هو وهي - [09] لست من هدم الخلافة!
إن قَبول الزوجين لبعضهما البعض هو أساس في السعادة الزوجية، والكمال لله جل وعلا، وينبغي أن يقدّر كلّ منهما الآخر حتى يُكملا الإبحار في حياة ارتضيا أن تجمعهما بحُلوها ومُرّها، فلْيَعيشاها بدون جرعات زائدة من الكدر أو النقد أو اللوم، وحسبهما القليل منها كالملح في الطعام على قدر الحاجة، وإلا فسدت الحياة الزوجية وانتفى الوفاق، ويا لقسوة الاستمرار بعدها!.
تترقّب رنّة جرس الباب، وقلبها يغلّفه التعب، تُرى ما الذي سيُتحِفها به اليوم؟! فقد ضاقت ذرعًا بكثرة انتقاده الذي يهدم في كل مرة سُورًا من أسوارٍ تحمي عشّهما الزوجي، ما يُنبئ عن انفجار قريب لا يُبقي ولا يذر!
دائمة الحديث مع نفسها، أين مكمن الخطأ؟!
هل حقًا تستحق كل هذه الانتقادات اللاذعة حينًا والمُجحِفة أحيانًا أُخرى؟!
ألا تُذهِب الحسناتُ السيئات؟!
ألا يَطمُر رمادُ الحبّ النسيانَ والزلل؟!
وهل هو كاملٌ لينتظر الكمال منها؟!
أم ربما يكون النقص الذي يتلبّسه هو سببُ انتقاص قيمتها في جُلّ ما تعمل؟!
وفي كل مرة تدخل دهليز التفكير المؤلم، تخرج منهَكة من البكاء وفي كل مرة تشعر أنه لم يعد بينها وبين الانهيار سوى شعرة واحدة! وأنّ طاقتها تضمحلّ.
وما زالت في هلوساتها تلك حتى رُنّ الجرس فانتفضت، فتحت له والابتسامة تزيّن شفتيها كعادتها مرحِّبة بزوج تريده حبيبًا ونَصيرًا، يدخل "الأمير" مملكته وتبدأ الحكاية!
هو: لِم فتحتِ النافذة؟! سيدخل الغبار ويتّسخ البيت! أغلقيها!
هي: الغرفة بحاجة للتهوئة ولو قليلًا كلَّ يوم حتى يتجدد الهواء في البيت، سأغلقها الآن،على طاولة الغداء.
هو: لم يعجبني طهيُك اليوم.. مذاقه ليس كما اعتدتُ عليه عند أمي.
يرنّ جوّاله فيردّ ويعلو صوته، مشكلة في العمل، ثم يغلقه ويتوجّه مباشرة إلى زوجته ليصبّ عليها جامَ غضبه: لِمَ لَم تصبغي شعركِ كما طلبت؟ وهل حضّرتِ نفسك لسهرة الليلةِ؟ فأنا أعلم جيدًا أنك تنسَيْن وتسوّفين أمورك لآخر الوقت!
تتغرغر الدموع في عينيها، وتغصّ بِريقها، وتتظاهر أنها تأكل، ولكنه يكمل ما بدأه بغِلظة!
هو: هل تبكين؟ ألا يمكنني أن أعلّق على شيء إلا وتندبين؟! ما هذه الحال؟ أفَوْق الغباء ضَعف؟!
هي: (وقد طفح الكَيل): لست بضعيفة ولا غبية! ولكنني ما زلت أتعامل معك باحترام يُمليه عليّ خُلُقي! متى ستنظر إليّ نظرة رحمة وقَبول؟ متى ستتوقف عن نقدي ولَوْمي على كل شيء؟! متى ستعلم أنني لستُ أنا من هدم الخلافة، ولا مَن سلّم فلسطين للصهاينة، ولا مَن قتل عمرَ وعثمان وعليًّا! أعتقني لوجه الله!
نقدٌ.. وتجريح.. ولومٌ.. وإحراج.. كيف تستقر الحياة الزوجية وقد قتلتها هذه المفردات؟! وكيف تستشعر الزوجة -أو الزوج- في ظل النقد والنقد "المضادّ" مشاعرَ السكن والمودة والرحمة؟!
لا بد من وقفة جادّة مع النفس و"الآخر" لمعالجة هذه المشكلة العميقة التي تهتك ستر الحب في الحياة الزوجية، ولنحاول التفتيش عن سبب النقد إنْ من الزوج أو الزوجة، علّنا حينها نستطيع العلاج ما أمكن، بسبب ضغوط أو إحباطات أو هموم تترى، وقد يقع نتيجة قصور عن أداء واجب ما، أو تعبيرًا عن عقدة نقص يعاني منها أحد الزوجين فيحاول الاستعاضة بالنقد وتحطيم الآخر حتى يُثبت وجوده!
أو قد يكون هناك فعلًا تغيير يجب أن يطرأ على الطرف الآخر، وقد تنتقد الزوجةُ بردّة فِعل لنقد الزوج حين تشعر أنها مُهانة وغير مقدَّرة، وقد يكون الناقد قد اعتاد على هذا الأمر، أو يبغي الكمال فلا يرضى بما هو دونه!
والحقيقة تُقال: إن الرجل الذي ينتقد زوجته بطريقة قاسية وفي كل حين ليس برجل! والمرأة التي تنتقد زوجها أيضًا لا تعرف الأنوثة وتفتقر للحنكة والحكمة حتى وإنْ كان النقد محِقًا، فإنْ لم يكن مبطّنًا وبأسلوب ليّن فلن يُؤتي أُكُله، فطريقة الطرح القاسية والجافة تعيق الحوار وتنتفي معها إمكانية التغيير للأفضل!
فلئن كان من المهم النظر في الحافز للنقد فإن تأثيره يجب أن يؤخَذ بعين الاعتبار، ثم إن النقد لا يعني أن الناقد مُحِق، أو أن الطرف الآخر على خطأ في مقوّماته أو تصرفاته!
وقد وضع مرشدو الزوجين بعض التعليمات لتفادي النقد أو للتقليل من آثاره السلبية للوصول إلى حياة زوجية أسعد، وهذه بعضها:
• محاولة الطلب بدون نقد، ثم إعطاء الطرف الآخر مساحة للتحرك دون ضغوط!
• عرض الموضوع كأنه مشكلة تحتاج إلى حل من قِبَل الطرف الآخر، وبذلك يشترك في الاقتراحات والحلول.
• اغتنام وقت الهوايات المشتركة أو لحظات صافية لعرض الموضوع عليه بشكل محبّب فلا يستنفر للرد والجدل!
• التركيز على النقاط الإيجابية في الطرف الآخر وما يفعله بدلًا من انتقاده على ما لا يفعله!
هذا وقد سطّر أحد المستشارين الأُسريين توصيات للطرف الذي يتلقى النقد حتى لا يفقد التقدير الذاتي والثقة بالنفس.. فعليه أن:
• لا يأخذ النقد بشكل شخصي؛ فقد تكون المشكلة في الناقد نفسه.
• يتجاهل الهجمات السلبية إن لم يستطع تغيير تصورات الناقد.
• لا يسمح للنقد بإحباطه؛ فالمرء فقط هو المسؤول عن مشاعره.
• لا يتصرف بشكل دفاعي؛ بل يترك الناقد حتى يُفرِغ ما عنده ثم يحاوره ويعرض وجهة نظره.
• لا يهاجم الناقد بأخطائه للتشفّي؛ فقد يصلان في الحوار إلى دركٍ أسفل.
• يفكّر مليًّا بنقد الطرف الآخر؛ فقد يكون محِقًا بغضِّ النظر عن الأسلوب السلبي، وبذلك يستفيد من الكلام ويطوّر نفسه.
• يصارح الناقد أن هذا الأسلوب يُضعِف الحب والتقدير ويورِث اليأس والهَم، على أن تكون المصارحة بهدوء وحب ولو برسالة!
• ينأى بنفسه عن مواضع النقد بعدم تكرار ما يكره الطرف الآخر ويُفقده صوابه.
• يفتش عن مساعدة مستشارين أسريين؛ فقد يكون سبب النقد مشكلة نفسية تحتاج لعلاج محترف.
إن قَبول الزوجين لبعضهما البعض هو أساس في السعادة الزوجية، والكمال لله جل وعلا، وينبغي أن يقدّر كلّ منهما الآخر حتى يُكملا الإبحار في حياة ارتضيا أن تجمعهما بحُلوها ومُرّها، فلْيَعيشاها بدون جرعات زائدة من الكدر أو النقد أو اللوم، وحسبهما القليل منها كالملح في الطعام على قدر الحاجة، وإلا فسدت الحياة الزوجية وانتفى الوفاق، ويا لقسوة الاستمرار بعدها!.
بقلم الأستاذة: سحر المصري
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين