احزن في الدنيا تفرح في الآخرة
وقال بعض الصالحين: لَمَّا مات عطاء السلمي رضي الله عنه، رأيته في المنام تلك الليلة فقلت له: ما الذي صرت إليه بعد الموت؟
فقال: والله إلى خير كثير ورب غفور، قلت له: لقد كنت طويل الحزن في الدنيا..
فتبسَّم وقال: أعقبني بذلك بشارة وسرورا دائماً.
وقال سفيان الثوري رضي الله عنه: مات أخٌ لي، فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل اللهُ بك؟ قال رضي عني وأدخلني الجنة، وقال: إفرح كما كنت تحزن.
وقال بعض الصالحين رضي الله عنهم: لما مات عطاء السلمي رأيته تلك الليلة في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وقال: يا هذا كم استحيت مني؟ لقد كنت تخافني كل الخوف، وعزتي وجلالي لقد توفيتك يوم وفاتك وما على وجه الأرض أحب إليَّ منك.
وحكي أن أبا الفتح الموصلي رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: قرَّبني وأدناني، وقال: يا أبا الفتح، وعزتي وجلالي لقد صعد إلى الملكان الموكلان بك أربعين سنة وما في صحيفتك خطيئة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من أحد يأتي يوم القيامة إلا وله من الذنوب، ما خلا يحيى بن زكريا، فإنه يلقى الله ولا ذنب عليه".
وحكي عن بشر الحافي رضي الله عنه أنه رؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: رضي عني وأتحفني ورحمني وزوَّجني، وأطعمني طعاماً طيباً، وسقاني شراباً لذيذاً، وفرش لي فرشاً رطباً، وقال لي: نم كما كنت تسهر، واسرح كما كنت تشب، وافرح كما كنت تحزن، واشبع كما كنت تجوع! واروى كما كنت تظمأ.
وقال عاصم رضي الله عنه: رأيت داود بن يحيى في المنام، فقلت: ما فعل الله بأحمد بن حنبل، وعبد الوهاب بن الوراق، قال: تركتهما الساعة بين يدي الله تعالى، يأكلان ويشربان على مائدة من موائد الجنة من نور.
قلت: فما فعل الله بابن المبارك؟ قال: هو يسلم على ربه كل يوم مرتين.
وقال أسد بن موسى رضي الله عنه: رأيت مالك بن دينار رضي الله عنه في النوم بعد موته وعليه ثياب خضر وهو على ناقة تطير به بين السماء والأرض، فقلت له: يا عبد الله، كيف كان قدومك على ربك؟
قال: قدمت على ربي وأكرمني وكلّمني، وقال لي: سلني أعطيك، وتمنَّى عليَّ أرضيك، فقلت: يا رب أسألك الرضا عني، فقال: قد رضيتُ عنك.
وقال ثابت البناني رضي الله عنه: ما زلت مشوق نفسي إلى الله عز وجل وهي تبكي حتى رأيتها لقيته وهي تضحك.
وقيل: إن أبا عبيدة الخواص رضي الله عنه لم يضحك منذ أربعين سنة، ولا رفع رأسه إلى السماء حياءً من الله تعالى.
وقيل: إن سفيان رضي الله عنه بكى خمسين سنة حتى عمي، فأوحى الله تعالى إليه: يا سفيان، مِمَّ بُكاؤك؟ إن كان شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك إيَّاها، وإن كان خوفاً من النار فقد أنجيتك.
فقال: يا رب لا خوفاً ولا فزعاً من النار، ولا شوقاً إلى الجنة، ولكن شوقاً إلى لقائك.
فقال: وعزتي وجلالي لأرسلن إليك عبداً من عبيدي يخدمك عشر سنين، ثم أخلي بينك وبينه بحراً من نار يخوضه شوقاً إليك، ثم أتجلى له وأكلمه فأكون قد كلمت مَنْ خدمك.
وقيل: إن بعض الأنبياء عليهم السلام بكى حتى عمي، وصام حتى انحنى، وقام حتى أقعد، وقال: وعزتك وجلالك لو كان بيني وبينك بحر من نار لولجته شوقاً إليك.
وكان فتح الموصلي رضي الله عنه يقول: قد طال شوقي إليك فعجل بقدومي عليك.
وقيل في المعنى شعراً:
وحياة من ملكت يداه قيادي... لأخالفن على الهوى حسادي
ولأعصين عواذلي في حبه... و لأهجرن لنائذي ورقادي
ولأجعلن نزاهتي فيه البكا... ولأكحلن مدامعي بسهادي
ولأحفرن لسره بين الحشا... قبراً ولم يعلم بذاك فؤادي
ولاحلفن يمين صدق أنني... اخلصت فيه محبتي وودادي
هو غايتي هو منيتي هو بغيتي... هو سيدي يا سادتي ومرادي
والحمد لله الذي خلق الورى... حمداً له يبقى على الآباد
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، عجباً لمن أحبني، كيف يهوى قلبه سواي؟!!
يا داود، قل لبني إسرائيل، لو رأيتم الجنة وما أعددت فيها لأوليائي من النعيم المقيم لما ذقتم طعاماً بشهوة، أين المشتاقون إلى لذيذ الطعام والشراب؟
أين الذين جعلوا موضع الضحك بكاءً خوفاً مني؟
فطالما صلّوا والناسُ نيام.
يا داود، وعزتي وجلالي إني رضيت عنهم، ولولاهم ما رضيت على أهل الدنيا.
وقال بعض الصالحين: مات رجل من جيراني، فرأيته في المنام وهو على زي أهل النار، ثم رأيته بعد ذلك وهو في الجنة، فقلت له: بماذا؟ قال: دفن عندنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه، فكنت أنا من جملتهم.