباً وخُلُقاً، مع مكانة اجتماعية، ووجاهة في قومه، واشتهار بجميل الخصال من صدق وأمانة، وكل هذه الصفات وتلك، كانت دافعاً للطرفين للاقتناع والرضا والقبول بهذا الارتباط الزوجي العظيم.
• لم يتزوَّج النبي -صلى الله عليه وسلم- خديجة -رضي الله عنها- من أجل تحقيق مصالح شخصية، كالحصول على المال، أو الوجاهة الاجتماعية، فأمَّا الوجاهة الاجتماعية، فلم تكن تعوز النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق الأمين، وهو الذي حكم بين قبائل قريش، وارتضت حُكمه ورأيه حين اختلفوا حول وضع الحجر الأسود موضعه، ثم هو فتى بني هاشم، وزهرة شبابهم، وهم أهل السقاية والرّفادة، وإليهم أمر البيت الحرام، وأمَّا البحث عن المال، فلم يكن مطلباً للنبي -صلى الله عليه وسلم- بحال، وإلا لظهر على سلوكه بعد زواج خديجة ما يدل على هذا، تبذيراً في الإنفاق، وبذخاً في المظهر، وترفاً في الحياة، لكن شيئاً من هذا لم يكن.
• لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في زيجته هذه وصولياً انتهازياً لَمَا عَرَفَ الوفاء إلى قلبه أو لسانه طريقاً، لكنه ظل لخديجة الزوج الوفي، الذاكر بالخير والثناء لها دائماً، الواصل لأهلها وصديقاتها، فلم تزده وفاتها إلا براً ووفاءً لها، وما هكذا يكون شأن الوصوليين.
وهكذا ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل الكامل، في الحُبِّ الكبير والمودة الصافية لزوجته خديجة رضي الله عنها في حياتها، ثم الوفاء المُعجز والأحدوثة الطيبة الخالدة بعد وفاتها.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الادعــــــــــــــــــــــاء الثالث الأحد 14 يناير 2024, 12:01 am | |
| الهوامش ----------------------------------------- (*) لكن محمداً لا بواكي له، د. إبراهيم عوض، دار الفكر العربي، القاهرة، طـ2، 2001م. [1] القسر: القهر والكره. [2] دسيساً: خُفية وسِرَّاً. [3] العير: الإبل. [4] لا يقدع أنفه: مثل يضرب للكفء الكريم. [5] خطبة الإملاك: إعلان الزواج. [6] السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص 220. [7] الكهل: مَنْ جاوز الثلاثين إلى نحو الخمسين. [8] أصدق الناس لهجة: أي: منطقاً وحكاية. [9] شمائل المصطفى، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص145 بتصرف. [10] محمد في حياته الخاصة، نظمي لوقا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص53، 54 بتصرف يسير. [11] تدفع إليهم المال مضاربة: يعملون لها في التجارة ولهم نصيب من الربح. [12] النقيبة: السجية والطبيعة. [13] السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص 214، 215. [14] الكثب: القرب. [15] السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص 214: 216 بتصرف. [16] القصف: اللهو واللعب والافتتان في الطعام والشراب. [17] محمد في حياته الخاصة، نظمي لوقا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص58: 60 بتصرف. [18] الجيد: الرقبة. [19] وعثاء الجهاد: مشقته. [20] غبر: مضى. [21] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة وفضلها رضي الله عنها (3607). [22] الشدق: جانب الفم مما تحت الخد. [23] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة وفضلها رضي الله عنها (3610)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين (6435)، واللفظ له. [24] اربد وجهه: احمرَّ حُمْرَةً فيها سوادٌ من الغضب. [25] صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24908)، والطبراني في المعجم الكبير، باب الباء، ذكر أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهن (21)، وصححه الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد (24908). [26] تجسر: تجرؤ أو تتمكن. [27] محمد في حياته الخاصة، نظمي لوقا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص61: 64 بتصرف يسير. ------------------------------------------------ المصدر: موقع بيان الإسلام
الرابط: http://bayanelislam.net/Section.aspx?ID=920&Section=%D9%85%D9%82%D8%B1%D9%88%D8%A1%D8%A9 |
|