|
| السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 2:48 pm | |
| - 17 - كثرة الكلام بلا حاجة, والضحك بلا سبب
أصبح بادياً لكل ذي عينين أن الثرثرة شعار الناس اليوم, وأن من لا يحسن الثرثرة قالوا عنه: «قفل », أو قالوا عنه: «غبي» أو أي شيء آخر, أما هم فعند أنفسهم هم الأذكياء, والمتفتحون, الذين يستطيعون تلوين الكلام, ومجاراة الآخرين بكل لون, دون حياء, أو خجل, فهم أبنا « نكتة », وهم مرحون خفيفوا الظل, لأن الدنيا عندهم هي الساعة التي يعيشونها, فلم يكدرونها على أنفسهم, إنهم يحاولون أن ينسوا همومهم في المزاح, ويتناسون مشاكلهم في « المقالب » التي يدبرونها لبعضهم البعض, وهكذا أصبح الكلام بلا داعٍ شرعي سمت الناس, وديدنهم, وأن الضحك بلا سبب شرعي, هو بضاعة المعاصرين, وحسبنا الله ونعم الوكيل. وإذا كانوا قديماً قالوا:« إن الضحك بلا سبب قلة أدب »،فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن العبد ليقول الكلمة, لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوي بها أبْعَدَ ما بين السماء والأرض, وإن الرجل ليزِلُّ عن لسانه أشدَّ مما يزلّ عن قدمه) (196), وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلاَ هَلْ عسى رَجُلٌ منكم أن يتكلم بالكلمة يضحك بها القوم, فَيَسْقُطُ بها أبْعَدَ مِن السماء, ألاَ هَلْ عسى رجل منكم يتكلم بالكلمة يُضْحِكُ بها أصَحابَهُ, فَيَسْخَطُ الله بها عليه, لا يرضى عنه حتى يدخله النار) (197). ومع ذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَمْزَحُ, ولكن لا يقول إلاّ حقاً, وكان يضحك, ولكن كان جل ضحكه التبسُّم, وكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه, أي قواطع أسنانه الأمامية, وليس فيه رفع صوت, ولا قهقهة, ونحوها, ولا ضرب الأرض برجل من الضحك, ولا ضرب رأسه, ولا فتح فاه مثلما يفعله خفيفوا الظل اليوم, ولم يرقص طرباً من شدة الضحك كما يفعله قليلوا العقل اليوم, ولا نحو ذلك, بل كان يَضْحكُ مما يُضْحَكُ منه, وهو مما يُتَعَجَّبُ من مثله, ويستغرب وقوعه, ويستندر, أي يقع على وجه الندرة, وعلى غير العادة, لا أن يستدعى الضحك من المضحكين, وأشباههم, لأن كثرة الضحك تميت القلب, وإن أَبْعَدَ الناس من الله تعالى القلبُ القاسي, وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ للقلب, وإن أبْعدَ الناس من الله تعالى القلب القاسي) (198). وأما هؤلاء الفسّاق الذين لا يجدون مادة يضحكون بها أمثالهم سوى آيات القرآن الكريم, أو أحاديث الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم- فهؤلاء كفرة فَجَرة, قال الله تعالى فيهم وفي أمثالهم إلى يوم الدين: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (199). وأما من يتخذ المؤمنين والمؤمنات مادة للضحك أو السخرية, فمجرمٌ معلوم الإجرام, وقد توعده الله تعالى بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة, فعن بلال بن الحارث المُزَني -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله, ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى له بها رضوانه إلى يوم يلقاه, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله, ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يَكتب الله تعالى له بها سَخَطَهُ إلى يوم يلقاه) (200). ثم إن من كَثُر كلامه كَثُر خطؤه, ومن كثر خطؤه كثرت ذنوبه, ومن كثرت ذنوبه, كانت النار أولى به, وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه, مقبلاً على شأنه, حافظاً للسانه, ومن حَسِب كلامه من عمله قَلَّ كلامه إلا فيما يعنيه, ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (201), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كل كلام ابن آدم عليه لا له, إلا: أمرٌ بمعروف, أو نهيٌ عن منكرِ, أو ذكرُ الله) (202). وكان -صلى الله عليه وسلم- أفصح العالمين, وأعذبهم كلاماً, وكان إذا تكلَّم تكلم بكلام مفصَّل, مبين, يَعُدُّه العادّ, ولا يَسْرِد الحديث كسرد المتفيهقين, والمتشدقين, والثرثارين في عصرنا, ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه, وإذا كره الشيء عُرِفَ في وجهه, ولم يكن فاحشاً, ولا متفحشاً, ولا بذيئاً, ولا صخاباً, ولا عَيَّاباً, وكان طويل السكوت كثير الصمت -صلى الله عليه وسلم- فاللهم فقهنا في ديننا, وبصّرنا بزماننا, واحفظ ألسنتنا, واهدنا سبل نبيِّنا,وانصرنا على أعدائنا, واكتب لنا صلاة آمنة مطمئنة في مسجدك الأقصى, واكتب لنا حجاً وعمرة يبدأن من المسجد الأقصى, اللهم آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله بركاته. -------------------------------- الهوامش: 196. المطففين / 29- 36. 197. سورة الهمزة. 198. رواه مسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي. 199. رواه الطبراني بإسناد جيد. 200. رواه الطيالسي, وابن أبى الدنيا, والبيهقي, وأحمد. 201. البقرة / 183- 185. 202. رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 2:54 pm | |
| - 18 - الغيبة والنميمة بين النساء خاصة والناس عامة
نظراً لعدم الحاجة إلى تدبير الطعام معظم النهار في رمضان, ونظراً للتراخي الذي يبديه البعض عن أداء الأعمال المكلفون بأدائها في نهار رمضان خاصة بحجة الصيام, فإن الكثيرين من الناس يعقدون فيما بينهم مجالس اللغو, والغيبة, والنميمة, والثرثرة, والمكايات, وغير ذلك من ضروب الكلام السيّء, والتي يتحمل الوزر الأكبر منها: النساء خاصة, لشيوع حدوث ذلك منهم, حتى قيل: «إن النساء إذا اجتمعن زئرن», أي: تجرأن على الرجال, ولم يسْتَحِنَّ منهم, ورفعن أصواتهن بحضرتهم, فكيف إذا اجتمعن وحدهن, وليس بينهن رقيب عليهن, أو قيِّمٌ ذو سلطان عليهن؟. إن الغيبة هي: ذكرك أخاك بما يكرهه من نفسه في غيبته, والنميمة: ذكرك أخباره كلها- ما يحبها وما يكرهها- دون أن يأذن لك في شيء من ذلك, والبهتان: ذكرك إياه بما ليس فيه, في غيبته, بمعنى إلصاق العيب به, فإن تعلق هذا العيب بالعورات والمحرمات فهو الإفك, وإن اختص بالرمي بالزنا فهو الإفك المبين, وقد يكون ذلك في محضر من المقذوف, فيكون بهتاناً وإثماً مبيناً. فإن اقتصر على الإشارات دون اللفظات, فإن كان بمؤخرة العين مع حركة الرأس نحو المستهزأ به فهو: الغمز, وإن كان بالعين كلها مع قطوب الوجه فهو: الهمز, وإن كان بالشفتين مع حركة الفكين بما يوحي بالكلام أو الأكل فهو: اللمز, وإن كان بالعين والشفتين معاً مع إظهار الاستهزاء على صفحات الوجه فهو: النبز, وإن كان مع كل ذلك اقترن به, أو بأحدها حركة اليدين بما يوحي بالسخرية الشديدة فهو: التهكّم. وهذه كلها سلوكيات مرفوضة من المسلم ومن المسلمة على السواء, وإن كان حدوث ذلك من النساء أكثر, فإن تزامن ذلك مع نهار رمضان أفسد ذلك الصيام, وجعله كأن لم يكن, دون وجوب الإعادة على من حدث ذلك منه, لكن الإفساد متعلق بعدم استحقاق أي ثواب على صومه ذلك, ويكون قد أتعب نفسه فقط, ولم يكن حظه من صومه إلا الجوع والعطش. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (203), وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (204), وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (205), وقال تعالى:﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ (206). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: الله ورسوله أعلم!! قال: (ذكرك أخاك بما يكره). قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغْتَبْتَهُ, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ) (207), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّما رجلٍ أشاع على رجلٍ مسلم بكلمة وهو منها بريء يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يُذِيبَهُ يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاد ما قال!!) (208)، وعن انس-رضي الله عنه- قال: «أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بصوم يوم, وقال: (لا يفطرن أحدكم حتى آذن له), فصام الناس, حتى أمسوا, فجعل الرجل يجيء, فيقول: يا رسول الله!! إني ظللت صائماً فَأْذَنْ لي فَأُفْطِرَ, فيأذن له, والرَّجُلُ, والرَّجُلُ, حتى جاء رجلٌ فقال: «يا رسول الله!! فتاتان من أهْلِكَ ظلَّتا صائمتين, وإنهما تستحيان أن تأتياك فأْذَنْ لهما فليُفطِرا!! فأعرض عنه, ثم عاوده, فأعرض عنه, ثم عاوده, فأعرض عنه, ثم عاوده, فأعرض عنه, فقال: (إنهما لم تصوما, وكيف صام من ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس, اذهب فَمُرْهُما إن كانتا صائمتين فَلْيَسْتَقِيئا!!) فرجع إليهما, فأخبرهما, فاستقاءتا, فقاءت كل واحدة: علقة من دمٍ, فرجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره, فقال: (والذي نفسي بيده!! لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار!!) (209), وفي رواية أحمد: (إن هاتين صامتا عما أحلَّ الله لهما, وأفطرتا على ما حَرَّم الله عليهما, جلست إحداهما إلى الأخرى, فجعلتا تأكلان من لحوم الناس). فاتقوا الله أيها الناس, واحفظوا ألسنتكم, وغضوا أبصاركم, واحفظوا فروجكم, وغضوا سمعكم, وكفوا عن إيذاء الناس وتتبع عوراتهم, فإن من تتبع عورة أحدٍ, تتبع الله عورته حتى يفضحه في قعر بيته. اللهم عافنا في أسماعنا وأبصارنا وأبداننا. آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 203. ذكره البخاري تعليقاً, ورواه الترمذي موصلاً, واللفظ له, وأبو داود, والنسائي, وابن ماجة, وابن خزيمة في صحيحه, والبيهقي في سننه. 204. أواخر سورة النحل. 205. رواه مالك بلاغاً, وإسناده حسن, ورواه أحمد, وصححه الحاكم, ووافقه الذهبي, وغيرهم 206. رواه الترمذي, وأحمد, وابن حِبَّان, وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. 207. حديث حسن صحيح, رواه الترمذي وغيره. 208. العنكبوت / 45. 209. رواه البزار, وفى إسناده: عبد الله بن واقد, لم يكن بالحافظ, ووثّقه أحمد, وبقية رجاله ثقات.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:11 pm | |
| - 19 - تعمُّد الإفطار في نهار رمضان بلا عُذر شرعي
من الظواهر الفاضحة, والتي يندى لها الجبين, في مجتمعات المسلمين أن ترى ذوي أجسام البغال وأحلام العصافير, الذين يعيشون في الأرض فساداً على مرأى ومسمع من الآخرين دون نكير, أن ترى قوماً أمثال الحوائط الصلبة, أو الأعمدة الخرسانية, وهم يجلسون على المقاهي, أو يرتادون المطاعم في وضح النهار في شهر رمضان, بل يأكلون ويشربون في عرض الشارع, بل وفى وسائل المواصلات العامة يدخنون, ويقومون بإيذاء المسلمين في نهار رمضان, وكذلك يتعرضون للنساء والفتيات في الشوارع والحارات, وأمام مدارسهم, دون حياء, أو ضمير, أو أخلاق, وعلى مرأى ومسمع من الجميع, وإذا أنكر عليهم أحدٌ ضربوه, وربما بالسنج, والمطاوي, أو بالموسى, أو بغير ذلك. وحسبنا الله ونعم الوكيل. إن هذه الظاهرة الخطيرة قد تفشت في قطاع كبير من المجتمع بين الشباب خاصة, وعند الكثيرين من الكبار, رجالاً ونساء, دون عذر شرعي. والأعذار الشرعية المبيحة للفطر في نهار رمضان هي: * الحيض والنفاس بالنسبة للنساء خاصة, بل يحرم عليهن الصيام مدة الحيض, ومدة النفاس حتى يطهرن, حتى ولو كن قادرات على الصيام, فلا يجوز لهن الصيام بحال. * وكذلك: المرأة المرضع والمرأة الحامل, يجوز لهما الإفطار, ويجوز لهما الصيام, والإفطار أولى لهما رحمة بالرضيع, وخوفاً على الجنين. * والمريض الذي لا يرجى برؤه - أي الذي لا أمل في شفائه, إلا أن يشاء الله - وكذلك المريض الذي يرجى برؤه, فكلاهما يفطر, اضطراراً لعذر المرض. * وكذلك المسافر مسافة فوق الثمانين كيلوا متراً, له أن يصوم, وله أن يفطر, بشرط أن يكون سفره في طاعة الله تعالى, فإن كان في معصيته فلا يجوز له الفطر, وإن كان مضطراً فلا يحل له ما للمضطر جزاء معصيته. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (201). ثم إن من جاز له الفطر من الأصناف السابقة لا يجوز له المجاهرة بفطره أمام الآخرين, بل عليه التخفي عند الإفطار, حتى يقطع الظنون الكاذبة نحوه, وكذلك حتى لا يقف موقف الشبهة, وقد قال عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «ملعون من وقف موقف شبهة», فإنه بإفطاره جهرة أمام الناس الصائمين فإنهم سيقعون فيه, وربما أنكر أحدهم عليه بيده وهو لا يدرى عذره, وقديماً قالوا: «إذا ابتليتم فاستتروا". أمَّا هؤلاء المجاهرين بفطرهم عمداً, دون عذر شرعي من نحو: عمال المخابز, وسائقي السيارات والأتوبيسات, والعاملين في قطاع البناء والتشييد, والحرفيين, وتلاميذ المدارس ,وطلاب الجامعات, وكذلك المعلمين والمعلمات ونحوهم, دون عذر شرعي مما سبق, فإنهم إن لم يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك, ويقلعوا عن هذه الكبيرة الشنعاء, فإنهم كفار حلال الدم, كما قال رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (عُرى الإسلام, وقواعد الدين ثلاثةٌ, عليهن أُسِّسَ الإسلام, من ترك واحدة منهن فهو بها كافرٌ حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله, والصلاة المكتوبة, وصوم رمضان) (202), وفى رواية: (من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر, ولا يُقّْبَلُ منه صَرْفٌ, ولا عَدْلٌ, وقدْ حَلَّ دمُهُ وماله). وليعلم الناس أن من أفطر شيئاً من رمضان من غير عذر, دون مجاهرة, ودون إصرار, ولكن تساهلاً وغفلة فإنه ينطبق عليه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أفطر يوماً من رمضان من غير رُخْصةٍ ولا مرض, لم يقضه صومُ الدهرِ كُلِّه, وإنْ صَامَهُ) (203). فاللهم فقهنا في ديننا, وعلّمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علَّمتنا, وزدنا علماً وفهماً, اللهم خذ بنواصينا إليك أخذ الكرام عليك, وحَبِّبْ إلينا الإيمان, وزيِّنه في قلوبنا, وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان, واجعلنا من الراشدين. آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 201. البقرة / 183- 185. 202. رواه أبو يعلى بإسناد حسن.. 203. ذكره البخاري تعليقاً, ورواه الترمذي موصلاً, واللفظ له, وأبو داود, والنسائي, وابن ماجة, وابن خزيمة في صحيحه, والبيهقي في سننه.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:15 pm | |
| - 20 - سوء الأخلاق بحجة الصيام
إن الخلق الحسن شعار الإسلام في تعامله بين أتباعه, وفى تعامل أتباعه مع غير المسلمين, قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿125﴾ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ۖ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴿126﴾ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴿127﴾ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴿128﴾﴾ (204), ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (205), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن من أَحَبِّكم إليَّ, وأقربكم مِنّي مجلساً يوم القيامة: أحسنكم أخلاقاً, وإن من أبغضكم إليَّ, وأبعدكم منّي يوم القيامة: الثرثارون, والمتشدقون, والمتفيهقون) قالوا: يا رسول الله!! فما المتفيهقون؟ قال: (المتكبرون) (206), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) (207). وقد شرعت العبادات في الإسلام لتثبيت الإيمان في النفوس, ولتطهير القلوب من أدرانها, ولتعويد الإنسان على التمسك بمحاسن الأخلاق, وبحميد الخصال, وبجميل العادات, والآيات القرآنية, والأحاديث النبوية التي قررت هذه الحقائق كثيرة, حتى قال البعض عن القرآن الكريم: إنه كتاب الأخلاق, وتشريع فقط, وهذا اعتقاد باطل, وقول جانَبَهُ, وصاحِبَهُ الصواب!! ففي شأن الصلاة, وأثرها في تهذيب أخلاق أهلها, يقول الله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ (208). وفى الحديث القدسي, يقول الله تعالى: (إنما أتَقَبَّل الصلاة ممن توضع بها لعظمتي, ولم يستطل بها على خلقي, ولم يبت مصرًّا على معصيتي, وقطع النهار في ذكري, ورحم المسكين, وابن السبيل, والأرملة, ورحم المصاب) (209). وفى شأن الزكاة, يقول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (210). ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من فعلهنَّ فقد طَعِم الإيمان: مَنْ عَبَدَ اللهَ وحده, وعلم أن لا إله إلا الله, وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه, رافدة عليه كل عام, ولم يعط الهرمة, ولا الدَّرِنة, ولا المريضة, ولا الشَّرَط اللئيمة, ولكن من وسط أموالكم, فإن الله لم يسألكم خَيْرَهُ, ولم يأمركم بشَرِّه) (211). وفى شأن الحج, يقول الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (212), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (213), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) قيل: وما بِرُّه؟ قال: (إطعام الطعام, وطيب الكلام) (214). أما في الصوم فالآيات والأحاديث كثيرة. إن الصائم الذي لا يحسن خلقه في نهار رمضان, وفى ليله, ليس بصائم, ولا يعرف أثراً للصوم في نفسه, قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (215), والتقوى: الخوف من الجليل, والعمل بالتنزيل, والرضا بالقليل, والاستعداد ليوم الرحيل, كما قال بذلك علي بن أبى طالب- رضي الله عنه. وهي: أن يراك الله حيث أمرك, وان يفتقدك حيث نهاك. ولن يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به البأس!! إن الصائم المنفلت اللسان, القوَّال للزور, والشاهد بالبهتان, والذي لا يتورع عن ألفاظ الخنا, والكذب والمراء, واللغو, والرفث, والصخب, والسبّ, والشتم, ونحو ذلك, ليس بصائم, ولم يعش رمضان, ولم يحياه في نفسه وجوارحه, بل صامه ببطنه, وأفطره بلسانه وجنانه, قال -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (216). وفى الطبراني: (من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الصيام من الأكل والشرب, وإنما الصيام من اللغو والرفث, فإن سابَّكَ أحدٌ, أو جَهِلَ عليك فقل: إني صائم, إني صائم) (217). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع, ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السَّهَر) (218). فاحذر يا أخي!! أن تكون أحد هؤلاء, واستغفر لذنبك, فإن الله غفور رحيم, وتب إلى الله تعالى سريعاً, ولا تؤجل إلى الغد, فإنك لا تدرى متى أجلك, هدانا الله وإياك سواء السبيل, ولا تنسى إخوانك في فلسطين وليكن لهم من دعائك نصيب, ومن إحسانك نصيب. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 204. أواخر سورة النحل. 205. رواه مالك بلاغاً, وإسناده حسن, ورواه أحمد, وصححه الحاكم, ووافقه الذهبي, وغيرهم 206. رواه الترمذي, وأحمد, وابن حِبَّان, وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. 207. حديث حسن صحيح, رواه الترمذي وغيره. 208. العنكبوت / 45. 209. رواه البزار, وفى إسناده: عبد الله بن واقد, لم يكن بالحافظ, و وثّقه أحمد, وبقية رجاله ثقات. 210. التوبة / 103. 211. صحيح, رواه أبو داود. 212. البقرة / 197- 203. 213. متفق عليه. 214. إسناده حسن, رواه أحمد, والطبراني في الأوسط. 215. البقرة / 183. 216. رواه البخاري, وأبو داود, والترمذي, والنسائي. 217. رواه ابن خزيمة, وابن حبان, والحاكم, وقال: صحيح على شرط مسلم. 218. رواه النسائي, وابن خزيمة, وابن ماجة, واللفظ له.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:22 pm | |
| - 21 - فرقعة الصواريخ والبارود
من السُّلوكيَّات السَّيئة, والتي تُعَوِّد الأطفالُ على الإرهاب, وتُرَوِّعُ الآمنين: قيام أولياء الأمور بشراء البارود لأطفالهم لإطلاقه في شهر رمضان قبيل الإفطار, وعند الأذان, وفى الليل, وأثناء القيام, وتهجُّد المُعتكفين, مما يقُضُّ مضاجع النائمين, ويزيح الكرى عن جفون الناعسين, ويقلق مذاكرة الطلاب والطالبات, ويشتت أذهانهم, ويصرف عنهم وعيهم وانتباههم, ويزيد من ألم المرضى في المستشفيات, ويضاعف من إحداث الفوضى في الشوارع والحارات, والهرج المفضي إلى سوء العاقبة, قال الله تعالى محذراً لنا من النهاية على مثل هذه الحال: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ (219), وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (220). إن أولياء الأمور الذين يشترون, أو يسمحون لأطفالهم بالشراء لهذه الصواريخ لهم مسؤولون أمام الله تعالى عن هذه التصرفات, ولن تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن مالهِ من أين اكتسبه, وفيما أنفقه. وليعلم أولياء الأمور أن أموالهم أمانة استخلفهم الله عليها لينظر كيف يفعلون فيما وسِّد إليهم, فإنْ خانوا الله ورسوله, والذين آمنوا فإن الله لا يحب الخائنين, ولا يهديهم إلى صراطه المستقيم, وإن أصلحوا وأحسنوا في أموالهم وأهليهم, فأولئك لهم الخيرات, وأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون, إن شاء الله تعالى. وكم من مهازل, ومعارك قامت بسبب هذه الصواريخ الشيطانية التي يعبث بها هؤلاء الصِّبية, بمساعدة أولياء أمورهم, وقد حذَّر الله تعالى عباده من ذلك فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (221), حيث حذر الله تعالى عباده من الانسياق وراء رغبات الأولاد, وليس كل مرغوب للأطفال مجاب من الرجال, فإن الطفل قاصر الإدراك عن مغبة الأشياء التي يرغب فيها, ويغره بريقها, كحاطب ليل لا يفرق بين الحبل والأفعى, ولا بين العصا والثعبان, فيأتيه حتفه من حيث يريد حياته, ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (222), فحصر حقوق السفهاء من الصغار عامة, والأيتام خاصة في أموالهم الخاصة في الأكل والشرب واللبس بما اعتاده الناس من حولهم, مع النصح والمتابعة من ولي الأمر لمولاه, ولا يمكّنه من المال بحال حتى يبلغ رشده الذي يعرف به الحق من الباطل, والطيب من الخبيث, والنافع من الضار, ويميز بين ذلك, ويُجَرَّب في حسن الاختيار من عدمه, فإن تأكد من ذلك مكَّنه بحسب الحاجات الأساسية, حتى يصير رجلاً كامل الأهلية, عندئذ, فهو غير مسؤول عن سوء تصرفه. فإن أساء الأب التنشئة الوالدية الإسلامية لأولاده فهو مسؤول عن كل تصرفاتهم حتى بعد موته, لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً, ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن يُنْقص من أوزارهم شيئاً) (223). وما أجمل الوالد الذي يعلّم ابنه أخلاق الإسلام في حسن رعاية حقوق الجيران, وحسن مراعاة المشاعر عند الآخرين, وحسن المحافظة على البيئة من أي تلوث سمعي, أو بصري, أو غير ذلك, فإن من ينشىء ولده على الصلاح نفعه في الدنيا والآخرة, ومن ينشىء ولده على غير ذلك أضير به في الدنيا وعوقب به في الآخرة. فاجعلوا عباد الله أبناءكم يدعون لكم بعد موتكم فيستجاب لهم, ولا تجعلوهم يدعون عليكم فيستجاب لهم أيضاً, واستعينوا بالله عليهم, وادعوا الله لهم بالهداية والتوفيق. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 219. الأعراف / 4-9. 220. الأعراف / 96-99. 221. التغابن / 14-16. 222. النساء / 5. 223. متفق عليه.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:28 pm | |
| - 22 - اشتغال المعتكف بما لا يعنيه في اعتكافه
يبدأ في اليوم العشرين من رمضان، وعند غروب الشمس دخول المعتكفين إلى معتكفهم, في المساجد الكبرى, وفى الجوامع, الكل يتسابقون لنيل رضوان الله تعالى, ويحدوهم الأمل في الظفر بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, ومتشوقون إلى النظر إلى وجه الله الكريم في الفردوس الأعلى من الجنة, والاستمتاع بالحور العين, وأنهار الجنة, ونعيمها, وفى الجنة مالا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر. والاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان سُنَّةٌ مؤكدة, وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان من الرمضانات التسع التي قضاها في المدينة المنورة: عشرة أيام, فلما كان العام الذي قبض فيه -صلى الله عليه وسلم-, اعتكف -صلى الله عليه وسلم- عشرين يوماً (224). إن المعتكفين في عصرنا قد خرجوا عن المألوف في الاعتكاف, واشتغلوا بما لا يعنيهم, وتكلموا بما يزريهم, وخاضوا فيما ليس لهم به علم. * فمنهم المجادلون في دين الله تعالى بغير علم. * ومنهم المراءون الذين يطلبون الشهرة بين الناس. * ومنهم اللصوص الذين يتربصون الفرص, ويتحينون غفلة الآخرين, أو انشغالهم بالعبادة ليسرقوا أمتعتهم. * ومنهم الخارجون على القانون الذين يلتمسون الأمن والأمان في ساحات الاعتكاف, وما هم بمعتكفين. * ومنهم الهاربون من زوجاتهم وأهليهم. * ومنهم المتسولون. * ومنهم, ومنهم, ومنهم... أصناف كثيرة من المعتكفين في عصرنا, ضاع في زحامهم المخلصون, الذين خرجوا إلى المعتكف, لم يخرجهم إلا الاعتكاف حسبة لله تعالى, والتزموا بآداب الإسلام في الاعتكاف فالمعتكفون المجادلون لا حظ لهم في اعتكافهم إلا التعب, والسهر, والجوع والعطش, وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (المراء في القرآن كفرٌ) (225), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بك إثما أن لا تزال مخاصماً) (226), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِمُ) (227), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما ضَلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل),ثم قرأ:﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا﴾ (228). والمعتكفون المراءون قد عبدوا الناس من دون الله, وسيفضحهم الله تعالى إن عاجلاً, وإن آجلاً على رؤوس الأشهاد, ولا حول ولا قوَّة إلا بالله, وقال تعالى في صفات المنافقين الذين أعد لهم الدرك الأسفل من النار وبئس المصير: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (229). وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري, تركته وشِرْكَهُ) (230)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من سمَّعَ سمَّعَ الله به, ومن يُرَائي يرائي الله به) (231). أمَّا اللصوص الغادرون بالآمنين, المتربصون بالمعتكفين المخلصين أو الغافلين نومهم, أو تهجدهم, فإن الله تعالى لهم بالمرصاد, ولن يفلتوا منه أبداً, ما لم يتوبوا, ويعيدوا ما خطفوه إلى أصحابه, قال -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة, يقال: هذه غَدْرةُ فلان) (232), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً, ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها: إذا اؤتمن خان, وإذا حدَّث كذب, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر) (233). وأما الهاربون من زوجاتهم وأهليهم, فإن كان فراراً إلى الله, وإيثاراً لقربه عن قربهن, وتقديماً لمحبته على محبتهن, فهو المحمود المثاب عليه, بل إن فاعله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, حيث من بينهم: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) (234). وأما إن كان هروبهم منهن من أجل الهروب فلا, قال -صلى الله عليه وسلم-: (كل عمل ابن آدم له, الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضِعْفٍ, قال الله: إلا الصوم, فإنه لي, وأنا أجزي به, يدع الطعام من أجلي, ويدع الشراب من أجلي, ويدع لذَّته من أجلي, ويدع زوجته من أجلي, ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر,وفرحة حين يلقى ربه) (235). فيا معشر المعتكفين!! • أخلصوا لله في عملكم, واعلموا أن الله مطّلع على قلوبكم, فأروا الله من أنفسكم خيراً!! • لا تتخذوا الخيام في معتكفكم إلا عند طعامكم. • واحفظوا المساجد من بصاقكم, ومخاطكم, فإن ذلك إثم كبيرٌ. • ولا تخرجوا من المعتكف إلا لحاجة شرعية ضرورية. • واخرجوا منه إلى المصلى يوم العيد, ولا بأس أن تخرجوا منه بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان. • واشتغلوا بتلاوة القرآن الكريم, ومدارسة العلم الشرعي, وخاصة الفقه, لأنه الخير الكثير, وهو الحكمة التي ينشدها الحكماء, فالوقت معكم وحاولوا الفوز بها. • قوموا الليل, أو ثلثه, أو نصفه, أو ثلثه الأخير, وتهجدوا. • وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة. • ولا تنسوا إخوانكم المسلمين في فلسطين, وفى كل مكان وليكن لهم من خالص دعائكم, وصالح أقوالكم النصيب الأوفى. • ولا تنسونا من صالح دعائكم, هدانا الله إياكم سواء السبيل. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 224. رواه البخاري, وأبو داود, وابن ماجة. 225. رواه أبو داود, وابن حبان, والطبراني, وإسناده حسن. 226. رواه الترمذي, وقال غريب. 227. رواه البخاري ومسلم, والترمذي, والنسائي. 228. رواه الترمذي, وابن ماجة, وابن أبي الدنيا, وقال الترمذي: حسن صحيح. 229. النساء / 142. 230. رواه مسلم. 231. متفق عليه. 232. متفق عليه. 233. متفق عليه. 234. متفق عليه. 235. رواه ابن خزيمة.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:35 pm | |
| - 23 - تلاوة القرآن الكريم مع عدم مراعاة أحكام التلاوة
يأتي شهر رمضان, ويقضى الناس معظم نهارهم في تلاوة القرآن الكريم, ويكاد يكون ليل رمضان عند كثير من الناس لا يقضى إلا في تلاوة القرآن الكريم, الرجال والنساء, البنون والبنات على سواء, وكل هذه أمور بفضل الله تعالى حسنة, ومبشرة بالخير, ومؤهلة إلى السعادة في الدنيا, والفوز في الآخرة, ولكن يعكّر صفو هذه السعادة, ويحول دون تحقيق الفوز المنشود في دار الخلود أن الكثيرين ممن يقرأون كتاب الله تعالى لا يتأدبون معه بآداب التلاوة التي يجب عليهم مراعاتها, كما أن الكثيرين منهم لا يراعون أحكام التلاوة, وكأنهم يقرأون جريدة, أو يقرأون كتاباً عادياً!! وهذا سلوك مرفوض, بل يُحذَّر فاعله, لأن فيه امتهاناً لكتاب الله تعالى, وسوء أدب معه, فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أميُّ لا يقرأ ولا يكتب, قال الله تعالى له: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (236), فلا حجة لأحد بعده -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن بغير متابعة, أو يتلوه دون مراعاة أحكام التلاوة, التي قال الله تعالى لرسوله, وأمته من بعده: ﴿وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ (237), وهذا أمر للوجوب والفرضية العينية على كل من يريد تلاوة القرآن الكريم, وأن من لا يلتزم بذلك يأثم إثماً كبيراً, كما قال بذلك العلماء, من أمثال ابن الجزري رحمه الله, فقد قال في مقدمته المنظومة في أحكام تلاوة الكتاب العزيز:
«والأخـذ بالتجويد، حتم لازم من لم يُجــوِّد القرآن آثم لأنـه بـه الإلـــه أنـزلا وهكـذا مـنه إلينا وصلا وهـو أيضـاً حلية التلاوة وزينـة الأداء والقـراءة وهو إعطاء الحروف حقها من صفة لهـا ومستحقها وردُّ كُـلّ واحــد لأصلـه واللفظ في نظيـره كمثله مُكَمَّـلاً مِــن غير ما تَكَلٌّف باللطف في النطق بلا تعسف ولـيس بـينـه وبين تَرْكه إلا رياضة امريء بفكه»
وهذا الذي ذكره ابن الجزري- رحمه الله تعالى- تبع فيه كثيرا قبله, ولم يكن بدعاً من القول, فقد قال بذلك الخليل بن أحمد, وعاصم بن أبى النجود الكوفي, وابن كثير القارىء, والفراء, والزجاج, وغيرهم, ثم إنه عين سمت المؤمن الحق الذي به يميز الإيمان من الكفر, وأن من لم يلتزم بأحكام التلاوة عمداً فهو كافر, لأنه من باب تحريف الكلم عن مواضعه, قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ (238), وحق التلاوة الذي هو عنوان الإيمان, وضده الكفر هو تلاوة كتاب الله العزيز كما أنزله الله تعالى,وتدبر آياته والتفكر فيها, كما قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (239), وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (240). أما آداب التلاوة, فهي التي ينال القارىء الملتزم بها الثواب من عند الله تعالى وهى باختصار: أ- الطهارة الحسية بالوضوء, أو بالغسل من الجنابة, أو الحيض, أو النفاس, فإن تلاوته عبادة محضة تفتقر إلى الطهارة الحسية الكاملة, كما قال الله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (241), قَسَمٌ من الله عظيم, على قداسة وطهارة كتابه العزيز, وأن ذلك يستلزم أن يقابل بالمثل, فلا يُمَسّ إلا على طهارة, وبالتالي لا يقرأ إلا على طهارة, وهذا شرط عام في التلاوة. ب- الطهارة المعنوية من الرياء, والسمعة, والعجب, والكبر, والفخر, والنفاق, والمنّ, والأذى, وسوء الأخلاق, والشقاق, ونحو ذلك من محبطات الأجر في الدنيا والآخرة, وهو ما يعنى وجوب الإخلاص التام لله تعالى على القارىء الذي يريد الثواب في الآخرة, قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَات اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (242), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل لي عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك) (243). ج- تحسين الصوت بالتلاوة, مع التغني به, بما لا يخرج عن الأوجه التي ذكرها العلماء لمراتب القراءة, وهي: التحقيق, والترتيل, والتدوير, والحدْر, ولا بأس لمن يقرأ لنفسه في نفسه أن يسرع لأكثر من ذلك, قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس مِنَّا من لم يتغن بالقرآن) (244), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيٍّ حَسَن الصوت يتغنى بالقرآن يجْهرُ به) (245). أمَّا اللحن فيه فإن كان تعمداً ففاعله كافر, وإن كان عن سوء تعلُّمٍ, أو عن غير تلق عن شيخ ثقة, فيأثم فاعله بالتقصير في التعلم, أمَّا ما يقع على سبيل التعْتَعَةِ في التلاوة بعد التلقي أو أثنائها فليس من هذا القبيل. فاللهم علِّمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علَّمتنا, وزدنا علماً. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 236. القيامة / 16-19. 237. المزمل / 4. 238. البقرة / 121. 239. النساء / 82. 240. محمد / 24. 241. الواقعة / 75-80. 242. النساء / 114. 243. حسن صحيح, رواه ابن حبان, وغيره. 244. صحيح, رواه البخاري. 245. صحيح, رواه البخاري وغيره.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:42 pm | |
| - 24 - المقــــــــاهـي
مما يلفت الانتباه, ويُحيِّرُ العقول: كثرة المقاهي, التي تقدم السموم لروادها في نهار رمضان وليله, وكأنهم يعيشون في صحراء, جرداء, لا زرع فيها ولا ماء, ولا حياة لبشر فيها يراهم فينكر عليهم, أو يروه فيستحوا منه, قد وضعت ضمائر أصحابها في ثلاجة, وشُدَّ على قلوبهم فلا يفقهون حديثاً, ولا يعرفون رقيباً, لأن نواطير (246) مصر قد نامت عن ثعالبها (247), فأفسدت الثعالب وفرَّخت (248), وتوالدت فانتشرت كالسم الزعاف (249) يقذفه الآكل إلى فيه (250) من غير علم بما فيه, فلا يزال يزدرده ويقاسيه, والسُّمُّ لا يترك آكله حتى يرديه (251), أو كالداء العضال (252) الذي يستحيل على النُّطْسِ (253) كُنههُ (254), أو وصف دواء يقلعه (255), أو رقية تدفعه, فلا يترك الداءُ مُبْتَلاهُ, حتى يواريه التراب (256), ويفقده الأصحاب, ويثكله (257) الأهل والأحباب. لا تعجبوا للظلم يغشى أمة فتبوء منه بفادح الأثقـــال ظلمُ الرَّعية عقوبـة جهلها ألم المريض عقوبـة الإهمـال إن أصحاب المقاهي مع روادها يصدق فيهم قول الشاعر: كبهيمة عمياءَ قاد زمامهـا أعمى على عوج الطريق الجائر وإن أمة تسارع في افتتاح المقاهي في شوارعها, وميادينها, وحاراتها, وزقاقها, في مدنها وقراها, في عواصمها ومراكزها في أي وقت وفى أي مكان لهي أمة لاهية, بال الشيطان في رؤوسها, وفرَّخ الجهل في عقولها, إنها أمة هَمَل, لا وزن لها ولا قيمة, ولا يُشار إليها, ولا تُستشار, بل هي تُدار بلا شعار. وإن أمة تشكو قلة الموارد, وكثرة السكان ثم هي تُزيد من نسبة العَطَلةِ, وتشيع روح الخمول والكسل عند الأفواه الجائعة, والأجساد العارية, والرؤوس الفارغة لهي أمة تؤسس لذهابها, وتؤصِّل لخرابها, وتؤذن بزوالها, وتعلن بأفولها وإدبارها. بماذا تعود المقاهي على الأمة؟ هل تدرب روادها على تقوى الله, ومراقبته؟ أم تُعِدُّهم لحراسة الدين وسياسة الدنيا؟ أم تُعَلِّمُهُم فنون الدفاع عن الأمة في ماضيها, وحاضرها, ومستقبلها؟ وهل تزودهم بالحصانة والتحصين ضد التيارات الفكرية الهدامة, والمذاهب الإرهابية المخربة للعقول والديار؟ إنها كما هو مشاهد، ومما هو معلوم من خلال الواقع المحسوس لا تخرِّج شيئاً من ذلك, ولا تثمر خيراً أبداً, ولا تنتج إلا المجاهرين بالفطر في رمضان, ولا تقدم للمجتمع إلا الخارجين على تعاليم الدين الحنيف, وتعاليم الدستور, وأعراف الأمة المسلمة الراشدة, وعاداتها الأصيلة, وأخلاقها الكريمة. إن الدخان وهو حرام شرعاً, بلا خلاف في ذلك بين آحاد علماء الأمة, ومؤسساتها, وهيئاتها, ومجامعها, كما أن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان جريمة كبرى يجب سن القوانين والتشريعات المناسبة لردع فاعليها, وصيانة المجتمع من شرورهم ومفاسدهم. والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن مما أردك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!) (258), وليس معناه حرية الفعل والسلوك لغير المستحي, ولكن معناه: أن من ليس عنده حياء يعصمه من الزلل, ويحمله على مراقبة الله تعالى, وعلى عدم التقصير في حق كل ذي حق, فإنه يحمله على فعل القبيح, ويسلك به مسالك الغي والضلالة. وقد مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجلٍ يعظ أخاه في الحياء, كأنه يريد أن يقول له: إن الحياء قد أضرَّ بك, فلا تستحي!!, فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير) (259), وفي رواية: (إن الحياء خير كله) (260). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (استحيوا من الله حق الحياء) قالوا: إنا لنفعل ذلك يا رسول الله!! قال: (ليس ذلك, ولكن الحياء من الله حق الحياء أن تحفظ البطن وما حوى, والرأس وما وعى, وأن تذكر الموت والبلى, ومن فعل ذلك ترك زينة الحياة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء!!) (261). إن فتح المقاهي جريمة, وإدارتها في نهار رمضان أشدّ جرماً. فيا عباد الله!! اتقوا الله, واستحيوا من الله أن تبارزوه بالمعاصي نهاراً جهاراً, وتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحاً عسى ربكم أن يغفر لكم ذنوبكم, ويكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار, ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر, وذلك هو الفوز العظيم. ------------------------------------ الهوامش: 246. النواطير: جمع ناطور، وهو الحارس الأمين. 247. الثعلب حيوان معروف بالمكر الشديد وصولاً إلى الإفساد الشديد. 248. التفريخ: التوالد. 249. هو السم الشديد السمية، القاتل. 250. فمه. 251. يهلكه. 252. المرض المتمكن من المريض. 253. الأطباء. 254. معرفة تشخيصه. 255. ينهون به سيطرته على البدن. 256. كناية عن موته وهلاكه. 257. يفقدونه إلى الأبد. 258. حديث حسن. 259. متفق عليه. 260. رواه البخاري، ومسلم. 261. رواه الترمذي، وغيره.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:50 pm | |
| - 25 - الإسراف في الزينات والأنوار
أصبح من المألوف, وبات من العادات الراسخة في أذهان الكثيرين, أن شهر رمضان يميز عن غيره من الشهور بكثرة أنواره في الشوارع, وفى المحال العامة, والخاصة, حتى أن الأطفال سابقوا الكبار في ذلك ابتهاجاً وفرحاً بقدوم هذا الشهر الفضيل, وامتدت سلاسل الأنوار تحزم (وتحيط بالمساجد) من كل جوانبها, وترتفع إلى عنان السماء من المآذن, وتقطع الشوارع سابحة في الهواء الفسيح, تارة بالفوانيس مختلفة الأشكال والأحجام, وتارة بالمصابيح المختلفة الأشكال والألوان والأحجام!! وهذه عادة غريبة ومتطورة مع الأيام وسلوك مرفوض في شهر رمضان, وفى غير شهر رمضان, فإن الإسراف مذموم بوجه عام, وفى كل الأحوال, قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (262) فأمر الله تعالى عباده بأخذ الزينة المؤهلة للوقوف بين يديه سبحانه, من ملابس طاهرة, وطهارة الأعضاء بالاستنجاء والوضوء, أو الغسل, ثم المكان الطاهر وهي أرض الله تعالى كلها, إلا موضع المقبرة, وموضع الحمام, ومَبارِك الإبل, ومواضع القاذورات, والنجاسات, ونحوها, وفيما عدا ذلك فكل أرض الله تعالى طاهرة, وصالحة للصلاة, كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وجُعِلَتْ لي الأرض مسجداً وتربتها طهوراً) (263), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الطهور شطر الإيمان..) (264), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (استقيموا ولن تُحْصَوا, واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة, ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) (265), وذلك لأن الوضوء سلاحه ضد الشيطان، والنفس، والهوى، في كل الأحوال, وهو زينته في الدنيا في كل الأحوال, ومع ذلك نهاه الله تعالى عن الإسراف في الوضوء للصلاة, أو لغيرها, ونهاه عن الإسراف في طعامه وشرابه, وسائر أحوال حياته كلها، لأن الله تعالى لا يحب المسرفين, في كل الأحوال. وليست الأنوار التي تعلق في الشوارع, أو في الميادين العامة, أو على أبواب المحال العامة أو الخاصة, أو على جدران المساجد أو على المآذن, من الزينة المأمور بها شرعاً, ولم يدع الإسلام إليها, إنما نور المساجد الصلاة, كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (.. والصلاة نور) (266), ونور الشوارع بكثرة الخطى فيها إلى المساجد, وأن يكون الماشي فيها قلبه معلَّقا بالمساجد, وأن يغض بصره عما حرَّم الله عليه, وأن يكف لسانه عن إيذاء خلق الله تعالى, كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, والمهاجر مَنْ هجر ما نهى الله عنه) (267). ويصور الله تعالى حال ومصير هؤلاء الذين نوَّروا شوارعهم ومساجدهم بطاعة الله تعالى, وإقامة شرعه فيها واقعاً ملموساً في كل جنبات حياتهم, وحال ومصير من أظلموها بمعصيتهم لله تعالى فيها, وأكلهم أموالهم بينهم بالباطل, وغير ذلك, وحاولوا استعاضة إفسادهم ذلك بتلك الأنوار الدنيوية التي ابتدعوها من عند أنفسهم, ولم ترد في كتاب الله تعالى, ولا في سُنّة نبيه ومصطفاه، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-, قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (268), ثم يوضح الحق سبحانه أن اتخاذ أمثال هذه الزينات إنما هو خلق أبناء الدنيا, وعُبَّادها, فقال تعالى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (269), ويربط الحق سبحانه بين إنارة المساجد والشوارع والدنيا كلها بطاعته واتباع أوامره, وتلمس مرضاته بفعل ما أمر به, واجتناب ما نهى عنه, وبين نوره الحقيقي الذي لا يعلمه إلا هو سبحانه, فبعد أن ضرب المثل لنوره سبحانه بالمشكاة والنبراس.. قال سبحانه: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (270), ثم يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾. ونور الله تعالى لا يُهدى لعاص أبداً, والإسراف عصيان, فتوبوا عباد الله عن هذا السلوك السيئ, والقصد القصد, وخير الأمور الوسط. اللهم أسبغ علينا نورك وبركتك بطاعتك, ولا تسلبناهما بمعصية غيرنا لك, وقد نصحناهم, فاقبل عذرنا, آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 262. الأعراف / 31 - 33. 263. متفق عليه. 264. رواه مسلم. 265. رواه ابن ماجة، والحاكم، وابن حبان. 266. رواه مسلم. 267. رواه الترمذي. 268. الحديد / 12 - 15. 269. الحديد / 20. 270. النور / 35 - 38.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:54 pm | |
| - 26 - العمل على خلاف السنة في صدقة الفطر
تهاون الكثيرون من المسلمين في عصرنا في فقه زكاة الفطر, وظنوا أن تسميتها صدقة, فإنما تعنى التطوع, لأن الصدقات مبنية على التطوع, فمن شاء أدّاها, ونال الثواب, ومن لم يشأ أن يؤدها فلا عقاب عليه, وقد أخطأوا الفهم, وخاب ظنّهم, فإن العلم لا يعرف هكذا بالعقل فقط, فإنما نصوص الشرع هي الحاكمة على العقول والأفهام, وصدقة الفطر فرض على كل مسلم ومسلمة ذكرٍ, وأنثى, صغير وكبير, حُرٍّ وعبدٍ, غنيٍّ وفقير, فهي فرض عين على كل المسلمين والمسلمات, فعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر, طُهرَةً للصائم من اللغو والرفث, وطعمةً للمساكين, فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة, ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (271), أي صلاة العيد. قال الخطابي: «قوله: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر, فيه بيان: أن صدقة الفطر فرض واجب, كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال, وفيه بيان: أن ما فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كما فرض الله تعالى, لأن طاعته صادرة عن طاعة الله تعالى. وقد قال بفرضية زكاة الفطر, ووجوبها: عامة أهل العلم, وقد عُلِّلَت بأنها: طهرة للصائم من اللغو والرفث, في واجبة على كل صائم غني ذي جِدّةٍ, أو فقير يجدها فضلاً عن قوت يومه, إذ كان وجوبها لعلة التطهير, وكل الصائمين محتاجون إليها, فإذا اشتركوا في العلة, اشتركوا في الوجوب». ولقد سَمّى الله تعالى في كتابه الكريم الزكاة: صدقة, فقال تعالى:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (272), أي: خذ من أموالهم زكاة واجبة عليهم, وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (273), أي: إنما مصارف الزكوات الواجبة محصورة في هؤلاء الأصناف الثمانية, الواردة في الآية. ثم إن الكثيرين منهم يخرجونها نقوداً, ولا بأس في ذلك للضرورة, لكن السُنّة الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تدعوا إلى إخراجها من غالب قوت أهل البلد, أي: تخرج طعاماً. فعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام, أو صاعاً من تمرٍ, أو صاعاً من شعيرٍ أو صاعاً من زبيب » (274), وفي رواية: «أو صاعاً من أَقْطٍ », قال أبو سعيد: «فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » أي: لا أخرج إلا صاعاً أبداً (275). والصاع يساوي ربع الكيلة المصرية, والكيلة يختلف وزنها من طعام إلى طعام، فيسأل التجار الأمناء عن تلك الأوزان, وتخرج الكيلة عن أربعة من المسلمين, يستوي في ذلك الصغير والكبير, والذكر والأنثى, والحر والعبد, ومن يلزم الناس نفقاتهم, كالزوجة, والأبناء, والخدم. والجنود زكاتهم تجب على الدولة. وإن الكثيرين يخرجون صدقاتهم فيضعونها في أيدي غير المستحقين, وقد يضعونها في بناء المساجد, أو يضعونها في أيدي المتسولين, أو يضعونها في موائد إفطار الصائمين, وقد يضن بها البعض عن المقيمين في مدينتهم, أو قريتهم, ويخرجونها إلى من سواهم, وقد يكون من بين جيرانه من هو أحوج إليها من غيره فيعطيها للأبعد مع وجود صلة القرابة بينه وبين الأبْعَد, وكل هذه سلوكيات مرفوضة, لأن صدقة الفطر لا تعطى إلا للفقراء والمساكين. والفقير هو / من لا يجد قوت يومه. والمسكين هو / من يجد بعض قوت يومه, ويحتاج إلى البعض الآخر. كما أن الفقير القريب خير من الفقير البعيد, والفقير المسلم خير من غيره, قال تعالى:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (276). والجيران ثلاثة: جارٌ له ثلاثة حقوق, وهو الجار المسلم الذي بيني وبينه صلة قرابة, فله حق القرابة, وحق الجوار, وحق الإسلام. وجارٌ له حقان: وهو الجار المسلم عامة, فله حق الجوار, وحق الإسلام. وجار له حق واحد, وهو الجار الكافر, فله حق الجوار فقط, فلا تستبدل ثلاثة باثنين, ولا تستبدل اثنين بواحد أبداً. كما أن الصدقة على ذوى القربى صدقة وصلة, والصدقة على الغريب صدقة فقط. ولا تنقل صدقة الفطر من بلد إلى بلد إلا إذا تعذر وجود المستحقين لها في بلد المتصدق, والأولى بصدقة الفطر في عصرنا أن ترسل إلى المسلمين في فلسطين وفى مواقع الحروب, فإنهم أولى, لندرة وجود الفقراء والمساكين شرعاً في بلادنا. فاللهم فقهنا في ديننا, وعلمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً. آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 271. رواه أبو داود، وابن ماجة، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. 272. التوبة / 103. 273. التوبة / 60. 274. متفق عليه. 275. رواه أبو داود. 276. النساء / 36.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 3:57 pm | |
| - 27 - السلوكيات المرفوضة في ليلة السابع والعشرين
مما لاشك فيه: أن ليلة القدر خير من ألف شهر, وأنها في شهر رمضان, خير أشهر السنة على الإطلاق, وأنها في العشر الأواخر منه, وأنها غير محدَّدة في ليلة بعينها لا تتخلف عنها, وأن الله تعالى أخفاها عن عباده حتى يجتهدوا في تحريها, فربما صادفت في بعض السنوات الليالي الوترية, وربما كانت في الليالي الشفعية- الزوجية-, وربما كانت على هذا النحو في النصف الأخير من رمضان, وربما كانت في الشهر كله, وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً, أوردها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري. وقد حدَّد العلماء لها بعض العلامات التي تتميز بها عن سائر الليالي, ومن ذلك: أن الريح فيها ساكنة, وأنها ليست حارة ولا باردة, بل هي أعدل وألطف ليلة في هذا العام, ولا يسمع فيها صوت الكلب, ولا صوت الحمار, ولا صوت الغراب, لأن الثلاثة لا يصيحون إلا لرؤية شيطان, والشياطين ممنوعة فيها من أي شيء, ولكن يكثر سماع صوت الدِّيَكة, لأنهم يصيحون لرؤية الخير, ورؤية الملائكة, والملائكة أكثر ما ينزلون إلى الأرض فيها, كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ (277), كما أنها يقل فيها الأصوات العالية, ولا نزاع, ولا خلاف فيها, يشعر الناس جميعاً فيها بالأمن التام, والسكينة و الهدوء النفسي أكثر من غيرها, مع أنها في آخر الشهر إلا أن القمر يظهر فيها أجمل ما يكون, وأكمل ما يكون, لا يحول بينه سحاب, والسماء فيها صافية. إلى غير ذلك من العلامات التي ميَّز بها العلماء هذه الليلة عن سائر الليالي, ثم إن صبيحتها تكون فيه الشمس طالعة لا شعاع لها, أي ترى, ويرى ضوؤها غير منتشر, ليست بالحارة, ولكنها أجمل وألطف ما يكون في هذا العام, والسماء زرقاء, بلقاء صافية. بهذا يمكننا معرفة ليلة القدر, أما ما يفعله الكثيرون من اعتبار ليلة القدر ثابتة لا تتغير في كل الأزمنة والأمكنة, فلا دليل عندهم بذلك, وقد تضافرت الأدلة وتظاهرت على أنها في العشر الأواخر من رمضان كلها, وإن ميزت بعض هذه الأدلة, وخصت الليالي الوتر (الفردية) فإن البعض الآخر قد عمتها في العشر كلها, والأولى بنا أن نتحراها في العشر كلها, فإن إتعاب النفس في العشر الأواخر كلها للظفر بها خير من إراحتها طول الشهر, ثم إجهادها في ليلة بعينها, دون تحقق العلامات السابقة فيها, وبذلك نفوِّت على أنفسنا فرصة الظفر بها فلا ننال خيرها, ولا بركتها, ولا سلامها وأمنها, ولا إجابة الدعاء فيها, وقبول التوبة فيها, وهذه كلها كنوز, لا يحرمها إلا الشقي, فاحرصوا على تحريها في العشر الأواخر كلها, ولا تنسونا من صالح دعائكم فيها. إن الكثيرين من الناس قد سلكوا مسالك مرفوضة في تلك الليلة, ويسلكون في ليلة السابع والعشرين بعينها سلوكيات مرفوضة ومن ذلك: تجمعهم في أماكن بعينها, ومساجد بعينها في تلك الليلة, اعتقاداً منهم بشرعية ذلك, وهذا خلاف السنة, التي نهت عن شدّ الرحال إلى أي جهة بغرض التعبُّد لله تعالى إلا إلى ثلاثة مساجد بعينها فقط, وهي, المسجد الحرام, والمسجد الأقصى, والمسجد النبوي الشريف, وفيما عدا ذلك فالمساجد كلها واحدة, والأرض كلها مسجد, إلا المقبرة, والحمَّام, والمزبلة, ومعاطن الإبل, وقارعة الطريق, وأماكن النجاسات, بوجه عام قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُصَلّوا إلى القبور,ولا تجلسوا عليها) (278), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تُشدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد, المسجد الحرام, ومسجدي هذا, والمسجد الأقصى) (279). وأيضاً انشغالهم في الليلة بطلب الدنيا عن الآخرة, فمنهم من يدعو لنفسه بالغنى, أو بكثرة الرزق, أو بالولد, أو بنحو ذلك, ويتناسى أن يدعو لنفسه بالمغفرة, والعفو والصفح عنه من رب العالمين, وأن ينصر الله المسلمين, ويوحّد صفوفهم, ويجمع شملهم, ويؤلف بين قلوبهم, فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله!! أرأَيتَ إِنْ علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدرِ, ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحبُّ العفو فاعف عني) (280). فيا عباد الله!! اتقوا الله, ولتنظر نفسٌ ما قَدَّمت لغدٍ, واعلموا أن ما عند الله خيرٌ وأبقى, فآثروا الآخرة, وألحّو في طلبها عسى أن تنالوها, قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (281). وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 277. سورة القدر. 278. رواه مسلم. 279. متفق عليه. 280. رواه الخمسة، غبر أبي داود، وصححه الترمذي والحاكم. 281. الحديد / 20، 21.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 4:04 pm | |
| - 28 - ظاهرة التسول في شهر رمضان
ينشط المتسولون في شهر رمضان, فلا تجد مسجداً إلا وأمام بابه متسول, أو متسولة, والميادين العامة, والمساجد الكبرى خاصة, ومن الغريب أنك تجد الشباب القوي البنيان وهم يتسولون, وكذلك الفتيات المراهقات وهن يتسولن, ويرددن عبارات سخيفة, مفادها أنهن مستحقات للزكاة, وأنهن يحتجن إلى صدقة الفطر, وقد يكن من خارج البلد اللاتي يتسولن فيها, وكذلك الرجال, والشباب يفعلون مثل فعلهن, بل أصبح التسول في عصرنا حرفة يقوم على تعليمها والتدريب عليها فريق من خبراء التسول, كما يقوم هذا الفريق بالتعاون مع عصابات الشوارع والميادين بتوفير الحماية للجيوش المدربة من المتسولين والمتسولات, وإعطاء كل واحد, وواحدة ما يفيد استحقاقه التسول في الشارع الفلاني, أو أمام المسجد الفلاني, أو خارج المستشفى العلاني, وهكذا أصبحت البلد إقطاعيات للمتسولين والمتسولات وخاصة في شهر رمضان. إن التسول لا يجوز في المجتمع المسلم القائم على قاعدة التكافل والتراحم, والتعاطف والمودة بين أفراده, لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). إن المسكين الحق هو الذي عناه الله تعالى بقوله: ﴿لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (282) فهو يستتر من الناس, ولا يلحف في مسألتهم, ولا يحب أن يشكو فقره وعجزه, وحاجته وفاقته إلا إلى الله تعالى, لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله..), وقال الله تعالى في أم الكتاب: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (283), وقال تعالى:﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ (284). لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين, وهو الذي أوجب على نفسه- من غير موجب من أحد سواه, رحمة بعباده وخلقه أجمعين- أن يرزق خلقه كلهم بمحض قدره وجوده وفضله, فقال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (285). ويضمن الله تعالى لعباده أن يوصل لكل واحد منهم رزقه حيث كان, دون أن يعتدي عليه أحد فيسلبه إياه, قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ (286), وقال تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ (287), وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ﴾ (288), وقال تعالى:﴿مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (289)، والآيات في هذا الشأن كثيرة. ومع ضمان الله تعالى لهم الرزق إلا أنه سبحانه طلب منهم السعي لتحصيله من مصادره المشروعة, التي شرعها لهم في كتابه الكريم, وحذرهم من المصادر غير المشروعة, وتوعدهم بذلك, فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (290), وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (291), وقال تعالى: ﴿ياَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (292). والتسول صيد للمتسول يختبره الله تعالى به, فمن جاءه شيء من عند المخلوقين بقدر الله تعالى دون طلب, أو تطلع, أو تمنٍّ, وأخذه فإن الله تعالى يبارك له فيه, ومن أخذه بعد طلب, أو حديث نفس, أو رغبة فلن يبارك الله تعالى له فيه, ويأتي من أخذه يوم القيامة وقد تساقط لحمه من شدة الحياء والخجل الذي يصيبه من أمارات هذا التسوَّل على وجهه, وآثار الفضيحة بادية عليه. ولا تَحل المسألة إلا لأحد الأصناف الثمانية الذين تجب لهم الزكاة ما لم يأخذوها,أو ما لم يتمكنوا من حقهم في الزكاة,أو لم يجدوا من يعطيهم, ومضى عليهم ثلاثة أيام لا يجدون طعاماً ولا شراباً, ويشهد على كل منهم أربعة مسلمين عدول أنهم يستحقون الزكاة, فإذا لم يعطوا من بيت المال حلَّت لهم المسألة ويأخذ كل منهم مما يأتيه عن طريق المسألة ما يسدُّ رمقه, ولا يتمادى في المسألة حتى تصير حرفة. لأن الضرورات تبيح المحظورات, وأن كل ضرورة تقدر بقدرها. والأصناف الثمانية هم على النحو الآتي: (الفقراء): والفقير هو كل من لا يجد شيئاً من قوت يومه الضروري. (والمساكين): والمسكين هو كل من يجد بعض قوت يومه الضروري, ويعجز عن توفير البعض الآخر,وهو ضروري أيضاً. (والعاملين عليها): لهم أن يأخذوا إن كانوا فقراء أو مساكين أو يتامى كحق لهم, ولهم أن يأخذوها إن كانوا أغنياء كأجرة, والاستعفاف خير لهم لو كانوا يعلمون قال تعالى:﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (293). (والمؤلفة قلوبهم): وهم كل من دخل في الإسلام حديثاً, تدفع لهم الزكاة تأليفاً لقلوبهم, وتسكيناً لنفوسهم. (وفى الرقاب): في تحرير العبيد والإماء. (والغارمين): وهم الذين غرموا أموالاً ليحقنوا دماء غيرهم كالديات ونحوها, أو لفض المنازعات والشجار الحاصل بينهم, تحت أي مسمى, أو من غلبته الديون, ولا يستطيع سدادها فإنهم يعطون من الزكاة من باب التعاون على البر والتقوى, ومن باب التكافل والتراحم الواجب على المسلمين نحو بعضهم البعض. (وفى سبيل الله): وهو ميدان فسيح يشمل كل القربات والطاعات التي يحتاجها المجتمع المسلم فيما عدا بناء المساجد, لما لها في نفوس المسلمين أثر يدفعهم إلى الوقف عليها, أو الإنفاق عليها بعيداً عن الزكاة. (وابن السبيل): وهو كل من انقطع عن ماله بغربة, أو حبس وسجن, أو سفر, بشرط أن يكون سفراً مباحاً, فإن كان مكروهاً أو محرَّماً فلا يجوز أن يتصدق عليه, فضلاً عن إعطائه من الزكاة. وكل متسوِّل يحرم نفسه الزكاة بادعائه المسكنة, والفقر, لأن المسكين الحق لا يلحف في المسألة, ولا يكذب, ويستعف حتى يغنيه الله من فضله, ويؤثر سؤال الله تعالى على سؤال الناس, ويدمن إنزال حاجته بالله تعالى لا بالناس, ويؤمن بأن ما أصابه من شر أو ضر لم يكن ليصيبه لولا قدر الله, وأن ما فاته من خير ورزق لم يكن ليناله لولا قدر الله, وأن الأمة جميعاً لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بما كتب الله عليه, ولو اجتمعوا على أن يضروه, لم يضروه إلا بما قدَّر الله عليه, فليس تسوله يجلب له رزقاً, وليس امتناعه عن التسوُّل يؤخر عنه الرزق, ولكن كل ذلك بمقدار لا يعلمه إلا الله, قال تعالى:﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (294). فليحذر المتسولون أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. وليحذر من يساعدونهم على ذلك ممن يعطونهم أموالهم, وقد قال الله محذراً لهم: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (295), والمتسول سفيه فلا تعطيه مالك, وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن علمه ماذا عمل فيه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) (296). اللهم فقهنا في ديننا, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 282. البقرة / 273. 283. الفاتحة / 5. 284. الأنفال / 9. 285. هود / 6. 286. الملك / 21. 287. الذاريات / 22، 23. 288. سبأ / 24. 289. فاطر / 2. 290. الملك / 15. 291. النساء / 100. 292. المائدة / 94. 293. النساء / 6. 294. الحجر / 21. 295. النساء / 5. 296. رواه الترمذي، وغيره.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 4:07 pm | |
| - 29 - ربط شهر رمضان بالكعك والبسكويت والمِكسَّرات
لا شك أن الطعام بكافة أنواعه حلال, ما لم يرد النص بتحريمه, لأن الأصل في المطعومات الحِلّ, ما لم يَرد النص الصريح بالتحريم, قال الله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (297), وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (298), لكن هذا الحِلّ لا يعنى التمادي فيه, ولكن كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه, فإن كان لا محالة, فثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث للنفَس), وقد يكون هذا الثلث المسموح بملئه من الحلال, إن وضعت فيه لقمة واحدة بغير نية صحيحة, يعاقب واضعها على ذلك, ولو كانت هذه اللقمة بنية التقوّي على معصية الله عز وجل, أوالتقوّي على الإشراك به سبحانه, فإن صاحبها في ذلك يبوء بالنار, وبئس المصير, لأنه سيُسأل عن عدم شكره لله عز وجل على رزق الله الذي سخره له, ومكنه منه, وإن ملء هذا الثلث المسموح بملئه من طعام حلال, دون نية صالحة, أو للعادة, كمن جاع فأكل, أو عطش فشرب, فإن مثله كمثل الحيوان, الذي يأكل للجوع, ويشرب للعطش, ومن هنا جاءت السفسطة القائلة:هل نأكل لنعيش, أم نعيش لنأكل؟! ونقول لهم: إن المؤمن يعيش لله, ويأكل لله, أكله عبادة, وعيشه عبادة, وشربه عبادة, ونومه عبادة, وكلامه عبادة, وسكوته عبادة, وحركته عبادة, وسكونه عبادة, فهو في كل أحواله يتقلب بين عبادات, ويصدق ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عجباً لأمر المؤمن!!, إن أمره كله خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته ضراء, صبر, كان خيراً له, وإن أصابته سراء, شكر, كان خيراً له). فالمؤمن إذا أكل, يأكل حلالاً, ليتقوّى به على طاعة الله عز وجل, وغير المؤمن يأكل الطعام, حتى ولو كان حلالاً, فإنه يعاقب عليه, قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (299). إذاً.. التمادي في الحلال مع عدم الشكر, وبالٌ على الإنسان, فليحرص المسلم على أن يأكل ما يفيده, في دينه وبدنه, على القدر المسموح به شرعاً. ولقد شاع في عصرنا: إذا جاء شهر رمضان, وخاصة في العشر الأواخر منه, تبارت النساء في عمل ما يعرف (بالكعك والبسكويت), وهما نوعان من الطعام الشعبي, الذي تجيده نسوة الريف والحضر, على السواء, تتعدد أشكاله, وألوانه, حسب ذوق, وخبرة, الصانعة!! والكعك والبسكويت, حلال لا شك في ذلك, لأنه لا نص فيه بالحرمة, ولكن ارتباطه بشهر رمضان, يدخل تحت دائرة الإمعان في الشبع, وشدة التمسك بالدنيا, والحرص عليها, وعدم ترك فرصة للاستغناء عنها, حتى في شهر رمضان, حتى وإن كان في العشر الأواخر منه, ومعلوم لكل ذي عقل, أن شهر رمضان مدرسة, يتدرب فيه المسلمون على فنون الزهد, وأنواع المجاهدات النفسية, وفطمها عن شهواتها, فليس كل مرغوب مطلوب, ولا كل ما تشتهيه الأنفس تدركه, في شهر رمضان خاصة!! إن المؤمن يَخزن من نفسه, وينهنهها, ويهدهدها, ويكفكفها عن غيِّها, حتى لا تأخذه إلى التهلكة, كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (300), وقال -صلى الله عليه وسلم-: (.. والعاجز من أتبع نفسه هواها, وتمنى على الله). وإن البسكويت والكعك, أو ما هو نحوهما, فضلاً عن كونه سَرَف, وتفاخر, وتكاثر, وعدم إخلاص, فإنه يرضي الشيطان, ويقهر أولياء الرحمن من المؤمنين الزاهدين, الذين لا يتنعمون في هذه الحياة الدنيا, فيكون ذلك دعوة لهم, وإغرائهم, إلى ترك زهادتهم, والخروج عن طبيعتهم, التي يتقربون بها إلى الله عز وجل, إلى مجاراة, ومحاكاة الذين تمادوا في الحلال, في غير وقت التمادي في الحلال. إن شهر رمضان ليس للطعام والشراب والتفنن فيهما, لكنه للصيام, والقيام, وتلاوة القرآن, وصلة الأرحام, وجهاد النفس, والهوى, والشيطان, والدنيا, وجنود هذه الأربعة. فيا معشر النساء- اللاتي شغلن أنفسهن, بتضييع الوقت, وميزانية البيت, بل ويصل إلى حد الاقتراض, وإرهاق الزوج, والتأثير على دخل الأسرة, بالسلب لا بالإيجاب, من أجل أن تتفاخر إحداكن, أمام أختها, أو صاحبتها, أو جارتها, أنها صنعت كذا وكذا من الكعك والبسكويت, وغير ذلك- اتقين الله, واعلمن أن أخواتكن من نساء العراق, ونساء فلسطين, والشيشان, وكشمير, لا يجدن الطعام الضروري, وأنتن تتبارين في التفريط, والإفراط, والتبذير, والإسراف, في غير الضرورة, إننا ننصحكن, أن تحتسبن ثمن هذا البسكويت والكعك لله, وتقدمنه طواعية لله, وأرسلنه إلى أخواتكن في العراق, وفى فلسطين, فإنهن في أمسّ الحاجة إلى كل مليم, تصرفنه في غير موضعه, وستُسألن يوم القمامة عما كنتن تعملن, واعلمن أن الله سبحانه وتعالى سوف يقبل منكن هذه الصدقة, ويُنميها لكم, أكثر من تنمية بنوك الأرض كلها مجتمعة, وتأكدن من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (اتق النار, ولو بشق تمرة), وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول للنساء في كل عيد: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار), فلتحاول كل منكن- ونحن معها- أن تنقذ نفسها من النار!! هدانا الله وإياكن سواء السبيل, ورزقنا وإياكن القناعة التي تدخلنا الجنّة, وتبعدنا عن النار. آمين. وإلى لقاء آخر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 297. آل عمران / 93. 298. الأعراف / 32. 299. محمد / 12. 300. يوسف / 53.
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين الخميس 04 مايو 2023, 4:12 pm | |
| - 30 - سلوكيات مرفوضة في وداع شهر رمضان
يذهب الناس في وداع شهر رمضان مذاهب شتى, على النحو الآتي: * منهم من يقرع على النحاس, ويطبّل عليه كما في القرى, والعزب, والكفور, والنجوع, وأحياناً يفعله فُسَّاق المدن, وينظمه أرباب الهوى, وعبدة الآثام والفجور, ومحترفي الإجرام, وأصحاب السوابق الإجرامية, وذلك بأن يأتوا في آخر يوم من رمضان, وعند غروب الشمس فيفعلون ذلك, أو يأمرون أطفالهم بفعل ذلك, ويعلمونهم كلمات يقولونها عند القرع على النحاس, وتختلف هذه الكلمات من بلد إلى آخر حسب عقلية أهلها, زاعمين أن ذلك يطرد الشياطين التي هاجت في هذا الوقت لخروجها من السجن, وخلاصها من السلاسل والقيود التي كانت مقيدة بها في شهر الصوم. وإنا لله وإنا إليه راجعون!! * ومنهم من يخص آخر يوم من قيام رمضان بما يعرف (بالتوحيش) عندهم لقولهم: «لا أوحش الله منك يا شهر رمضان, لا أوحش الله منك يا شهر القيام...» إلى آخر جهالاتهم. * ومنهم من يسمي آخر جمعة في رمضان بالجمعة اليتيمة, لأنها لا أخت لها بعدها في هذا الشهر, وهذه تسمية شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان, ولكن كانوا على سنن آبائهم وأجدادهم سائرين. * ومنهم من يخص نهار هذه الجمعة الأخيرة بزيارة القبور, ووضع الزهور, أو سعف النخيل, أو نحو ذلك عليها. * ومنهم من يجعل إفطاره في آخر يوم من رمضان في القبور, فيصطحب أسرته ويأكلون ويشربون عند القبور. وهذه كلها سلوكيات مرفوضة, رفضها الإسلام, وحارب أهلها!! فالذين يعتقدون أن طرد الشيطان بالطبل والمزمار, أو بالقرع بالنحاس, أو نحو ذلك, هم والذين يعتقدون أن شفاء المرضى بالموسيقى سواء في عقولهم, فما كان شفاء أمة الإسلام فيما حُرِّم عليها, والموسيقى والمعازف تجلب الشياطين, لا تطردهم, لأن الشياطين يحبون الضوضاء, ويحبون الصخب, ويحبون المزابل والقاذورات, ويحبون الظلام والجهل, لأن ذلك كله يتناسب مع طبيعتهم, وما جبلوا عليه من سفهٍ وطيش, وتَمرُّدٍ على النظام والهدوء, والسكينة, بل العبث والإفساد شعارهم, وارتكاب الفواحش خلقهم, وإتيان المنكرات دينهم, فلا تكونوا أولياء لهم, وكونوا أولياء لله, قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (301), فإذا كنتم أولياء لله فلا تخافوا الشيطان, ولا تخافوا أولياء الشيطان, فإن كيد الشيطان وأوليائه أجمعين كان ضعيفاً، ولا تخافوا إلا الله تعالى, والله يعصمكم منهم مادمتم معه في كل حين, تتقونه, وترجونه, وتذكرونه, قال الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (302). إن بينكم كتاب الله تعالى فاقرأوه, واحفظوه, وتدبروه, فلن تستطيع مردة الجن والشياطين أن يقربوكم, فضلاً عن إضراركم, ما دمتم على ذلك الحال من القراءة، والتدبر، والعمل بمقتضاهما، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ (303). فتلاوة القرآن وحده وقاية وعصمة لقارئه, ومستمعيه أيضاً على السواء, ولزيادة العصمة والوقاية: استعيذوا بالله من الشيطان الرجيم عند بداية التلاوة, وعند الاستماع, وعند نزغ الشيطان, أو وسوسته, أو همزه, ولمزه, أو نفثه, ونفخه, أو تخييلاته, فسرعان ما ينقشع, ويزول أثره, لأن كيده أضعف ما يكون, قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (304), وقال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (305), وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (306) واعلموا أن التوديع للشهر يكون بتذكره, واستحضار فيوضاته وبركاته من خلال المداومة على العمل الصالح وإن قَلَّ كَمَّاً, فالصوم, والقيام, والتلاوة, والصدقات, وضبط النفس, وحسن الخلق, والصدق, والذكر, والتهجد, وغير ذلك لماذا نقطعها؟ إن رب رمضان هو رب بقية العام, فبالنية الصالحة تكونون في رمضان عامكم كله, واجعلوا منه نبراساً يضيء لكم بقية العام!! ولا تنسوا إخوانكم في فلسطين, وفى كل مكان, ادعوا لهم في صلواتكم, وعند فطركم، وفى كل أحوالكم, ولا تنسونا من صالح دعائكم, ونستودعكم الله أمانتكم وخواتيم أعمالكم, والله معكم ولن يضيع إيمانكم وأعمالكم. وإلى لقاء آخر في شهر رمضان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ---------------------------------- الهوامش: 301. آل عمران / 175. 302. يونس / 62 - 65. 303. الإسراء / 45-48 . 304. الأعراف / 201. 305. فصلت / 36. 306. النحل / 98 - 100.
|
| | | | السلوكيات المرفوضة في شهر رمضان.. وفي العيدين | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |