سلاح المؤمن في الدعاء والذكر
المؤلف: محمد بن محمد بن علي بن همام بن راجي الله بن سرايا بن داود
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
الحمد لله المنعم على خلقه بجميل آلائه، المحسن إليهم بلطيف رفده وجزيل عطائه، المحقق لمن أمله حسن ظنه ورجائه، الذي من على عباده بأن فتح لهم بابه وأمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، ووفق منهم من شاء بلطفه وحكمته؛ للتعرض لنفحات فضله ورحمته، وهداه السبيل إليه، وألهمه الطلب تكرما منه عليه، أحمده والحمد من نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مجيب الدعاء، وكاشف الأسواء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء ومبلغ الأنباء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الأتقياء، صلاة دائمة بدوام الأرض والسماء، وسلم تسليماً كثيراً.
أمًا بعد:
فمن أولى ما انصرفت إلى حفظه عناية ذوي الهمم، وأحق ما اهتدي بأنواره في غياهب الظلم، وأنفع ما استدرت به صنوف النعم؛ وأمنع ما استدرئت به صروف النقم، ما كان بفضل الله تعالى لأبواب الخير مفتاحا، وبنص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين سلاحا، وذلك التحميد والثناء، والتمجيد والدعاء، أمر الله تعالى به في كتابه العظيم، وفيه رغب رسوله الكريم، وإليه جنح المرسلون والأنبياء، وعليه عول الصالحون والأولياء، وإن أحسن ما توخاه المرء لدعائه في كل مهم، وتحراه لكل خطب مدلهم، ما تحصل به مقصود الدعاء مع بركة التأسي والاقتداء، ويكون لفظه وسيلة لقبوله، وهو ما جاء في كتاب الله أو سنة رسوله، وقد أنكر الأئمة -رضي الله عنهم- الإعراض عن الأدعية السنية، والعدول عن اقتفاء آثارها السنية، فقال الحافظ أبو القاسم بن أحمد بن أيوب الطبراني رحمه الله في كتاب ' الدعاء ': هذا كتاب ألفته جامع لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء والتعدي فيه.
وقال الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي -رحمه الله- في كتاب ' شأن الدعاء ': وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يوجد في أيديهم دستور في الأسماء والأدعية يسمونه ' الألف اسم ' صنفها لهم بعض المتكلمين من أهل الجهعل والجرأة على الله تبارك وتعالى، أكثرها زور وافتراء على الله - سبحانه وتعالى - فليجتنبها الداعي إلا ما وافق منه الصواب.
وقال الإمام أبو بكر بن الوليد الطرطوشي -رحمه الله- في كتاب ' الأدعية ' له: ومن العجب العجاب أن يعرض عن الدعوات التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه عن الأنبياء والأولياء والأصفياء مقرونة بالإجابة، ثم تنتقي ألفاظ الشعراء والكتاب، كأنك قد دعوت في زعمك بجميع دعواتهم، ثم استعنت بدعوات من سواهم.
وقال القاضي عياض -رحمه الله- إن الله أذن في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه الخليقته، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء العلم
بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام فقيض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء آدم، دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر الصديق رؤضي الله عنه.
فاتقوا الله في أنفسكم ولا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح منه... هذا آخر كلامه.
وإني قد جمعت في هذا الكتاب جملة من الأدعية والأذكار المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دائرة بين الصحيح والحسن، أخرجتها من الكتب الستة، والمستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله الحافظ، والمسند المخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة الإسفرايين ي، وصحيح أبي حاتم بن حبان، فاستوعبت جميع ما في كتابي البخاري ومسلم، لمكانهما من الصحة، وانتخبت من سنن أبي داود ما لم ينص على ضعفه، لأنه عنده لا ينزل عن رتبة الحسن، وجردت من جامع الترمذي ما حكم عليه بأنه صحيح أو حسن، وأما كتاب النسائي فقد أطلق الخطيب عليه اسم الصحيح، وقال أبو القاسم الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن في الرؤيا شرطا أشد من شرط البخاري ومسلم، على أني لم أخرج مما انفرد به إلا نحو عشرة أحاديث جيدة الأسانيد نبهت إلى مواضعها، وأما سنن ابن ماجة فلم أخرج منها شيئا تفرد به، وعزوت كل حديث إلى من أخرجه من الأئمة، فما كان في الكتب الستة سلكت في نسبته إليها الجادة، فأقول فيما أخرجه الستة: رواه الجماعة، وفيما أخرجه الشيخان: متفق عليه، وفيما أخرجه البقية دون الشيخين: رواه الأربعة، وما عدا ذلك أعين من أخرجه
من الأئمة، وإذا كان الحديث من رواية البخاري لم أعدل من لفظه سوى في حديثين بينتهما في موضعيهما، وإن لم يكن من روايته، فإن كان من رواية مسلم اعتمدت لفظه، وإن لم يكن من رواية واحد منهما عزوت اللفظ لصاحبه، وإن اتفق على اللفظ اثنان فأكثر نبهت على ذلك، وجردت أحاديث هذا الكتاب من الأسانيد، واقتصرت على نسبتها إلى المسانيد تخفيفا على حافظيه، وتسهيلا لراغب فيه، وذكرت في بعض أبوابه من القرآن العظيم ما يناسب ذلك الباب، وأخرجت في أثنائه طرقا من آثار الصحاية ومن بعدهم من بعض الكتب المذكورة وكتاب ' الموطأ ' ومن ' المصنف ' لابن أبي شيبة، ما كان رجال سنده رجال الصحيح، ومن ' السنن الكبير ' للبيهقي ما جزم بصحته، وضممت إلى بعض الأحاديث زيادة، وردت في بعض الطرق من كتب أخر، وكل مصنف عزوت إليه حديثا، فمن ذلك الكتاب نقلته، ومن أصوله المعروفة اأخذته.
وما عولت في ذلك على نوع من التقليد،، ولم أتكل على نقل مصنف قريب عن مصنف بعيد.
وسميته ' سلاح المؤمن ' وبوبته أحدا وعشرين باباً.
الباب الأول: في فضل الدعاء والأمر به والحكمة منه، وفيه: 'فصل' في فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر بهما.
الباب الثاني: في فضل الذكر والأمر به، وفيه فصلان: أحدهما: في فضل جملة من الأذكار.
والثاني: في فضل سور وآيات.
الباب الثالث: في آداب الدعاء.
الباب الرابع: في الأوقات والأحوال والأماكن التي يمتاز الدعاء فيها على غيرها.
الباب الخامس: في من يمتاز دعاؤه على دعاء غيره.
الباب السادس: في طلب الدعاء.
الباب السابع: في التخصيص بالدعاء وتسمية المدعو له.
الباب الثامن: في من دعي عليه أو أمر بالدعاء عليه.
الباب التاسع: في من نهي عن الدعاء عليه، وما نهي عن الدعاء به.
الباب العاشر: في اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى.
الباب الحادي عشر: في الأدعية المتعلقة بالصباح والمساء والنوم والاستيقاظ.
الباب الثاني عشر: في الأدعية المتعلقة بالطهارة والصلاة والأذان والمساجد.
الباب الثالث عشر: في الأدعية المتعلقة بالصيام.
الباب الرابع عشر: في الأدعية المتعلقة بالحج.
الباب الخامس عشر: في الأدعية المتعلقة بالجهاد.
الباب السادس عشر: في الأدعية المتعلقة بالسفر.
الباب السابع عشر: في الأدعية المتعلقة بالأكل والشرب واللباس.
الباب الثامن عشر: في الأدعية المتعلقة بالنكاح.
الباب التاسع عشر: في الأدعية المتعلقة بالمرض والموت.
الباب العشرون: في الأدعية المقرونة بالأسباب والحوادث.
الباب الحادي والعشرون: في جامع الدعوات التي لا تختص بوقت ولا سبب، وفيه فصلان: أحدهما: في التعوذ، والثاني في الاستغفار.