زينب بنت جحش
زوَّجها الله من فوق سبع سموات
أم المؤمنين، زوجة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، زينب بنت جحش، بن رباب، بن يعمر، كان اسمها بَرَّة فَغَيَّرَهُ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلى زينب.
صحابية فاضلة، جمعت الفضل والبر من أطرافه كلها، رضي الله عنها وأرضاها.
أمُّهَا أميمة بنت المطلب، عمة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
ابن خالها رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
خالها سيد الشهداء، وأسد الرحمن حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-.
وأخوها صاحب أول راية عُقدت في الإسلام ن وأول مَنْ دُعِيَ بأمير المؤمنين، وأحد الشهداء، عبد الله بن جحش -رضي الله عنه-.
وأمَّها عمَّة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أميمة بنت عبد المطلب.
زوجها زيد بن حارثة مولى رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، تزوجته بأمر رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ولم تكن راغبة في الزواج من زيد، لأنه مولى وهي سيدة ذات حسب ونسب، فنزل قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً). الأحزاب (36).
فامتثلت زينب رضي الله عنها لأمر الله تعالى وأمر رسوله، فتزوجها زيد.
واستمر الزواج قُرَابَةَ السَنَة، ثم بدأ الخلاف بينهم فطلّقها زيد -رضي الله عنه-، وزوَّجها اللهُ تعالى بنبيه -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بنص القرآن الكريم بلا ولي ولا شاهد، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً).
وقال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا).
عن أنس -رضي الله عنه- قال: لَمَّا انقضت عِدَّةُ زينب قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لزيدٍ: "فاذكرها عليَّ قال فانطلق زيدٌ حتى أتاها وهي تُخمر عجينها قال: فلَمَّا رأيتها عَظُمَتْ في صَدْري حتى ما أستطيعُ أن أنظر إليها أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ذكرها فوليتُها ظَهْري ونكصتُ على عقبي، فقلت: يا زينب أرْسَلَ رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فدخل عليها بغير إذن قال، فقال: ولقد رأيتُنا أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أطْعمنا الخبزَ واللحم حين امتد النهار فَخَرَجَ الناسُ وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرجَ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- واتبعته فجعل يتبع حُجر نسائه يُسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدتَ أهْلك، قال: "فما أدري" أنا أخبرتُه أن القوم قد خرجوا أو أخْبرَ قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب قال: ووعظ القوم بما وُعظُوا به.
وبذلك نالت شرفاً عظيماً ومرتبة رفيعة إذ زوَّجها الله تعالى من فوق سبع سموات، وكانت تفخر بذلك على أزواج رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء زيد بن حارثة يشكوا فجعل النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقول: "اتق الله وأمسك عليك زوجك".
قال أنس لو كان رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- كاتماً شيئاً لكتم هذه قال: فكانت زينبُ تَفْخَرُ على أزواج النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- تقول: زَوَّجَكُنَّ أهَالِيكُنَّ وزوَّجني اللهُ تعالى من فوق سبع سماوات.
وفي بعض الروايات تقول:
أنا أكرمكن ولياً وأكرمكن سفيراً زوجكن أهلكن وزوجني اللهُ من فوق سبع سموات.
كانت معروفة بالكرم والطيب، والتقوى، وحُبَّ المساكين.
قالت عائشة رضي الله عنها -في شأن زينب- وهي التي كانت تُساميني منهن في المنزلة عند رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ولم أرَ امرأةً قَطُّ خيراً في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثاً وأوصل للرَّحِم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حدَّ كانت تُسرع منها الفيئة.
عن أنس قال: تزوَّج رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فدخل بأهله قال: فصنعت أمي أم سليم حيساً فجعلته في تور، وقالت يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، فقلت: يا رسول الله إن أمِّي تُقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله، فذهبت به إلى رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فقلت: يا رسول الله إن أمِّي تُقرئك السلام، وتقول: إن هذا لك منا قليل، فقال ضعه، ثم قال: اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً وفلاناً ومَنْ لقيت وسَمَّى رجالاً، فدعوت مَنْ سَمَّى ومَنْ لقيت.
قال الراوي عن أنس: قلت لأنس كم كان عددكم؟ قال زهاء ثلاثمائة، فقال لي رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يا أنس هات التُّور.
قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُّفَّة والحُجْرَةُ فقال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-:
"لنتحلّق عشرة، عشرة، وليأكل كل انسان مما يليه"، فأكلوا حتى شبعوا، قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال: فقال: يا أنس ارفع فرفعت فما أدري كان أكثر حين وضعت أم حين رفعت، قال: وبقي طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ورسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- جالس وزوجته، موالية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فخرج فسلّم على نسائه، ثم رجع فابتدروا الباب فخرجوا وجاء رسول الله حتى أرخى الستر.
التور:
الإناء.
جُودُهَا وصَدَقَتُهَا:
كانت كريمة النفس، كل ما تصنع بيدها تتصدَّق به على المساكين.
وقد وصفها النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بطول اليد كناية عن كثرة إنفاقها في سبيل الله عز وجل.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً".
قالت عائشة -رضي الله عنها- فكنا إذا اجتمعنا بعد رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- نمد أيدينا في الحائط نتناول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا، فعرفتُ أن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أراد بطول اليد: الصَّدَقَةُ، وكانت تعمل بيدها وتتصدَّق به في سبيل الله.
وقالت عائشة حين بلغها نعي زينب: لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل.
وكانت زينب -رضي الله عنها- صَوَّامَةً قَوَّامَةً قانتة بالليل والنهار، خاشعة في صلاتها متضرعة إلى ربها.
فعن عبد الله بن شداد أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال لعمر: إن زينب بنت جحش أوَّاهَةٌ، قيل: يا رسول الله، ما الأوَّاهَةُ؟ قال: "الخاشعة المُتضرعة".
قال الإمام الذهبي في السير:
قيل إن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- تزوَّج بزينب في ذي القعدة سنة خمس، وهي يومئذٍ بنت خمس وعشرين، وكانت صالحة، صَوَّامَةً، قَوَّامَةً، بَارَّةً، ويُقَالُ لها: أم المساكين.
توفيت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- سنة عشرين من الهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وفي هذا العام افتتحت مصر، وقالت حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددتُ كفني، ولعل عمر سيبعث إليَّ بكفن، فإن بعث بكفن فتصدَّقوا بأحدهما، إن استطعتم إذا دليتموني أن تصدَّقوا بحقوي –إزاري– فافعلوا.
الله أكبر ما أكرمها، وهي على فراش الموت لم تنسى الصَّدَقَةَ، فالله أسأل أن يرزق نسائنا الكريمات الاقتداء بها وبأمثالها.
صَلَّى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وشيَّعها أهل المدينة إلى البقيع، وهي أوَّلُ مَنْ مات من نسائه -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
فرحم اللهُ زينب ورضي عنها وأكرمها في جنات الخلد، فقد كانت خاشعة، أوَّاهَةً، راضية، داعية.
الفوائد:
1- تغيير الاسم الذي يكون فيه تزكية، كما غَيَّرَ رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- اسم برة إلى اسم زنيب.
2- جواز تزوُّج زوجة الدَّعِيّ، ما صَرَّحَ به.
3- أن مَنْ يريد فراق زوجته يؤمر بإمساكها مهما أمكن لصلاح الحال وهو أولى من الفُرقة.
4- فضيلة زينب أم المؤمنين حيث تَوَلّى اللهُ تعالى تزويجها من رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- من دون خِطْبَةٍ ولا شُهُودٍ، ولهذا كانت تفخر بذلك على أزواج رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
5- إذا كانت المرأة ذات زوج لا يجوز نكاحها ولا السعي فيه وفي أسبابه حتى يقضي زوجها منه وطره.
6- إن الله سَمَّى زيداً في القرآن ولم يُسَمْ أحداً غيره.
7- أن الرسول -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بَلَّغَ البلاغ، فلم يَدَعْ شيئاً مِمَّا أُوحِيَ إليه إلا وبَلَّغَهُ.
8- أنه يتعيَّن على العبد أن يُقَدِّمَ خشية الله تعالى على خشية الناس فاللهُ أحق أن يُخشى وأولى.
9- أن المُستشار مُؤتمن.
10- أن الرسول -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقول ما أوحِيَ إليه ولا يريد تعظيم نفسه.