الوجه الحادي والعشرون :
النسيء لازم للعاملين بالحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني السابق ذكره : ( الشهر القمري عند الفلكيين يقصر فيصل إلى 29 يوما و 6 ساعات و 35 دقيقة ويطول فيصل إلى 29 يوما و19 ساعة و 55 دقيقة ومتوسطه 29 يوما و12 ساعة و 44 دقيقة . وهذا اصطدام مع النص النبوي القائل بأن الشهر إما 29 يوما أو 30 يوما ) .
قال : ( فإن قال قائل نجبر هذا الكسر في الشهر ؛ فإن حصلت رؤية رمضان الحسابية - على سبيل التمثيل - في الساعة الثامنة صباحا نمسك من بعد فجر ذلك اليوم ، وإن حصلت رؤية هلال شوال الحسابية الساعة الرابعة بعد الظهر نتم ذلك اليوم ، قلنا له : عُدْنا إلى الظن مرة أخرى ، ويجوز لنا بعد ذلك أن نختلف حول هذا الجبر متى يكون سلبا ومتى يكون إيجابا حتى يصبح مرة 29 يوما ومرة 30 يوما ) .
وقال : ( ثم إن محاولة الجبر لهذه الأشهر لكي تصبح إما 29 يوما أو 30 يوما ليس لها معادلة ثابتة ذلك أن ولادة الهلال تحدث في أوقات مختلفة من كل شهر ولذلك أصبح جبر كسر الشهر القمري عند القائلين بالحساب متكلفا ومعتمدا على القياس والعقول المتفاوتة والتي خرجت بنا عن كل معقول ومنقول ) ا.هـ
قلتُ : وهذا نوع من النسيء وهو لازم للعاملين بالحساب الفلكي في دخول الشهر وخروجه ، وقد رد عليهم من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بقوله : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ " رواه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وَذَلِكَ ضَلَالٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ ، وتَغْيِيرٌ لَهُ ، شَبِيهٌ بِضَلَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْهِلَالِ إلَى غَايَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِسْرَارُ ؛ وَلَيْسَ بِالشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانَ فِي الْعَرَبِ : الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ - الَّذِي يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ والسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } . فَمَنْ أَخَذَ عِلْمَ الْهِلَالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ) ا.هـ
الوجه الثاني والعشرون :
الاضطرابُ المشترَكُ عند جميع القائلين بالحساب ،واللوازم الفاسدة التي تلزمهم وتبين بطلان مذاهبهم :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني في بحثه السابق ذكره تحت عنوان :
( " الاضطراب المشترك عند جميع القائلين بالحساب "
نحن نعلم أن ولادة الهلال في كل شهر قمري قطعية ولا تقبل الشك عند أحد سواء أكان عالما بالحساب أم غير عالم به ، وولادة الهلال تكون في وقت محدد . ومما هو معلوم أن مدينة الدمام تقع على الساحل الشرقي للملكة وتقع على خط طول 50.1 درجة وخط عرض 26.1 درجة ،ويقابلها من الجهة الغربية مدينة الوجه وتقع على الساحل الغربي من المملكة على خط طول 36.4 درجة وخط عرض 26.2 درجة أي على نفس خط عرض الدمام . ففي يوم 21 مارس و 21 سبتمبر يكون الاعتدال (الليل يساوي النهار) في هاتين المدينتين . ففي يوم 21 مارس لعام 1425هـ , على سبيل التمثيل , يكون الفجر في مدينة الدمام في الساعة 4.28 والشروق في الساعة 5.49 والمغرب في الساعة 5.49 وفي مدينة الوجه يكون الفجر في الساعة 5.22 والشروق في الساعة 6.43 والمغرب في الساعة 6.43 ويكون الفرق بين المغرب في الدمام والمغرب في الوجه 54 دقيقة كما أن الفرق بين الفجرين في المدينتين 54 دقيقة أيضا .
ومتى علمنا أن ولادة الهلال قطعية في كل شهر قمري ، فإن احتمال ولادة الهلال في المملكة على هذا الخط بين مغربي الدمام والوجه ، أو فجري الدمام والوجه هو 3.75% . ولا بد أن تكون مدينة بين هاتين المدينتين يولد فيها الهلال وقت المغرب أو الفجر تماما بين مغربي أو فجري الدمام والوجه .
والآن نقول للفريق الأول الذي يرى وجوب الصيام متى ولد الهلال قبل الفجر ولو بدقيقة أو ثانية واحدة , إن ذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة التى ولد بها الهلال وقت أذان الفجر ألا يصوم لأن هلاله ولد بعد فجره ويوجب على من كان غربي تلك المدينة أن يصوم لأن هلاله ولد قبل الفجر ، وبذلك ينقسم أهل الدولة الواحدة إلى نصفين نصف يجب عليه الصيام ونصف لا يجب عليه الصيام .
بل أقول إن دقة الحساب الفلكي المتناهية سوف تجعل مدينتين لا يفصل بينهما إلا شارع صغير إحداهما تصوم والأخرى لا تصوم وربما تجاوز الأمر ذلك فيبلغ بيتين متجاورين بل بيتا واحدا فمن كان في شرقه لا يصوم ومن كان في غربه يصوم .
كما أن ما ذكرناه حيال الفريق الأول ينطبق على الفريق الثاني ذلك أن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين مغربي الدمام و الوجه هو أيضا 3.75%. ونقول للفريق الثاني أنه متى ولد الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين وقتي مغربيهما فلابد أن تكون مدينة بينهما على خط العرض يولد فيها الهلال وقت أذان المغرب وذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام .
كما أن ما قلناه ينطبق على الفريق الثالث بجميع فئاته . ولو جاز للفريق الثالث أن يجتمع على رأي واحد ، وقال حتى نستطيع ان نرى الهلال لابد أن يولد قبل المغرب ب 10 ساعات .
نقول له أيضا ما قلناه للفريق الأول والثاني إن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه قبل 10 ساعات بين مغرب الدمام ومغرب الوجه هو نفسه 3.75%. ولا بد من ولادة الهلال قبل 10 ساعات من أذان المغرب تماما في مدينة تقع بين الدمام والوجه وذلك يوجب على من كان شرقي هذه المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام .
ثم إن ماقلناه أيضا ينطبق على الفريق الرابع والذي يقول بالنفي دون الإثبات ) .
الوجه الثالث والعشرون :
من مفاسد الحساب أنه فرق الأمة ، بل فرق الذين يعملون به :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني : ( إننا لم نحقق الوحدة المنشودة من الحساب الفلكي بل إن الحساب الفلكي زادنا تفرقا حتى أصبح لكل فلكي رأي في المسألة . والحساب الفلكي يجعل من بعضنا يصوم اليوم ، والبعض يصوم بعده بيومين .كما أن الحساب الفلكي أيضا يجعلنا نفرط أحيانا بيومين من شهر رمضان المبارك ونضطر للدخول في يوم أو أكثر من شهر شوال ) .
ثم قال : ( وخلاصة القول إن العلة الحقيقية التي منعت الحساب الفلكي من تحقيق وسيلة أكمل وأوفى من الرؤية البصرية ؛ هي أن الشهر القمري الفلكي لايمكن أن يكون 29 يوما او30 يوما كما بينا من قبل ، وإنما يقصر إلى 29 يوما و 6 ساعات و35 دقيقة ويطول إلى 29 يوما 19 ساعة و55 دقيقة ، ومهما حاول الحساب الفلكي أن يجبر أيام الشهر القصير والطويل وما بينهما سلبا أو إيجابا إلى 29 يوما أو30 يوما لموافقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن يصل إلى ذلك إلا بوسيلة ظنية توقع الأمة المسلمة في خلل واضطراب وتشتت وتفريق وتجعل من أبناء البلاد الواحدة بل المدينة الواحدة يصوم بعضهم ويفطر الآخرون ) ا. هـ
الوجه الرابع والعشرون :
ثبت بالاستقراء كثرة مخالفة الحساب للرؤية ، مما يرفع الثقة به :
قال الدكتور محمد بن صبيان الجهني : ( من خلال دراسة قام بها الدكتور الفاضل أيمن كردي , أستاذ الفلك في جامعة الملك سعود , قارن فيها بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي بين عام 1400هـ وعام 1422هـ وجد أنه :
1. تطابقت الرؤية مع الحساب 14 مرة من حيث وجود الهلال .
2. تطابقت الرؤية مع الحساب 24 مرة من حيث عدم وجود الهلال .
3. لم تتطابق الرؤية مع الحساب 18 مرة حيث تم التبليغ بالرؤية مع عدم ولادة الهلال فلكيا.
4. لم تتطابق الرؤية مع الحساب مرتين حيث ولد الهلال فلكيا ولم يتم التبليغ .
وخلصت الدراسة إلى أن نسبة التطابق بين الحساب الفلكي والرؤية هي 67 % ) ا.هـ
وما كان بهذه المثابة فلا يعمل به ، ولا كرامة .
الوجه الخامس والعشرون :
الحساب الفلكي لايفيد القطع بل هو ظني والخطأ فيه واقع ومتكرر :
قال الأستاذ فهد بن علي الحسون وفقه الله تعالى في كتابه " دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي " :
( الحساب الفلكي في إثباته للشهور القمرية يفيد الظن لا القطع :
(1) أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته واطرادها ، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة به بذلك ، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدة سلامة مقدماته شرعاً ، هذا لو جعل الشرع المصير إليه .
والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادة اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني ، والأدلة المادية تقدح في مؤدى شهادتهم ، ويقوى ذلك بنفي نظرائهم في الفلك من عدم إفادته اليقين ، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز في العدالة الشرعية .
(2) قيام دليل مادي في الساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط والاضطراب ، وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة شهر كذا ، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة ، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها .
*** من ذلك ما ذكره الأمين محمد كعورة في كتابه مبادئ الكونيات (صـ97) حيث قال : "
والذي حدث في موعد بدء صيام رمضان لعام 1389هـ يستحق الذكر ، ألا وهو أن بعض الدول الإسلامية - أي الجمهورية العربية المتحدة بالذات - اعتمدت على حساب الفلك والأرصاد في أن هلال رمضان لن يولد قبل منتصف ليلة الاثنين - أي لا تمكن رؤيته مساء الأحد - ، ولكن الذي حدث أن رؤية الهلال ثبتت في السعودية وبعض الدول الأخرى في مساء الأحد " .
*** ومن ذلك ما حدث أيضاً في هلال شهر شوال في عام 1406هـ ، وذكره الشيخ بكر أبو زيد في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\836) ؛ فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت الثلاثين من رمضان ، فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في عاليتها وشمالها وشرقها ، ورؤي في أقطار أخرى من البلاد الإسلامية .
*** ومن ذلك أيضاً ما حصل في عام 1407هـ : وذكره الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (15\127- 134) ؛ حيث أفاد الدكتور علي عبندة - مدير الأرصادات العامة وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية - بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين مطلقاً ، حيث أفاد أن الهلال يغيب قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة ، ومع ذلك فقد ثبتت الرؤية لهلال رمضان في ليلة الثلاثاء لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية .
*** و ما حصل في ثبوت شهر شوال لعام 1425هـ ، حيث أن الفلكيين يفيدون أن هلال شوال لا يمكن أن يُرى مساء الجمعة ، وأن شهر رمضان سوف يكمل ، وأن أول أيام العيد هو يوم الأحد ؛ وذلك لكون القمر يغرب قبل غروب الشمس مساء ذلك اليوم .
وذكر المهندس محمد شوكت عودة أن الاقتران المركزي لشهر شوال لهذا العام سيكون يوم الجمعة الموافق 12 تشرين الثاني في الساعة 27 : 14 بالتوقيت العالمي ومن المستحيل رؤية الهلال في ذلك اليوم من جميع دول العالم الإسلامي لغروب القمر قبل غروب الشمس ا.هـ
ومع هذا كله فقد رُؤي هلال شهر شوال مساء يوم الجمعة في المملكة العربية السعودية ، وشوهد في أكثر من منطقة ، وشهد برؤية هلال شوال مساء يوم الجمعة أكثر من عشرين شاهداً ، منهم اثنان أتيا إلى نفس مكتب مجلس القضاء الأعلى في الرياض - كما أوضح لي ذلك المسؤول في مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية - وبذلك يكون شهر رمضان ناقص غير تام ، ويكون يوم السبت هو أول أيام العيد ، وليس كما قالوا ، وبذلك يتبين أن حساباتهم ليست دقيقة إطلاقاُ ، وإنما هي ظنية .
(3) ومن الشواهد المعاصرة أيضاً على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي ، والفارق بينها وبين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة ، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة .
(4) ومما يدل على اضطرابهم ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\836- 837) :
وهو التضارب الحاصل بالنتائج والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين ، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات أوائل الشهور ، وما زال اختلافها حتى في الولاية الواحدة ، وهذا يدل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة، وعلى اضطرابه، فكيف نعلق أمورنا التعبدية بحساب مضطرب؟
وهذا كله دليل مادي واضح على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية وضعيفة .
(5) أن الطب - مثلاً - بلغ في العصر الحاضر من الدقة والترقي ما هو مشاهد لعموم الناس ، ومع هذا فيقع لذوي البصارة فيه ومن دونهم من الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو منفعة أو عضو محترم ، هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس ، فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال عملة نادرة ولم تكن نتيجته فاشية باليقين ، ولوازمه غير محسوسة ، إذن فكيف يسوغ التحول من المقطوع بدلاته بحكم الشارع إلى المظنون ، ومن المتيقن إلى المشكوك في نتيجته . ذكره الشيخ بكر أبو زيد أيضا .
(6) أن الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة ، والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحية نتائجها أيُّ خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد ، وهذا فيه ظنية من جهة أخرى غير الراصد وهي جهة الآلة . ذكره الشيخ بكر أبو زيد أيضا .
(7) مما يدل على ظنية الحساب أنه قد شهد بذلك بعض أرباب هذا الفن - أعني الحساب الفلكي - ، وممن شهد بذلك الأمين محمد كعورة ، حيث قال في كتابه مبادئ الكونيات (ص 96- 97) ما ملخصه :
" كثيرًا ما اختلفت الدول الإسلامية في بداية ونهاية شهر رمضان ، والسبب الأساسي في ذلك هو ما سبق أن ذكرت من أن حركة القمر معقدة للغاية ، ويكاد يكون في حكم المستحيل وضع تقويم مضبوط للشهور العربية ؛ لأن مواقع الأرض والقمر والشمس لا تتكرر في فترات منتظمة ، إن الحل في رأيي لهذه المشكلة هو أن يعتمد المسلمون على الرؤية ، وذلك يتمشى مع الدين كما جاء في الحديث الشريف «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» . ) ا.هـ كلام الأستاذ فهد بن علي الحسون وفقه الله تعالى ملخصا من بحثه السابق ، وذكر من نتائجه :
*** أن الحساب الفلكي لا يفيد القطع في إثبات دخول الشهر القمري ، وإنما يفيد الظن .
(8) قررت اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة ظنية الحساب الفلكي ونفت قطعيته :
ذكر الأستاذ أبو المنذر المنياوي وفقه الله في بحثه " حكم استخدام الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور " :
( ظنية الحساب الفلكي وذلك للأمور الآتية ، فذكر منها : نفي علماء في الفلك إفادته اليقين ، كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها المطبوعة ) ا.هـ ملخصا.
(9) قال الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية : ( كثر في شهر شوال هذا العام 1425هـ الحديث عن دخول هذ الشهر وكتب عنه في الصحف ، واستنكر أناس قبول شهادة من شهدوا برؤية الهلال بناء على الزعم بأنه لا يمكن ان يظهر ليلة السبت وانه لن يولد الا بعد الغروب بوقت غير قصير من مساء الجمعة ، وصار لمز وهمز ممن ليسوا من أهل العلم في الشريعة ، وتعدى ذلك الى كتابات غير صحفية فيها تكذيب للشهود .
وكأن أمر الصيام والافطار يخضع للآراء والرغبات أو انه لا يتعلق بعبادة تحكمها نصوص الشريعة وهي من اركان الاسلام ، وكأن النبي صلى الله وعليه وسلم لم يعط ذلك الامر ما يستحقه من البيان ، أو أنه لم يصدر أمره الحاسم صلوات الله وسلامه عليه أو نهيه القاطع بشأن بَدء صيام الشهر وانتهائه ، الى غير ذلك من الاحتمالات .
فقد كنا عالمين بما قاله المتحدثون عن علم الفلك وما زعموه من استحالة الرؤية ، وكان متقررا لدينا انه لا بد من تحري الرؤية وتم ذلك ... وقد شهد ثلاثة شهود عدول لدى محكمة حوطة سدير مؤكدين رؤية الهلال ثم شهد شاهد في القصيم ثم شهد أربعة في القويعية ثم حضر بعد ذلك عدد من الشهود لدى محكمة القويعية وحضر اناس الى محكمة الرياض بعد ان صدر القرار من المجلس بثبوت دخول الشهر والعدد الذين بشهادتهم صدر القرار ثمانية والذين استغنى عنهم بمن سبقهم أكثر من العشرة لما حضروا الى المحكمة كما بلغنا انه رؤي في أماكن اخرى كما حضر شاهد الى مجلس القضاء الاعلى يفيد بأنه رأى الهلال وحضر غيره لمحكمة الرياض ، وفي يوم العيد مساء السبت رؤى الهلال عاليا ومكث يشاهد الى الساعة السادسة الا عشر دقائق ، ويتوقع ان لا يغيب الا الساعة السادسة .
إنني انصح من كتب في الصحافة أن يكف عن الحديث عن رؤية الهلال وعن امكانها أو عدمه ...
ثم انني انصح طلبة العلم بعدم التعجل أو الوقوف بموقف رادّ السنة ، وأن يراجعوا كلام علماء الامة الذين نقلوا الاتفاق والاختلاف وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وبينوا أن الذي عليه أهل الدراية والرواية - وهم الأئمة في الدين - منع الاعتماد على الحساب في دخول الشهر وخروجه .
كما أن أهل الحساب مختلفون في تحديد وقت الرؤية وفي دخول الشهر وهو خلاف قديم وحديث ، وحكايات إجماعهم لا حجة فيها ، فإن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ثم اجماع علماء الامة ، اما خلاف أهل الحساب في حسابهم فلا يضيرنا كما أن اجماهم لو صح ليس بحجة تقارع به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتعسف لرد شهادة من تثبت عدالته بدعوى توهيمه في دعوى رؤية الهلال .
وقد شنع علماء الاسلام على من رد شهادة الشهود لمخالفتها في نظره حساب أهل الحساب وعامة من ينقل عنه العلم لا يرى سوى اعتماد الرؤى ، وقال العَيِْنيُّ : ان هذا مذهب جمهور فقهاء الامصار في الحجاز والعراق والشام والمغرب وعامة أهل الحديث ) ا. هـ ملخصا .
(10) أصاب البدوي رائي الهلال ، وأخطأ الحاسب الفلكي الغربي :
ذكر الأستاذ عبد الرحمن السديس وفقه الله : ( وقد كنا مرة في مجلس فيه عدد من المشايخ منهم الشيخ عبد الكريم الخضير ومحمد الدريعي وإبراهيم الصبيحي وغيرهم ، فحدثنا الأستاذ فهد السنيدي عن الرجل - رائي الهلال - بحكايات كثيرة : منها أنه قد حضر معه في أحد الشهور جمع من الفلكيين وكان مقدَّمُهم رجل غربي ، فاختلفوا معه قبل وقت ظهور القمر في مكانه الذي سيخرج منه القمر ، فحدده في مكان وعارضوه ، ثم خرج من المكان الذي حدده فقام هذا الغربي أمامَهم فقبَّل رأسه ، وله حكايات غيرها حتى أنه قد استدعاه أمير الرياض وحدث بينهما كلام على هذه المسألة .
وقد أجري معه لقاء في إذاعة القرآن وقناة المجد ) اهـ
(11) ردَّ الإمام الأمير الصنعاني في حواشي شرح العمدة 3/1062 على من رد شهادة الشهود إذا اقتضى الحساب عدم إمكانية الرؤية لأن الحساب قطعي بزعمه فقال : ( هذه القطعية المدعاة إن أراد أنها قطعية عند الحاسب وسلمنا له ذلك ، فهو رجوع إلى قول بعض أكابر الشافعية إنه يختص الحاسب بالعمل بذاك بالنسبة إليه .
وإن أراد أنه قطعي عند [غير] الحاسب ، فهذا باطل لأن غير الحاسب إنما يستفيد هذا الحكم وهو أن الحساب يحيل الرؤية التي قامت عليها الشهادة من كلام الحاسب ، وغاية ما يفيده خبره عند سامعه المحسن به الظن ظنه صدقه , فأين القطع الذي زعمه ) ا.هـ
(12) قالت هيئة كبار العلماء في ردها علي من ادعى أن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية :
( ذلك غير مسلم ؛ لأن الحس واليقين في مشاهدة الكواكب لا في حساب سيرها ، فإنه أمر عقلي خفي لا يعرفه إلا النزر اليسير من الناس ، كما تقدم ؛ لحاجته إلى دراسة وعناية ، ولوقوع الغلط والاختلاف فيه ، كما هو الواقع في اختلاف التقاويم التي تصدر في كثير من البلاد الإسلامية ، فلا يعتمد عليه ولا تتحقق به الوحدة بين المسلمين في مواقيت عباداتهم ) . قرار رقم (34) وتاريخ 14/2/1395هـ .
*** قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في كتابه مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (30/ 279 ) : " ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها وفي إمكان رؤيته أو عدمها، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته ، لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة " ا.هـ
*** وقال العلامة المحقق بكر أبو زيد : ( الحساب يدخله الخطأ كثيراً )ا.هـ
[ مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\821) ]
(13) الحسابات الفلكية في الهلال مبنية على معادلات نيوتن أو على نظريات أخرى أحدث ثبت أن منها الباطل ، وفيها نسبة خطأ ، مما يبطل قطعيتها ، ونظرية النسبية لآينشتاين أبطلت الكثير من القوانين الفلكية والفيزيائية التي ما زال العمل جاريا بمقتضاها في حساب الهلال ، وجاء بعده من يخطؤه أيضا ، وفي الواقع فإن كثيرا من الحسابات الفلكية قائمة على نظريات لم ترق إلى مستوى الحقائق العلمية .
(14) أخطاء الْحُسَّاب في ضبط مواقيت الصلوات معروفة ، والتقاويم وبرامج الحاسب الآلي المعدة لحساب وقت الصلاة بينها فروق واضحة في التوقيت .
ونكتفي بذكر مثال واحد من أحد العلماء المحققين وهو فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، قال في مجموع فتاويه :
( إن التقويم - تقويم أم القرى - فيه تقديم خمس دقائق في أذان الفجر على مدار السنة ، فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر صلى قبل الوقت ، وهذا شئ اختبرناه في الحساب الفلكي ، واختبرناه أيضاً في الرؤية .
... فلذلك لا يعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر لأنه مقدم وهذه مسألة خطرة جداً ، لو تكبر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك فريضة ) اهـ
(15) " من عَدَّ موجَ البحرِ عَدَّ طويلا " (شعر) ، الحساب المنعكس والفهم المنتكس :
أخطاء الحساب الفلكي كثيرة :
*** ولكن نختم بما حدث في عامنا هذا 1427 هـ في هلال رمضان وهلال شوال .
** زعم كثير من الفلكيين استحالة رؤية هلال رمضان ليلة السبت ، فرؤي واضحا في عدد من الأماكن ، وثبت شرعا في المحاكم الشرعية بشهادة العدول في السعودية وغيرها ، وصامت لرؤيته نحو من خمس عشرة دولة ، وكذا صام المسلمون في أمريكا وبعض البلاد الأوروبية .
** وبعد ظهور الحق انبعث من الفلكيين من يجادل في الحق بعد ما تبين ، وزعم أن الذي رآه المسلمون كوكب عطارد لا الهلال ، وأثار فتنة عظيمة وشكك المسلمين في صومهم ، وتلقف منه هذا الإفك بعض السمَّاعين للكذب ، وادَّعوا أن السعودية تراجعت وأعلنت خطأ الرؤية وصحة الحساب الفلكي ، وزادوا أنه لن يُر هلال شوال ليلة الاثنين .
** فرؤي الهلال بحمد الله عزوجل في أماكن كثيرة . وأفطر المسلمون واجتمع إكمال العدة مع ظهور الهلال ، وظهر كذب الفلكي المذكور ، وفضحه الله عز وجل ، لأنه دأب على معارضة الرؤية الشرعية ، وتشكيك المسلمين في صومهم وفطرهم ، بفهمه المنتكس وحسابه المنعكس.
وصدق الله عز وجل : (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ) .
الوجه السادس والعشرون :
(1) خطأ الاعتماد على الحساب الفلكي في الكسوف والخسوف ، وربطهما بإمكان رؤية الهلال من عدمها :
*** قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في كتابه مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (30/ 279 ) :
( اطلعت على ما نشرته صحيفة ( الرياض ) في عددها رقم (6885) بتاريخ 3\9\ 1407 هـ بقلم الدكتور أ. ع. ل. عفا الله عنا وعنه ، من جزمه باستحالة أن يكون يوم الاثنين أول يوم من شعبان ؛ بناء على ما وقع في ليلته من الكسوف ، وبناء على ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما ، وجزمه بأن يوم الاثنين هو تمام الثلاثين لشهر رجب وأن يوم الثلاثاء هو أول يوم من شعبان بشكل قطعي ، وعليه يستحيل على ما ذكره أن يكون يوم الثلاثاء هو أول يوم من رمضان .
** وبناء على ذلك رأيت أن أوضح للقراء ما في هذا الكلام من الخطر العظيم والجرأة على دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ونبذ ما صحت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء الظهر ، وتقديم أقوال الحسابين على ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تعليق إثبات دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إكمال العدة ، وحكمه صلى الله عليه وسلم يعم زمانه وما بعده إلى يوم القيامة ؛ لأن الله عز وجل بعثه إلى العالمَين بشريعة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ، كما قال الله سبحانه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ، وهو سبحانه يعلم ما يقع من الكسوف في كل زمان ولم يخبر عباده بما يجب عليهم اعتباره وقت الكسوف ، من جهة إثبات الأهلة ، مع أنه سبحانه أخبرهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما يشرع لهم وقت الكسوف من صلاة وغيرها .
أما قول الفلكيين : إن كسوف الشمس لا يكون إلا في آخر الشهر في ليالي استسرار القمر ، فليس عليه دليل يعتمد عليه ويسوغ من أجله أن تخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو أيده شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم عفا الله عنهما ، فإنهما ليسا معصومين ، ويجوز عليهما الخطأ في بعض أقوالهما كما يجوز على غيرهما من أهل العلم ، وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ، وقال عز وجل: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } الآية ، وقال سبحانه: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } .
** وقد صرح جمعٌ من أهل العلم بأن كسوف الشمس يمكن وقوعه في غير آخر الشهر ، وهكذا خسوف القمر يمكن وقوعه في غير ليالي الإبدار ، والله سبحانه على كل شيء قدير .
وكون العادة الغالبة وقوع كسوف الشمس في آخر الشهر لا يمنع وقوعه في غيره ، وقد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة أو إكمال العدة ، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما ، وحكمه صلى الله عليه وسلم لا يختص بزمانه فقط ، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع ، والله سبحانه أرسله إلى الناس كافة وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره ، وهو العالم بغيب السماوات والأرض ، والعاِلم بما سيحدث بعد زمانه من المراصد وغيرها ، ويعلم سبحانه ما يقع من الكسوفات ، ولم يثبت عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود كسوف ، وهو سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء ، لا فيما سبق من الزمان ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا، وخنس إبهامه في الثالثة ، والشهر هكذا ، وهكذا، وهكذا وأشار بأصابعه العشر » ، يرشد بذلك أمته عليه الصلاة والسلام إلى أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين وتارة يكون ثلاثين ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة » ، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صنفها في هذه المسألة كما في المجلد 25 من الفتاوى صفحة 132 إجماع العلماء على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة، وهو رحمه الله من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف، ونقل الحافظ في الفتح ج 4 ص 127 عن أبي الوليد الباجي : إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب ، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم .
والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور.
ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال ، ولكني أقصد منع الاعتماد عليها أو جعلها معيارا للرؤية ، لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة ، أو بأن الهلال قد ولد ، فهذا كله باطل .
** ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها وفي إمكان رؤيته أو عدمها، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته ، لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين ، بل يجوز عليهم الخطأ جميعا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة .
** أما الاحتجاج بالكسوف فمن أضعف الحجج ؛ لأنه لا يوجد نص من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الخسوف للقمر لا يقع إلا في ليالي الإبدار ، وأن الكسوف للشمس لا يكون إلا أيام الاستسرار كما يقوله بعض العلماء ، بل قد صرح جمع من أهل العلم بأنه يجوز أن يقع في كل وقت كما تقدم ، وذكر غير واحد منهم أنه يمكن وقوعه في يوم عيد الفطر وعيد النحر ، وهذان اليومان ليسا من أيام الإبدار ولا من أيام الاستسرار .
** فنقابل قول من قال : إنه لا يقع الخسوف إلا في ليالي الإبدار ولا كسوف الشمس إلا في أيام الاستسرار ، بقول من قال : إنه يمكن وقوع ذلك في كل وقت وليس قول أحدهما بأولى من الآخر ، وتَسْلَم لنا الأدلة الشرعية ليس لها معارض ، وليس في شرع الله سبحانه ولا في قدرته فيما نعلم ما يمنع وقوع الخسوف والكسوف في كل وقت ؛ لأن الله عز وجل له القدرة الكاملة على كل شيء ، وله الحكمة البالغة في جميع ما يقدره ويشرعه لعباده ، وقد أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ، والعباد في أشد الحاجة إلى التخويف والإنذار من أسباب العذاب في كل وقت ، وهذا المعنى نفسه من الأدلة الدالة على صحة قول من قال من العلماء : بجواز وقوع الخسوف والكسوف في جميع الأوقات ، والرؤية لهلال رمضان هذا العام - أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء - قد ثبتت لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة ، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها لموافقتها للأدلة الشرعية وبطلان ما يعارضها ، وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان ؛ للأحاديث السابقة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون » أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن .
** ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولا أو خروجا ، وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين أو من أجل وقوع الكسوفات مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولا وخروجا لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي حذر الله منها في قوله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وفي قوله عز وجل: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ، وقوله سبحانه: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } .
** وأرجو أن يكون فيما ذكرته مقنع لطالب الحق ، وكشف للشبهة التي ذكرها الدكتور أ. ع. ل وغيره ممن يعتمد على أقوال الحاسبين .
والله سبحانه المسئول أن يوفقنا والدكتور وجميع المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد ، والتمسك بشرع الله المطهر ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وآله وصحبه ومن عظم سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ) ا.هـ
(2) صلاة الكسوف لا تشرع بخبر أهل الحساب ومن صلاها اعتمادا على خبرهم فقد خالف السنة :
*** قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في مقال له نشر بـ ( مجلة الدعوة ) العدد ( 1525 ) بتاريخ 20/8/1416 هـ :
( فقد نشرت صحيفة الرياض في عددها الصادر في يوم الأحد 14 جمادى الأولى 1416 هـ ، نقلا عن عبد العزيز بن سلطان الشمري مدير مراصد الأهلة بمعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أن القمر سيكسف مساء اليوم المذكور ، كما نشرت الصحيفة المذكورة في عددها الصادر يوم الاثنين 29 جمادى الأولى 1416 هـ ، أن عبد الرحمن بن محمد أبو عمة ، عميد كلية العلوم في جامعة الملك سعود ذكر للرياض أن الشمس ستكسف صباح يوم الثلاثاء 30 جمادى الأولى 1416 هـ .
وبلغني أن بعض أئمة المساجد عملوا بذلك ليلة 15 من الشهر المذكور مع عدم وجود الكسوف .
** فرأيت أن من الواجب على مثلي بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر ، فأقول : قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بصلاة الكسوف والذكر والدعاء عندما يرى المسلمون كسوف الشمس أو القمر فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم " ، وفي لفظ آخر : " فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره " ، فعلق صلى الله عليه وسلم الأمر بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار برؤية الكسوف لا بخبر الحسابين .
فالواجب على المسلمين جميعا التمسك بالسنة والعمل بها والحذر من كل ما يخالفها .
** وبذلك يعلم أن الذين صلوا صلاة الكسوف ليلة الاثنين 15/ 5 اعتمادا على خبر الحسابين قد أخطئوا وخالفوا السنة .
ويعلم أيضا أنه لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر ، وقد قال الله عز وجل: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) وقال سبحانه: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس، وقال عز وجل:
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس ، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه . فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين ، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها ، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه .
فلما لم يبين ذلك ، بل بين خلافه ، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف ، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده .
ولما شرع الله من بيان الحق والنصيحة للخلق والدعوة إلى سبيل الهدى والتحذير مما يخالف ذلك ، جرى تحرير هذه الكلمة .
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل به ، وأن يعيذنا وجميع إخواننا من القول على الله بغير علم ، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم الفقه في الدين. وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ) ا.هـ
(3) زعَم الحاسب الفلكي صعوبة رؤية الخسوف ، فرؤي واضحا من كثير من الناس :
وذلك في خسوف القمر مساء يوم الخميس 14 شعبان 1427هـ الموافق 7 سبتمبر 2006 م .
*** ذكرت جريدة الرياض 31/8/2006 هـ عن الدكتور زكي بن عبدالرحمن المصطفى رئيس قسم الفلك بمعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ان المتابعين في المملكة سيتمكنون من مشاهدة الحدث حيث يبدأ القمر في دخول منطقة شبه الظل الساعة السابعة مساء واثنتين وأربعين دقيقة (23:42:19) بتوقيت السعودية ، ويليه بداية دخول القمر منطقة الظل حيث يبدأ الخسوف الجزئي بإذن الله الساعة التاسعة مساء وخمس دقائق (03:05:21) وسيستمر الخسوف الجزئي إن شاء الله حتى الساعة العاشرة مساء وسبع وثلاثين دقيقة (41:37:22) وهو الوقت الذي يخرج فيه القمر من منطقة الظل ومن ثم يخرج القمر من منطقة شبه الظل معلناً انتهاء فترة خسوف القمر وذلك عند الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل (20:00:24) وبين الدكتور المصطفى انه من الصعوبة مشاهدة التغير في ضوء القمر عند مروره في منطقة شبه الظل حيث يتطلب ذلك وجود أجهزة حساسة لقياس نسبة التغير في اضاءة القمر، بينما يمكن متابعة الخسوف عند دخول القمر منطقة الظل إلا أنه في خسوف هذا الشهر فإن الجزء المخسوف من القمر صغير جداً مما يصعب متابعته أو الاحساس به عند البعض ) . اهـ
*** قال الأستاذ عبد الرحمن السديس من أهل الرياض :
( هذا الكلام رأى معظم الناس أنه غلط وأن القمر في الساعة 9.10 دقائق تقريبا ظاهر خسوفه جدا ثم زاد بعد ذلك زيادة ظاهرة يراها كل من له عينان بكل وضوح ) . اهـ
الوجه السابع والعشرون :
في بيان أن من عمل بالحساب فأصاب فقد أخطأ ، ومن عمل بالرؤية فأخطأ فله أجره عند ربه ، وخطؤه مغفور إن شاء الله تعالى :
*** ووقع في عهد النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم :
فَعَنْ أَبي عُميْر بنِ أَنسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُما عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ من أصحاب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم " أَنَّ رَكْباً جاءُوا إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يشهدون أَنّهُمْ رأَوُا الهِلالَ بالأمْسِ فأَمَرَهُم أَنْ يُفْطروا وإذا أَصْبحُوا أَنْ يَغْدُوا إلى مُصَلَّاهُمْ "
رواهُ أَحْمَدُ والنسائي وأَبُو داودَ وهذا لَفْظُهُ ، وأبو عمير بن أنس: وثقه ابن سعد و ابن حبان ، والحديث قال البيهقي وابن حجر : " إسنَادُهُ صحيح " ، وقال الدارقطني : " إسناد حسن ثابت " ، وصححه اسحاق وابن الجارود وابن المنذر وابن السكن والخطابي والحاكم والذهبي وابن حزم والألباني .
** وحدث في خلافة على بن أبي طالب رضى الله عنه :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( قال حنبل بن اسحاق حدثنى ابو عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن قال ابو عبد الله قلت ليحيى الذين يقولون الملائى قال نعم عن الوليد بن عقبة قال : " صمنا على عهد على بن أبي طالب رضى الله عنه ثمان وعشرين فأمرنا علىٌّ ان نتمها يوما " . أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ] = أحمد بن حنبل َةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَمَنْ صَامَ هَذَا الصَّوْمَ قَضَى يَوْمًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) ا.هـ
[color=red]*** أما من عمل بالحساب فأصاب فقد أخطأ :
** قال ابن قدامة في المغني (3/9) : ( لو بنى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب , لم يصح صومه , وإن كثرت إصابتهم , لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه , ولا العمل به , فكان وجوده كعدمه , قال النبي صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته " . وفي رواية : " لا تصوموا حتى تروه , ولا تفطروا حتى تروه " ) ا . هـ
** قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله : ( ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجاً وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ولو تركوا ذلك لأجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً لكانوا آثمين ، وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم التي حذر الله منها في قوله عز وجل : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النور : 63) ، وفي قوله - عز وجل - : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (سورة الحشر : 7) ، وقوله سبحانه وتعالى : {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (سورة النساء : 14) ) ا.هـ
[ مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (15/ 133) ] .
الوجه الثامن والعشرون :
لا يجوز اتباع من عمل بالحساب أو حكَّمَهُ في الرؤية :
*** قال الإمام القرطبي في تفسير ه (2/293-294) : ( روى ابن نافع عن مالك : في الامام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته ، وإنما يصوم ويفطر على الحساب ؛ إنه لا يُقْتَدَى به ولا يُتَّبَع ) ا.هـ
*** قال الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : ( أما الحَسَّابون فلا يلتفت إليهم ، ولا يعول على حسابهم ، ولا ينبغي لهم أن ينشروا حسابهم ، وينبغي منعهم من نشر حساباتهم ؛ لأنهم بذلك يشوشون على الناس ) ا.هـ
[ مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (15/135- 136) ] .
*** ( من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء )
** الفتوى رقم (3127)
س : لقد أجريت عملية جراحية في شهر رمضان والآن أريد أن أقضي ، مع العلم أن المسلمين في مدينتي انقسموا إلى قسمين :
القسم الأول : أفطر اتباعا للسعودية وبعض البلدان الإسلامية الأخرى (أي 29 يومًا) .
والقسم الثاني أكمل الشهر (أي 30 يومًا) وهذا اتباعا للجزائر ، مع ملاحظة أن الجزائر تحدد بداية ونهاية الشهور العربية بواسطة الحساب الفلكي .
السؤال هو: كم يومًا أقضي 29 أم 30 .
ج1 : لا يعتبر الحساب الفلكي أصلًا يثبت به بدء صيام شهر رمضان ونهايته ، بل المعتبر في ذلك رؤية الهلال ، فإن لم يروا هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان أكملوا شعبان ثلاثين يومًا من تاريخ رؤيته أول الشهر ، وكذا إذا لم يروا هلال شوال ليلة ثلاثين من رمضان أكملوا عدة رمضان ثلاثين يومًا .
وعلى هذا يجب عليك صيام 29 يومًا قضاء لرمضان الذي عجزت عن صيامه من أجل العملية اتباعا للدول التي صامت لرؤيتة وأفطرت بها .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود //عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن ب