أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: حـوار رمضاني مع العلاَّمة بن جبرين الأربعاء 10 أغسطس 2011, 10:56 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
حوار رمضاني لسماحة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عضو الإفتاء المتقـاعد -حفظهُ اللَّـهُ، ورعاهُ- قام بتنسيق الرسالة ونشرها: سلمان بن عبد القادر أبو زيد غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين. «مقدِّمة»: قضايا عديدة، ومسائل كثيرة تتعلق بشهر العبادة، شهر الصوم، شهر رمضان المبارك، تمَّ عرضها على والدنا فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، عضو الإفتاء، فأجاب خير إجابة، وأفاد أحسن إفادة. ولأهمية هذه المسائل رأينا أن ننشرها تعميما للفائدة. وقد استأذنا فضيلته بذلك فأذن مشكوراً. نفع الله بعلمه، وسدد على طريق الخير خطاه وجميع المسلمين، آمين. «كيف يعيش المسلم أيام رمضان»: سُئل فضيلة الشّيخ -حفظهُ اللَّـهُ-: كيف يمكن للمسلم أن يعيش هذه الأيام المباركة من هذا الشهر الكريم، ويستغلها الاستغلال الأمثل في طاعة المولى عز وجل؟ فأجاب فضيلته: إن شهر رمضان شهر البركات، وشهر الرحمة والمغفرة، وهو شهر إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات، وهو شهر الإفاضات والنفحات، وشهر التراويح، شهر الذكر والتسبيح، فلشهر رمضان الكريم مميزات وفضائل؛ ولذلك يتقبله المسلمون بالفرح والسرور، ويعيشون فيه عيشة العباد العابدين، يشغلون نهاره بالصيام، وليله بالقيام، ويكثرون في أثنائه وفي أوقاته من العبادات. والمسلم يتقبل الشهر الكريم بالفرح والسرور عندما يبلغه قدوم هذا الشهر، فبلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة لمن أقدره الله عليه وأوصله، فعلى كل مسلم أن يشغل كل أوقاته في هذا الشهر المبارك بالذكر والقراءة والأعمال الصالحة، ويحمي نفسه من الآثام والجرائم، ويستقبل هذا الشهر الكريم بتوبة صادقة، يعاهد الله فيها على ألا يعود إلى التفريط والإهمال، وعلى كل مسلم أن يحفظ صيامه من اللغو والرفث، فقد ورد في الحديث: ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث وفي أحاديث أخرى الحث على صيانة الصيام. فعلينا أن نحافظ على صيامنا، ونتقرب إلى المولى عز وجل بالدعاء أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وعباداتنا، ويتوب علينا، ويوفقنا فيما بعد شهر رمضان للأعمال الصالحة المتواصلة. «تميُّز فريضة الصيام في الإسلام»: وسُئل -نفع اللَّـه بعلمه-: هل تميزت فريضة الصيام في الإسلام عن صيام الأمم السابقة؟ صحيح أن المولى عز وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [سورة البقرة، الآية: 183] وهذا إخبار من المولى -عز وجل- بأنه قد كتب على من قبلنا من الأمم الصيام، ولعل في ذكر ذلك تخفيفًا لنا؛ وذلك لأن الصيام قد يكون فيه مشقة على النفس من الظمأ والجوع والجهد، وأخبر المولى -عز وجل- بأن الصيام فرض على الأمم التي سبقت أمة الإسلام؛ فيجب علينا أن نتقبله. وقد اختُلف في صفة الصيام الذي كُتب على من قبلنا، فقيل: إنه فرض عليهم صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبذلك فإنهم كانوا يصومون ستة وثلاثين يوما في السنة، ورُوي أن هذا كان فرضًا. ورُوي أنه في بداية الإسلام -قبل فرض شهر رمضان- أُمر المسلمون أن يصوموا من كل شهر ثلاثة أيام، ثم نسخ هذا الأمر بفرض صيام شهر رمضان. وهناك قول ثان يقول: إن الذين من قبلنا فرض عليهم شهر رمضان كما فرض على أمة الإسلام، هكذا رُوي عن الحسن البصري وغيره، وهذا هو ظاهر الآيات، والظاهر من السياق القرآني الكريم، أنه كما فرض عليكم فرض على من قبلكم، وهذا هو الأقرب. والصيام معروف، فهو إمساك الصائم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس عن المفطرات المعروفة، وقد ورد في بعض الأحاديث أن اليهود كانوا لا يفطرون حتى تشتبك النجوم، وهذه ديانة دانوا بها ولا أصل لها؛ ولذلك أمرنا بمخالفتهم، وورد أيضا في الحديث أن اليهود لا يتسحرون؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الفرق بيننا وبينهم أكلة السحر». هذا من جملة الفوارق بين صيامنا وصيامهم، ولعلهم تركوا ذلك من أنفسهم لأنه فرض عليهم. «حال النفس المؤمنة في استقبال شهر رمضان وفي وداعه»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: على أي حال تكون النفس المؤمنة في استقبال شهر رمضان وفي وداعه؟ وماذا تقولون للذين يتبرمون من الجوع والعطش في نهار رمضان؟ فأجاب بقوله: نقول: إن النفس المؤمنة تستقبل شهر رمضان المبارك بفرح وسرور؛ وذلك لما في هذا الشهر من صيام وقيام ودعوات واستغفار، والمطلوب من المسلم أن يضاعف العمل، ويرجو الثواب المترتب على هذه الأعمال التعبدية، فقد ورد في الحديث: إنه شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار . فالمسلم عليه أن يتقبل هذا الشهر الكريم وهو فرح ومسرور بهذه النعمة، وعليه أن يكثر من الأعمال الصالحة. وعلى المسلم أن يحزن كلما اقتربت أيام هذا الشهر الكريم من النهاية؛ لأنها أيام يضاعف فيها الأجر والثواب، وفيها العتق من النار -الأيام الأخيرة من الشهر الكريم- ولقد كان الكثير من المؤمنين يحزنون من فراق الشهر الكريم، ويودعونه وهم آسفون على فراقه، فهكذا يكون حال المؤمن المحب للأعمال الصالحة، والمحب لمواقيتها، أما الذين يكرهون الصيام، ويفرحون بفراق الشهر الكريم؛ فهؤلاء لا يحبون الخير، ولا يحبون أن تقبل منهم أعمالهم، ولا تضاعف لهم أجورهم. فالواجب على الإنسان إذا أصيب بآلام الصيام كالجوع والعطش والجهد والمشقة عليه أن يحتسب ذلك إلى الله، وأن يجعل ذلك من جملة الأعمال الصالحة التي يدعو الله أن يثيبه عليها، ويرفع بها درجته. ولا شك أن الصيام كلما كان أشد جهدا وأكثر تعبا كان أكثر أجرا، وليس هذا الأمر خاصا بالصيام، بل في كل الأعمال التي يقوم بها المسلم، فإذا كان العمل شاقا كان الأجر فيه أكبر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحج: «الأجر على قدر النصب، أو على قدر النفقة». فالمسلم الذي يقوم بأي عمل فيه مشقة، عليه أن يحتسب هذا الجهد والتعب والمشقة، وكذلك في الصيام: على المسلم أن يحتسب صيامه وعمله عند الله تعالى، ولا يتبرم من التعب، ولا يكره الصيام، ولا يفرح بفراق شهر رمضان، بل يحتسب ذلك ويصبر؛ لينال أرفع الأجر والثواب. «شهر رمضان لدى الكثير شهر أكل وشُرْبٍ وسَهَر»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: استحال شهر رمضان لدى الكثير إلى شهر أكل وشرب وسهر.. فما توجيه فضيلتكم بهذا الشأن؟ فأجاب: الذي يفعل ذلك يقع في خطأ؛ لأن شهر رمضان شهر العبادة ومن الأسباب التي جعلته شهرا للعبادة والنور، أن فيه مضاعفة الأعمال الصالحة، وفيه فرضية الصيام وسنية القيام، والحث على قراءة القرآن الكريم والذكر والدعاء، وهي الأسباب التي تكون سبباً في العتق من النار. أمَّا الذين يتخذون شهر رمضان موسماً لكثرة المأكل والمشرب فما قدروا هذا الشهر حق قدره، صحيح أن الناس إذا أقبل رمضان أقبلوا على شراء الكثير من الأنواع المتنوعة من اللحوم، والمآكل والمشارب، والخضروات والأطعمة والفواكه، فإذا جاء وقت الإفطار نجدهم قد حشدوا كل هذه الأنواع على الموائد، ويكثرون من الأكل طوال الليل؛ فهؤلاء يحولون شهر رمضان إلى شهر شهوات، شهر مآكل، وهذا خلاف ما جعل عليه وما شرع لأجله. فالسلف -رحمة الله عليهم- كانوا يفطرون على لقمة من الطعام، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه كان إذا أفطر يفطر على رطبات قليلة، فإن لم يجدها فعلى تمرات، فإن لم يجدها فعلى حسوات من الماء» يعني جرعات من الماء، ثم يخرج إلى الصلاة. أمَّا الأكل بعد ذلك فهو قليل كالأسودين التمر والماء، وهذا هو الذي يُؤثر؛ لأنه كلما كان تأثير الصيام في الصائم بالجوع والعطش أشد كان أرق لقلبه وأقبل لدعائه، أي أقرب إلى أنه يُقبل منه. ونحن ننصح المسلم ألا يجعل شهر رمضان الكريم شهر الشهوات، وأن يقتصر على ما يسد رمقه، وألا يخل بشيء من الأعمال التي يعملها. ولقد ورد في كثرة الأكل آثار تدل على كراهيتها، ففي الحديث: لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيراً، فتناموا كثيراً، فتُحرموا كثيراً. فلا شك أن الذين عوَّدُوا أنفسهم على كثرة الأكل طوال الليل، ثم كثرة النوم طوال النهار، فيكون الليل للأكل والنهار للنوم، لم يبق لديهم إلا مجرد الإمساك؛ فهؤلاء لا يتأثرون بفضل شهر رمضان ولا يستغلونه، وهذا خلاف ما شرع عليه. فننصح كل مسلم أن يقلل من ذلك، وأن يقتصر على حاجته، وأن يجعل لنفسه شيئا يرققها بالليل والنهار من الجوع والعطش، وأن يجهد نفسه في عبادة الله ليحظى بالفضل في هذا الشهر. «شهر رمضان شهر الجهاد والانتصارات الفاصلة»: وسُئل -أعلى اللَّـهُ درجته في المهديين-: ارتبط شهر رمضان في التاريخ الإسلامي بأنه شهر الجهاد والانتصارات الفاصلة فأي شيء يبعثه هذا في شعور المسلم؟ فأجاب: شهر رمضان وقعت فيه في الصدر الأول وقعة بدر الكبرى، والتي انتصر فيها المسلمون وهزم المشركون شر هزيمة، وكذلك تم فيه فتح مكة وهناك معارك كثيرة وقعت في شهر رمضان الكريم. وهذا يذكر كل مسلم أن هذا الشهر شهر تأييد وتقوية للإسلام والمسلمين، وأن ما حصل فيه من معارك أيد الله فيها المسلمين بالنصر والتمكين؛ وذلك لمزية هذا الشهر وفضله وفضل أيامه ولياليه، فكما أن شهر رمضان شهر عبادة وصيام وقيام فهو شهر جهاد في سبيل الله، وعلينا أن نتذكر هذه المعارك الإسلامية التي وقعت في رمضان، وأن نأخذ الدروس والعبر منها. « أيهما الأولى: العمرة أم الإمامة في شهر رمضان»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ- عن: أيهما الأولى أن يقوم الإمام الراتب في المسجد بأداء عمرة رمضان أم يقيم شهر رمضان كله آمّــًا جماعته في مسجده؟ فأجاب: الأفضل بل والواجب أن يقوم هذا الإمام الراتب بوظيفته التي يتقاضى عليها أجرًا، فيقوم بقيام شهر رمضان كله، كإمام للمسجد الذي عُين فيه من قبل الحكومة، فلا يجوز له ترك المسجد لا في رمضان ولا في غير رمضان. ولكن إذا أراد السفر في رمضان أو في غير رمضان فإن عليه أن يُنيب مَنْ يقوم مقامه حتى يرجع، أي أن يوكل رجلاً أهلاً للإمامة يواظب على الجماعة ويقوم بهم في رمضان، ويحافظ على أداء الفرائض في وقتها، فإن لم يجد فليس له أن يترك المسجد أو أن يهمله، ويترك المصلين يطلبون مَنْ يقوم بإمامتهم في كل وقت، ولكن كونه يحظى بأجر العمرة في رمضان فإن هذا فيه ثواب وأجر، فإن ترك المسجد المسئول عنه في حالة عدم وجود البديل لا يجوز لا العمرة ولا الحج ما لم يقم مكان الإمام من فيه الكفاية للأهليـة وترضاه جماعة المسلمين في ذلك المسجد. «البحث عن الأئمة حَسَني الصوت»: وسُئل -نفع اللَّـهُ بعلمه-: يتنقل كثير من الناس بين المساجد بحثاً عن أئمة حَسَني الصوت، فما تعليقكم على ذلك؟ فأجاب: أرى أن ذلك الأمر لا بأس به في بعض الأحيان وليس في كل الأوقات، وأشعر ويشعر غيري أن الإمام متى كان حسن الصوت ومجيداً للقراءة وخاشعاً في الصلاة وفي القراءة، يكون التأثير في النفس أكبر، والذي يصلي معه ويستمع لقراءته يشعر بخشوع، ويقبل عليها ويتأثر تأثرًا بليغًا، ويجد بعدها نفعا في بقية يومه، ومن ثَمَّ فلا مانع من أن يختار المسلم الإمام الذي يناسبه، والذي يحصل من سماعه الخشوع والخضوع، ولكن بشرط أن يكون الإمام حسن الصوت محسنا للتجويد ومكملا لشروط القراءة. ولكن أرى ألا يتكلف الناس في كثرة التردد والذهاب إلى أماكن بعيدة بل أنهم يواصلون مع إمامهم في الحي الذي يقطنون فيه، ما لم يكن عليه خطأ أو تقصير في إمامته، ولكان هذا الأنسب، ولا أمنعهم منعا باتا في أن يذهبوا ويطلبوا من يناسبهم. «المقصد من الصلاة والصوم»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ- أنه: يقع نفر من الناس في حيلة إبليسية وهي: أن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ولم تحصل له التقوى من الصوم، فلا داعي لصلاته وصومه، فما نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب: ورد في بعض التفاسير عن بعض السلف في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [سورة العنكبوت الآية: 45] إنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بُعدًا.. ورأى بعض الناس أنه لا ينتهي عن فعل الفواحش وارتكاب المحرمات، كالزنا وشرب الخمر، وسماع الأغاني وأكل الحرام، والوقوع في الغيبة والنميمة، والخوض في الأعراض وما أشبه ذلك، وأيضا وروده للملاهي ولعب الورق طوال الليل، ويقول هؤلاء نحن لا نستطيع أن نترك هذه الأشياء التي ألفناها منذ الشباب والصغر، وما دمنا لا نستطيع تركها فلا فائدة في صيامنا وصلاتنا، ومن ثم يُقادون إلى المنكر، ويتركون الواجبات والعبادات، فيجمعون بين الفساد والشر وترك الخير؛ فهذا بلا شك ذنب كبير وجرم عظيم؛ لأنهم تركوا كل ما هو خير. وننصح هؤلاء ونقول لهم: عليكم بملازمة أهل العبادات، والمحافظة على الصلوات كما هي، وتأملوا لماذا شرعت الصلوات، واخشعوا فيها، واخضعوا واستحضروا عظمة المولى -عز وجل- وأنتم تؤدونها، وأيضاً على هؤلاء أن يحافظوا على الصيام، ويستحضروا النية فيه ولما شرع له؛ لأن المولى -عز وجل- ذكر من فوائده حصول التقوى في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة الآية: 183]. وعلى هؤلاء أن يحاولوا أن يكون الصيام سببًا في تقواهم، ثم بعد ذلك يقوموا بتمرين أنفسهم على ترك هذه المنكرات، ونحن ندعو الله أن يتوبوا ويرجعوا ويتركوا هذه المنكرات، فالمولى -عز وجل- يفرح بتوبة عبده. أما إذا قام الفرد الذي يفعل الجرائم ويرتكب الآثام ونحوها، ورتب على ذلك ترك الواجبات، فإنه يكون قد خرج عن الدين الحنيف. ونسأل الله للجميع الهداية والتوبة. «الفرحة بالعيد والحزن لوداع شهر رمضان»: وسُئل: كيف نجمع بين الفرحة بالعيد والحزن لوداع شهر رمضان؟ فأجاب: الفرحة بعيد الفطر تأتي بعد توفيق الله -عز وجل- للمسلمين، فالعيد يأتي بعد انتهاء شهر رمضان، فمن ثم فرحة المسلمين بالعيد؛ لأن الله وفقهم أن أكملوا العبادات في الشهر المبارك، وأدوا واجباتهم كما ينبغي، وأكملوا قيامهم وعباداتهم وطاعاتهم طوال الشهر الكريم، ويوم العيد يوم فرح عادي ولكنه في الوقت نفسه يوم حزن للمؤمنين على فراق الشهر الكريم وأيامه، تلك الأيام الغر والليالي الزاهرة والأوقات الشريفة التي تقلصت وفاتت، ويقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «لو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن يكون رمضان السنة كلها». وعلى كل حال فلا مانع من الجمع بين الفرح بإكمال شهر رمضان والفرح بالعيد، وهو ما وفق فيه العبد للأعمال الصالحة، وبين الحزن على رمضان وهو الحزن على الأوقات التي تكون فاضلة والأعمال فيها مضاعفة. «صيام شهر رمضان في بلاد غير إسلامية»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: بماذا تنصحون المسلمين المقيمين في الخارج، والذين يصومون شهر رمضان في بلاد غير إسلامية؟ فأجاب: ننصح هؤلاء بأن يظهروا شعائر الإسلام في تلك البلاد التي يوجد فيها أقليات مسلمة، إن عليهم أن يظهروا أنفسهم كمسلمين في لباسهم وفي كلامهم وفي مظاهرهم، ويظهروا أعلام الإسلام أيضًا فيرفعوا أصواتهم بالأذان للصلوات، ويظهروا في أداء صلاة الجماعة أمام الناظرين، ولو لم يكونوا مسلمين، ويصوموا عن المحرمات، ولا يكون صيامهم عن المأكل والمشرب فقط، بل يصومون عن الآثام وعن الجرائم؛ وذلك لأن الدوافع إليها كثيرة، وأن يحرصوا على تقوية قلوبهم، ولا يضعفوا أمام المظاهر المخالفة للإسلام، ولا ينظروا إلى المحرمات من النساء. وينبغي على المسلم في هذه البلدان أن يصون نفسه، وأن يكون إسلامه قويا في قلبه، وأن يصرف نفسه عن جميع المظاهر المخالفة للدين. «هل صيام شهر رمضان يؤثر سلباً على الاقتصاد؟»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: هل صيام شهر رمضان يؤثر سلبا على الاقتصاد كما يزعم اللادينيون؟ فأجاب: الذين يزعمون أن الناس إذا صاموا قل إنتاجهم وقل عملهم زعمهم باطل، فشهر رمضان لا يعوق عن الأعمال؛ فالإنتاج كما هو والعمل كما هو، والذين يقللون من أعمالهم، ويسهرون طوال الليل على اللعب والقمار، والنظر إلى الأفلام الخليعة والصور الفاتنة وما شابه ذلك، ثم ينامون نصف النهار أو ثلثه، ويأتون إلى العمل وهم كسالى فهؤلاء يقل عملهم؛ فإن الذنب هنا ليس ذنب رمضان، ولا ذنب الصيام، ولكن الذنب عليهم أنفسهم، حيث أتوا بالأسباب التي تشل حركتهم وتضعف إنتاجهم. ونحن ننصح جميع المسلمين في شهر رمضان، أن يكون هذا الشهر شهر عبادة، وأن تكون العبادة في أوقاتها، وهي لا تعوقهم عن أداء أعمالهم ولا تعطل الإنتاج، وندعو الجميع أن يجتهدوا في أعمالهم في رمضان ويضاعفوا إنتاجهم؛ ففي نهار رمضان يكون المسلمون متفرغين ومخلصين، ويستقبلون الأعمال بنشاط، وعليهم أن يجعلوا للنوم وقتا كافيا في ليلهم، وللعمل وقتا كافيا في نهارهم، ويقبلوا على أعمالهم إقبالا كليا؛ حتى لا يكون لديهم أي وقت للفراغ وطلب الشهوات، وبذلك نجد إنتاجا وفيرا في رمضان عن غيره. «وسائل الإعلام وفريضة الصوم»: وسُئل: كيف تساعد وسائل الإعلام الناس على تأدية فريضة الصوم في رمضان على أكمل وجه؟ فأجاب: لا شك أن وسائل الإعلام تعتبر المسئول الأول في توجيه المسلمين إلى كل خير، سواء كان في أمور الصيام والقيام بالعبادات أو غيرها من الأمور، وهي أيضا المسئولة المسئولية الكبرى في التحذير من المنكر، ومن الأفعال التي لا يجوز القيام بها؛ فمسئولية وسائل الإعلام، سواء كانت الصحف أو الإذاعة أو التلفاز، أن توعي الناس وتوجههم للقيام بواجباتهم، ومن ثَمَّ يجب أن يكون المضمون الإعلامي لهذه الوسائل موجهًا لما فيه الفائدة للمسلمين. فمثلا إذا تم إعداد برنامج عن أحكام الصيام، وقام بالحديث في هذا البرنامج أهل الكفاية والأهلية من علماء المسلمين، وتم تخصيص برامج توضح فضل الصيام وآثاره على العبادات، وفضل الأعمال التي يجب القيام بها في رمضان، وأن تذاع هذه البرامج بصفة يومية أو أسبوعية أو نحو ذلك، فمما لا شك فيه أن الفائدة ستكون عظيمة؛ فالناس عندما يشاهدون هذه البرامج وهذه الإرشادات أو يقرءونها أو يسمعونها، فإنهم سيستفيدون ويتأثرون، ويعرفون فضل هذا الشهر الكريم، أمَّا إذا شغلت وسائل الإعلام الناس وأوقاتهم بالقصص الواهية والحكايات التي لا فائدة منها؛ فإن ذلك يضيع أوقات الناس. ونحن ننصح وسائل الإعلام أن تقدم ما يفيد الناس، وأن تتحمل هذه الوسائل الإعلامية مسئوليتها كاملة تجاه المتلقين. «القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: كثير من الناس يعودون إلى الله عز وجل، ويعلنون توبتهم من المعاصي التي كانوا يقعون فيها، وذلك خلال شهر رمضان ولكن بعد رمضان يعودون لما كانوا عليه.. فماذا تقولون لهؤلاء؟ فأجاب: سئل بعض السلف عن أناس إذا دخل شهر رمضان يتعبدون، وإذا خرج تركوا العبادة، فقالوا: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان فيتعبدون فيه.. فرَبُّ الشهور كلها واحد، والواجب على المسلم أن يكون عمله دائما ومستمرا، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عمل عملا أثبته، وكان يقول: «أحب الأعمال ما دام عليه صاحبه وإن قل». فالواجب على المسلم ألا يكون لعمله نهاية إلا الموت.. فكون البعض يقلع عن السيئات في شهر رمضان، كالامتناع عن شرب الدخان أو السكر، أو النظر إلى الأفلام الخليعة أو سماع الأغاني، ثم بعد رمضان يعود إليها، بل ربما يعود إليها قبل أن ينتهي شهر رمضان؛ فهذا قد يكون سببا في رد عبادته، وروي عن بعض السلف أنه قال: من حدث نفسه أنه بعد رمضان سيعصي الله، فصيامه مردود وباب التوبة عنه مسدود. وكان السلف -رحمة الله عليهم- إذا فرغوا من العمل كان همهم قبوله، وكانوا يحرصون على كثرة الأعمال، ثم يبقون بعد ذلك سائلين الله أن يتقبل هذه الأعمال منهم.. ولا شك فإن من علامات قبول العمل: العمل بعده ومواصلته، ومن علامات رده: ترك العمل، بل عمل ضده من السيئات والمخالفات.
«نصيحة لأصحاب التجارة»: وسُئل فضيلته: هل من نصيحة توجهها لأصحاب التجارة؟ فأجاب: ننصح كل من يتعاطى التجارة بأن يحب للمسلمين الخير، فكما يحب هو نمو تجارته فأيضاً لا بد أن يحب للمسلمين النفع.. وعدم الضرر، وكثير من التجار -هداهم الله- يحملهم الجشع، ويحملهم حب نمو تجاراتهم وكثرة أرباحهم وفوائدهم، على أن يستغلوا الأوقات التي يحتاج الناس فيها إلى بعض المواد أو بعض السلع؛ فيغالون في ثمنها ويرفعون من قيمتها، ولا يهمهم ضرر المسلمين من مضاعفة الأسعار عليهم. حيث إنه لا يوجد مثلا إلا عندهم، أو أنهم اتفقوا مع نظرائهم من التجار على هذه الزيادة المضاعفة، فترى البعض يشتري السلعة بعشرة ريالات، ويبيعها بثلاثين أو أربعين ريالا، ولا يهمهم ما دام الناس مقبلون عليها، وهذا مما لا شك فيه شيء من الغش بالمسلم، وفيه أضرار على المستهلكين الذين يحتاجون إلى هذا، وقد وردت الأدلة على ترغيب المسلم في نصيحة أخيه المسلم. ومن النصيحة ألا تضر أخاك، وأن تدله على السلع النافعة ولا تغشه ولا تخدعه، ولا تجعل ضعف عقله أو سذاجته سببا في أخذ ماله بغير حق. «نصيحة للمعتمرين»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: هل من نصيحة للمعتمرين؟ فأجاب: المعتمرون الذين يعتمرون في رمضان أوله أو آخره، هؤلاء نثق -إن شاء الله- أنهم من أهل الخير والصلاح، ونحسن الظن بهم، ونعرف منهم الأهلية والكفاءة، سواء كانوا شبابا أو شيبا، ونوصيهم بما نوصي به أنفسنا إذا تيسر لهم مواصلة العمل في هذا الشهر في أوله أو في آخره في الحرم المكي؛ فإن ذلك من أفضل الأعمال، والعبادة التي تؤدي في مكة المكرمة أو المسجد الحرام مضاعفة أضعافا كثيرة، من ذلك العمرة التي ورد فيها « أن عمرة في رمضان تعدل حجة » يخلص فيها ويكملها. كما آمر المعتمرين بأن يحافظوا على أداء الفرائض في المسجد الحرام التي تضاعف فيه الصلاة بمائة ألف، ومن ذلك المحافظة على قيام الليل والتروي فيه.. ونوصيهم بكثرة الطواف واغتنام الوقت فيه: فالطواف خاص بمكة المكرمة ولا يحصل إلا في البيت العتيق ومن ذلك كثرة القراءة والإقبال على قراءة القرآن الكريم في المسجد الحرام وإذا تيسر الاعتكاف في المسجد الحرام فهو أفضل لمضاعفة الأجر، ومن ذلك أيضا نوصيهم بكثرة الأفعال الخاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والبعد عن قطع الأوقات في اللهو، وصيانة المجالس عن القيل والقال الذي لا فائدة فيه، وبذلك يرجع المعتمر وهو متأثر في نفسه، ويكون تأثيره في غيره أبلغ. «نصيحة للشباب»: وسُئل -حفظه اللَّـهُ-: هل من نصيحة للشباب؟ فأجاب: الشباب، وبلا شك عليه مسؤولية كبرى؛ وذلك لأنه غالباً هو الذي معه ميل إلى اللهو والبطالة، ومعه -إذا صلح- قوة في العمل، وقوة في مواصلة العمل، فننصح هؤلاء الشباب أن يحافظوا على أوقاتهم من اللهو والبطالة، وأن يختاروا الصحبة والرفقة الطيبة الذين يعينونهم على الخير ويحفظون أوقاتهم، ويعينونهم على الأعمال الصالحة ومواصلتها وننصحهم ألا يبيتوا طوال ليلهم على سهر أو سمر يقطع عليهم وقتهم، ويضيع عليهم زمنهم في غير فائدة.. وننصح بكثرة تلاوة القرآن الكريم والحرص على قيام ليالي الشهر الكريم. واللَّـه المسئول أن يوفّق الجميع لما يحبه ويرضاه.
|
|